انتهت القمة العربية المصغرة التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض، بعد ظهر الجمعة 21 شباط/ فبراير 2025، لبحث الموقف العربي إزاء مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة والاستيلاء عليه، ومناقشة الخطط المطروحة على الطاولة، وعلى رأسها الخطة المصرية، بصفتها الأقرب والأجهز، بحسب التقارير الإعلامية والمصادر التي تطرقت إليها.
وعلى عكس المعمول به، خرجت القمة بلا بيان رسمي، فيما اكتفت وكالة الأنباء السعودية (واس) بخبر مقتضب أشارت فيه إلى أن هذا اللقاء، الذي وصفته بـ”الأخوي”، جاء بناءً على دعوة من ولي العهد محمد بن سلمان، بمشاركة كلٍّ من ملك الأردن عبدالله الثاني ابن الحسين، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، وأمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، ووولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة”.
وأوضحت أن اللقاء تضمن التشاور وتبادل وجهات النظر حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، خاصة الجهود المشتركة الداعمة للقضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة، إضافة إلى ترحيب القادة، في هذا الإطار، بعقد القمة العربية الطارئة المقررة في مدينة القاهرة بتاريخ 4 آذار/ مارس 2025، فيما ذكرت الرئاسة المصرية أن السيسي غادر الرياض بعد “مشاركته في اجتماع غير رسمي حول القضية الفلسطينية”.
لم يتناسب اللقاء، بحسب مخرجاته المُعلنة، مع ما رُوّج له قبل أيام، إذ كان يُعول عليه في وضع النقاط على الحروف بشأن المقترح العربي البديل لمخطط الرئيس الأمريكي العنصري، وأن يقدم رؤية عربية خالصة ومكتملة تنتصر للمبادئ الراسخة إزاء القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، لكن يبدو أن الحسم قد أُجِّل لقمة القاهرة، التي كان يُفترض انعقادها في 28 من هذا الشهر، قبل تأجيلها إلى الرابع من الشهر المقبل نظرًا لأسباب لوجستية، بحسب الجامعة العربية.
انخفاض استباقي لسقف التوقعات
قبل القمة بعدة أيام، رفع الشارع العربي سقف توقعاته بشأن قمة الرياض، التي اعتبرها البعض القمة الأهم في حسم المعركة العربية ضد التهجير في غزة، والبروفة المنتظرة التي ستشهد استعراضات قوية للقرار العربي وقدرته على إحداث الفارق وانتصاره، في الأوقات الحاسمة، لمبادئه ومرتكزاته القومية والوطنية.
حتى مع تأجيل انعقادها ليوم واحد، لبحث طلب مشاركة كل الدول الخليجية، وليس السعودية والإمارات وقطر فقط كما تردد، زاد منسوب الأمل لدى كثيرين بمخرجات تلك القمة التي تحرص المملكة، بصفتها صاحبة الدعوة وحاضنة فعالياتها، على مشاركة أكبر عدد ممكن من الدول، قطر والإمارات والبحرين، بجانب مصر والأردن، إذ لم يتخلَّ عن الحضور سوى سلطنة عُمان فقط، دون إبداء أي أسباب.
مصدر مسؤول: بدعوة من سمو #ولي_العهد يلتقي في الرياض غدًا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وملك المملكة الأردنية الهاشمية، ورئيس جمهورية مصر العربية في لقاء أخوي غير رسمي.https://t.co/XdRQQSs4z8#واس pic.twitter.com/9GpExlCEPd
— واس الأخبار الملكية (@spagov) February 20, 2025
لكن قبل يوم واحد فقط من الموعد المحدد لعقد تلك القمة، فوجئ الجميع بتأكيد الرياض أن هذا الاجتماع هو “لقاء أخوي غير رسمي”، وأن قراراته ستكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة التي ستُعقد في مصر في الرابع من آذار/ مارس المقبل، مُخفِّضة بذلك سقف التوقعات إلى حدها الأدنى. في المقابل، هناك من يرى أن تلك القمة، وإن لم تأتِ مخرجاتها على مستوى المأمول، فقد اكتسبت أهمية كبيرة، لكونها تعكس إجماعًا عربيًا نادرًا على رفض تهجير الفلسطينيين، في لحظة يقدم فيها ترامب طروحات كفيلة بخلط الأوراق في الشرق الأوسط.
ففي 20 شباط/ فبراير الجاري، أي قبل 24 ساعة تقريبًا من انعقاد القمة، نقلت الوكالة السعودية عن مصدر مسؤول – لم تذكر اسمه – قوله إن هذا اللقاء “يأتي في سياق اللقاءات الودية الخاصة التي جرت العادة على عقدها بشكل دوري منذ سنوات عديدة بين قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية، وذلك في إطار العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع القادة، والتي تسهم في تعزيز التعاون والتنسيق بين دول المجلس والأردن ومصر”، مضيفًا: “وفيما يتعلق بالعمل العربي المشترك وما يصدر من قرارات بشأنه، فسيكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة القادمة، التي ستنعقد في جمهورية مصر العربية الشقيقة”.
تباين في وجهات النظر
يواجه المقترح العربي، أيًّا كانت جنسيته، حزمة من الألغام المتوقع انفجارها حين مناقشته بالشكل والطريقة التي قد تُشعل فتيل المواجهة والعناد مع المقاومة من جانب، وواشنطن وتل أبيب من جانب آخر، وهو ما أسفر عن تباين واضح في وجهات النظر إزاء بعض البنود والمسائل التي وصفها محللون بالتحديات الصعبة.
الرئيس الأمريكي، وبعد أن حشر الحكومات العربية في زاوية ضيقة وألقى كرة اللهيب في ملعبهم، يريد مقترحًا مُرضيًا للكيان الإسرائيلي، يضمن عدم تكرار طوفان الأقصى مستقبلًا، مشددًا على ضرورة القضاء على حماس وجميع فصائل المقاومة، دون تحديد لطبيعة ومستوى هذا القضاء.
أما على مستوى المقاومة، فقد شددت هي الأخرى على بعض النقاط التي يجب ألا توضع على طاولة النقاش خلال إعداد وتقييم الخطة العربية المقدمة كبديل لمقترح ترامب، وعلى رأسها اللاءات الثلاث: لا لتسليم السلاح، لا لمغادرة القادة غزة، لا لأي تواجد أجنبي في القطاع دون التنسيق والتشاور والموافقة المسبقة.
وبين الضغوط الأمريكية – الإسرائيلية ولاءات المقاومة، يجد المفاوض العربي نفسه في مأزق التوازن بين الطرفين، فالبعض يميل إلى الرضوخ للإملاءات الصهيو-أمريكية، ولا يمانع في التهجير الطوعي والتواجد الأجنبي داخل القطاع والقضاء على المقاومة شكلًا ومضمونًا، بينما يشدد البعض الآخر على خطورة تصفية القضية الفلسطينية عبر القضاء الكلي على فصائل المقاومة وتهجير الغزيين، ويحاول مسك العصا من المنتصف، بحيث لا يغضب الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي الوقت ذاته، لا يعرض أمنه والأمن العربي القومي للخطر بالرضوخ الكامل للضغوط الدافعة نحو تنفيذ مخطط التهجير.
وتعد الخطة المصرية هي الأكثر حضورًا على طاولة النقاش حاليًا، ورغم التعتيم بشأنها رسميًا إلا أن بعض التسريبات ذهبت إلى أنها تتضمن 3 مراحل أساسية، الأولى تستمر قرابة 6 أشهر وتتعلق بإزالة الركام ونقل الغزيين إلى مناطق مؤهلة للحياة داخل القطاع من خلال منازل متنقلة (كرافانات) مع استمرار المساعدات الإنسانية، الثانية: الإعداد لعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار مع الإبقاء على سكان غزة في أماكنهم، الثالثة: إطلاق مسار سياسي لحل الدولتين، فيما ذهبت تقديرات إلى أن تلك الخطة قد تستغرق ما بين 3 – 5 سنوات تقريبًا.
ويواجه المقترح المصري العديد من التساؤلات التي لم تٌحسم إجاباتها بشكل كامل حتى كتابة تلك السطور، على رأسها: من سيحكم غزة بعد انتهاء الحرب؟ من سيتحمل كلفة تمويل إعادة الإعمار؟ ما مستقبل حماس سياسيًا داخل القطاع؟ ماذا عن موقف الأمريكان والإسرائيليين بشأن تجريد المقاومة من كافة أنواع السلاح؟ ما جنسيات القوات المحتمل تواجدها بالقطاع أثناء إعادة الإعمار وما موقف المقاومة منها؟
الحسم يتأجل لقمة القاهرة
من المبكر تقييم قمة الرياض، التي لم تستغرق سوى ساعات قليلة، وفُرضت عليها حالة من التكتم والسرية، غير أن الواضح، بحسب ما تم تسريبه، أنها لم تنجح بعد في التوصل إلى صيغة نهائية متفق عليها بشأن المسائل الجدلية والخلافية التي تضمنها المقترح المصري، ليؤجل الحسم إلى قمة القاهرة في الرابع من الشهر المقبل، وسط ترقب لما يمكن أن تُسفر عنه من مخرجات.
ومن المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية العربية خلال تلك الفترة حتى انعقاد القمة العربية في العاصمة المصرية، بين البلدان العربية بعضها البعض من جانب، ومع الجانب الأمريكي وبعض الشركاء الدوليين من جانب أخر، كذلك مع قادة المقاومة من جانب ثالث، في محاولة لاستشراف كافة الرؤى بغية التوصل إلى صيغة نهائية يتم طرحها خلال القمة ويُصوت عليها لاعتمادها كمقترح عربي بديل لخطة ترامب.
قمة الرياض المصغرة تؤجل إعلان قراراتها حول غزة إلى حين عقد القمة العربية في القاهرة https://t.co/Bo4HXJvcH7 pic.twitter.com/d8BswXFIHi
— مونت كارلو الدولية / Monte Carlo Doualiya (@MC_Doualiya) February 22, 2025
لاشك أن العرب في موقف لا يُحسدون عليه بعدما وضعهم ترامب في مأزق حقيقي، خاصة حلفاءه الإقليميين، لكن ومع ذلك فالكرة لا تزال في ملعبهم لاستنهاض القرار العربي من موته الإكلينيكي بعد خذلان استمر طيلة أيام الحرب، وكان دافعا قويًا للرئيس الأمريكي للتجرؤ على طرح ما طرحه دون أي اعتبارات أو مقاربات للحكومات العربية الحليفة.
فرصة يمنحها القدر الرحيم بالأنظمة العربية مجددًا لعلهم يتطهروا مما علق بهم من دنس العجز والانبطاح، بل والتواطؤ، منذ اليوم الأول لحرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خاصة بعدما باتت التحديات واضحة لا تحتاج إلى عناء القراءات الرمادية الفضفاضة، وأصبح أمنهم القومي في مرمى الاستهداف المُعلن دون مواربة، فهل يستغلوا الفرصة هذه المرة التي ربما قد تكون الأخيرة للإبقاء على الأمن والسيادة والاستقلال العربي في إطاره المقبول؟