ترجمة وتحرير: نون بوست
يتوق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاستفادة من التوترات المتصاعدة في منطقة الخليج العربي، لكنه في حاجة إلى مستشار لإدارة عمليات التسويق وتحسين سمعة بلاده. ولقد أدرك بوتين ذلك عندما حث المملكة العربية السعودية على المضي قدماً في الحصول على نظام الدفاع المضاد للصواريخ اس ـ 400 الروسي، وذلك بعد فشل الوحدات العسكرية الست التي اشترتها المملكة من الولايات المتحدة الأمريكية في رصد هجمات الطائرات دون طيار على منشأتين نفطيتين في البلاد، مما تسبب في إنقاص إنتاجها إلى النصف.
حيال هذا الشأن، قال بوتين:”لكي تكون الدولة قادرة عن الدفاع عن نفسها، نحن مستعدون لتقديم يد المساعدة إليها، أي إلى القيادة السياسية الخاصة بالمملكة. إن اتخاذ قرار حكومي حكيم أمر كاف، من شأن هذا النظام حماية أي من منشآت البنية التحتية في المملكة العربية السعودية بشكل فعال”. وفي الواقع، تعتبر الجهود الروسية للاستفادة من التوترات المتصاعدة انتهازية بقدر ماهي استراتيجية.
لعبت المملكة العربية السعودية أوراقها بشكل حذر عن طريق الامتناع عن الرد على رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أعرب فيها عن التزام بلاده بالدفاع عن المملكة العربية السعودية في أعقاب الهجمات
بعثت هذه الهجمات التي نفذتها جماعات مدعومة من قبل إيران بناءً على قرار من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب إيران، أو التي شنها تنظيم الدولة نفسه، رسالة إلى الرياض وواشنطن وموسكو وبكين، والتي مفادها أن الحلفاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي. ويرجع سبب ذلك إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى قطع صادرات النفط الإيرانية والسماح للمملكة العربية السعودية بالالتفاف على حصتها وإجبار الجمهورية الإسلامية على الركوع.
في واقع الأمر، لا يستمد بوتين ثقته بأن أنظمة الحماية خاصته ستعمل على رصد الطائرات التي تطير على ارتفاع منخفض وقاذفات الصواريخ التي فشلت الأنظمة الأمريكية في صدها من انعدام المنافسة وحسب، بل إن ثقته بعرضه ناجم عن استخدام عدوي المملكة في المنطقة لنظام الحماية الروسي، أي تركيا وإيران. ولإيضاح موقفه، قال بوتين إنه باع بالفعل الأنظمة الروسية لتركيا وإيران خلال تقديم عرضه.
من جهتها، لعبت المملكة العربية السعودية أوراقها بشكل حذر عن طريق الامتناع عن الرد على رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أعرب فيها عن التزام بلاده بالدفاع عن المملكة العربية السعودية في أعقاب الهجمات. ومن المحال ألا تمر ملاحظات دونالد ترامب مرور الكرام داخل المملكة ودول الخليج، والتي ركز خلالها على أن الهجمات كانت ضد السعودية ولم تكن موجهة ضد بلاده، وبأنه سيدعم الرد السعودي ويسانده في حال دفعت الرياض ثمن ذلك.
لا تعد هذه المرة الأولى التي تطرح فيها أسئلة تتعلق بالتزام الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالتمهيد لعودة إيران إلى الساحة الدولية عن طريق اتفاقية سنة 2015 التي تحد من البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية. والجدير بالذكر أن ما قام به أوباما كان ينبع عن اعتقاده بأن السعودية وإيران بحاجة إلى تقاسم السلطة في الشرق الأوسط.
بدأ هذا الوضع بالتغير عقب فشل ترامب في الاستجابة لإسقاط طائرة أمريكية دون طيار في شهر حزيران/ يونيو الماضي، حيث التزم الحذر في رد فعله على الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط في الخليج منذ ذلك الحين
تضاءل قلق الخليج من زيارة دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في أول رحلة خارجية له كرئيس بعد أشهر من توليه منصبه سنة 2017، فضلا عن انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الجمهورية الإسلامية. ويضاف إلى أسباب الارتياح الخليجي دعم الرئيس الأمريكي ودفاعه عن المملكة في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول.
في المقابل، بدأ هذا الوضع بالتغير عقب فشل ترامب في الاستجابة لإسقاط طائرة أمريكية دون طيار في شهر حزيران/ يونيو الماضي، حيث التزم الحذر في رد فعله على الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط في الخليج منذ ذلك الحين. وبات من الواضح تغير نهج الرئيس الأمريكي في التعامل مع استهداف المنشآت النفطية السعودية.
في شأن ذي صلة، قال الخبير السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن:” ترامب كان أسوأ من أوباما في رده على إيران، فلقد منح تقاعسه الضوء الأخضر لحدوث هذه التجاوزات. ولقد هاجمت إيران شريكا استراتيجيا للخليج العربي، وذلك بعد أن استفزها ترامب بالأساس وليس نحن. إننا نسمع الأمريكيين يقولون إنه يجب علينا الدفاع عن أنفسنا، إنه فشل تام وخيبة أمل كبيرة في هذه الإدارة”.
بسبب الاحساس المتنامي بأن الولايات المتحدة تغير نظرتها إلى الأهمية الاستراتيجية للخليج وشرعت في إدارة ظهرها إلى المنطقة بشكل تدريجي، بدأت دول الخليج تشعر بالقلق. ويضاف إلى ذلك أن واشنطن لم تعد تعتمد على واردات النفط الخليجية. ومن جهته، قال الباحث في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ستيفن كوك، إن:” الولايات المتحدة تغادر الخليج الفارسي، ولا يكون ذلك خلال السنة الحالية أو المقبلة، لكن هناك شك متنام بأنها في طريقها لذلك. إن القادة في الرياض وأبو ظبي والدوحة والمنامة ومسقط يفهمون ما يحدث، وقد اتخذوا إجراءَاتهم ضد الرحيل الأمريكي، ومن بين طرق ذلك تقديم مبادرات إلى الصين وروسيا وإيران وتركيا”.
أفادت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء أن ولي العهد محمد بن سلمان طلب مساعدة سيول لتعزيز نظام الدفاع الجوي للمملكة
في واقع الأمر، يكمن القلق في جذور الموقف السعودي والإماراتي الأكثر حزماً، والذي قاد إلى عدة سنوات من المبادرات السياسية والعسكرية الكارثية الفاشلة، بما في ذلك الحرب المدمرة في اليمن والمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية القائمة على الاستنزاف لقطر. وفي أعقاب الهجمات على منشآتها النفطية، بدأت السعودية في محاولاتها للوصول إلى بلدان أخرى للمساعدة في تعزيز دفاعاتها الجوية. وقد تكون استراتيجية الرياض مؤشراً على تغيير المواقف الخليجية تجاه الولايات المتحدة والانصياع لمطالبها بتقاسم الأعباء.
في هذا الصدد، أفادت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء أن ولي العهد محمد بن سلمان طلب مساعدة سيول لتعزيز نظام الدفاع الجوي للمملكة. وفي استجابته لطلب من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي إطار مجهوداته لتخفيف شكوك دول الخليج إزاء التزام الولايات المتحدة في المنطقة، قال البنتاغون إنه سيرسل عددًا غير محدد من القوات والمعدات إلى البلدين لتعزيز دفاعاتهما.
من جهته، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، جوزيف دانفورد، إن الولايات المتحدة ستساعد في توفير “نظام متعدد الطبقات من القدرات الدفاعية للتخفيف من مخاطر أسراب الطائرات دون طيار أو غيرها من الهجمات التي قد تأتي من إيران”. وفي محاولة لتعزيز العزلة الدولية لإيران وتقاسم الأعباء، فضلا عن تقليص المشاركة الأمريكية، قال الجنرال دانفورد إن الولايات المتحدة تبحث عن “شركاء دوليين آخرين للمساهمة أيضًا في الدفاع عن المملكة العربية السعودية”. والجدير بالذكر أن نشر القوات الأمريكية جاء في أعقاب قرار سعودي بالانضمام إلى تحالف بحري تقوده الولايات المتحدة لحماية الملاحة البحرية في الخليج.
مع ذلك، يمكن للحدود التي وضعها الرئيس الأمريكي لالتزام بلاده أن تجعل من عناصر المقترح الصيني المدعوم من قبل روسيا لتجديد بنية الأمن في المنطقة أكثر جاذبية. والجدير بالذكر أن حد الالتزام الأمريكي في المنطقة رسَّخه الرئيس جيمي كارتر في 1980 عن طريق القول إن بلاده ستستخدم القوة العسكرية إذا لزم الأمر للدفاع عن مصالحها الوطنية في الخليج.
علاوة على ذلك، سيشمل المقترح التخلص من عمليات النشر الدائم لقوات الدول غير الإقليمية في أراضي دول الخليج، وفي ذلك إشارة واضحة إلى القوات والقواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية
يتضمن المقترح الصيني مفهومًا للأمن الجماعي، والذي يحل محل مظلة الدفاع الأمريكية في الخليج ويضع روسيا كوسيط قوة إلى جانب الولايات المتحدة. ولتحويل هذا المقترح إلى واقع، يجب إنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب من قبل جميع الأطراف المشاركة، والذي من شأنه أن يكون محرك حل النزاعات في جميع أنحاء المنطقة وتعزيز ضمانات الأمن المتبادلة.
علاوة على ذلك، سيشمل المقترح التخلص من عمليات النشر الدائم لقوات الدول غير الإقليمية في أراضي دول الخليج، وفي ذلك إشارة واضحة إلى القوات والقواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية. ويضاف إلى هذه البنود إقامة نظام أمني “عالمي وشامل”، والذي يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف الإقليمية وغيرها من الأطراف المعنية في جميع مجالات الأمن. ويشمل ذلك العديد من الأبعاد، مثل مجال الطاقة والمجالات الاقتصادية والعسكرية.
من المتوقع أن يضم هذا التحالف كل من دول الخليج وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند وأصحاب المصالح الآخرين في المنطقة، وفي ذلك إشارة إلى إيران. ومن المحتمل أن يعلن عن هذا الإطلاق في مؤتمر دولي حول الأمن والتعاون في الخليج. في المقابل، يمكن لهذا البند أن يمثل كعب أخيل هذا المقترح ونقطة ضعفه الرئيسية، فمن الصعب تخيل أن الرياض ستقبل بالانضمام إلى اتفاق أمني يشمل طهران، لاسيما وأنها صرحت مرار وتكرارا بأنها ستجلس فقط مع إيران على طاولة واحدة للتفاوض حول شروط تكون غير مقبولة بالنسبة لخصمها الإقليمي.
لتعزيز أفضليتها المحتملة، قالت شركة الأسلحة الروسية “روسوبورون إكسبورت” إنها ستضع أحدث أنظمتها الدفاعية ضد الطائرات دون طيار ومركبات الهجمات الجوية الأخرى في معرض دبي للطيران في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. ويأتي هذا الإعلان بعد يوم واحد فقط من حث بوتين للرياض على اقتناء نظام الدفاع الجوي المضاد للصواريخ الروسي. وقال الخبير الروسي في شؤون دول الشرق الأوسط، أليكسي كليبنيكوف، إنه:” من الواضح أن الهجمات الأخيرة على منشآت النفط السعودية قد غيرت الكثير من الحسابات الأمنية في جميع أنحاء المنطقة”.
المصدر: مودرن ديبلوماسي