رغم أن العراق لم يشهد كوارث طبيعية مدمرة كالزلازل والفيضانات، إلا أنه ظل يتعرض لهزات اجتماعية وفكرية خطيرة، أفرزت جماعات عقائدية متطرفة، بعضها تبنى نهجًا مسلحًا، فيما اختار آخرون الترويج لأفكار منحرفة شكلت تحديًا للاستقرار الديني والمجتمعي.
في حقبة ما بعد 2003، ومع ضعف المؤسسات الدينية وغياب الدولة عن معالجة المشكلات الفكرية والاجتماعية، انتشرت تيارات دينية تدّعي ارتباطها بالمهدوية أو تقدم نفسها كبدائل للمؤسسات الدينية التقليدية، مستغلة الفراغ الروحي والأوضاع الاقتصادية المتردية، فما أبرز هذه الجماعات؟ وكيف نشأت؟ وما العوامل التي دفعتها للظهور؟
“جند السماء”
يعود تأسيسها إلى شخص يدعى ضياء عبدالزهرة كاظم الكرعاوي جنوب العراق في مدينة الديوانية تحديدًا. حيث شهدت السنوات اللاحقة للاحتلال الأمريكي للعراق صعودًا لهذه الشخصية، فكتب كتابا أسماه “قاضي السماء” ادعى فيها أنه المهدي المنتظر، وأنه من نسل فاطمة الزهراء، ومع مرور الوقت تكون لديه العشرات من الأتباع في جنوب العراق.
لا توجد الكثير من المعلومات حول الكرعاوي وصعوده، لكن القاضي زهير كاظم عبود، الذي ألف كتابًا عن الحركة أسماه ” حركة جند السماء”، ضمّن فيه معلومات من الأوراق التحقيقية للقضية والتي تعطي لمحات عن صعوده.
حسب القاضي فإن ضياء تعرض للاعتقال في عام 2000 بتهم الاحتيال والشعوذة وعُرضت قضيته على محكمة الثورة آنذاك فحكمت عليه بالسجن سبعة أعوام، وتم سجنه في سجن أبي غريب.
في السجن ذاع صيته بين السجناء بأنه يقرأ الغيب ويتنبأ بمصائر الناس، وذهب البعض إلى إشاعة أخبار أنه كان يقول لبعض المحكومين عن زيارات سوف تأتيهم فيتحقق كلامه، كما كان ينبئ آخرين بتأجيل تنفيذ حكم الإعدام بهم، فتتحقق نبوءته.
وانتقلت هذه الأخبار إلى ذوي السجناء فذاع صيته بين الناس وانتشرت سمعته خارج أسوار السجن حسب إفادات السجناء، ثم خرج في عام 2002 برفقة آلاف السجناء بعد العفو العام الذي أطلقه الرئيس الساب قصدام حسين قبيل الغزو الأمريكي للعراق حينها.
يضيف القاضي، أن ضياء حقق ثراءً مفاجئًا في الفترة التي أعقبت الخروج من السجن وحتى عام 2007، حيث يقول “نجح الكرعاوي بعد خروجه من السجن مباشرة في بناء شبكة علاقات مؤثرة واسعة، وتحول إلى تاجر ثري متنفذ، فأسس شركتين للاستيراد والتصدير أطلق على الأولى اسم الضياء وأطلق على الشركة الثانية اسم بريق القمر، وأوكل إدارة الأعمال إلى المدعو عبدالكريم عبد الحسن، وباتت الشركتان واجهة يتجمع فيهما مؤيدوه وأنصار دعوته السرية”.
وانتقل الكرعاوي بالفكرة من مجرد عقيدة إلى العمل المسلح على الأرض، فأسس ميليشيا عسكرية أسماها “جيش الرعب”، حيث تقول الرواية الرسمية العراقية، أن الهدف من هذه الميليشيا كان اقتحام مدينة النجف وتفجير قبة الإمام علي، ورغم أن هذه الرواية لم يكن هناك ما يدعمها، إلا أن القوات العراقية اقتحمت إحدى المزارع التي اتخذها الكرعاوي كمعقل له بالقرب من الكوفة عاصمة محافظة النجف في 29 يونيو 2007.
يقول وزير الدفاع العراقي الأسبق عبد القادر العبيدي في إحدى شهاداته على تلك الفترة، إن “جماعة جند السماء كانت مسلحة تسليحًا جيدًا، وكان أغلب أتباعها مستعدون للموت”.
ويضيف العبيدي أن “المعركة امتدت منذ الظهيرة وحتى ساعات المساء، اضطررنا لإسناد القوة المهاجمة بمفارز من الهاون، حيث كانت المزرعة أشبه بمستعمرة عسكرية تحوي خنادق دفاعية، ثم اضطررنا في النهاية إلى طلب الإسناد الجوي من القوات الأمريكية، قبل أن تنتهي الأمور بسيطرة قوات الجيش عند المساء، واعتقال المئات من الجماعة، ومقتل 150 مقاتلًا منهم بينهم قائد الجماعة”.
“حركة اليماني”
هي الحركة التي أسسها أحمد الحسن اليماني علنًا في 2002، ولا يزال الموقع الرسمي لمؤسسها في الخدمة حتى الآن، وهو شخصية دينية شيعية عراقية يدعو الناس للإيمان به على أنه اليماني الموعود الذي يعتقد فئة من الشيعة أنه يمهد لظهور المهدي وأول المهديين الإثني عشر (بعد الائمة الإثني عشر) المذكور في رواية شيعية ينقلها الطوسي.
ولد اليماني في أواخر عقد الستينات من القرن العشرين بالبصرة في جنوب العراق. وأكمل فيها دراسته الأكاديمية وحصل على شهادة بكلوريوس في الهندسة المدنية ثم انتقل إلى النجف وسكن فيها لغرض دراسة العلوم الدينية.
وحسب الموقع الرسمي فإن اليماني “بعد اطلاعه على الحلقات الدراسية والمنهج الدراسي في حوزة النجف وجد أن التدريس متدني (بالنسبة له) كما وجد أن في المنهج خلل كبير فهم يدرسون اللغة العربية والمنطق والفلسفة وأصول الفقه وعلم الكلام (العقائد) والفقه (الأحكام الشرعية) ولكنهم أبدًا لا يدرسون القرآن الكريم أو السنة الشريفة والأئمة، وكذا فإنهم لا يدرسون الأخلاق الالهية التي يجب أن يتحلى بها المؤمن”.
ويضيف “لذا قرر الاعتزال في داره ودراسة علومهم بنفسه دون الاستعانة بأحد فقط كان معهم ويواصل بعضهم . ولم يدرس بالحوزة بل كان في الحوزة العلمية في النجف وبين علمائها كما كانت مريم المقدسة في الهيكل وبين علماء اليهود أما سبب التحاقه بالحوزة العلمية في النجف فهو أنه رأى رؤيا بالامام المهدي وأمره فيها ان يذهب إلى الحوزة العلمية في النجف وأخبره في الرؤيا بما سيحصل له”.
وألف اليماني له نحو 47 مؤلفا، بعض منها في الفقه والرد على أسئلة الأتباع، وانتشرت دعوته في البصرة والنجف وكربلاء، حيث يؤمن أتباعه أن رسول للمهدي المنتظر.
وفي العام 2008 حصل تصادم بين القوات الأمنية العراقية وأتباعه في البصرة، انتهت بإلقاء القبض على عدد كبير من قيادات وكوادر وعناصر هذا التنظيم المسلح واحيلوا للقضاء،
فيما عثر في مقراتهم ومعسكراتهم على الكثير من الأسلحة والمعدات والوثائق، ومنذ ذلك الوقت، قيل أن اليماني فضل الاختباء ولم يظهر في العلن، وانفصل بعض أنصاره عن الجماعة التي تطلق على نفسها اسم “أنصار أحمد الحسن” معتقدين بغيبته، ولا توجد معلومات دقيقة عما إذا كان على قيد الحياة، ولم يعد الاتصال المباشر به ممكنًا.
الحركة المولوية
هي جماعة دينية سرية ظهرت في السنوات الأخيرة، خاصة في محافظات الجنوب مثل ذي قار. تُعرف هذه الحركة بعدة أسماء، منها “المولوية” و”الممهدون المولوية”، وتتبنى أفكارًا تُعتبر منحرفة.
تعود تسمية “المولوية” إلى كثرة استخدام أتباعها لمصطلح “الولي” ومشتقاته. بدأت هذه الحركة نشاطها بعد سقوط النظام السابق في العراق، وانطلقت أولًا من محافظة بابل قبل أن تنتشر في مناطق أخرى.
وتُعرف أيضًا بأسماء أخرى مثل”أولاد الله” و”المهدوية”، مما يشير إلى تعدد مسمياتها وتطورها عبر الزمن، وتتبنى الحركة عقائد مستمدة من الصوفية والفرق المغالية، ومن أبرز معتقداتها:
- نظرية الاتحاد والحلول: تعتقد بأن الله يتجلى في شخص الإمام المهدي، وأن توحيد الله يكون من خلال وليه.
- النيابة عن الإمام المهدي: تدعي أن الإمام المهدي غائب بشخصه لكنه حاضر من خلال نائبه المعروف بـ”السيد الممهد اليماني”، زعيم الحركة.
- إسقاط التكاليف الشرعية: تدعو إلى إسقاط الأحكام والتكاليف الشرعية، مما يؤدي إلى تحرر الأتباع من الالتزامات الدينية التقليدية.
- رفض المرجعية الدينية: تعتبر الحركة أن تقليد المراجع الدينية بدعة، وترى أن العقل هو المرجع الأساسي للفرد.
وتتسم الحركة بتنظيم سري دقيق، حيث يرتبط كل 50 عضوًا بقيادي يُسمى “المولوي”. وتعتمد في تمويلها على التبرعات والتمويل الذاتي، بالإضافة إلى دعم من شخصيات بعثية وطائفية داخل العراق، ولا تمتلك الحركة مكاتب ظاهرية، ويعتمد نشاطها على الاجتماعات السرية في المنازل وتوزيع المنشورات التثقيفية بين الأتباع.
وتنشط الحركة في مناطق متعددة من العراق، منها بغداد (الشعلة، الكرادة، مدينة الصدر) ومحافظات بابل، واسط، ذي قار، وميسان، وتتداخل علاقاتها مع حركات أخرى مثل “أنصار المهدي” و”جند السماء”، وتستهدف فئات معينة من المجتمع، خاصة الشباب، من خلال استغلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
أثارت الحركة قلق السلطات الأمنية ورجال الدين، حيث أعلنت السلطات في محافظة ذي قار اعتقال العشرات من أتباعها بتهمة “الوقوف ضد أفكار المرجعية الدينية وزعزعة الأمن” خلال عامي 2018 و 2023. كما أصدرت المرجعية الدينية تحذيرات من هذه الحركات، معتبرة أنها تسعى لنشر الفساد في المجتمع تحت ذريعة تعجيل ظهور المهدي.
“الحركة السلوكية”
الحركة السلوكية في العراق هي عنوان اتخذته عدة جماعات في العراق، واللافت أن اتباع هذا الشعار توزعوا في جماعات أخرى، فهناك من أتباع المولوية من يعتبرون أنفسهم من السلوكية، وهكذا بالنسبة لباقي الجماعات.
ظهر هذا التيار في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ونشأت هذه الحركة بين طلاب حوزة النجف عام 1998، خلال فترة نظام صدام حسين، وتُعَدُّ جامعةً للعديد من الحركات التي تدّعي المهدوية والسفارة في العراق.
يُشتق مصطلح “السلوكية” من كلمة “السالك”، أي الشخص الذي يسلك طريقًا روحانيًا أو صوفيًا. وتُركز هذه الحركة على مفهوم “السلوك” كمنهج للوصول إلى الحقيقة الإلهية، وتدّعي أن ممارسة الرذائل والذنوب تُعجّل بظهور الإمام المهدي. وطُرد أتباع هذه الحركة من الحوزة العلمية في النجف من قبل المرجع محمد صادق الصدر بسبب أفكارهم المنحرفة.
تتبنى الحركة السلوكية مجموعة من المعتقدات التي تُخالف التعاليم الإسلامية التقليدية، من أبرزها:
- تعجيل ظهور المهدي: يعتقدون أن ارتكاب الذنوب والرذائل يُسرّع من ظهور الإمام المهدي، ويبررون ذلك بأن انتشار الفساد سيعجّل بقدومه لإقامة العدل.
- رفض التكاليف الشرعية: يدعون إلى إسقاط الأحكام والتكاليف الشرعية، مما يؤدي إلى تحرر الأتباع من الالتزامات الدينية التقليدية.
- السرية والتنظيم: تتسم الحركة بتنظيم سري، حيث يعقدون اجتماعاتهم في أماكن خاصة بعيدًا عن أعين السلطات والمجتمع.
انتشرت الحركة السلوكية في عدة مناطق من العراق، خاصة في مدن الجنوب مثل الكوت، الديوانية، العمارة، الناصرية، والسماوة، وما يميز هذه المناطق أنها تعاني من الفقر والجهل، مستغلةً الحركة الظروف الاجتماعية والاقتصادية لنشر أفكارها.
جماعة “القربان”
تعرف أيضًا بـ”العلاهية”، وهي مجموعة دينية ظهرت في السنوات الأخيرة وأثارت جدلاً واسعًا بسبب معتقداتها وطقوسها الغامضة.
ظهرت جماعة القربان في العراق خلال العقد الأخير، متأثرة بأفكار دينية باطنية وصوفية منحرفة. ويُعتقد أن مؤسسها يُدعى “عبد علي منعم الحسيني”، الذي بدأ بنشر تعاليمه بين أتباعه في العراق بعد أن تأثر بأفكار مشابهة قادمة من إيران وبعض دول الجوار.
ويؤمن أفراد هذه الجماعة بأنهم قادرون على التقرب إلى الله عبر تقديم “قرابين بشرية”، حيث يتم اختيار الضحية من بين أفراد الجماعة عن طريق القرعة، ويُطلب منه إما الانتحار أو يُقتل من قبل الآخرين كنوع من التضحية.
كما أن بعض تعاليم الجماعة تعتمد على تأويلات دينية متطرفة تؤمن بتجسد الروح الإلهية في قادتهم الروحيين، مما جعلهم يخرجون عن التعاليم الإسلامية التقليدية.
وخلال السنوات الماضية شهدت محافظات عراقية حوادث أمنية مرتبطة بجماعة “القربان” أبرزنها:
- اعتقال في محافظة الديوانية (مايو 2023): حيث ألقت السلطات الأمنية العراقية القبض على شخص في محافظة الديوانية يُشتبه في انتمائه لجماعة القربان. ووُجهت إليه تهمة قتل شخصين كجزء من طقوس تقديم القرابين البشرية، وأفادت التقارير أن عملية القتل تمت من خلال اختيار الضحايا عن طريق القرعة، حيث يُطلب من الشخص الذي يقع عليه الاختيار أن يُقدم كقربان من خلال الانتحار أو يُقتل من قبل أعضاء آخرين في الجماعة.
- حملة أمنية في جنوب العراق (يوليو 2024): حيث شنت القوات الأمنية العراقية حملة واسعة النطاق في جنوب البلاد، استهدفت من خلالها أعضاء الجماعة وأسفرت عن اعتقال عدد من الأفراد المرتبطين بالجماعة، وتم توجيه تهم تتعلق بالترويج لأفكار متطرفة وتحريض الأعضاء على الانتحار كجزء من طقوسهم الدينية.
- اعتقالات في أربع محافظات (سبتمبر 2024): أعلن جهاز الأمن الوطني العراقي عن تنفيذ عمليات أمنية في أربع محافظات: المثنى، ذي قار، واسط، وميسان. أسفرت هذه العمليات عن اعتقال ما يقرب من 50 شخصًا يُشتبه في انتمائهم لجماعة القربان. من بين المعتقلين، كان هناك أفراد يُطلق عليهم “العارف”، وهم المسؤولون عن نشر وتعليم معتقدات الجماعة.
- اعتقال مراهق في المثنى (أغسطس 2024): بناءً على اعترافات أدلى بها أعضاء معتقلون من جماعة القربان، تمكنت القوات الأمنية من اعتقال فتى يبلغ من العمر 17 عامًا في ناحية الكرامة بمحافظة المثنى. كان المراهق متورطًا في أنشطة الجماعة، وتمت إحالته إلى الجهات المختصة للتحقيق معه.
جماعة “أصحاب القضية”
جماعة “أصحاب القضية” هي مجموعة دينية ظهرت في العراق، تتبنى معتقدات مهدوية وتروج لفكرة أن السيد مقتدى الصدر هو الإمام المهدي المنتظر.
تعود جذور هذه الجماعة إلى فترة ما قبل عام 2003، حيث كانت تعمل بشكل سري خلال حياة السيد محمد محمد صادق الصدر. بعد عام 2004، خاصة خلال معركة النجف، بدأت هذه الجماعة بالظهور العلني، مستغلة الظروف الأمنية والسياسية في البلاد.
تستند معتقدات “أصحاب القضية” إلى تأويلات دينية ترى إمكانية حلول روح شخص في جسد آخر، وهو ما يُعرف بـ”الحلول في القضية”، ويرى أتباع هذه الجماعة أن روح الإمام المهدي قد حلت في جسد السيد مقتدى الصدر، مما يجعله الإمام المنتظر، وتعتبر هذه الأفكار امتدادًا لحركات مهدوية سابقة في العراق، مثل “جند السماء” و”جماعة اليماني” و”السلوكيين”.
يقود هذه الجماعة شخص ادعى أنه “الملك جبرائيل” المكلف بإعلان “الصيحة” لظهور “الحجة المنتظر”، وقام هذا الشخص باستقطاب أعداد كبيرة من الشباب، ونشر كتيبات مثل “أضواء على المسيرة المهدوية” لإقناعهم بأفكاره.
في 13 أبريل 2023، تزامنًا مع ليلة القدر، حاول قائد الجماعة إعلان “الصيحة” من النجف الأشرف عبر بث مباشر على فيسبوك، مستغلًا تجمعات المؤمنين. على إثر ذلك، ألقت القوات الأمنية القبض عليه وعلى 51 من أتباعه. في يونيو عام 2023، أصدرت محكمة جنح الكرخ أحكامًا بالحبس لمدة سنتين لقائد الجماعة، وسنة واحدة لكل من الأعضاء الآخرين،
بالنسبة لعلاقة هذه الجماعة مع مقتدى الصدر، أعلن الصدر مرارًا رفضه لهذه المعتقدات وتبرأ منها. وفي أبريل 2023، وبعد تحركات من قبل “أصحاب القضية” تدعو لمبايعته كإمام مهدي، أصدر الصدر بيانًا أعلن فيه تجميد التيار الصدري لمدة عام، باستثناء بعض الأنشطة الدينية، مؤكدًا رفضه لهذه الأفكار ومعتبرًا إياها انحرافًا عقائديًا.
أسباب ظهور الجماعات
تتعدد الأسباب وراء نشوء هذه الجماعات، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
- الفراغ الفكري والديني: يُعزى ظهور بعض الجماعات المنحرفة إلى استغلالها لحالة الفراغ الفكري والديني لدى بعض الأفراد، حيث تقدم هذه الجماعات تفسيرات وتأويلات دينية تتناسب مع أهواء أتباعها، مما يؤدي إلى انحرافهم عن المسار الصحيح.
- ضعف الوعي الديني: يُلاحظ أن ضعف الوعي الديني بين بعض الأفراد يجعلهم عرضة للتأثر بالأفكار المنحرفة، حيث يفتقرون إلى المعرفة الدينية الصحيحة التي تمكنهم من التمييز بين الحق والباطل.
- الظروف الاجتماعية والاقتصادية: تُسهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة في جذب بعض الأفراد إلى هذه الجماعات، حيث يجدون فيها ملاذًا أو وسيلة لتحقيق أهدافهم المادية أو الاجتماعية. ويزداد تأثير هذا السبب، لو عرفنا الهوة السحيقة بين موارد العراق وإمكاناته، والحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء الجنوب، خاصة وأن مناطقهم لم تتعرض لضعف أمني أو عمليات مسلحة كمثل التي شهدتها باقي المناطق العراقية.
- ضعف دور المؤسسات الدينية: يشير بعض المحللين إلى أن ضعف دور المؤسسات الدينية في توجيه المجتمع ونشر الوعي يسهم في ترك المجال مفتوحًا أمام الجماعات المنحرفة لنشر أفكارها.
ويرجح الخبير في الجماعات الدينيّة مؤيّد العبودي – وهو ضابط ومحلّل سابق بوزارة الداخلية – أن ارتفاع معدّلات الفقر ونسب البطالة المتفشّية في جنوب البلاد، أدّى إلى ظهور مثل هذه الحركات المفاجئة، وهي بمثابة احتجاج غير معلن.
ويقول العبودي “هناك صدمة من قبل الناس من أداء المؤسسة الدينية والسياسية، وهو ما يدفع الشّباب الخريجين، ولا سيّما العاطلين من العمل، إلى اختراع أفكار دينية متشددة ومختلفة واتباعها”.
أما المحلل في السياسية الشرعية ياسر الطربولي، يرى أن هناك جهات تسعى لنشر مثل هذه الأفكار وانتشار هذه الجماعات.
ويقول الطربولي أن “ضعف الدولة سبب رئيس لظهور مثل هذه الجماعات، أن الهدف منها تفريق السلم المجتمعي، بخاصة أن المجتمع العراقي بدأ يلتئم خلال الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن “بلاد الرافدين خزانة للعالم من الأموال والذهب، وهذا يجعل المؤامرات تحاك ضدها كي تبقى ضعيفة وتستطيع القوى الخارجية أن تسيطر عليها عبر إظهار مثل هذه الجماعات”.
ختامًا.. سيبقى العراق عرضة لظهور مثل هذه الجماعات المتطرفة ما لم يحصل تغيير جذري في أسباب المشكلة ومسبباتها، وما لم تنته ثنائية الفساد التي يقف أمامها الجميع عاجزون في العراق: الفساد السياسي والسلاح.