بعد أن سارع طارق بدرخان للعودة إلى مدينته حمص عقب تحريرها، واجه العديد من الصعوبات، وأهمها تسجيل ابنتيه في المدرسة، فالعائدون من الشمال السوري إلى مدنهم المحرّرة، المدمّرة منازل العديد منهم، تفاجأوا برداءة تعليم المدارس الحكومية وغلاء المدارس الخاصة.
تتماثل مشاكل التعليم، خاصة الأساسي للأطفال في المدارس الحكومية، أبرزها: دمار المدارس بسبب القصف الحكومي لمناطق الثوار، اكتظاظ الطلاب مع نقص الكوادر التعليمية، وانعدام الوسائل المساعدة للتدريس.
طارق بدرخان، صحفي كان يقيم في مدينة أعزاز شمال حلب، وعاد إلى مدينته حمص بعد التحرير، قال لـ”نون بوست”: “زرتُ 3 مدارس خاصة في حي الوعر (الأمين والروافد والخيرية) فوجدت كلفة تعليم الطفل الواحد مليونان و500 ألف ليرة سورية في الفصل الدراسي الواحد والمواصلات 2 مليون ليرة سورية، ولديّ طفلتان بالصف الثاني والروضة، لكنّي لم أستطع تسجيلهما، فالمبلغ 9 ملايين يعادل نحو 900 دولار، ولا يراعى تغيير صرف العملة مقابل الدولار الأمريكي، بينما كان القسط السنوي للفصلين في مدرسة بأعزاز 270 دولارًا، وقسط الروضة 180 دولارًا، وهي ذات مستوى أعلى بكثير من مدارس حمص الخاصة التي تفتقد التدفئة المركزية”.
أشار بدرخان إلى أن المدارس الخاصة تستهدف الطبقة الغنية من السكان، وهذه الطبقة عزّز وجودها نظام الأسد عبر أمراء الحرب والمنتفعين من فساد نظامه، ويستحيل على الطبقة المتوسطة دفع المبلغ المطلوب الذي حدّدته ووزارة التربية بـ 5 ملايين ليرة سورية قسط العام الدراسي كونها تحصل على ضرائب منها، بينما تنتمي غالبية السكان إلى الطبقة الفقيرة.
وأوضح بدرخان أن العائدين إلى حمص بعد تحريرها في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 واجهوا مشكلة في تسجيل أبنائهم بالمدارس الحكومية لأن واقعها مزري للغاية من كافة النواحي خاصة التدريس المتردي، ولا يمكن للطالب أن يفهم المنهاج الدراسي دون عناية من العائلة أو تلقي دروس خصوصية، واللوجستيات المخصصة للمدارس الحكومية يسرقها العاملون بها، ولا تصل للمستفيدين من الطلاب والأساتذة، مضيفًا: “لهذه الأسباب لم أسجل بناتي في المدرسة بعد”.
وفي مدينة حماة، أكدت الناشطة الإعلامية شفاء الأحدب لـ”نون بوست” أن حال المدارس يُرثى له ولا يختلف عن حمص المجاورة، مشيرة إلى مشاكل يعاني منها طلاب حماة القادمين من الشمال السوري بسبب اختلاف المنهاج الدراسي عن المنهاج السوري التابع للنظام البائد.
بالنسبة للمدارس الخاصة في حماة، تتراوح أسعار القسط السنوي وفق المراحل التعليمية: “الابتدائية قسطها السنوي بين 8 و10 ملايين ليرة سورية، بينما الإعدادية والثانوية يتراوح قسطها السنوي من 10 إلى 16 مليون ليرة سورية”، حسب الأحدب، أما أسعار ساعة الدرس الخصوصي فالابتدائية من 15 إلى 25 ألف ليرة سورية، والإعدادية من 25 إلى 100ألف، بينما الثانوية الدرس الواحد من 200 إلى 300 ألف ليرة سورية.
وفي مدينة حلب، أفاد عدد من أولياء الطلاب لـ”نون بوست” بأن وضع المدارس الحكومية سيء للغاية والمستوى التعليمي معدوم تحت الصفر، وتعاني المدارس من اكتظاظ بعدد الطلاب، فيما أسعار المدارس الخاصة للشهادات الإعدادية والثانوية وسطيًا 15 مليون ليرة سورية بما يعادل 1500 دولار أمريكي، ما عدا تكاليف القرطاسية والمواصلات.
وفي بداية العام الدراسي الحالي في 8 أيلول/سبتمبر 2024 نقلت صحيفة “الوطن” عن معاون وزير التربية التابع لنظام الأسد رامي الظلّي، أن عدد الطالبات الإناث بلغ مليونًا و864 ألفًا و199 طالبة، بينما وصل عدد الطلاب الذكور إلى مليونًا و844 ألفًا و495 طالبًا، يدرس 3 ملايين و372 ألفًا و829 طالبًا في المدارس الحكومية والباقي في مدارس التعليم الخاص، بينما عدد الكوادر التعليمية والإدارية بلغ 271 ألفًا و231 معلّمًا ومعلمة، منهم 249 ألفًا و802 معلمًا ومعلمة في التعليم الحكومي.
تحديات المدارس وأسباب ضعف التدريس
سنا إبراهيم معلمة بمدرسة ابتدائية في مدينة حمص، قالت لـ”نون بوست” إن التحديات في المدارس الحكومية كبيرة، أولها أن أعداد الطلاب يصل إلى 50 طالبًا في الصف الواحد، وذلك بسبب دمار وعدم تأهيل نحو نصف عدد مدارس حمص نتيجة قصف النظام السابق للأحياء الثائرة، والاكتظاظ يؤدي إلى عرقلة العملية التعليمية للأساتذة كونه لا يوجد وقت في الحصة الواحدة للتسميع والتصحيح ومتابعة شؤون الطالب، وعدم الانضباط بالدوام في بعض المدارس.
ثانيًا، اللوجستيات شبه معدومة، وتعتمد على جهد الأستاذ الشخصي وهو لا يستطيع شرائها مثل كلفة طباعة الأوراق والكرتون، العام الماضي لم يتم طباعة أوراق الامتحانات لطلاب الابتدائي تتم كتابة الأسئلة على السبورة، كما أوضحت المعلمة سنا، مشيرة إلى أن مستودعات مديرية التربية في حمص فقدت الكتب خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، من بينها كتب الأنشطة بمرحلة التعليم الأساسي، حيث أصبحت أم التلميذ تمحو الكتاب القديم ليعاد استخدامه، وحتى المدارس الخاصة في الفصل الثاني من العام الماضي لم يتم توزيع الكتب لأنها غير متوفرة.
وعن أسباب ضعف التدريس، أشارت سنا إبراهيم إلى أن السبب الرئيسي هو تدني أجور الأساتذة، فصاحب الخبرة راتبه 400 ألف ليرة سورية والأقل خبرة راتبه 300 ألف ليرة سورية ما يعادل نحو 30 دولارًا، والأستاذ الحديث لديه خدمة لمدة عامين في مدارس ريف حمص تجعله يدفع أكثر من نصف راتبه أجور مواصلات، ما يجعل الكثير من الأساتذة يعزفون عن العمل في الوظيفة ويتجهون للعمل في المعاهد الخاصة، لذلك لدينا الأستاذة نسبة الإناث أكثر من الذكور. وإذا اضطرت معلمة لإجازة لا نجد بديل عنها، بينما يتراوح راتب الأستاذ في المدارس الخاصة بين 600 ألف ومليون و500 ألف ليرة سورية.
بدورها، أفادت رنيم الخالد مدرّسة لغة عربية بمدرسة إعدادية في حمص لـ”نون بوست” بأن ضعف التدريس يبدأ من دور الأم في المنزل في تعليم طفلها، واعتماد المعلم على فئة المتفوقين في الحصة وإهماله لبقية المستويات، إضافة إلى سعي بعض المدرسين للترويج لفكرة الدروس الخصوصية لديه ليكون الفهم أفضل من المدرسة.
ويبلغ الحد الأدنى لقيمة الساعة الخصوصية بالليرة السورية للمرحلة الإعدادية 20 ألف ليرة، بينما في الثانوية يبدأ السعر من 50 ألف ليرة، وإن كان في منزل الطالب يحسب الأستاذ أجور المواصلات، لكن إن كانوا مجموعة طلاب في معهد يكون المبلغ أقل ويختلف السعر من مادة علمية لأخرى، وأكثر من يتلقى الدروس الخصوصي هم طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية وهؤلاء غالبيتهم لا يداومون بمدارس حكومية كونها لا تفيدهم.
وطالبت المعلمتان سنا ورنيم وزير التربية الجديد عبر “نون بوست” بتخفيف المنهاج الذي يحوي الكثير من الحشو خاصة مواد العلوم للابتدائي، فالطالب يدرس طوال الوقت ولا يستطيع إنهاء الدراسة، وتحسين المناهج الدراسية لا سيما كتب التاريخ والجغرافية، وأن يتوازن دخل الأستاذ مع الراتب كي يقبلوا على وظائف الدولة، وتأمين مستلزمات التدريس، والنظر في أسئلة الشهادة الثانوية وعدم تعجيز الطلبة في ذلك، ومحاسبة كل من يتهاون في عمله داخل المدرسة، وتعزيز قيمة العلم والمعلومة لدى المدرّس أولًا كونه حامل رسالة سامية للنهوض بالجيل.
خطط تعليمية للعام القادم
قال سائد قدور مدير التعليم في وزارة التربية والتعليم السورية لـ”نون بوست” إن “خطط الوزارة تبدأ العام القادم، وهي مرتبطة بعودة مجموعة من الطلاب حتى يعوّضوا الفرق بالسنوات الماضية”، موضحًا أن “مشكلة اختلاف المنهاج بين الطلاب الوافدين والموجودين، تتم معالجته بدراسة إمكانية فتح دورات تدريبية وشعب إضافية للطلاب الوافدين، لكن سيكون بداية العام القادم”.
وفي 4 شباط/فبراير الجاري، ذكر مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة التربية والتعليم يوسف عنان أنه بحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” يوجد نحو 2 مليون طالب متسرب من العملية التعليمية، وهم بحاجة لتعويض الفاقد التعليمي، لينخرطوا لاحقًا في المدارس أسوة بزملائهم، إضافة إلى تأهيل المعلمين، وفق وكالة الأنباء السورية “سانا”.
وأكد يوسف عنان لـ”سانا” في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، أن ما يقارب عشرة آلاف مدرسة متضررة جراء قصف النظام البائد، في مختلف المحافظات السورية، تحتاج للترميم أو إعادة إعمار من جديد، مضيفًا أنه يتم حاليًا تكثيف اللقاءات، مع المنظمات الدولية في سوريا التي تعمل في هذا الشأن، لتنسيق العمل معها بما يسهم في تعزيز واقع العملية التعليمية في سوريا، وذكر أن الأولوية ستكون للمدارس المتضررة في ريف حماة الشمالي، وريف إدلب الجنوبي، وريف اللاذقية الشرقي، وريف حلب الغربي، كونها الأكثر احتياجًا.
وفيما يخص تعديل المناهج الدراسية، أكد وزير التربية والتعليم نذير القادري، مطلع العام الحالي، أن الوزارة قررت إلغاء مادة (التربية الوطنية) الحالية من المناهج الدراسية والامتحانات لهذا العام، نظرًا لما تحتويه من معلومات مغلوطة تهدف إلى تعزيز الدعاية لنظام الأسد المخلوع وترسيخ قواعد حزبه.
وأجرت وزارة التربية والتعليم بعض تعديلات على المناهج الدراسية لمختلف المواد من الصف الأول وحتى الثالث الثانوي في سوريا للعام الدراسي 2025. وقال الوزير القادري في منشور على صفحة الوزارة على الفيسبوك إن: المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا مازالت على وضعها حتى تُشَكل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها، وقد وجهنا فقط بحذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد البائد واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية، وتعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية.