لأول مرة منذ الإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، عبر انقلاب عسكري في 3 من يوليو 2013، يشهد ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة تظاهرات آلاف من المواطنين ضد الرئيس السيسي، فضلًا عن مظاهرات مشابهة خرجت في عدد من محافظات البلاد.
غضب قطاعات كبيرة من المصريين الذين يعانون شظف العيش بشكل تتزايد حدته نتيجة الأزمة الاقتصادية وفشل المنوال التنموي، فجرته الدعوة التي أطلقها رجل الأعمال والممثل المصري محمد علي الذي عمل مقاولًا مع الجيش المصري سنوات عدة، قبل أن يبدأ مؤخرًا في بث فيديوهات تكشف فساد الرئيس السيسي وزوجته (تشييد قصور رئاسية) وتغول عدد من قادة الجيش، وتُطالب المصريين بالخروج إلى الشارع لإسقاط حكم العسكر.
لقي خروج المصريين إلى شوارع القاهرة ومحافظات أخرى كالسويس والجيزة والإسكندرية والغربية والدقهلية والقليوبية وبني سويف والشرقية والغربية ودمياط، دعمًا من نظرائهم في أغلب البلدان العربية
ويرى مراقبون أنّ خروج المصريين إلى ميدان التحرير خطوة كسرت حاجز الخوف وجدار الصمت الذي شيده العسكر وأعادت إلى الأذهان بدايات الحراك الشعبي في ثورة 25 يناير 2011، إضافة إلى أنها حافز لإذكاء جذوة الثورة في نفوس الشعب المصري خاصة وباقي دول العالم العربي التي تعرف زخمًا سياسيًا واجتماعيًا على غرار السودان والجزائر وتونس وليبيا.
وإلى جانب النشطاء المصريين الذين أمطروا مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” بدعوات التجمهر والتظاهر ضد نظام السيسي برفعهم لشعار “ارحل يا سيسي” و”قول ما تخافشي، الخاين لازم يمشي” و”ارحل، ارحل”، وضرورة رص الصفوف لقطع الطريق على تسلط العسكر وظلمهم، لقي خروج المصريين إلى شوارع القاهرة ومحافظات أخرى كالسويس والجيزة والإسكندرية والغربية والدقهلية والقليوبية وبني سويف والشرقية والغربية ودمياط، دعمًا من نظرائهم في أغلب البلدان العربية، فيما رأى فيه الليبيون أملًا للتخلص من اللواء المتقاعد خليفة حفتر حليف السيسي.
الليبيون وبقعة الضوء
تصب معظم تعليقات الليبيين على الحراك المصري أو بوادر الثورة الجديدة التي يمكن أن تشهدها الجارة الشرقية، بشأن إمكانية سقوط خليفة حفتر قائد قوات الشرق، والمدعوم من مصر والإمارات والسعودية الذي يشن هجومًا على العاصمة طرابلس وحكومتها المعترف بها دوليًا، بانهيار حكم العسكر في مصر.
وتزامن صعود اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر قبل خمسة أعوام مع صعود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليشكل الثنائي المدعوم من الإمارات والسعودية فيما بعد تحالفًا علنيًا في ظاهره إقصاء الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين وباطنه إرساء لمشروع إقليمي يهدف إلى عسكرة الحكومات العربية.
وكتب أكرم مرياح في صفحته على موقع “فيسبوك” معلقًا على حراك المصريين وإمكانية انهيار نظام السيسي وتداعياته الإقليمية: “تونس مرة أخرى تقود الأمة لو سقط السيسي، حفتر لن يصمد ساعة، والجزائر ستحيد الجيش”.
من جانبه، أكد عبد الحميد صالح العبيدي على أن سقوط السيسي في مصر سيكون له تأثير حقيقي على الواقع الليبي وانهيار نظام العسكر في مصر سيفضح الموالين له في داخل ليبيا والمتآمرين في الخارج وقال: “إذا سقط السيسي ستنكشف كل أوراق التآمر على ليبيا وستظهر حقائق لا تخطر على عقل بشر”.
بدورها، أوضحت وداد الدويني أن خروج المصرين لإعلان رفضهم لحكم السيسي سيفتح الباب أمام هدم محاولات إرباك المشهد السياسي العربي وخلق الفوضى في البلدان العربية وكتبت تدوينة جاء فيها: “سقوط السيسي هو سقوط حفتر هو سقوط المشروع الإماراتي في شمال إفريقيا”.
ونشر الناشط الليبية محمد الناجم تدوينة على موقع التواصل “فيسبوك” رأى فيها، أن “مفتاح حل الأزمات في المنطقة العربية سقوط السيسي في مصر #كفاية_بقي_ياسيسي، منذ يوليو 2013، كان موقفنا ثابتًا اتجاه الأزمةً المصرية وارتداداتها الكبيرة على الأزمة في ليبيا”.
اشتراك في الفساد
يرى مراقبون أن العسكريين (السيسي وحفتر) يمشيان على أرضية رخوة أو على زجاج قد ينكسر بين الحين والآخر، بسبب سياسة القمع والبطش التي يسلكانها، فالأول قاد مصر إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة أضعفت المقدرة الشرائية للمواطنين وزادت في حدة الفقر وشيد لنفسه وعائلته قصورًا ومضافات، إضافة إلى ارتفاع نسب المديونية، وجابه البطالة والأزمات الاجتماعية برفع طاقة استيعاب السجون، وتغييب المعارضين وإعدامهم، وإخفاء آخرين قسريًا.
وعلى طريقة السيسي، خنق اللواء المتقاعد خليفة حفتر محافظة بنغازي (شرق) وفرض نظامه العسكري القائم على التنكيل بكل صوت معارض إما بالقتل أو بالإخفاء القسري كما حدث مع عضو مجلس النواب سهام سرقيوة، إضافة لسلبه أموال رجال الأعمال لتمويل حربه على العاصمة طرابلس.
وتُلاحق اللواء وأبناءه أيضًا اتهامات بالفساد وإهدار المال العام، وكان آخرها ما كشفه الموقع الرسمي لبطولة دبي للجواد العربي أن صدام خليفة حفتر اشترى جوادان من مزرعة عالمية متخصصة في تربية الخيول العربية الأصيلة في ضواحي العاصمة الهولندية بقيمة مليوني دولار.
قال المحلل السياسي الليبي عصام الزبير في تصريح لـ”نون بوست”: “ما يحدث الآن في مصر سيؤثر حتمًا على المنطقة العربية بأكملها، فمصر السيسي أضحت حلفًا مضادًا للثورات العربية”
كما أكد تقرير سابق لمجلس الأمن الدولي قيام الكتيبة 106 التي يقودها صدام بالسطو على خزينة مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، مؤكدًا نقل كميات كبيرة من النقود والفضة إلى جهة مجهولة، وجاء في التقرير أن محتويات الخزينة التي صودرت تضم 639.9 مليون دينار ليبي، 159.7 مليون يورو، 1.9 مليون دولار، 5869 عملة فضية.
نهاية المشروع
في ذات الإطار، قال المحلل السياسي الليبي عصام الزبير في حديث لـ”نون بوست”: “ما يحدث الآن في مصر سيؤثر حتمًا على المنطقة العربية بأكملها، فمصر السيسي أضحت حلفًا مضادًا للثورات العربية، ومع قدوم رياح التغيير سيصبح الوضع العربي ملتهًبا ومتغيرًا وسيؤثر بقوة على الدول الإقليمية ومنها ليبيا والسودان”.
وأضاف المحلل السياسي: “بسقوط السيسي سيتم فضح عرى التعاون المسموم بين مصر والسعودية والإمارات وسيُسقط مخططهم في ليبيا بسقوط عميلهم حفتر، وسيُصاب داعمو الحلف من فرنسا وأمريكا وأيضًا إيطاليا بالمفاجأة، وسيتغير وضع المجلس الرئاسي الفاشل والمتقاعس في دعم الجبهات وتجريم حفتر أمام المجتمع الدولي”، متابعًا: “الطاولة ستُقلب والخريطة السياسية والمواقف الدولية ستتغير، والمجتمع الدولي الذي يمسك بملف المنطقة الآن سيُعيد حساباته”.
وأوضح المحلل الليبي أنّ “مصر دعمت حفتر بالعتاد والطيران والذخائر والخبراء والخطط وهو ما تم ملاحظته عندما رجحت كفته في بنغازي ودرنة والهلال النفطي، وعند سقوط السيسي وأتباعه ستتغير الخريطة وسيختفي حفتر من المشهد لأن مصر أداة تواصل بينه وبين الإمارات والسعودية، وهي أقرب للشرق الليبي الذي يتأثر بالتحولات السياسية في مصر أكثر من الغرب الليبي”.
يرى مراقبون أن الحراك الأخير الذي تشهده مصر ضد العسكر يُهدد استقرار الحكم فيها، ويعزز مخاوف بعض دول الخليج (الإمارات والسعودية) من قيام دول ديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
وقال الزبير: “ستتغير الخريطة بإذن الله مع تغيرات الوضع في الجزائر وتونس، وبذلك يكون الوضع مؤهلًا للانتصار في ليبيا والقضاء على حفتر، وكذلك سيكون التغيير في السودان أداةً لانهيار محور الشر وتآكل دور الإمارات وانتهاء الدور السعودي، والأخيرة تُعاني من الإفلاس بسبب الحرب على اليمن ودفع جزية الحماية الأمريكية”.
وكان الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي قد أكد تدخل بعض الدول العربية في المسار السياسي لليبيا، ووصف اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الذي يشن حربًا على عاصمة بلاده طرابلس، بأنه “أَجير بيد محور الشر العربي المتمثل في الإمارات والسعودية ومصر التي تحاول مواجهة الربيع العربي بكل الوسائل خدمة لـ”إسرائيل” والغرب”، مضيفًا أن جهود محور الشر تتجه حاليًّا نحو ليبيا للقضاء على ما يعتبرونه جيبًا من جيوب الثورة.
أخيرًا، يرى مراقبون أنّ الحراك الأخير الذي تشهده مصر ضد العسكر يُهدد استقرار الحكم فيها، ويعزز مخاوف بعض دول الخليج (الإمارات والسعودية) من قيام دول ديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتتصاعد المخاوف خاصة مع حالة عدم الاستقرار في كل من السودان والجزائر، لذلك ستسعى السعودية والإمارات اللتين عملتا على تكرار النموذج المصري في ليبيا من خلال استنساخ سيسي جديد (حفتر)، دعمها لأركان النظام المصري خوفًا من انهياره ومن ثم انهيار مشروع عسكرة البلدان العربية والقضاء على الربيع العربي وثورة الشعوب.