لم يكن اسمه مطروحًا على الساحة الإعلامية قبل نهاية 2014، إذ كان ضابطًا بالمخابرات الحربية التي كان يرأسها والده، لكن وبشكل تدريجي ممنهج استطاع أن يتصدر المشهد ويصبح الرجل الأقوى في واحد من أكبر الأجهزة السيادية في مصر (جهاز المخابرات العامة).
محمود السيسي.. نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي فرض اسمه مؤخرًا على الأضواء لدوره البارز في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي كان لها التأثير الأقوى في ترسيخ أركان نظام والده وتعبيد الطريق له نحو البقاء في الحكم حتى 2034.
ضابط المخابرات الحربية الذي انتقل سريعًا إلى المخابرات العامة وتم ترقيته بشكل استثنائي حتى بات الرجل الثاني في الجهاز، تردد اسمه مؤخرًا في العديد من التصريحات المنسوبة لنشطاء وقادة رأي عام اتهموه فيها بالتورط في العديد من قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.. فمن هو نجل الرئيس؟
الانتخابات البرلمانية 2015
في سبتمبر 2015 نشرت بعض المصادر الإعلامية فيما قالت إنه نقلاً عن مصادر سياسية إن محمود السيسي أحد أربعة أشخاص أداروا العملية الانتخابية التي كانت الأولى بعد تولّي السيسي الرئاسة في 2014، حيث أشارت في تقرير لها إلى أنه كان يرأس غرفة العمليات التي قادها لترتيب المشهد في مقر المخابرات.
التقرير كشف أن محمود ومساعديه من قاموا بصناعة قائمة “في حب مصر” التي هيمنت على مجلس النواب “البرلمان” التي كان لها دور كبير في تمرير القوانين والتشريعات التي ساعدت في ترسيخ أركان النظام الحاليّ، وأجهزت على كل الأصوات المعارضة النادرة تحت القبة.
الناشط السياسي حازم عبد العظيم، المحبوس حاليًّا على ذمة التحقيق بتهمة التحريض على مؤسسات الدولة، الذي كان مسؤول لجنة الشباب في حملة السيسي الرئاسية الأولى، قال في شهادة له عن كواليس الانتخابات البرلمانية 2015/2016 إن الجالسين على رأس الطاولة في الاجتماع الذي عقد في فبراير/شباط 2015 كانوا “وكيلاً من جهاز المخابرات مع أربعة من رجال المخابرات (ثلاثة منهم شباب بين الثلاثين والأربعين عامًا)”.
دوره في الإطاحة بخالد فوزي
تحت عنوان “ملامح التغيير في نظام السيسي: المزيد من السيطرة” نشر الصحفي المصري أحمد عابدين مقالاً في 19 من يوليو 2018، في موقع “الدرج”، تناول فيه دور نجل الرئيس في الإطاحة برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء خالد فوزي في يناير من نفس العام.
عابدين تطرق إلى الشكوك التي أحيطت بإقالة رئيس الجهاز المفاجئة التي بدأت – وفقًا لمصادر داخل الكيان السيادي – بمساهمته في تعطيل التعديل الدستوري الذي أراد السيسي تمريره في الفترة الأولى لمد فترات حكمه لأجل غير مسمى، وذلك بعد تقارير رفعها فوزي للسيسي تُشير إلى خطورة ذلك داخليًا وخارجيًا.
المصادر أضافت أن محمود، نجل السيسي، “عمل من بعدها على مراقبة فوزي وتتبع خطواته بمساعدة جهاز الأمن الوطني الذي اكتشف في النهاية طموح فوزي تولي رئاسة الجمهورية عبر خطة عَمِل عليها، كان من ملامحها خلق نفوذ قوي لنفسه داخل الجهاز، وتدريب شباب وإلحاقهم بوزارات وأجهزة الدولة لمساعدته على تنفيذ خطته، وهو ما جعل السيسي يدفع بأقرب رجاله – عباس كامل – إلى قيادة الجهاز للسيطرة على مراكز النفوذ داخل الجهاز، من المشكوك في تعارض وجهة نظر أعضائه أو آرائهم مع السيسي ونظامه، وذلك بمساعدة ابنه محمود”.
يوصف نجل السيسي بأنه مهندس التعديلات الدستورية – التي أجراها البرلمان المهيمن عليه من القائمة المصنوعة داخل جهاز المخابرات العامة- ، التي مهدت الطريق نحو بقاء والده في الحكم
وعلى الفور شكلت هذه الواقعة حدثًا استثنائيًا في حياة محمود الذي ترقى بشكل مفاجئ بعدها ليعين وكيل الجهاز رغم صغر سنه، إلا أنه بات الرجل الأقوى وصاحب الكلمة العليا في ظل وجود شخصية مثل كامل، مدير مكتب الرئيس الأسبق وأقرب المقربين إليه في دائرته المحيطة.
وكان مركز “يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” وهو مركز إسرائيلي بحثي مرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، قد ذكر في 13 من يناير/كانون الثاني 2017، أن السيسي يعمل على إحكام سيطرته على الأجهزة الاستخبارية المصرية من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا.
وأشار إلى أن الرئيس المصري عيّن نجله الأكبر محمود بمنصب كبير في جهاز سيادي، كمسؤول عن “الأمن الداخلي” في المخابرات العامة، حيث بات يوصف بأنه “الرجل القوي” في الجهاز الذي يشارك في الاجتماعات الرسمية التي يعقدها والده، بين أوثق مقربي السيسي الذين يسيطرون على المخابرات العامة، بعد تنفيذ عمليات “تطهير واسعة” بالجهاز.
اللواء خالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق
التعديلات الدستورية 2019
يوصف نجل السيسي بأنه مهندس التعديلات الدستورية – التي أجراها البرلمان المهيمن عليه من القائمة المصنوعة داخل جهاز المخابرات العامة -، التي مهدت الطريق نحو بقاء والده في الحكم الذي كان من المفترض دستوريًا أن يغادر الاتحادية في نهاية ولايته الثانية التي كان مقررًا لها أن تنتهي بنهاية 2022، هذا بخلاف توسيع صلاحيات السيسي.
صحيفة “نيويورك تايمز” كشفت في تقرير لها الدور الذي قام به وكيل جهاز المخابرات في تمرير تلك التعديلات، وذلك وفق ما نقله عنها موقع “مدى مصر” المستقل، لافتة إلى أن نجل الرئيس كان يدير الاجتماعات التي كانت تعقد لمناقشة خطط التمديد للسيسي وذلك قبل موعد التعديلات بعدة أشهر.
وأضافت أن اجتماعات شبه يومية كانت تجري بين مبنى المخابرات العامة في كوبري القبة وقصر الاتحادية الرئاسي بمصر الجديدة، من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتمّ تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء، فيما كان الإجماع أن محمود من كان يشرف يوميًا على تلك الاجتماعات بمساعدة مدير الجهاز عباس كامل.
ملفات أخرى كُشف النقاب عنها خلال الأيام القليلة الماضية، سلطت الأضواء مجددًا على محمود السيسي، على رأسها الاتهامات التي وجهها له الناشط السيناوي المعروف مسعد أبو فجر، بالتورط في قضايا فساد داخل سيناء
كما أوضحت أن تعليمات وجهت للبرلمان بسرعة مناقشة الملف والتصويت عليه في أقرب وقت، وبالفعل انتهى الأمر أسرع مما كان يتخيل الكثيرون، ففي غضون 3 أشهر فقط توج المشهد باستفتاء وإقرار التعديلات والبدء في العمل بها فورًا.
مقتل ريجيني
شكوك أخرى أوردتها بعض الصحف العالمية بشأن علاقة نجل السيسي بمقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي اختفى في يناير/كانون الثاني 2016 قبل أن يعثروا على جثته ملقاة في أحد الطرق الرئيسية على حدود العاصمة المصرية.
إذ قالت مجلة لسبريسو الإيطالية في تقرير نشر عام 2016 إنها لا تستبعد أن يكون محمود السيسي أحد المطلعين على معلومات خاصة بشأن الباحث الإيطالي القتيل حتى قبل اختفائه، وهي القضية التي أثارت الجدل في الشارعين المصري والإيطالي على حد سواء، ووجهت أصابع الاتهام فيها إلى ضباط رفيعي المستوى في جهاز الأمن المصري.
وذكرت لسبريسو أنها اطلعت على تفاصيل مقلقة بشأن دور نجل الرئيس، وردتها عبر منصة “ريجينيليكس” الإلكترونية التي أطلقتها المجلة لتسليط الضوء على مقتل ريجيني، لكنها قالت إنها تمتنع عن نشر تلك التفاصيل لأن المسألة حساسة وتلك التفاصيل وردت من مصادر مجهولة، على حد قولها.
تهم بالفساد
ملفات أخرى كُشف النقاب عنها خلال الأيام القليلة الماضية، سلطت الأضواء مجددًا على محمود السيسي، على رأسها الاتهامات التي وجهها له الناشط السيناوي المعروف مسعد أبو فجر، بالتورط في قضايا فساد داخل سيناء.
أبو فجر في مقطع فيديو له كشف أن الرئيس السيسي استقبل من وصفهم بـ”تجار البودرة (مخدرات)”، داخل قصر الاتحادية، مؤكدًا أن “محمود نجل السيسي هو الذي يدير تجارة تهريب البضائع في سيناء إلى قطاع غزة، ويتحصل على مكتسباتها المالية ومعه قيادات في الجيش”.
واستطرد قائلاً: “الذي يقول عن نفسه إنه شريف، هل تريد أن تخدعنا بالشرف؟ هل تود خداعنا؟ وأن نكذب على بعضنا البعض؟ البيزنس الذي يذهب إلى غزة كله يقف خلفه نجلك محمود وشركاؤه”.
وفي الإطار ذاته قال: “الحرب في سيناء ليست حقيقية، حيث إن عدد الإرهابيين لا يتجاوز بحسب أقصى التقديرات ألفين، وهم معروفون لدى أهالي سيناء”، مشددًا على أن “أهل سيناء قادرون على القضاء على الإرهاب خلال وقت وجيز جدًا، وهم يقدمون هذا العرض بشكل متكرر، لكن لا توجد إرادة لذلك لدى النظام”.
ونوه إلى أن “هناك شيخ قبيلة سيناوية يدعى عطا الله قدم عرضًا للمخابرات بالسماح له بالقضاء على الإرهابيين، لكن الجيش رفض وطلب منه أن يتعاون مع الأمن لكن شيخ القبيلة رفض، وقال إنه لن يعمل جاسوسًا، ومع إصرار شيخ القبيلة على موقفه، فوجئ أهالي قبيلته بتصفية الشيخ ذي الستين عامًا، ولا أحد يعرف من يقف وراء قتله”.
وفي السياق نفسه اتهم الناشط السياسي وائل غنيم، أحد أبرز نشطاء ثورة 25 يناير، نجل السيسي بالوقوف وراء اعتقال شقيقه الذي يعمل طبيبًا للأسنان، مضيفًا أن القوة التي داهمت المنزل صادرت جوازات سفر الأسرة أيضًا.
غنيم المقيم في الولايات المتحدة أضاف أنه تلقى تهديدات من المخابرات التي طالبته بضرورة التوقف عن نشر فيديوهات عبر صفحته على الفيسبوك ينتقد فيها الرئيس المصري ونظام الحكم في مصر، مؤكدًا أن شقيقه حازم لا علاقة له على الإطلاق بالعمل السياسي، وأن إلقاء القبض عليه الهدف منه إسكاته ووقفه عن الانتقادات التي يوجهها للنظام.
إمبراطورية السيسي
لم يكن محمود وحده صاحب النفوذ في أسرة الرئيس المصري، فالإمبراطورية التي نجح السيسي في بنائها تسير عبر جناحين أساسيين: الأول وهو الأقوى والأشد تأثيرًا وسطوة، ويتزعمه النجل الثاني له، وكيل جهاز المخابرات العامة، الذي أُوكل له مهمة قطاع الأمن الداخلي، وتمكن من توجيه ضربات متتالية لمعارضي والده داخل الجهاز، حيث أقال السيسي نحو 17 قيادة بالمخابرات العامة إثر أزمة التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، إلى جانب التخلص من رئيس الجهاز السابق، ليصبح الرجل الأهم بأقوى قسم في المخابرات المصرية.
أما الجناح الثاني فهو جهاز الرقابة الإدارية الذي بدأ يلمع نجمه في الآونة الأخيرة بعد ترقية نجل الرئيس الأكبر المقدم مصطفى، خريج الأكاديمية العسكرية، حيث فرض نفسه على الساحة بعد الضربات القوية التي وجهها الجهاز لبؤر الفساد في القطاع الحكومي، لتصبح الرقابة الإدارية الجهاز الرقابي الأول في البلاد متخطية باقي الأجهزة الرقابية على رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات الذي كان يتصدر المشهد حتى قبل مجيئ السيسي.
لا تتوقف الإمبراطورية عند هذا الحد، إذ تكتمل بالضلع الثالث بتعيين نجله الأصغر، حسن، بجهاز المخابرات العامة ذلك، وهو المتزوج من داليا حجازي، ابنة رئيس أركان الجيش السابق والمستشار الحاليّ للسيسي الفريق محمود حجازي الذي أقيل من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2017، التي تعمل بالنيابة الإدارية.
ورغم معارضة البعض لهذا الطرح فإن حديث يدور في الأفق عن سيناريوهات الدفع بمحمود إلى المناصب الرفيعة، وتوليه الكثير من الملفات الحساسة في الدولة، حيث يذهب البعض إلى أن مسألة التوريث ليست مستبعدة، أسوة بما حدث مع جمال، نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك.