ترجمة وتحرير نون بوست
عندما كانت سارة أوفرول طفلة، قام مدرس التربية البدنية بإيقاف كامل الصف لأنها لم تتمكن من القفز عاليا. لقد كانت سارة قصيرة، حيث لا يتجاوز طولها حاليا خمسة أقدام (متر ونصف)، لذلك كانت تخشى إيذاء نفسها على العمود معدني. في حديثها عن ذلك، قالت سارة: “كنت قصيرة جدا لدرجة لا يمكنني تجاوزه، وأذكر أن كل الصف كان يشاهد”. لقد كانت كرة الشبكة بمثابة “جحيم حقيقي” بالنسبة لها، بينما كانت سارة تستمتع بلعبة الهوكي التي تناسب بنيتها الجسدية بشكل أفضل. وحيال هذا الشأن، أقرت سارة بأنها شعرت بالإقصاء من قبل أستاذ التربية البدنية، وشعرت بأنه “لا يستوعب أنني أبذل جهدا كبيرا للقيام بمثل هذه الأنشطة”.
بعد مرور سنوات، أصبحت أوفرول مدربة شخصية تفهم مدى الضرر الذي يمكن أن تحدثه دروس التربية البدنية في نفسية عملائها، حيث أكدت أن جميع من يأتي إليها تقريبا عانى منها، وأضافت بأنها لا تعتقد أنه لديها أي شخص خاصة من النساء قد أخبرها بأنه كان جيدا في الرياضة في المدرسة.
يشترك المدربون الآخرون في هذه الرؤية أيضا، حيث تقول المدربة الشخصية جوسلين طومسون رول إن “الأطفال في المدرسة ليسوا مثل الرضع الذين يحاولون الزحف ويفشلون ثم يعيدون الكرة. إنهم يشعرون بالإحراج والعار لذلك تبدو لهم عدم المحاولة أسهل من المحاولة والفشل. لسوء الحظ، يتحول الأمر إلى نبوءة ذاتية قابلة للتحقق، قد تقودهم نحو عدم القدرة على المحاولة. لذلك تؤثر تجربة المراهقة على إيمانهم بقدراتهم”.
يلتقط الأطفال جميع أنواع الأمور سواء كانت مصنفة أم لا ويقومون بمقارنات مع أقرانهم ويستخلصون الاستنتاجات
ما نتعلمه كأطفال ومراهقين يلازمنا. لم أكن رياضية بشكل خاص في المدرسة على الرغم من أنني أتذكر بوضوح تلقي المدح من قبل مدرس التربية البدنية ذات يوم إثر حصة الكرة الطائرة. إن فكرة إجادتي لتلك الرياضة بالتحديد، أصبحت بشكل غريب جزءًا من هويتي على الرغم من أني لم ألعب الكرة الطائرة منذ ذلك الحين. وعلى نحو مماثل، كرهت بشدة العدو الريفي وقلت لنفسي طوال سنوات بأنه لا يناسبني لأكتشف بعد ذلك بعقود مدى حبي للجري خاصة عبر الحقول والتلال.
قالت ويندي جونسون، أستاذة علم النفس بجامعة إدنبرة: “يلتقط الأطفال جميع أنواع الأمور سواء كانت مصنفة أم لا ويقومون بمقارنات مع أقرانهم ويستخلصون الاستنتاجات. لا شيء جوهري يدفعنا للقول إن هذه التصنيفات يجب أن تتصل بهويتنا، لكنها في كثير من الأحيان تصبح متصلة خاصة عندما يكون هؤلاء الأطفال آخر من يتم اختيارهم للانضمام للفريق أو يكونون موضع سخرية لكونهم بطيئين أو خرقاء. هناك بعض الأمور التي من الممكن أن تحدث في مسيرة الطفل وتعكس مثل هذه الانطباعات. ولكن بالنسبة لبعض الأطفال يمكن أن تستمر هذه الانطباعات مدى الحياة”.
حسب ستيوارت كاي مدير مدرسة “يوث سبورت تراست”، فإن “كل ما يقال ليس لمهاجمة أساتذة التربية البدنية، وعلى الرغم من أن بعض البالغين الذين مازالوا يكرهون التمرين يلومون المناهج التعليمية التي تعود للعقود الماضية، إلا أن هذا لا ينفي أن هناك الكثير من الممارسات الجيدة”. تقبع المدارس تحت ضغط شديد ويعاني قطاع التدريب البدني. ووفقًا لبحث أجرته مؤسسة “تراست” السنة الماضية، فإن 38 بالمئة من المدارس الثانوية في المملكة المتحدة خفضت الوقت المخصص للتدريب البدني للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عامًا منذ سنة 2012.
يجب أن تتضمن هذه الاستراتيجيات السماح للجميع باللعب بدلا من مجرد اختيار البعض لتشكيل فريق
قد تبدو الصورة النمطية لأستاذ التربية البدنية السادي غير عادلة بشكل كبير إلا أن كاي يقول إن “هناك مجالا للتحسين في بعض المواطن”. على مر التاريخ، لطالما كانت حصص التربية البدنية مهتمة بالقدرات الجسدية، على حد تعبير كاي، لكن بالنسبة للأطفال الأكبر سنا من المهم أن تعنى هذه الحصص بالرفاهية العاطفية والاجتماعية.
في سياق متصل، أورد كاي أنه “إذ فكرنا في الأشياء التي تنفر الأشخاص من الرياضة، قد تكون نفس الأمور التي تبعدهم عن خوض المنافسات. لكن يمكن تنظيم منافسات تكون أقل إقصائية بعيدا عن القدرات الجسدية. ونحن لا نحاول التخلص من المنافسة، وإنما نفسر ما يمكن فعله بشأن القواعد والبيئة وكيفية تحديد الفائز. ومن خلال إعادة صياغة المنافسة، سنجعلها أكثر شمولية ونتأكد من الاحتفاء بأشياء أخرى إلى جانب الانتصارات الرياضية”.
يجب أن تتضمن هذه الاستراتيجيات السماح للجميع باللعب بدلا من مجرد اختيار البعض لتشكيل فريق، أو تغيير أسلوب منح النقاط بحيث لا يتعلق الأمر فقط بتسجيل الأهداف أو نتيجة اللعبة وإنما أيضًا بإعطاء درجات للسلوك أو المهارة. ومن جهتها، أقرت جونسون بأنها تخبر أطفالها دائما بأن التمرين مفيد لأجسامهم وبأن أي شخص يمكنه إيجاد بعض التمارين التي يستمتع بها، وليس من المهم أن يبرع فيها بشكل ملفت.
هناك انطباعات معينة عن تصنيفات من قبيل “رياضي”، ولكن رؤية نفسك من خلال هذه المفاهيم ليس بالضرورة مفيدة
أضافت جونسون أنه “كشخص بالغ، يمكنك أن تغير هويتك من شخص رياضي أو لا بمجرد ممارسة رياضة ما. اختر قضية من مجلة “رانرز ورلد”، التي تتحدث عن العديد من الأشخاص الذين بدأوا الجري خلال الأربعينات أو الخمسينات وانتهى بهم الأمر بالمشاركة في الماراثونات. لا أعني الفوز لكن الانتباه للفوائد بشكل أساسي، وليس التمرين فحسب بل الالتحاق بنوادي حيث يتم التركيز على المجموعة عوضا عن انتقاء الأفضل”.
أفادت جونسون بأن “هناك انطباعات معينة عن تصنيفات من قبيل “رياضي”، ولكن رؤية نفسك من خلال هذه المفاهيم ليس بالضرورة مفيدة. ولا يتعلق هذا الأمر بالرياضة والصحة فحسب بل ينطبق أيضا على الموضة والقيم ونمط العيش واللياقة والهوية الجنسية”. وأضافت جونسون أن “التمرين الجسدي الذي يعزز الصحة الجسدية والرفاه النفسي يمكن تحقيقه بطرق أخرى غير رياضية، مثل الرقص الذي يعد تمرينا بدنيا شأنه شأن البستنة والنجارة والأعمال المنزلية. وإن كان الهدف من التمرين هو الحفاظ على الصحة، فليس من الضروري أن يكون للشخص هوية رياضية. يجب التفكير على نطاق أوسع في أي شيء يتضمن تحريك الجسم”.
أعادت أوفرول اكتشاف الرياضة بشكل عام بعد الاستمتاع بدروس التمارين الهوائية. في هذا الصدد، قالت المدربة الشخصية هانا لوين إن “عددا كبيرا من عملائها يعانون من أزمة ثقة فيما يتعلق بالرياضة والتمارين، التي زرعت فيهم منذ المراهقة. وبدلا من الاستمتاع بممارستها، تحوّلت الرياضة إلى “تجربة مثيرة للتوتر”. تجربة مبكرة سلبية من الشعور بالخزي أو الاضطرار إلى القيام بشيء لست بارعا فيه بشكل طبيعي، ومن ثم يتم استصغارك لعدم إجادتك له. إنه شيء أراه كل يوم. إنه يستمر حتى مرحلة البلوغ”.
إذا واصلت إجبار نفسك على القيام بشيء لا تستمتع به فعليا، فإنه سيصبح مصدرًا آخر للتوتر، لذلك سوف تستسلم وتعود إلى تلك الفكرة القديمة التي تقول: “أنا لست رياضيًا”
أفادت لوين بأن البالغين يميلون للعثور عليها وبدء التمرين عندما تتحسن ثقتهم بأنفسهم، ويحققون “بعض النجاحات الأخرى على الصعيد العملي والشخصي”. وأوردت أوفرول بأنهم “يمارسون الرياضة من أجل أنفسهم وليس بضغط من زملائهم في الفريق، حيث لا أحد يحكم عليهم. لا تقارن نفسك بأحد، حالما تجد النشاط الذي يناسبك والوضعية المريحة، ستتفاجأ بما يمكنك فعله”. ذلك أنه كان لها عملاء انتقلوا من نمط الحياة الخامل إلى العدو في الماراثونات.
أكد لي جميع المدربين الشخصيين الذين تحدثتُ إليهم أنه يجب على الشخص اختيار نشاط يستمتع به، حيث لم يعد الأمر يتعلق بالدورات الإجبارية. وتقول طومسون رول “يمكن أن تكون قاعات الرياضة أماكن مخيفة تشعر فيها كشخص بالغ بأنك لست جيدا بما فيه الكفاية أو لست رشيقا أو قويا بما يكفي، تماما مثلما شعرت خلال طفولتك”. إذا كان الصراخ في صف التدريب المتواتر عالي الكثافة لا يساعدك أو يعيد إليك ذكريات سيئة فإنه عليك فعل شيء آخر.
في شأن ذي صلة، قالت لوين: “إذا واصلت إجبار نفسك على القيام بشيء لا تستمتع به فعليا، فإنه سيصبح مصدرًا آخر للتوتر، لذلك سوف تستسلم وتعود إلى تلك الفكرة القديمة التي تقول: “أنا لست رياضيًا”. والحال أنك فقط لم تجد ما هو مناسب لك”.
المصدر: الغارديان