“الجميع لديه مظاهرات.. لا لست قلقًا بشأنها، مصر لديها زعيم عظيم”، بهذه الكلمات أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمه لنظيره المصري عبد الفتاح السيسي وذلك خلال لقاء جمع بينهما أمس الإثنين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
تصريحات تأتي في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس المصري على خلفية التسريبات التي بثها الفنان المقاول محمد علي الذي كشف من خلالها إهدار المال العام للدولة على بناء القصور الرئاسية الفارهة بينما يعاني المصريون من أزمات اقتصادية طاحنة ألقت بما يقرب من 30 مليون مواطن في مستنقعات الفقر.
دعم أثار حالة من الجدل داخل الشارع السياسي المصري الذي انقسم إلى قسمين: أحدهما يراه ضوءًا أخضر للإجهاز على هذا الحراك في ظل دعوات لمليونية الجمعة القادمة، وهو ما يعزز موقف الرئيس ونظامه، فيما يعتبره آخرون لا محل له من الإعراب، مستندين في ذلك إلى موقف الخارجية الأمريكية في 25 يناير 2011 حين أعلنت دعمها الكامل للرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم انحازت فيما بعد لإرادة الشعب المصري.
أبعاد دعم ترامب
عقلية التاجر التي تستحوذ على أدوات الرئيس الأمريكي وتشكل توجهاته الخارجية لا شك أنها حاضرة في كل كلمة أو موقف يتخذه خاصة إن كان غير ذي أهمية بالنسبة للمواطن الأمريكي داخليًا، هذا في الوقت الذي تمتزج فيه الكثير من قرارات الرجل بالبُعد الشخصي حتى إن تعارضت مع مصالح بلاده.
لم يكن موقف ترامب من السيسي موقفًا عشوائيًا، فبعيدًا عن العلاقة الشخصية التي تربطهما، فطالما أغدق المديح على السيسي في عدة لقاءات جرت بينهما، وتحدث عن “كيمياء” جيدة في تلك العلاقة، فهناك وجه آخر ربما لا يختلف كثيرًا في النتيجة الإجمالية لهذه الكيمياء بين الرجلين.
ففي تسريبات صحفية كشفتها بعض الصحف الأمريكية منها “وول ستريت جورنال” يرى الرئيس الأمريكي السيسي كـ”ديكتاتوره المفضل” يخدم مصالح أمريكا في الشرق الأوسط، إذ كانت له إسهامات قوية في إنقاذ المنطقة من الفوضى والتصدي للجماعات المتطرفة على حد قوله.
رفعت الحركة المدنية الديمقراطية، بالأمس، 6 مطالب أخرى، قالت إنها ضرورية لتهدئة المظاهرات في الشارع على رأسها المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأى المحبوسين احتياطيًا
لم تكن العلاقات الشخصية وحدها وراء دعم ترامب للرئيس المصري، فالدور الذي قام به الأخير في عدد من الملفات والقضايا الحساسة عزز هذا الموقف، على رأسها العلاقات القوية مع “إسرائيل”، الحليف الأبرز للولايات المتحدة في العالم، فكثيرًا ما عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مرة عن مدى إعجابه بالدور الذي يقوم به السيسي، وأثنى على “حكمته” و”شجاعته” وعلى “الصداقة” التي تجمع بينهما.
مراكز الأبحاث الصهيونية واليهودية داخل “إسرائيل” وفي الولايات المتحدة ترى في السيسي ضمانًا قويًا لأمنها القومي، وهو ما توصل إليه مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي بأن “تعزيز وضمان استقرار نظام السيسي مصلحة قومية لإسرائيل” ومن ثم خرجت التوصيات بضرورة دعمه ومساندته حيال أي أزمة من الممكن أن تهدد استمراره.
عطفًا على ما سبق فإن تماسك المؤسسة العسكرية المصرية هو الضامن الأبرز لاستمرار تلك العلاقة بين النظام المصري الحاليّ من جانب وإسرائيل والولايات المتحدة من جانب آخر، وعليه يرى الأخيران أن المصلحة العامة تقتضي استقرار الأوضاع في مصر وعدم تعرضها لهزة ربما تعيد رسم خريطة تلك العلاقات مستقبلاً، وهو ما حدث إبان فترة الرئيس الراحل محمد مرسي.
هل تعتبر ضمانة للسيسي؟
بعيدًا عن حالة التفاؤل التي خيمت على أنصار الفريق الداعم للسيسي بعد تصريحات ترامب، يبقى السؤال الأبرز الآن: هل يعتبر هذا الدعم ضمانًا للرئيس المصري وحائط صد ضد أي محاولات لهز عرشه؟ الإجابة عن هذا السؤال لها شقين: الأول يتعلق بمسار العلاقة بين الرئيسين خلال العامين الأخيرين، والثاني يذهب إلى الشواهد التاريخية السابقة ومدى ما كان لأمريكا الكلمة العليا في مجريات الأحداث التاريخية في مصر.
أولاً من الواضح أن العلاقة بينهما ليست مثمرة على طول الخط لكلا الطرفين، فالإدارة الحاليّة رغم دعمها الواضح لم تستجب على الفور لطلب السيسي تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في قوائم الجماعات الإرهابية، ولا يزال الطلب معلقًا، ولعل هذا ما تسبب في حالة احتقان داخلي لدى أنصار النظام.
وفي المقابل لم يستجب السيسي – وفقًا لتقارير صحفية – للدعوات الأمريكية للانضمام إلى تحالف إقليمي إستراتيجي لمجابهة النفوذ الإيراني، سمي إعلاميًا بـ”الناتو العربي”، وهو ما كان له وقعه السلبي بلا شك على الكيانات والمنظمات الداخلية الأمريكية الداعمة لهذه الخطوة.
أما الشق الثاني فبات من الواضح أن هناك فرقًا كبيرًا بين السياسة الخارجية التي تديرها المؤسسات الأمريكية، والعلاقات الدولية التي يصوغها ترامب شخصيًا ولا يراعي فيها تلك التقاليد، ولعل علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أكبر مثال على ذلك، وهو ما تعيه التحليلات السياسية في واشنطن جيدًا.
“الزعماء العرب يحتاجون إلى ما هو أكثر من دعم ترامب كي يمكثوا على كراسي السلطة، فهم – مثلهم مثل المستبدين في كل مكان – يعتمدون غالبًا على الأدوات المحلية التي تشمل السيطرة على القوات المسلحة والشرطة لسحق المعارضة” الباحثة إيمي هوثورن
الحديث عن تأثير قوي للموقف الأمريكي من النظام الحاكم في أي دولة من بينها مصر، على مسار الأحداث الداخلية بها، حديث يفتقد للموضوعية، وهو ما ذهب إليه سياسيون وخبراء، في مقدمتهم الباحث السياسي عمرو حمزاوي الذي يرى أن “الحقائق السياسية العربية ظاهرة محلية تغذيها عوامل محلية، أما العوامل الخارجية – بما فيها السياسات الأمريكية – فتحتل مرتبة ثانوية، وهذه الحقيقة تسحب نفسها على مسألة تأييد الرئيس دونالد ترامب للمستبدين العرب، إذ هو لا يزيد من قدرة المستبدين على الاستمرار، ولا باستطاعته أن يمنع دحرجة رؤوسهم حين تحطم الانتفاضات الديمقراطية استقرارهم السلطوي”.
وأضاف حمزاوي في تصريحات نقلتها “الجزيرة” أن “قيام الإدارة الأمريكية بدعم المستبدين العرب (في السعودية ومصر) أو غياب هذا الدعم (كما في سوريا) لم يغير المسار الكارثي للأحداث”، ومن ثم لا يمكن التعويل على هذا الدعم في قراءة المشهد السياسي الداخلي لأي دولة كانت.
وفي ذات السياق تذهب الباحثة إيمي هوثورن إلى أن “الزعماء العرب يحتاجون إلى ما هو أكثر من دعم ترامب كي يمكثوا على كراسي السلطة، فهم – مثلهم مثل المستبدين في كل مكان – يعتمدون غالبًا على الأدوات المحلية التي تشمل السيطرة على القوات المسلحة والشرطة لسحق المعارضة، وعلى الإعلام ونظم التعليم لتشكيل الرأي العام، وكذلك على موارد الدولة لتمويل شبكات الفساد، علاوة على ذلك، يعرف هؤلاء كيف يستغلون التهديدات الأمنية والانقسامات المجتمعية لتبرير الحاجة إلى الأمن والنظام، وترسيخ ما يكفي من الخوف أو الاستكانة، لردع معظم المواطنين عن الانتفاض”.
قال ناشطون حقوقيون إنهم تلقوا حتى الآن بلاغات من الأهالي باختفاء وتوقيف أكثر من 500 شخص في أثناء مظاهرات الجمعة والسبت الماضيين في القاهرة وعدة مدن أخرى
تنسيق حزبي للحراك
يوم تلو الآخر يشهد الحراك الثوري العديد من التطورات التي تنقله من مرحلة التلقائية إلى التنظيم والتوحد في ظل انضمام العديد من الكتل والقوى المختلفة، فبعد يوم واحد فقط قدمت صفحة “الموقف المصري” المعارضة 7 مطالب أساسية رفعها متظاهرو الجمعة الماضية، طالبت السلطات الحاكمة بالاستجابة لها تجنبًا لسيناريو الرئيس الأسبق حسني مبارك في 2008 في المحلة حين تجاهل مطالب العمال آنذاك.
المطالب تضمنت حماية المتظاهرين السلميين وصون حق الاحتجاج، ثم الإفراج فورًا عن كل سجناء الرأي، سواء المقبوض عليهم بالمظاهرات الأخيرة أم بالقضايا السياسية السابقة سواء محبوسين احتياطيًا أم محكومين، كذلك التحقيق بوقائع الفساد وإهدار المال العام التي طرحها محمد علي أو غيره، وتفعيل قوانين “حماية المبلغين والشهود” و”حرية تداول المعلومات”، والعودة إلى نصوص دستور 2014 وإلغاء التعديلات التي أجريت عام 2018 بالكامل، وضمان نزاهة الانتخابات.
وفي تطور جديد، رفعت الحركة المدنية الديمقراطية، بالأمس، 6 مطالب أخرى، قالت إنها ضرورية لتهدئة المظاهرات في الشارع على رأسها المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأى المحبوسين احتياطيًا، ورفع الحجب عن المواقع الإعلامية الخاصة، وانفتاح الإعلام الحكومي على جميع تيارات المجتمع، ورفع الحصار عن الأحزاب والتنظيم النقابى المستقل، واحترام المبادئ الخاصة باستقلال السلطة القضائية، واستقلال الجامعات.
علاوة على المطالبة بإجراء انتخابات المجالس النيابية بنظام القوائم النسبية المفتوحة غير المشروطة، وسرعة إجراء انتخابات المجالس المحلية المعطلة مع عدم تدخل أجهزة الدولة، وأخيرًا إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية عن طريق ضبط الإنفاق العام ووقف الإنفاق على مشروعات غير مجدية وغير منتجة، والتركيز على المشروعات الإنتاجية، والالتزام بنهج العدالة الاجتماعية بمراجعة ملف الدعم وإصلاح النظام الضريبي.
وكشفت الحركة عن تلقيها، في أثناء اجتماعها أمس الأحد، أنباءً بالقبض على نائب رئيس حزب الكرامة عبد العزيز الحسيني، ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي عبد الناصر إسماعيل، وهو الأمر الذي رأته تكرارًا للقبضة الأمنية بدلًا من المعالجة السياسية.
يذكر أن الحركة المدنية التي تضم سبعة أحزاب مدنية هي: المحافظين والإصلاح والتنمية والكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والمصري الديمقراطي الاجتماعي ومصر الحرية والدستور، كانت قد تنبأت بأن تجريف المجال السياسي وتزايد قمع المعارضين والمحتجين سلميًا لا يوفر أمنًا ولا استقرارًا، وأن تصفية الحياة السياسية هى التهديد الأكبر للأمن.
تشديد القبضة الأمنية
ترقبًا لمليونية الجمعة التي دعا إليها الفنان المقاول، شددت قوات الأمن المصرية قبضتها على الميادين العامة والشوارع الرئيسية، في محاولة لوأد أي تحركات من شأنها إثارة القلق وتحفيز المصريين على الاستجابة لتلك الدعوات التي أصاب التفاعل معها في الـ20 من سبتمبر الحاليّ السلطات بصدمة غير متوقعة.
وفي السياق قال ناشطون حقوقيون إنهم تلقوا حتى الآن بلاغات من الأهالي باختفاء وتوقيف أكثر من 500 شخص في أثناء مظاهرات الجمعة والسبت الماضيين في القاهرة وعدة مدن أخرى، فيما قررت النيابة حبس نحو 200 متظاهر لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات، حسبما صرح محامون حقوقيون لـ”بي بي سي“.
وقد مثل ما يقرب من 380 شخصًا أمام النيابة العامة فيما لا يزال مصير الآخرين غير معروف، وفق ما ذكر المحامي بالمركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية علاء عبد التواب الذي أضاف أن من بين الموقوفين من لم تتجاوز أعمارهم الـ18 عامًا، مشيرًا إلى أن سلطات النيابة وجهت لهم تهمًا تشمل الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة والتظاهر دون تصريح.
علاوة على ذلك، فقد قررت نيابة أمن الدولة حبس المحامية الحقوقية ماهينور المصري 15 يومًا على ذمة التحقيقات إذ وجهت لها تهمة مشاركة جماعة إرهابية وإذاعة أخبار كاذبة، وقد ألقي القبض عليها الأحد بعد حضورها كمحامية عن أحد المحامين المحبوسين.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، المعنية بحقوق الإنسان، قد دعت السلطات المصرية، السبت الماضي، إلى حماية حق التظاهر السلمي، وفاءً بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، والإفراج الفوري عمن “اعتقلوا لمجرد ممارسة حقوقهم”، مطالبة الرئيس المصري بتوجيه أجهزة الأمن، بالالتزام بالمعايير الدولية الخاصة بتعامل قوات الأمن مع المتظاهرين.