ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ديفيد أليسون وستيفن هيرزو
في أعقاب الهجوم الذي جد يوم السبت على منشأة إنتاج نفط رئيسية تابعة لشركة “أرامكو” السعودية في بقيق، تم توجيه أصابع الاتهام الأولى مباشرة نحو إيران. وعلى الرغم من إعلان حلفاء طهران الحوثيين في اليمن مسؤوليتهم عن الهجوم، إلا أن مسؤولين أمريكيين مجهولي الهوية أخبروا الصحافة أن إيران أطلقت صواريخ جوالة وطائرات دون طيار من أراضيها.
في ظل انخفاض إنتاج النفط السعودي إلى النصف وارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، لجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رفع الرهان، عبر التحذير من أن الولايات المتحدة مستعدة للرد بعد ما تم التعرف على مرتكب الجريمة. نتيجة لذلك، تعددت الأصوات التي تدّعي احتمال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن فيما يلي خمسة أسباب تبين لماذا من غير المرجح وقوع ذلك.
1- الأمريكيون لا يريدون الحرب مع إيران
على الرغم من توتر العلاقات الإيرانية الأمريكية على مدى أربعة عقود، وشعبية شعار “الموت لأمريكا” في إيران، إلا أن الشعب الأمريكي ببساطة لا يحبذ محاربة إيران. في هذا الصدد، قمنا بجمع بيانات أسبوعية أصلية عن دراسات استقصائية تمّت في شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو لسنة 2019، لتقييم مدى استعداد الأمريكيين لتأييد العمل العسكري ضد إيران.
أجريت هذه الدراسات الاستقصائية في وقت حرج. وفي حين اتّهم المسؤولون الأمريكيون إيران في تلك الفترة، مرارًا وتكرارًا، بارتكاب أعمال عدائية، حافظت مختلف الأطياف السياسية على استقرار مواقفها
كشفت البيانات أن أغلبية قوية من الديمقراطيين (86 بالمئة) والمستقلين (81 بالمئة) والجمهوريين (81 بالمئة) فضلوا دعم قرار رئاسي لا يتخذ أي إجراء تصعيدي. كما أظهرت البيانات دعما مشتركا لفرض عقوبات إضافية (52 و61 و89 بالمئة على التوالي)، إلا أن الخيارات العسكرية حصدت تأييدا أدنى بكثير.
لقد أجريت هذه الدراسات الاستقصائية في وقت حرج. وفي حين اتّهم المسؤولون الأمريكيون إيران في تلك الفترة، مرارًا وتكرارًا، بارتكاب أعمال عدائية، حافظت مختلف الأطياف السياسية على استقرار مواقفها. وقد شملت دراستنا كلا من هجمات 13 حزيران/ يونيو التي استهدفت ناقلة النفط اليابانية “كوكوكا كاريدجس”، والنرويجية “فرونت ألتير” في خليج عمان، وإطلاق النار يوم 20 حزيران/ يونيو على طائرة “آر كيو-4 غلوبال هوك” المسيرة التابعة للبحرية الأمريكية فوق مضيق هرمز. لكن لم تؤثر أي من هذه الأحداث على موقف الشعب الأمريكي حول فكرة التدخل العسكري، بما في ذلك الجمهوريين الذين لم يعبروا عن دعمهم للغارات الجوية أو الغزو البري في الأيام التي تلت الأعمال الاستفزازية لإيران.
تعني متانة هذه الاختيارات أنه من غير المحتمل أن تؤدي الهجمات التي جدت يوم السبت الماضي على منشآت تكرير النفط السعودية إلى محاولة العامة ممارسة الضغط حتى يُردّ الفعل. يتوجه الدعم الشعبي، بما في ذلك أعضاء القاعدة السياسية للرئيس دونالد ترامب، نحو الخيارات غير العسكرية.
2- ترامب يفضل التفاوض على الصراع مع إيران
رغم كل ما قدمه من صخب، أعرب الرئيس ترامب مرارا وتكرارا عن تفضيله مواصلة المفاوضات مع إيران بدلا عن العمليات العسكرية. كما عُرف عن ترامب التهديد باستخدام القوة ثم التراجع عن كلامه بسرعة. فقبل شهرين فقط، أعلن ترامب عن إلغاء هجوم ضد إيران في اللحظة الأخيرة، معبرا عن أمله في أن ينضم إليه الزعماء الإيرانيون على طاولة المفاوضات. ويعكس هذا التغيير في الاتجاه تصرفات ترامب في سنة 2017، حيث هدد في عدة مناسبات بتدمير كوريا الشمالية، ثم قرر في نهاية المطاف معارضة الخيار العسكري ليصبح بذلك أول رئيس أمريكي يعبر المنطقة المجردة من السلاح نحو كوريا الشمالية.
أضعفت إقالة بولتون نفوذ ما يسمى “فريق الفاشلين” المؤلف من بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
يوم الثلاثاء، عبّر ترامب عن إصراره على تجنب الحرب مع إيران، بينما كان التأكيد المخابراتي النهائي للمسؤولية الإيرانية وشيكا. وقد جاء هذا البيان في أعقاب ملاحظة ترامب التي أدلى بها يوم الإثنين خلال تصريحات ولي عهد البحرين، التي كان مفادها أن الدبلوماسية “لم تستنزف أبدا حتى الثواني 12 الأخيرة”. وقد التزم ترامب بهذا المنطق حتى مع ظهور أدلة ظرفية تشير إلى ملاحظة الأقمار الصناعية الأمريكية استعداد إيران لضربات أرامكو.
3- “الشيطان المتجسد” قد غادر المبنى
حتى الأسبوع الماضي، كان جون بولتون، الذي لقبه وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس بـ “الشيطان المتجسد”، على رأس منصب مستشار الأمن القومي لترامب. أضعفت إقالة بولتون نفوذ ما يسمى “فريق الفاشلين” المؤلف من بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
يرتبط عزل بولتون ارتباطا مباشرا بالخلاف حول سياسة إيران، حيث يشير رحيله إلى أن الهاجس الإيراني أضحى يسيطر على البيت الأبيض.
بغض النظر عن أنه أحد أهم مؤيدي غزو العراق سنة 2003، عرف عن بولتون أيضا أنه أكثر مستشاري البيت الأبيض عدوانيّة الذي يأخذ الرئيس الأمريكي رأيه بعين الاعتبار. لقد كان بولتون يدعو إلى سياسة المواجهة مع كل من كوريا الشمالية وروسيا وسوريا، مع العلم أنه دعا لسنوات إلى مواجهة مع إيران. كما برز بولتون باعتباره أحد الخصوم الرئيسيين لخطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة أيضا بالاتفاق النووي الإيراني. وفي الواقع، يرتبط عزل بولتون ارتباطا مباشرا بالخلاف حول سياسة إيران، حيث يشير رحيله إلى أن الهاجس الإيراني أضحى يسيطر على البيت الأبيض.
4- الجيش الأمريكي يعارض محاربة إيران
في شهر تموز/ يوليو، أعرب الجنرال مارك ألكسندر ميلي لمجلس الشيوخ عن شكوكه بشأن نشوب حرب كبيرة مع إيران. وخلال جلسات استماع لإقرار تعيينه رئيسا لهيئة الأركان المشتركة، أوضح ميلي، وهو جنرال برتبة فريق، أن الجيش الأمريكي يركّز على استراتيجية تنافس القوى العظمى، وقد يؤدي الصراع مع دولة متمردة مثل إيران إلى زعزعة هذه الخطط. وقد أكّد مراسلو صحيفة “وول ستريت جورنال” أن هذه الآراء لا تزال سائدة في البنتاغون. وفي أعقاب هجوم يوم السبت، وكما هو متوقّع، حث الضباط العسكريون على توخي الحذر وضبط النفس.
يدرك الجيش الأمريكي أن معركته لن تكون سهلة، وذلك رغم تفوقه العسكري الهائل مقارنة بإيران وقدرته على نشر القوات.
مع ذلك، يواصل المخططون الاستراتيجيون الأمريكيون إدارة المناورات الحربية لحرب محتملة مع إيران. وتأخذ التصورات بعين الاعتبار وجود 900 ألف جندي إيراني في خدمة الجيش وفي قوات الاحتياط، احتمال زرع ألغام في مضيق هرمز، ترسانة من الصواريخ الباليستية، وأسلحة الدفاعات الجوية محلية الصنع والأسلحة روسية الصنع، واستعداد الشعب على حمل السلاح في وجه الغزاة. وبناء على ذلك، يدرك الجيش الأمريكي أن معركته لن تكون سهلة، وذلك رغم تفوقه العسكري الهائل مقارنة بإيران وقدرته على نشر القوات.
5- إيران لا تريد في الحقيقة حربا مع الولايات المتحدة
صرح المرشد الأعلى علي خامنئي علنا بأن إيران لا تسعى للحرب مع الولايات المتحدة. ويدرك المسؤولون الإيرانيون أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة قد لا تكون قادرة على الفوز بشكل حاسم، إلا أن إيران ستتحمل معظم الخسائر البشرية. لقد بقي شبح الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) راسخا في أذهان الإيرانيين. ففي تلك الفترة، شهدت إيران خسائر بشرية تقدّر بنحو مليون شخص في حربها مع العراق، أي ما يقارب 2 بالمئة من إجمالي سكانها في ذلك الوقت، الأمر الذي أثّر على جيل بأكمله.
تجنّب الإيرانيون بعناية الأعمال الاستفزازية التي قد تجبر ترامب على التدخّل، لذلك عمدت طهران إلى خوض حرب بالوكالة عبر التعويل على ميليشياتها في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن
لا يكمن هدف إيران الحقيقي في استدراج الولايات المتحدة إلى الحرب، وإنما هي على الأغلب تمارس بدقة وحذر لعبة شطرنج تسمح للنظام الإيراني بتعزيز موقفه التفاوضي وذلك بإبراز قدرتها على فرض شروطها الخاصة على كل من الولايات المتحدة وحلفائها. على هذا النحو حققت طهران ما ترنو إليه عبر سلسلة من التصعيدات المحدودة والمتقلّبة، بينما تجنبت ما اعترف به زعماءها على أنه يمكن أن يخلق حربا مدمرة ضد عدو أكثر قوة.
تجنّب الإيرانيون بعناية الأعمال الاستفزازية التي قد تجبر ترامب على التدخّل، لذلك عمدت طهران إلى خوض حرب بالوكالة عبر التعويل على ميليشياتها في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن. لدى إيران سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه الاستراتيجية قد تكون مجدية، وذلك على ضوء إلغاء ترامب للضربات السابقة على إيران، واستعداده للتفاوض مع كوريا الشمالية بعد تكثيف خطابها وأنشطتها النووية والصاروخية.
بيت القصيد
في الوقت الذي يعبّر فيه الخبراء وصنّاع القرار عن قلقهم المتزايد من خطر نشوب حرب عرضية، فإن تجنب تصعيد غير مقصود يبدو ممكنا تماما في هذه الحالة. وبما أن كلا من الولايات المتحدة وإيران ملتزمتان بتجنّب الحرب، فإن أي إجراءات أخرى ستتألف من ضربات حذرة محدودة أو سرية وأنشطة بالوكالة. وبناء على ذلك، من غير المرجح أن يخطئ البلدان التقدير عندما يتعلق الأمر بحرب مفتوحة ستكون تكاليفها باهظة لكليهما، وهي تكاليف لا يوافق عليها قادتهم ولا شعبهم.
المصدر: ناشيونال إنترست