لليوم التالي على التوالي تتواصل التظاهرات المطالبة برحيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي بدأت مساء الجمعة، استجابة للدعوة التي أطلقها الفنان المقاول محمد علي، ولاقت تفاعلاً كبيرًا في عدد من المدن المصرية التي خرجت رافعة شعارات تنادي بسقوط النظام.
التظاهرات وإن كانت بأعداد محدودة فإنها حملت الكثير من الدلالات أهمها كسر حاجز الخوف الذي نجح نظام السيسي في زرعه بنفوس المصريين منذ توليه مقاليد السلطة، وأعادت التأكيد مرة أخرى أن الثورة وإن مرضت فإنها لن تموت، والشعب الذي راهن على موته الكثيرون من أنصار الثورة المضادة ما زال ينبض بالحياة.
الدخول لميدان التحرير للمرة الأولى منذ 2014 أصاب السلطات الحاكمة بحالة من الارتباك والصدمة ولعل هذا ما يفسر تأخر رد الفعل الرسمي، وترك الأمور في ملعب وسائل الإعلام، كل يدلو بدلوه، وهو ما عزز من الحراك الذي يبدو أنه في طريقه للتصاعد بعد الدعوات التي تطالب بالاستمرار وعدم التوقف.
تساؤلات عدة فرضت نفسها على ألسنة المصريين في الداخل والمهتمين بالشأن المصري في الخارج فيما يتعلق بمستقبل هذا الحراك، ومدى كون تظاهرات 20 من سبتمبر بداية لموجة جديدة من الفعاليات التي تذهب في إطار خلخلة الوضع المتزمت اقتصاديًا وسياسيًا وحقوقيًا، أم تنجح السلطات الأمنية في الاستفاقة من الصدمة واستعادة السيطرة على الأوضاع مرة أخرى.
استمرار الحراك
شهدت بعض المدن المصرية حراكًا ثوريًا لليوم الثاني على التوالي، في حين دفعت قوات الأمن بتعزيزات إضافية وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف المتظاهرين، البداية كانت مع مدينة السويس (شمال شرق) حيث خرج المئات في مسيرات يرددون هتافات مناوئة للرئيس ونظامه.
تركزت المظاهرات وسط المدينة فيما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرون، بينما أفاد شهود عيان أن رجال الأمن أطلقوا رصاصًا مطاطيًا وذخيرة حية، ما تسبب في وقوع جرحى وفق شهادات نقلها موقع “دويتشه فيله” عن متظاهر رفض ذكر اسمه، لافتًا إلى أن عدد المتظاهرين تجاوز الـ200 شاب.
وفي مدينة المحلة الكبرى (غرب) خرج العشرات في تظاهرات محدودة تطالب برحيل السيسي وتقديم المتورطين في قضايا فساد للمحاسبة، منددين بالانتهاكات التي يتعرض لها المصريون على أيدي النظام، فيما شهدت الشوارع كر وفر بين قوات الأمن والمتظاهرين دون وقوع إصابات.
وفي مسيرة هي الأولى من نوعها في صعيد مصر، خرج عدد من الشباب في مسيرة بمدينة نجع حمادي بمحافظة قنا، طالبوا فيها بالتغيير الشامل، فيما بث بعضهم صورًا لاعتقال عدد من المشاركين في المسيرة على أيدي قوات الأمن، ولم يتسن لـ“نون بوست” معرفة إذا تم الإفراج عنهم أم ما زالوا قيد الاعتقال حتى الآن.
خارجيًا.. نظم عشرات المصريين الموجودين في الخارج وقفة احتجاجية أمام مقر إقامة الرئيس المصري في مدينة نيويورك، حيث يشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، رافعين شعارات تطالب برحيله وتدعوا المصريين إلى الاستمرار في حراكهم حتى تحقيق مطالبهم.
متداول| قبل فضها، متظاهرو ميدان الأربعين في #السويس قالوا كلمتهم:
"مش هنمشي هو يمشي، يسقط حكم السيسي"#ميدان_التحرير_الآن #ارحل_ياسيسي pic.twitter.com/Wh6cQVW7yC
— نون بوست (@NoonPost) September 21, 2019
دعوات لمليونية
في السياق ذاته دعا محمد علي في مقطع فيديو جديد المصريين للخروج في مظاهرات مليونية يوم الجمعة المقبل لمواصلة الحراك والتأكيد على مطلبه الرئيسي “رحيل السيسي” فيما وجه مناشدات للقوات المسلحة وقياداتها بالانحياز لإرادة الشعب وحماية مسيراته السلمية.
حالة من الترقب تفرض نفسها بقوة على الشارع المصري، فبعد الصدمة التي أحدثتها تظاهرات الـ20 من سبتمبر وما تلاها من مسيرات في عدد من المدن، حتى وإن كانت محدودة العدد، فإن مؤشر توقع تزايد أعداد المشاركين في تلك الفعاليات يتصاعد بصورة كبيرة، خاصة بعدما كُسر حاجز الخوف.
سببت الحركة الاحتجاجية ارتباكًا شديدًا لدوائر صنع القرار وهو ما يعطي مؤشرات على أن هناك نوعًا من عدم التوافق على كيفية التعامل معها
ردود فعل غامضة بشأن مدى الاستجابة لمليونية الجمعة في الوقت الذي التزمت فيه الأحزاب السياسية الصمت تمامًا، وآثرت الابتعاد عن المشهد في تصعيده الحاليّ، بينما دخلت قطاعات وشرائح كبيرة من المصريين على خط الأزمة، خاصة بعد التفاعل الكبير مع فعاليات الجمعة التي تعامل معها الإعلام الرسمي المصري بتجاهل وتضليل وهو ما زاد من معيار فقدان الثقة فيما يردده القائمون عليه.
نشطاء أشاروا إلى أن الاستجابة للمليونية ليس بالضرورة أن تحقق الغاية العددية منها، فمجرد الاستمرار في التظاهر وانضمام آخرين ولو بأعداد قليلة، يعد انتصارًا في حد ذاته، يضع اللبنات الأولى لبناء حراك قوي يستطيع فرض كلمته ميدانيًا، في ظل تضييق الخناق عبر الآلة الأمنية الغليظة التي تستخدمها السلطات ضد المتظاهرين.
ارتباك النظام
“كان حجم المظاهرات محدودًا، لكن اللافت هو حدوثها بشكل مفاجئ، ولم تكن مجرد وقفة احتجاجية في القاهرة بل امتدت إلى مدن أخرى، هذا يعبر عن تحول لافت“… هكذا علق عمرو الشوبكي خبير الشؤون السياسية والحزبية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية على تظاهرات 20 من سبتمبر التي وصفها بأنها تجاوزت سقف التوقعات.
الشوبكي أرجع ما حدث كونه يعبر عن الرفض لمجموعة من السياسات التي اعتبرها المحتجون تتجاهلهم خاصة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية وعدم مناقشة ملف الفساد، وقضايا حرية الرأي والتعبير، وعدم مصداقية أغلب وسائل الإعلام، وكل هذا دفع مؤخرًا إلى انفجار الغضب المكتوم خلال هذه المظاهرات، وفق تصريحاته التي أدلى بها لـ“مونت كارلو“.
أما عن عدم رد النظام عن تلك التظاهرات يرى خبير الشؤون السياسية أن ذلك يرجع إلى عنصر المفاجأة والارتباك لكون الأحداث وقعت بشكل مفاجئ، وحدثت لأول مرة منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم قبل ست سنوات، كما تزامنت مع سفره إلى نيويورك.
وأضاف أن النخبة الحاكمة كانت متيقنة بأن الحركة الاحتجاجية انتهت، وكانت هناك إجراءات أمنية مشددة تحول دون اندلاعها، موضحًا: “سببت الحركة الاحتجاجية ارتباكًا شديدًا لدوائر صنع القرار وهو ما يعطي مؤشرات على أن هناك نوعًا من عدم التوافق على كيفية التعامل معها“، معربًا عن أمله أن تدفع الأحداث الأخيرة نحو إجراء إصلاحات عميقة في بنية النظام المصري.
المشهد برمته كان صادمًا للأجهزة السيادية والأمنية، فخروج التظاهرات التلقائية بالمئات وبعضها بالآلاف في محيط ميدان التحرير، لأكثر من 5 ساعات، والمسيرات في ميادين مختلفة في السويس والمحلة والمنصورة والإسكندرية، وصولاً إلى إسقاط صورة كبيرة للسيسي في ميدان الساعة بدمياط، كلها مشاهد هزت الأجهزة هزة عنيفة.
إذ قفزت للأذهان الصور الأولى للتظاهرات الشعبية، خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أو على الأقل تظاهرات ميدان الشون بالمحلة الشهيرة في 2008، تزامنًا مع إضراب 6 أبريل/نيسان الذي أسقطت فيه أيضًا صورة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بعد 27 عامًا من اعتلائه السلطة، وهو ما أقلق الجميع، بلا استثناء.
وفي أول رد فعل من الممكن أن يقال عليه شبه رسمي، رغم أنه لم يتطرق إلى الفعاليات ذاتها، لكن طريقة التعامل معها إعلاميًا، دعت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية إلى “عدم الاستناد لمنصات التواصل كمصادر للأخبار والتقارير خشية الانفلات والفوضى، وتزييف الحسابات، والفبركة“.
وأوضحت الهيئة في بيان لها، خاطبت فيه وسائل الإعلام الدولية ومراسليها في مصر أنها “تابعت باهتمام ما بثته ونشرته وسائل الإعلام العالمية من خلال مراسليها المعتمدين في القاهرة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية“، وتابعت: “في ضوء هذا تذكر المراسلين وكافة وسائل الإعلام مجددًا بأهمية الالتزام بالقواعد المهنية المتعارف عليها عالميًا للصحافة والإعلام“.
كما طالبت الهيئة التي يرأسها الصحفي المقرب من النظام ضياء رشوان، نقيب الصحفيين أيضًا، وسائل الإعلام بـ“عدم النشر عن وقائع إلا ما يشاهده المراسلون بأنفسهم أو من مصادرهم المعلومة والمذكورة وذات المصداقية، التي تتأكد من مصدرين آخرين موثوقين شاهدا الوقائع جميعًا بأعينهم“.
حذرت بعض الأصوات المعارضة من تأخر استجابة السلطات للمطالب التي رفعها المتظاهرون، مطالبين بالاستفادة من تجربة 2011 حين تجاهل الرئيس الأسبق حسني مبارك مطالب عمال المحلة في 2008
وفي الإطار ذاته، حالة من فقدان التوازن تخيم على الخريطة الإعلامية الداعمة للنظام، فبعد التجاهل الفاضح للأحداث ومحاولة التقليل من شأنها أو نفيها بالكلية، فضلاً عن الاعتماد على سياسة تضليل الرأي العام عبر الأخبار المزيفة، وجدت المؤسسات الإعلامية نفسها في مأزق حقيقي بعدما باتت منصات السوشيال ميديا هي الإعلام البديل الذي نجح في سحب بساط المشاهدة والمتابعة من الوسائل التقليدية.
وفي ظل غياب إستراتيجيات التعامل مع الأزمة إعلاميًا، هذا في الوقت الذي تعاني فيه السلطات من ارتباك واضح، لجأ الإعلاميون إلى التغريد بمفردهم، كل وفق ما لديه من إمكانات ورؤى، الأمر الذي دفع أحدهم إلى الترهيب من ملاحقة كل المشاركين في التظاهرات، وعلى رأسهم الإعلامي المقرب من السيسي، أحمد موسى.
موسى في برنامجه “على مسئوليتي” المقدم على شاشة “صدى البلد” – المملوكة لرجل الأعمال المدعوم من النظام، محمد أبو العينين، الذي يتحمل معظم الأحيان كلفة الدعم الإعلامي للسيسي خلال زياراته الخارجية –، هدد بالقبض على المتظاهرين، مضيفًا أن الكاميرات الموجودة في الميادين التي نزل فيها الغاضبون ستكشف هوية كل منهم ومن ثم تسهل الأمر أمام قوات الأمن لاعتقالهم.
أكبر من محمد علي
إن كان محمد علي هو من أشعل شرارة الحراك الحاليّ ودعا إليه عمليًا بعد سلسلة التسريبات التي كشف من خلالها فساد بعض القطاعات داخل المؤسسة العسكرية إلا أن ذلك لا يعني أنه السبب الوحيد لهذه الخطوة التي ظلت حبيسة الإرادة وانتظار الوقت المناسب لاتخاذها.
العديد من المشاركين في التظاهرات أكدوا أنهم استجابوا لنداء واقعهم المر الذي خيم عليهم طيلة السنوات القليلة الماضية، بسبب سياسات النظام الحاليّ التي ساهمت في ارتفاع معدلات الفقر بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر، هذا بالإضافة إلى تهديد مستقبل الملايين من المصريين بتركة مثقلة من الديون بلغت 106 مليارات دولار كديون خارجية فقط.
وأضافوا لـ“نون بوست” أن نسبة كبيرة من المناوئين للنظام الحاليّ والمشاركين في التظاهرات كان الدافع الأكبر لنزولهم هو الاعتراض على ما وصلت إليه أحوال البلاد من تدنٍ على كل المستويات، لافتين أن المقاول ربما كشف النقاب عن ثقب جديد في ثياب السلطات الممزق.
آخرون ذهبوا إلى أنه ليس من المهم هوية من يقف وراء اشتعال الحراك، لافتين أن الغاية التي تجمع كل الأطياف المشاركة، غاية واحدة، وهي رحيل النظام الحاليّ أو على الاقل الاستجابة للمطالب المرفوعة التي تعيد رسم الخريطة السياسية مؤقتًا في الوقت الراهن.
وألمحوا إلى أن الموضوع بات أكبر من محمد علي والإخوان وكل القوى السياسية والحزبية التي تسلقت قديمًا على حساب الثوار، كاشفًا أن الأخطاء التي وقعوا فيها في 2011 لن تتكرر، فالحراك الآن ليس له قيادة ولن يكون، ولعل هذا سر نجاحه حال استمر على هذا المنوال، وتابع: فقدنا الثقة في كل القوى الموجودة حاليًّا.
7 مطالب أولية
من جهة أخرى، حذرت بعض الأصوات المعارضة من تأخر استجابة السلطات للمطالب التي رفعها المتظاهرون، مطالبين بالاستفادة من تجربة 2011 حين تجاهل الرئيس الأسبق حسني مبارك مطالب عمال المحلة في 2008 حين أسقطوا صورته في إحدى مسيراتهم.
صفحة “الموقف المصري” المعارضة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” حددت 7 مطالب أولية من خلال قراءتها للمشهد الثوري خلال اليومين الماضيين، الأول: حماية المتظاهرين السلميين وصون حق الاحتجاج، ثم الإفراج فورًا عن كل سجناء الرأي، سواء المقبوض عليهم بالمظاهرات الأخيرة، أم بالقضايا السياسية السابقة سواء محبوسين احتياطيًا أو محكومين.
كذلك التحقيق بوقائع الفساد وإهدار المال العام التي طرحها محمد علي أو غيره، وتفعيل قوانين “حماية المبلغين والشهود” و“حرية تداول المعلومات“، والعودة إلى نصوص دستور ٢٠١٤ وإلغاء التعديلات التي أجريت عام ٢٠١٨ بالكامل، وضمان نزاهة الانتخابات.
هذا بالإضافة إلى إلغاء تعديلات قوانين السلطة القضائية والجهات الرقابية لنزع سلطة تعيين قياداتها من الرئيس وصون استقلالها، ومراجعة السياسات الاقتصادية التي أضرت بمستوى معيشة المصريين، واتخاذ إجراءات لمنع السياسات الاحتكارية، وأخيرًا رفع يد الأجهزة الأمنية عن الإعلام والجامعات، وإلغاء حجب المواقع الصحفية.
الصفحة أشارت إلى أنه مهما كان مستقبل الحراك الحاليّ، سواء كمل أم قدرت السلطة توقفه بالقوة والاعتقالات والتخويف، الرسالة وصلت، وأمل التغيير هيتحقق حتى لو استغرق شهور أو سنين، ما دام المصريون أكدوا أن عندهم الوعي وعندهم القدرة على بدء أول خطوة.
سيناريوهات التصعيد والتهدئة
حالة من الانقسام تخيم على الأجواء الآن لقراءة للمشهد الثوري ومستقبله، حيث ذهب فريق إلى أن ما حدث رغم ما يحمله من دلالات فإنه من الصعب أن يستمر في ظل إحكام القبضة الأمنية التي نجحت خلال السنوات الماضية في وأد أي فعاليات من هذا الشكل.
أنصار هذا الرأي يبررون ما وصفوه “التعامل الخجول” لقوات الأمن بشقيها، الجيش والشرطة، مع هذا الحراك، الذي تمثل في الاحتكاك غير الدامي مع المتظاهرين، بأنه جاء استجابة لرغبة السيسي في عدم إثارة القلق في أثناء حضوره اجتماعات الأمم المتحدة لتخفيف الضغوط والانتقادات التي بالتأكيد سيلقاها من الزعماء الأجانب والدوائر السياسية، الأمريكية والأوروبية.
السيسي يسعى للتأكيد على صورته كرئيس قوي يستطيع الحفاظ على موقعه دون الانجرار مرة أخرى إلى سيناريو الدماء، حتى لا يتكرر ما حدث في صيف 2013 في مذبحتي رابعة والنهضة الذي ما زال يلقي بظلاله على سمعته حتى الآن، وفق ما ذهب هذا الفريق.
الرسالة التي أراد شعب مصر إبلاغها من خلال المتظاهرين الذين نزلوا إلى الميادين في عدد كبير من المدن المصرية، أنه قد سقط القناع ولم يعد السيسي أهلاً للثقة.
وفي الجهة المقابلة، يسعى فريق آخر لتوظيف ما حدث من أجل تدشين مرحلة جديدة من الحراك الثوري، هدفها في المقام الأول الإطاحة بالنظام الحاليّ، وإن لم يتحقق هذا فعلى الأقل الخروج ببعض المكاسب على رأسها فتح المجال السياسي والإفراج عن المعتقلين والتحقيق في وقائع الفساد وغيرها.
الداعمون لهذا الرأي يشيرون إلى أن عامل الوقت ليس مهمًا للغاية، فقد يستمر الحراك لأشهر أو لسنوات، المهم أن يتواصل وأن يجهض كل محاولات الوأد عبر تفعيل آلة القمع والترهيب، موضحين أن عدد من المتظاهرين لا تتجاوز أعدادهم المئات أو بضعة آلاف على أقصى تقدير استطاعوا كسر حاجز الخوف الذي كشف وبشكل كبير هشاشة النظام الحاليّ.
غير أن هذا الفريق وضع عددًا من الشروط لنجاح مهمته في تحقيق مطالبه كاملة على رأسها أن تستمر التظاهرات بتلقائيتها المعهودة، بعيدًا عن محاولات القفز عليها من بعض القوى هنا وهناك، رافضين مساعي أدلجة الحراك، سياسيًا ودينيًا، وإن كان هذا لا ينكر وجود العديد من الداعمين من مختلف الأطياف، غير أنها تنزوي في إطار الحراك، على حد وصفهم.
هذا بخلاف تكثيف الجهود الإعلامية التوعوية لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي في تقديم الصورة الحقيقية للمشهد وتحقيق مبدأ الشفافية مع الشارع المصري، كاشفين أن الهدف تحقيق مصلحة الوطن ككل التي هي اكبر بكثير من مصالح حفنة بسيطة من أصحاب السلطة.
الكاتب السياسي والأكاديمي المصري حسن نافعة، أشار إلى أن الرسالة التي أراد شعب مصر إبلاغها من خلال المتظاهرين الذين نزلوا إلى الميادين في عدد كبير من المدن المصرية، أنه قد سقط القناع ولم يعد السيسي أهلاً للثقة.
سقط القناع ولم تعد أهلا للثقة! تلك هي الرسالة التي أراد شعب مصر إبلاغها إلى السيسي أمس من خلال المتظاهرين الذين نزلوا إلى الميادين في عدد كبير من المدن المصرية متحدين مشاعر الخوف وسطوة الأجهزة القمعية. فهل وصلت الرسالة؟ وهل سيستخلص السيسي معناها الصحيح ويتصرف على أساسه؟
— Hassan Nafaa (@hassanafaa) September 21, 2019
وأضاف نافعة في تغريدة له على “تويتر” أن ما حدث هو تحد واضح لمشاعر الخوف وسطوة الأجهزة القمعية، متسائلاً: فهل وصلت الرسالة؟ وهل سيستخلص السيسي معناها الصحيح ويتصرف على أساسه؟ كاشفًا أنه لا توجد أزمة ثقة بين الشعب والجيش ولن يكون أبدًا, ولكن توجد أزمة ثقة بين القيادة السياسية الحاليّة والشعب, فالانتماء للمؤسسة العسكرية لا يعفي القيادة السياسية من المساءلة, وقد ثار الشعب كله على مبارك رغم أنه كان قائدًا عسكريًا بل ومن أبطال حرب أكتوبر. فمتى يدركون هذه الحقائق البسيطة؟
وهكذا تبقى الساعات والأيام القليلة القادمة هي المحك الحقيقي لتقييم هذا الحراك لا سيما بعد عودة السيسي من الولايات المتحدة، وبصرف النظر عن أي سيناريوهات محتملة فإنه بات من اليقين أن مصر ما قبل 20 من سبتمبر ليست هي ذاتها بعد هذا التاريخ الذي ربما يكون علامة فارقة في رسم خريطة مصر خلال السنوات القادمة.