توفي الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي اليوم الخميس في منفاه بالمملكة العربية السعودية عن عمر ناهز 83 عامًا، حكم في 23 سنة منها تونس بيد من حديد وأذاق خلالها التونسيين الويلات. وأفاد المحامي منير بن صالحة في تونس بأن بن علي توفي اليوم في جدة؛ وقد أخطرت عائلته بخبر وفاته، وذكر أن الرئيس الأسبق أوصى بأن يدفن في مكة المكرمة.
الهروب
وصول بن علي إلى السعودية كان مساء 14 يناير/كانون الثاني 2011، فارًا من تونس في ذروة الثورة التي اندلعت في البلاد يوم 17 ديسمبر/كانون الأول إثر حرق بائع الخضار محمد البوعزيزي نفسه أمام محافظة سيدي بوزيد (وسط) تعبيرًا عن شعور عميق بالإحباط واليأس بعد أن صفعته شرطية أمام الناس.
مظاهرات واحتجاجات شملت مختلف مدن تونس نتج عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين لم يحدد عددهم إلى الآن، وأجبرت ابن علي قبل هروبه على إقالة عدد من وزراء حكومته على رأسهم وزير داخليته
حادثة سرعان ما أخذت صداها لدى شباب تونس خاصة العاطلين عن العمل منهم، دفعت المئات إلى تنظيم مظاهرات واحتجاجات سلمية في مدينة سيدي بوزيد، سرعان ما تحولت في اليوم التالي إلى مواجهات دامية مع قوات الأمن، لتمتد بعدها إلى محافظة القصرين المحاذية ومن ثم إلى محافظات أخرى في البلاد قبل أن تصل العاصمة تونس يوم 12 من يناير 2011.
مظاهرات واحتجاجات شملت مختلف مدن تونس نتج عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين لم يحدد عددهم إلى الآن، وأجبرت ابن علي قبل هروبه على إقالة عدد من وزراء حكومته على رأسهم وزير داخليته وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي طالب بحلها المتظاهرون، وعزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة سنة 2014.
وأمر ابن علي بالتزامن مع المعالجة الأمنية بفتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب بعد سنوات من الحجب، كمسكنات لتهدئة الأوضاع والتحكم في المحتجين، بالإضافة إلى تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية، ومع ذلك لم تنجح المسكنات ولا القبضة الأمنية في إخماد ثورة ارتفع لهيبها واشتد حتى سقط النظام ورحل بن علي عشية 14 يناير/كانون الثاني.
هذه التطورات جعلت بن علي أول رئيس عربي أطاحت به ثورات الربيع العربي، تبعه الرئيس المصري محمد حسني مبارك، الذي أجبرته ثورة شعبية على التنحي في 11 فبراير/شباط 2011.
الاستقرار في السعودية
رحل بن علي إلى مدينة جدة برفقة زوجته ليلى الطرابلسي وابنتهما حليمة وابنهما محمد زين العابدين بعد أن رفضت عديد الدول الأوروبية استقباله، في حين غادرت ابنته نسرين بن علي مع زوجها آنذاك صخر الماطري إلى قطر ثم جزر سيشيل قبل أن يتطلقا لاحقا.
خلال وجوده في السعودية، صدرت عديد الأحكام القضائية بتهم تتعلق بالقتل العمد للمتظاهرين أثناء الثورة والتعذيب والفساد، كما تمت مصادرة أمواله وممتلكاته في تونس والخارج
منذ انتقاله إلى المملكة العربية السعودية، لم يسمع عن بن علي إلا أخبارا قليلا جدا، فلا معلومات صحيحة عن مكان سكنه ولا الطريق التي يعيش بها، إلا تلك التي يدلي بها محاميه الخاص.
ونادرا ما ينشر أبناؤه على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي صورا لبن علي وزوجته، وآخر هذه الصور نشرها مغني الراب “كادوريم” في بداية 2019 ليظهر إلى جانب “خطيبته” نسرين بن علي ووالديها.
خلال وجوده في السعودية، صدرت عديد الأحكام القضائية بتهم تتعلق بالقتل العمد للمتظاهرين أثناء الثورة والتعذيب والفساد، كما تمت مصادرة أمواله وممتلكاته في تونس والخارج.
مرضه
في الفترة الأخير، أذاع منير بن صالحه الذي يقدم نفسه محاميًا لبن علي، خبر مرض الرئيس التونسي المخلوع، حيث أكد قبل نحو أسبوع مرضه وتداول إشاعة تفيد وفاته قبل أن تنفي ابنته نسرين ذلك.
وكانت تقارير عديدة قد تحدثت في وقت سابق عن تدهور الحالة الصحية للرئيس التونسي الأسبق، لكن نفاها محاميه، ونشر رسالة على لسان زين العابدين بن علي، يؤكد فيها تمتعه بالصحة الجيدة ونيته العودة إلى تونس في وقت لاحق لم يحدده. ولد زين العابدين بن علي في مدينة حمام سوسة الساحلية في الثالث من سبتمبر/أيلول 1936 في عائلة متواضعة، إذ كان والده حارسا في مرفأ مدينة سوسة.
23 سنة من القمع
فجر السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، استفاق التونسيون على خبر انقلاب طبي قاده الوزير الأول حينها، زين العابدين بن علي ضد الرئيس المريض الحبيب بورقيبة.
استند بن علي في ذلك اليوم إلى تقرير طبي لأطباء الرئيس الحبيب بورقيبة لإثبات عدم قدرة الأخير على تسيير البلاد. وتولى بموجب الدستور التونسي، مقاليد الحكم.
فرض بن علي خلال حكمه قيودا على الحريات العامة، فمارس رقابة مسبقة على الإعلام الوطني والأجنبي العامل في تونس، وأغلق عديد المواقع في الانترنت، ودجن منظمات المجتمع المدني.
بداية حكمه اتسمت بانفتاح سياسي، إلا أنه سرعان ما كشر عن أنيابه ليحكم سيطرته على الحياة العامة في البلاد، فهمش المعارضة و صف عديد القيادات خاصة في حركة النهضة الإسلامية.
فرض بن علي خلال حكمه قيودا على الحريات العامة، فمارس رقابة مسبقة على الإعلام الوطني والأجنبي العامل في تونس، وأغلق عديد المواقع في الانترنت، ودجن منظمات المجتمع المدني.
إلى جانب احكام قبضته على الحياة السياسة والمجتمع التونسي، سمح بن علي لعائلته بالتغول وفرض سيطرتها على عديد المجالات أبرزها الجانب الاقتصادي.