ترجمة وتحرير: نون بوست
سأكون كاذبة إن أنكرت أنني لم أقل الأكاذيب في حياتي. فجملة من قبيل “أتمنى لو كان باستطاعتي الذهاب، لكنني مشغولة”، تعني في الحقيقة “أفضل البقاء في البيت على أريكتي”، أما “آسفة، نسيت أن أجيب” فمعناها الحقيقي هو “آسفة، إنّني أتجنبك”. (يأمل جزء مني في أن لا يؤدي هذا الاعتراف إلى إضعاف مصداقيتي تماما، لكن جزءا آخر مني متأكد من أن الكثير من الناس الذين يقرأون حاليا هذا التقرير يستطيعون فهمي.)
أسمّي هذا الأمر بالأكاذيب البيضاء، أو حسب قاموس ميريام وبستر “كذبة حول أمر صغير، أو غير هام، يقولها الشخص لتفادي إيذاء شخص آخر”. لا يعني ذلك أنني أستمتع بالكذب، وإنما أحاول التصرف بأدب. لكن استنادا إلى ما تعلمته أثناء كتابتي لهذا المقال، لا يؤيّد الخبراء رأيي ذلك أن دوافعي للكذب لا تقتصر فقط على محاولة التصرف بتهذيب.
لقد أخبرني روبرت فيلدمان، أستاذ علم النفس بجامعة ماساتشوستس في أمهرست والمتخصص في “الخداع اللفظي”، أن أكبر سبب لعدم صدق الناس يتمثل في أن “الكذب تكتيك اجتماعي فعال جدا”. وأضاف قائلا “لا يتوقع الناس أن يكذب عليهم الآخرون، بل يتوقعون سماع الحقيقة منهم، وهو ما يساعد الأشخاص الذين يكذبون على الإفلات بفعلتهم”. وفيما يلي، يشرح فيلدمان سبعة أسباب وراء تلاعب الناس بالحقيقة، وانتقالهم من قول الأكاذيب البيضاء إلى الكذب بشكل قهري.
للمجاملة
يقول فيلدمان إن المجاملة تمثل إحدى أكثر أشكال الخداع شيوعًا، والتي لا تبدو مفاجئة للغاية. كم مرة يقول لك الناس “كن صادقا!” عندما تخبرهم أنك تحب قصة شعرهم الجديدة؟ في الواقع، يشكك الناس في صدق الإطراء الزائف لأنهم يدركون أنها ليست خالصة في أغلب الحالات. فقد يجاملك أحدهم إما بنية التقرب منك، أو تجنبا للإحراج، أو إقناعك بأن تسدي لهم معروفًا، أو لكسب ثقتك وغيره من الأسباب.
لتجنب الإحراج
أنا على دراية كبرى بهذا السبب، كما شرحت أعلاه. ففي الحقيقة، لا يزعجني إخبار أصدقائي المقربين أنني أفضل البقاء في المنزل في بيجامة نومي بدلاً عن الذهاب إلى إحدى الحانات ليلة الجمعة، لكن عندما يتعلق الأمر بأشخاص لا أشعر معهم بالراحة، أفضل قول “أتمنى لو كان باستطاعتي الذهاب، لكنني مشغولة”. حيال هذا الشأن، يقول فيلدمان إن الكذب لتجنب الإحراج يعود إلى رغبة الشخص في أن يكون محبوبًا من قبل الآخرين، وأن لا يخيب ظن أي أحد.
للتأثير على الآخرين
أفاد فيلدمان بأن “الناس يكذبون لجعل الآخرين يفعلون ما يريدونه”. وفي هذا الصدد، استشهد فيلدمان بمثال البائعين المتجولين. فلنفترض أن البائع يروج لغسول للوجه، ويتحدث بحماس عنه مشيرا إلى أنه عانى طوال حياته من حب الشباب لكن لم ينجح في التخلص منه حتى عثر على هذا المنتج، الذي يعتبر أروع منتجات تنظيف البشرة. قد يقول إنه غيّر حياته ومن الممكن أن يغير حياتك. لكن هل ما يقوله صحيح؟ ربما ليس كذالك. هل هو تكتيك فعال؟ نعم هو كذلك في كثير من الأحيان.
لتجنب النتائج السلبية
قال فيلدمان، لنفكر في الطفل الذي كسر كأسا. عندما يسأل الوالدان الطفل عما إذا كسر الكأس، قد يجيب بأنه لم يفعل ذلك حتى في حال كانت كذبته واضحة. وحسب فيلدمان “كلما تقدم بنا العمر، نتعلم الكذب بطريقة أفضل”، وهذا يعني أن الناس يستمرون في حماية أنفسهم، لكن من الصعب أن نعرف بشكل مؤكد ما إن كانوا غير صادقين. علاوة على ذلك، يكذب الناس أيضا لحماية الآخرين، فمثلا قد يقول الأخ الأكبر بأنه رأى الكلب يوقع الكأس على الرغم من أنه يعلم أن شقيقه هو الفاعل.
لتحقيق نتائج إيجابية
يرى فريدمان أنه الممكن أن يكذب الناس لتحقيق نتائج إيجابية لصالحهم أو لصالح الآخرين. وتعتبر المبالغة في وصف التجربة في السيرة الذاتية أو خلال مقابلة العمل طريقة قديمة يكذب من خلالها الناس من أجل الحصول على ما يريدونه. وينطبق الأمر ذاته على الأشخاص الذين يحاولون مساعدة صديق حتى يتم قبوله في العمل في الشركة. (لأن الجميع يرغب في أن يعمل مع صديقه في المكتب) لذلك من الممكن أن يبالغ الشخص في وصف تجربة صديقه لمدير الموارد البشرية، ويتحدث عن مدى نجاحه وجدارته، لرفع حظوظه في الحصول على المنصب والحصول على زميل عمل يتفاهم معه.
حتى تبدو أكثر إثارة للإعجاب
أشار فيلدمان إلى أن “الأشخاص يرغبون في جعل الآخرين يعجبون بهم، أو ينبهرون بهم، أو التأثير فيهم. وفي بعض الحالات، قد يرغبون كذلك في ترهيب الآخرين”. فعلى سبيل المثال، قد يبالغ المدير في الحديث عن نجاحاته السابقة لمنع الزملاء من تحدي قراراته. وهذا الأمر يذكر بقصة آنا دلفي التي قدمت نفسها كوريثة ألمانية لإبهار الطبقة الغنية وعيش حياة راقية.
لمواصلة كذبة سابقة
أكد فيلدمان أن الأكاذيب لها نفس تأثير كرة الثلج، “إن كذبت حول شيء صغير في البداية من أجل تغطية كذبة سابقة، قد تضطر أحيانا لتكذب أكثر فأكثر”. إنه شيء رأيته على البرامج التلفزيونية والأفلام والكتب وحتى في الحياة الواقعية. لا توجد كذبة لا يمكن كشفها مهما كانت صغيرة، لهذا السبب يعد الصدق كما يقال هو السياسة الأفضل.
المصدر: هيلث