تتواصل التداعيات السلبية للبريكست على الشركات البريطانية، هذه المرة وصلت التداعيات حد إعلان إفلاس أقدم الشركات السياحية في العالم، وهي توماس كوك، بعد فشلها في عمليات الإنقاذ، فما القصة الكاملة لهذه العملية؟
تصفية الشركة
في خطوة مرتقبة، أعلنت شركة توماس كوك، إحدى أكبر شركات السفر في بريطانيا، في وقت مبكر من اليوم الإثنين، أنها تقدمت بطلبات للتصفية بسبب الإفلاس مما أدى إلى وقف جميع أعمال الشركة على الفور.
قالت المجموعة في بيان: “رغم الجهود الكبيرة، لم تسفر المناقشات عن اتفاق بين المساهمين والممولين الجدد المحتملين”، وأضاف البيان “لذلك، خلص مجلس إدارة الشركة إلى أنه ليس لديه خيار إلا اتخاذ خطوات للدخول في تصفية إلزامية بمفعول فوري”.
عملية التصفية هذه ستنهي عمل واحدة من كبريات شركات السياحة في العالم وأقدمها على الإطلاق
جاء في بيان نُشر على موقع شركة توماس كوك عبر الإنترنت “تم تقديم طلب إلى المحكمة العليا لتصفية الشركة إجباريًا قبل بدء العمل اليوم الإثنين وتم منح أمر بتعيين الحارس القضائي بصفته القائم على تصفية الشركة”.
وفي بيان للشركة، اعتذر الرئيس التنفيذي بيتر فانكهاوزر، للموظفين والعملاء، قائلاً إنه كان “يومًا حزينًا للغاية”، وأضاف “من دواعي الأسف العميق لي ولبقية أعضاء مجلس الإدارة أننا لم ننجح، أود أن أعتذر للملايين من عملائنا ولآلاف الموظفين والموردين والشركاء الذين ساندونا لسنوات عديدة”.
كانت “توماس كوك” قد سعت في الفترة السابقة إلى إيجاد حل للأزمة المالية التي ضربتها، عبر الحصول على تمويل إضافي بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني (250 مليون دولار) بالإضافة إلى ضخ رأس مال جديد بقيمة 900 مليون جنيه إسترليني، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل.
وسبق أن واجهت الشركة في الفترة السابق صعوبات مالية امتدت لعدة أشهر، حيث وقعت اتفاقية إعادة الرسملة الرئيسية مع شركة فوسون الصينية، المساهم بنسبة 18%، وكذلك مع بنوكها ودائنيها، لكنها لم تفلح في عملية الإنقاذ.
أقدم الشركات العالمية
عملية التصفية هذه ستنهي عمل واحدة من أكبر شركات السياحة في العالم وأقدمها على الإطلاق. إذ يعود تاريخ انطلاق نشاط توماس كوك إلى سنة 1841، وكان ذلك من خلال تنظيم رحلات محلية عبر خطوط السكك الحديدية قبل أن تجتاز حربين عالميتين لتصبح رائدة في عروض الرحلات والسياحة الجماعية.
سجلت الشركة في النصف الأول لهذه السنة خسارة كبيرة قدرت بـ1.5 مليار جنيه إسترليني (1.7 مليار يورو)
قبل عملية التصفية، كانت شركة توماس كوك البريطانية المثقلة بالديون، تمتلك نحو 2600 وكالة سفر و33 من منظمي الرحلات السياحية، كما تمتلك 89 طائرة، وأيضًا المئات من المنتجعات والفنادق، وتقدم الشركة خدمات إلى أكثر من 19 مليون شخص سنويًا منتشرين في 16 دولة حول العالم.
يبلغ حجم مبيعات الشركة السنوية 9 مليارات جنيه إسترليني، ويعمل بها 22 ألف موظف، من بينهم 9 آلاف في بريطانيا، وقد تضررت توماس كوك جراء تراكم ديون بلغت 1.7 مليار إسترليني (2.1 مليار دولار) نتيجة عوامل عدة.
أولى ضحايا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
في مايو/أيار الماضي، ألقى رئيس المجموعة بيتر فانك هاوسر باللوم – عند نشر بيانات المجموعة المالية – على البريكست الذي تسبب بإغراق ميزانية الشركة وتكبدها خسارات كبيرة، خصوصًا أن الزبائن أرجأوا رحلاتهم مع عدم معرفتهم بما سيؤول إليه ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفق قوله.
وكان البريطانيون قد صوتوا بأغلبية طفيفة لفائدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في استفتاء جرى يوم 23 من يونيو/حزيران 2016، ومنذ ذلك الحين دخلت لندن في مفاوضات عسيرة مع الاتحاد للاتفاق على صيغة للانفصال، لكن إلى الآن لم يتم الوصول إلى اتفاق.
الآلاف في المطارات ينتظرون موعد سفرهم
سبق أن عبر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون أن خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي سيكون “كوضع قنبلة تحت اقتصادها”، حيث سيسبب الخروج من الاتحاد مرحلة من الغموض تستمر لسنوات برأي كاميرون، وسيجبر بريطانيا على توقيع اتفاقات تجارية أخرى مع الاتحاد مما سيؤثر سلبًا على اقتصادها.
وسجلت الشركة في النصف الأول لهذه السنة خسارة كبيرة قدرت بـ1.5 مليار جنيه إسترليني (1.7 مليار يورو)، بقيمة مبيعات بلغت نحو 10 مليارات جنيه، نتيجة إحجام السياح الذين يشعرون بالقلق من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، على العمل معها.
أكبر عملية ترحيل منذ الحرب العالمية الثانية
بعد إعلان إفلاس شركة توماس كوك، وجد العالم نفسه أمام أكبر عملية ترحيل للمدنيين منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يوجد الآن أكثر من 600 ألف عميل للشركة خارج بلادهم في عطلات، بما في ذلك ما يصل إلى 150 ألف من بريطانيا، مما يضطر الحكومات وشركات التأمين لتنسيق عملية إعادة ضخمة.
ومن المنتظر أن يتم تنظيم عملية الإعادة إلى الوطن من هيئة الطيران المدني البريطانية، كما فعلت مع إفلاس شركة الطيران البريطانية مونارك في أكتوبر/تشرين الأول 2017، ومن المتوقع أن تصل تكلفة هذه العملية إلى عدة مليارات جنيه، منها 600 مليون دولار للجزء البريطاني فقط، على حساب السلطات.
#Urgent Faillite de Thomas Cook : le rapatriement de 150 mille clients aura lieu du 23 septembre au 6 octobre (Autorité de l'aviation civile britannique) pic.twitter.com/YwAmEEteOp
— ANADOLU AGENCY (FR) (@aa_french) September 23, 2019
قالت وزارة النقل في المملكة المتحدة في بيان لها: “الحكومة وهيئة الطيران تطلقان أكبر عملية لإعادة مدنيين في تاريخ وقت السلم”، فيما قامت السلطات البريطانية بتنشيط خطة طوارئ يطلق عليها “عملية ماترهورن”، سميت باسم حملة قصف أمريكية للقوات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.
قالت هيئة الطيران المدني في تحذير سفر صدر الإثنين: “إذا كان من المقرر لك أن تغادر من مطار بالمملكة المتحدة مع شركة طيران توماس كوك، فالرجاء عدم السفر إلى مطار بالمملكة المتحدة، حيث إن رحلتك لن تنطلق ولن تتمكن من السفر”، وأضاف التحذير “إذا كنت حاليًّا بالخارج وفي طريق العودة إلى المملكة المتحدة مع توماس كوك، فإننا نعمل على توفير رحلات جديدة لإعادتك إلى المملكة المتحدة”.
The first Civil Aviation Authority repatriation flight has now left JFK, headed for Manchester with over 300 passengers on board.
It is estimated to arrive at 5PM today.
If you have been impacted by #ThomasCook ceasing trading, please visit our website:https://t.co/g4G2b6RlHc pic.twitter.com/pfVPG6bL6Y
— UK Civil Aviation Authority (@UK_CAA) September 23, 2019
أكدت هيئة الطيران المدني تأمين طائرات خاصة لهذه العملية الضخمة التي يجب أن تستمر حتى 6 من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، على الرغم من أن بعض السياح سيكونون قادرين على العودة عن طريق الرحلات الجوية التجارية.
في الوقت الحاليّ، تتوافر رحلات العودة إلى الوطن فقط للعملاء الذين بدأت رحلتهم في المملكة المتحدة، أما بالنسبة للعملاء غير البريطانيين الذين يسافرون في جولة تنظمها توماس كوك فيتعين عليهم تنظيم أنفسهم للعودة إلى بلدهم الأصلي.
وسيستفيد العملاء من ضمان ATOL الذي يستمد من التوجيه الأوروبي، وبالتالي يمكن للعملاء الذين اشتروا إقامة لم يستخدموها بعد “استرداد كامل المعاليم”، فيما سيكون العالقون في الخارج قادرين أيضًا على استرداد التكاليف المتكبدة في الحال إذا تأخرت عودتهم.