يحاول الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد الغزواني منذ توليه منصب رئاسة البلاد، الظهور في ثوب مختلف، ثوب الرئيس الراغب في الإصلاح والقطع مع سياسة سلفه محمد ولد عبد العزيز، وفق العديد من الموريتانيين، حتى إنه بدأ في محاولة لم شمل المعارضة وأحزاب النظام للعمل تحت لافتة واحدة وهي مصلحة البلاد.
في مقابل ذلك، يرى آخرون أن هذه الخطوات ما هي إلا إجراءات شكلية الغاية منها تسويق الرئيس في مظهر جديد ليس إلا، فلا فائدة منها بالنظر إلى ماضي ولد الغزواني وعلاقته الوطيدة بولد عبد العزيز والماسكين الفعليين بحكم البلاد.
مد اليد للمعارضة
في أحدث خطواته، أجرى الرئيس الموريتاني الجديد، سلسلة لقاءات مع قادة أحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد، وذلك بعد نحو شهر من تنصيبه رئيسًا لموريتانيا، الأمر الذي لم يسبق أن عرفه هذا البلد العربي منذ سنوات عدة.
أولى اللقاءات كانت مع رئيس حزب “تكتل القوى الديمقراطية” المعارض البارز أحمد ولد داداه، حيث ناقش معه تفاصيل الحالة السياسية خلال العهد الماضي وما ينبغي أن تكون عليه الأمور خلال العهد الجديد.
عقب هذا اللقاء التقى ولد الغزواني بزعيم “مؤسسة المعارضة الديمقراطية” إبراهيم ولد البكاي الذي لم يسبق له أن زار قصر الرئاسة في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وشملت لقاءات الرئيس أيضًا جلسة عمل مع رئيس حزب العهد الديمقراطي يحيى ولد الوقف، ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير ورئيس حزب التحالف الوطني الديمقراطي يعقوب ولد امين .
ينظر إلى ولد الغزواني على أنه استمرار لحكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز
كما أجرى ولد الغزواني، الثلاثاء، لقاء مع رئيس حزب “اتحاد قوى التقدم”، والمرشح الرئاسي السابق محمد ولد مولود الذي وصف اللقاء بالإيجابي، وبعد ذلك بساعات أجرى لقاءً مشابهًا مع رئيس حزب “الصواب” عبد السلام ولد حرمه.
وتزامنت هذه اللقاءات مع تأكيد الوزير الأول الموريتاني إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، أن الحكومة التي أقر البرلمان برنامجها الأسبوع الماضي “تمد اليد للمعارضة ومستعدة للتشاور معها في القضايا الكبرى”، وأضاف “أجدد التأكيد على أننا سنكرس سنة التشاور الحميدة بشأن القضايا الوطنية المهمة”.
وكان محمد ولد الغزواني قد فاز من الجولة الأولى في الانتخابات التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي، بعد حصوله على 52% من أصوات الناخبين.
بداية عهد جديد؟
هذه اللقاءات المتتالية للرئيس مع رموز المعارضة، رأى فيها العديد من الموريتانيين بداية عهد جديد في بلادهم، عهد يقطع مع العلاقة العدائية التي كانت السمة البارز لعلاقة نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والمعارضة الوطنية.
رئيس حزب الصواب عبد السلام ولد حرمه، قال عقب لقائه بولد الغزواني: “الرئيس قال إن لقاءه بي يأتي تطبيقًا لوعده في برنامجه الانتخابي بإيجاد آلية دائمة للتشاور مع المعارضة”، وأضاف ولد حرمه في تصريح لموقع الأخبار أن ولد الغزواني عبر له شخصيًا عن قناعته بتطبيق وعده الانتخابي، وبفتح حوار دائم مع المعارضة، وإيجاد آلية جديدة للتباحث بشأن القضايا الكبرى التي تهم الوطن.
تأمل المعارضة الموريتانية في فتح صفحة جديدة مع النظام
أردف ولد حرمه أن الرئيس أكد له نيته جعل الحياة السياسية في وضعها الطبيعي، وكان ولد الغزواني قد تعهد في برنامجه الانتخابي بفتح أبواب الحوار والتشاور بين جميع الأحزاب السياسية – أغلبية ومعارضة – ضمن علاقات احترام متبادل بين الأطراف وسعي متواصل لإيجاد توافق بشأن القضايا الوطنية الكبرى.
ويأمل موريتانيين أن تكون هذه اللقاءات بادرة لعلاقة جديدة بين النظام والمعارضة، حيث كانت القطيعة السمة البارزة في العلاقات بين الطرفين في السابق، فالنظام يتهم المعارضة بتهديد استقرار البلاد وسلمه الاجتماعي والعمل لصالح جهات خارجية، فيما تتهم المعارضة النظام بالعمل للصالح الخاص وبث الفوضى في البلاد والمساهمة في تراجعها في شتى المحالات.
لا تغييرات ملموسة في الأفق
طبيعة الرئيس ولد الغزواني وغموضه وماضيه السيء، تجعل من الصعب التكهن بمواقفه الرسمية من أي قضية، الأمر الذي جعل العديد من الموريتانيين يشككون في نوايا الرجل ويخففون من درجة تفاؤلهم حتى لا يصطدمون مستقبلاً بالواقع المرير.
ويرى الصحفي الموريتاني أقريني أمينوه، أن الغزواني سينفتح على المعارضة انفتاحًا لن يقدم ولن يؤخر لأنه شكلي والسبب فيه يتعلق بسلوك شخصي لدى الرجل وليس نتيجة إرادة للتغيير أو التفاهم، ولا يرى أقريني أمينوه أي بوادر لانفتاح ولد الغزواني، ذلك أن المنظومة الحاكمة لا ترى أن المعارضة شريك فعال في العملية السياسية في بلاد شنقيط.
يستبعد العديد من المتابعين للشأن العام في موريتانيا، حصول أي تغييرات مهمة في علاقة النظام بالمعارضة في ظل تطابق الفكر والرؤى بين ولد عبد العزيز ووزير دفاعه السابق
ينظر إلى ولد الغزواني على أنه استمرار لحكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فبجانب كونه رفيق درب ولد عبد العزيز، فإنه يعد “أفضل خيار لاستمرارية هذا المشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية الذي أسسه وقاده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز”، بحسب ما قاله المتحدث باسم الحكومة سيدي محمد ولد أمحم الذي كان يتزعم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في يناير الماضي.
وكان محمد ولد الغزواني قد شارك مع محمد ولد عبد العزيز في انقلابين في سنوات 2005 (أطاح بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع) و2008 (أطاح بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي كان أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد) وهو التاريخ الذي أصبح فيه رئيسًا لأركان الجيش قبل أن يعين في الحكومة وزيرًا للدفاع حتى مارس/آذار 2018.
الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز
رغم ادعائه العمل باستقلالية بعيدًا عن النظام، يؤكد الموريتانيون أن ولد الغزواني الذي كان لسنوات طويلة يد ولد عبد العزيز التي مدت للغرب والخليج سيكون امتدادًا لمحمد ولد عبد العزيز، وبالتالي امتدادًا للنظام الذي ساهم في تفقير الشعب وتهميشه رغم الثروات التي تمتلكها البلاد.
ويستبعد العديد من المتابعين للشأن العام في موريتانيا، حصول أي تغييرات مهمة في علاقة النظام بالمعارضة في ظل تطابق الفكر والرؤى بين ولد عبد العزيز ووزير دفاعه السابق، شريكه الأساسي في معركة الانقلابات الطويلة على مدار العقدين الأخيرين.
يرى العديد من الموريتانيين أنه لا شيء تغير في البلاد، رغم مرور 3 أشهر على انتخاب الرئيس الجديد، فالسياسات العامة والتوجهات الخارجية على حالها، فالحكم عند المؤسسة العسكرية وهي الماسكة بزمام الأمور في البلاد، وما تغيير الرئيس إلا تغير في الأسماء فقط.