ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يتطلب الأمر سوى نشر مقطعَيْ فيديو يزعمان وجود فساد حكومي لإشعال فتيل الاضطرابات داخل الشوارع المصرية. وبدلا من مواصلة بيع الأسلحة، ينبغي على دول على غرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا إيلاء اهتمام أكبر لهذه المسألة.
في الحقيقة، تستند هذه الاحتجاجات البسيطة المناهضة للحكومة والتي اندلعت في نهاية الأسبوع ضد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاستبدادي، إلى التطلعات الجامحة لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاقتصادية. وردّد المتظاهرون الذين طاردهم أعوان الشرطة مستخدمين هراوات، شعارات انتفاضات الربيع العربي بينما داسوا على لافتات تحمل صورة السيسي.
لم تنتج هذه المظاهرات التي دفعت المصريين في العديد من المدن إلى تحدّي قوات الأمن التابعة للسيسي في الشوارع بشكل جماعي لأول مرة منذ عدة سنوات، عن دعوات النشطاء والمدافعين عن الديمقراطية إلى التغيير
في هذا الشأن، قال أحد الناشطين في القاهرة: “يتسم المحتجين الذين جابوا الشوارع بالشجاعة نظرا لأنها خطوة في غاية الخطورة. ويكتسي هذا الوضع أهمية بالغة، فعلى الرغم من أعداد المتظاهرين الضئيلة، إلا أنها تعكس حركة أكبر وأكثر جرأة مقارنة بالاحتجاجات الحاشدة والسلمية الأخرى”.
لم تنتج هذه المظاهرات التي دفعت المصريين في العديد من المدن إلى تحدّي قوات الأمن التابعة للسيسي في الشوارع بشكل جماعي لأول مرة منذ عدة سنوات، عن دعوات النشطاء والمدافعين عن الديمقراطية إلى التغيير. وفي الواقع، ظهرت الشرارة الأولى على خلفية انتشار سلسلة من مقاطع الفيديو التي تدعي وجود فساد وإهدار للمال العام من قبل مقاول مصري ظهر مؤخرا يدعى محمد علي.
في حديثه من المنفى في إسبانيا، استخدم محمد علي مفردات جريئة للتحدث عن بائع متجول خسر جميع بضاعته بسبب شرطي فاسد بهدف وصف كيفية تعرّضه للسرقة من قبل السيسي وزمرة من الجنرالات التابعين له ونهبهم لمبلغ قدره 13.3 مليون دولار، ما تسبب في إفلاس شركته ومواصلة إفلاس موارد البلاد من خلال استخدام المال العام في بناء قصورهم.
في سياق متصل، ذكر المقاول المتضرر مجموعة من الأسماء ومشاريع بناء ضخمة، ليشرح كيفية إهدار السيسي وكبار ضباطه المال على فندق سبعة نجوم على ملك فرع المخابرات العسكرية، علاوة على بناء القصور والمنازل الفخمة الشخصية للضباط، واختلاس الأموال. وفي صفحته على فيسبوك، نشر محمد علي فيديو من سلسلة من المقاطع والمنشورات التي بدأت الظهور في الثاني من أيلول/ سبتمبر الحالي واستمرت إلى حدود دعوته إلى الخروج إلى الشارع والاحتجاج يوم الجمعة قائلا: “لقد حطموا أحلامي ودفعوني إلى مغادرة بلدي خشية أن يلحقوا الضرر بي وبأطفالي”.
وفقًا للمحللين المصريين، يعكس رد فعل السيسي على هذه الادعاءات النبرة المتعجرفة التي يستخدمها حين يخاطب الشعب المصري
من جهة أخرى، وعلى الرغم من محاولة فرض رقابة على مقاطع الفيديو، إلا أن هذه المقاطع انتشرت على نطاق واسع لتساهم في حثّ مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين الذين طردوا إلى المنفى بسبب حملة السيسي غير المسبوقة لقمع المجتمع المدني، للمضي قدما في حبك مخططاتهم ضد السيسي من الخارج والتي بدأت بالأساس منذ الإطاحة بهم من السلطة في سنة 2013 وملاحقة النظام لهم. وفي الواقع، لا ينتمي رجل الأعمال الذي يزعم وجود مؤامرات وأدلة على الكسب غير المشروع داخل قاعات السلطة، إلى جماعة الإخوان المسلمين، لكنه نجح في التواصل مع عامة الشعب بطريقة لم ينجح الإسلاميون في فعلها على مدى سنوات.
وفقًا للمحللين المصريين، يعكس رد فعل السيسي على هذه الادعاءات النبرة المتعجرفة التي يستخدمها حين يخاطب الشعب المصري، إذ صرّح خلال ظهور له يوم 14 أيلول/ سبتمبر الحالي بكل ثقة قائلا: “نعم، أنا بصدد تشييد قصور جديدة لن تكون لي، وأنا بصدد بناء دولة جديدة”.
يختلف أسلوب السيسي عن الطريقة القائمة على بناء توافق في الآراء الخاصة بالدكتاتور حسني مبارك والذي تولى الحكم في مصر لفترة طويلة. وعموما، تسبب هذا الأسلوب منذ فترة طويلة في إثارة سخط المصريين من جميع الطبقات. وتجدر الإشارة إلى أن السيسي تولّى مقاليد الحكم في أعقاب الانقلاب الذي حظي بدعم شعبي سنة 2013 ضد حكومة محمد مرسي التابع للتيار الإسلامي، حيث أضحى النظام أكثر استبدادا على مدى السنوات الست الماضية، ما يظهر من خلال الزج بالمعارضين المحتملين في السجن أو تهميشهم، علاوة على الحرص على إخراس حتى أبسط مظاهر السخط العام.
قبل أيام قليلة من الاحتجاجات، نشر الناشط في شبه جزيرة سيناء التي تعيش على وقع الاضطرابات، مسعد أبو فجر مقطع فيديو تحدث فيه عن الفساد المتفشي لاسيما فيما يتعلق بمعركة الجيش ضد المناضلين، متهما نجل السيسي محمود بالاستفادة من أعمال التهريب إلى قطاع غزة المجاور. وعلى حد تعبير أبو فجر: “تصبّ جميع الأعمال الموجهة نحو غزة في صالح محمود وشركاته” مضيفًا أن قائدًا آخر كان يستفيد من المال العام ليبني لنفسه فيلا فاخرة.
من جهته، يقول عمرو مجد، وهو باحث مصري في منظمة هيومن رايتس ووتش إن: “الجميع يتابع مصر خلال السنوات القليلة الماضية ويدرك أنها على شفا الغليان
لقد أثارت هذه الاتهامات غضب المصريين الذين مروا بأوقات عصيبة. وعلى الرغم من تعابير الاستحسان الصادرة عن كل من وكالات التصنيف والمحللين الماليين الغربيين الذين أثنوا على تدابير التقشف ومعدلات النمو في مصر، إلا أنه وفقًا للإحصاءات التي نشرتها السلطات المصرية، دخل 5 بالمئة من السكان إلى دائرة الفقر خلال السنوات القليلة الماضية علما وأن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن 60 بالمئة من المصريين يعتبرون فقراء.
من جهته، يقول عمرو مجد، وهو باحث مصري في منظمة هيومن رايتس ووتش إن: “الجميع يتابع مصر خلال السنوات القليلة الماضية ويدرك أنها على شفا الغليان. وفي الحقيقة، يعد السيسي زعيما استبداديا يختلف كثيرا عن مبارك حيث يعاني من مشاكل نفسية وعاطفية حقيقية. ولا يتعلق الأمر بحكم البلاد فحسب، بل يتعلق بالرغبة في السيطرة المطلقة”.
تراهن الدول الغربية على مصر في عهد السيسي كقوة لتحقيق “الاستقرار” في الشرق الأوسط. ووفقًا لجماعة الضغط التي تعرف بالحملة ضد تجارة السلاح، وافقت المملكة المتحدة على حوالي 141 مليون جنيه إسترليني مخصصة لمبيعات الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة التي يمكن استخدامها من أجل التصدي للاحتجاجات في الشوارع. علاوة على ذلك، تبيع الولايات المتحدة وفرنسا أسلحة مصرية بمليارات الدولارات، وهي أموال يمكن استخدامها لتخفيف معاناة الشعب المصري.
بحسب المعطيات الواردة، وصف الرئيس دونالد ترامب السيسي بأنه “ديكتاتوره المفضل”، حيث أعرب هذا الأخير بالإضافة إلى زعماء العالم الآخرين خلال قمة مجموعة السبع الأخيرة عن دعمهم للزعيم المصري. في المقابل، يمكن أن تتسبب بعض الأصوات المعارضة في مقاطع فيديو محلية الصنع إلى العديد من الاضطرابات التي ينبغي أن تدفع العواصم الغربية التي تستمر في التعويل على السيسي إلى إعادة النظر في قراراتها.
المصدر: الإندبندنت