تواصل أمواج البحر الأبيض المتوسط حصد أرواح مئات المهاجرين غير النظاميين ذوي الجنسيات المختلفة، في ظل رفض دول أوروبية عديدة خاصة إيطاليا ومالطا استقبالهم، الأمر الذي حتم على الأوروبيين الوصول إلى اتفاق مؤقت بينهم لتقسيم المهاجرين العالقين في “المتوسط”.
اتفاق جديد بعد طول انتظار
توصل وزراء داخلية خمس دول أوروبية (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ومالطا وفنلندا) مجتمعين بمدينة فيتوريوسا في مالطا، إلى اتفاق بشأن آلية مؤقتة لتوزيع المهاجرين الذين يجري إنقاذهم في البحر المتوسط في خطوة واضحة لدعم إيطاليا واليونان وإسبانيا.
وأوضح وزير الداخلية المالطي مايكل فارويجا، على هامش الاجتماع أمس الإثنين أن ووزراء الداخلية “توصلوا لاتفاق بشأن وثيقة مشتركة يتم طرحها لتكون أساسًا لاتفاق أوروبي أوسع نطاقًا خلال اللقاء المقبل لوزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي”.
بدورها، قالت وزيرة الداخلية الفنلندية ماريا اوهيسالو التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي: “الاتفاق محدد زمنيًا ويركز على المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط”.
يقضي الأسلوب العشوائي الحاليّ في كل مرة يتم فيها إنقاذ لاجئين في البحر بإجراء مفاوضات جديدة بشأن توزيعهم
إلى جانب ذلك، قال المفوض الأوروبي للهجرة ديميتريس افراموبولوس الذي يشارك في الاجتماع “يجب على أوروبا الاستعداد بشكل أفضل والوقوف في الخط الأول مع دول مثل إيطاليا واليونان ومالطا وإسبانيا وقبرص”، وأضاف “اليوم سنركز على الوضع في هذا القسم من البحر المتوسط (وسط المتوسط)، لكن علينا ألا ننكر وجود أوضاع مشابهة في أجزاء أخرى من المتوسط”.
وسبق أن فشلت دول الاتحاد الأوروبي في العديد من المرات في الوصول إلى اتفاق بخصوص آلية توزيع للمهاجرين القادمين إلى أوروبا، وكانت العديد من المنظمات الإنسانية قد دعت الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في طريقة التعامل مع قضية اللاجئين القادمين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
حل مؤقت
غالبا ما يجبر المهاجرون غير الشرعيين، حاليًّا، على البقاء على متن سفن الإنقاذ لعدة أسابيع في الوقت الذي تدخل فيه دول الاتحاد الأوروبي في مساومة بشأن من يجب أن يأخذ نصيبه ممن تم إنقاذهم، وهو ما لا يعجب العديد من الدول خاصة ألمانيا وفرنسا، ووفقًا لوكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس)، سعى ما يقرب من 6600 شخص لعبور البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا خلال الفترة من بداية 2019 وحتى نهاية أغسطس/آب الماضي.
من شأن هذا الاتفاق أن يضع حدًا للأسلوب العشوائي الحاليّ بإجراء مفاوضات أوروبية بشأن توزيع اللاجئين بعد إنقاذهم من البحر، وسبق أن أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن عودة القيام بمهمة أوروبية لإنقاذ اللاجئين في البحر مرتبطة بإيجاد مبدأ لتوزيع من يتم إنقاذهم على الدول الأوروبية.
وكان الاتحاد الأوروبي، قد أوقف في الربيع الماضي مهمته البحرية “صوفيا” لإنقاذ اللاجئين قبالة الساحل الليبي التي كان قد بدأها في سنة 2015 وذلك بسبب عدم اتفاق دوله الأعضاء على نظام لتوزيع اللاجئين.
وتأسست بعثة “صوفيا” في البحر المتوسط بناءً على طلب إيطاليا، من أجل القضاء على عمليات التهريب من ليبيا وفي الوقت نفسه إنشاء ما يشبه جهاز خفر السواحل في ليبيا، وتمكنت هذه البعثة من إنقاذ عشرات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين، وقد تم نقل العدد الأكبر منهم إلى إيطاليا، وسميت البعثة بهذا الاسم نسبة إلى الفتاة الصومالية “صوفيا” التي وُلدت عام 2015، بعد إنقاذ والدتها الحامل من السفينة البحرية الألمانية “شليسفيغ هولشتاين” في تارانتو، إيطاليا.
تراجع عمليات الإنقاذ في المتوسط
يقضي الأسلوب العشوائي الحاليّ في كل مرة يتم فيها إنقاذ لاجئين في البحر بإجراء مفاوضات جديدة بشأن توزيعهم، وتشارك في هذه المفاوضات دول قليلة من هذا التكتل الإقليمي، وهو ما جعل عددًا كبيرًا من القوارب التي تغادر ليبيا تغرق بمن عليها، فالقوارب لا تستطيع الوصول إلى السواحل الإيطالية ولا أحد يساعدهم في الإنقاذ.
وخلال جلسة غير رسمية في حزيران/يونيو بباريس وافقت 15 دولة على وضع “آلية تضامن أوروبية”، وعبرت ثماني دول عن الاستعداد للمشاركة بها “بشكل فعال” وهي فرنسا وألمانيا والبرتغال ولوكسمبورغ وفنلندا وليتوانيا وكرواتيا وأيرلندا، فيما رفضتها المجر.
وينص الاتفاق الجديد على استقبال ألمانيا 25% من المهاجرين الذين يتم إنقاذهم وفرنسا بنفس النسبة، في حين ستستقبل إيطاليا 10%، ووحدها الدول المتطوعة ستكون ضمن الآلية الجديدة التي لا تشمل إلا المهاجرين الآتين بحرًا.
ومنذ بداية سنة 2019، نزل 13% فقط من 67 ألف مهاجر غير نظامي وصلوا إلى أوروبا في إيطاليا أو مالطا نتيجة تقييد البلدين رسو سفن الإنقاذ الخيرية التي تصل إلى شواطئها وعلى متنها عشرات المهاجرين العالقين في المياه، مقابل 57% في اليونان و29% في إسبانيا، وهو ما ترفضه العديد من الدول الأوربية نتيجة عدم التكافؤ.
استغلال تحول سالفيني إلى المعارضة الإيطالية
للوصول إلى هذا الاتفاق، استغل الأوربيون تشكيل حكومة إيطالية جديدة أجبرت وزير الداخلية السابق المتطرف ماتيو سالفيني على أن يكون في صفوف المعارضة، واستغل الأوروبيون لينة الموقف الإيطالي هذه المرة للوصول إلى حل.
مع تولي الحكومة الجديدة المكونة من الحزب الديمقراطي (يسار) وحركة خمس نجوم (المناهضة للمنظومة)، باتت سياسة إيطاليا في مجال الهجرة أكثر مرونة بعد سلسلة من الإجراءات المناهضة للهجرة تبناها سالفيني، حيث أعادت روما فتح موانئها لسفن الإنقاذ في البحر، وسمحت بإنزال مهاجرين تم إنقاذهم في البحر.
وكانت إيطاليا قد طالبت في وقت سابق باتفاق جديد لتوزيع المهاجرين العالقين في البحر، بغية إنهاء المفاوضات التي تتم عند كل عملية إنقاذ في البحر المتوسط، ويراد لآلية التوزيع الآلي أن تكون مؤقتة في انتظار إعادة التفاوض على اتفاق دبلن الذي يوكل التعاطي مع طلبات اللجوء إلى البلد الذي يصل إليه المهاجر.
وسبق أن اتهمت إيطاليا شركاءها بعدم دعمها في مواجهة تدفق المهاجرين، واعتبرت أن الأسلوب المعمول به ظالم لأنه يضع عبء استقبال المهاجرين غير النظاميين على إيطاليا واليونان وإسبانيا ومالطا البوابات الرئيسية لدخول المهاجرين إلى أوروبا.
بلغ إجمالي عدد المهاجرين الذين عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا عام 2018 نحو 117 ألف شخص
كانت الحكومة الإيطالية قد وافقت سنة 2015 على السماح لجميع السفن التي تحمل ناجين من البحر بالرسو في موانئها، إلا أنها لم تستطع استيعاب العدد الكبير وغير المتوقع من المهاجرين الوافدين بشكل مستمر على البلاد.
يفترض الاتفاق الجديد المدعوم من فرنسا وألمانيا ونسقته المفوضية الأوروبية، أن “يضمن لإيطاليا ومالطا تنظيمًا أكثر تضامنًا ونجاعة”، بحسب ما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أثناء زيارة لروما الأربعاء.
تدافع باريس وروما داخل الاتحاد الأوروبي عن “موقف مشترك يقوم على مشاركة كل الدول بطريقة أو أخرى” في الاستقبال “أو أن تعاقب ماليًا”، بحسب ماكرون، ورأى رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي أنه يتعين “إخراج ملف الهجرة من الدعاية المناهضة لأوروبا”.
ارتفاع عدد الغرقى في المتوسط
عدم وجود اتفاق بين الدول الأوروبية حول استقبال هؤلاء المهاجرين، وما نتج عنه من منع سفن إنقاذ وطائرة مراقبة لمنظمات خاصة من العمل من طرف إيطاليا ومالطا، أدى إلى عدد المهاجرين غير النظاميين الغرقى في البحر المتوسط، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
المتوسط يحصد المئات من المهاجرين غير النظاميين
كانت سنة 2018، سنة مأساوية للمهاجرين غير النظاميين عبر المتوسط، إذ ارتفع عدد الضحايا بشكل مضطرد، فقد أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن عدد الضحايا على مسار الهجرة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي ارتفع بأكثر من الضعف عام 2018، إذ بلغ معدل الوفاة واحدًا من بين كل 14 مهاجرًا عبروا هذا الطريق وسط البحر المتوسط، وكان المعدل واحدًا من بين كل 38 عام 2017 .
وبلغ إجمالي عدد المهاجرين الذين عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا عام 2018 نحو 117 ألف شخص، وفق إحصاءات الأمم المتحدة، وتوفي في المتوسط 2275 على الأقل، مقارنة بـ172 ألف مهاجر عبروا إلى أوروبا عام 2017 ووفاة 3139 شخصًا، وحسب المفوضية، فإن البحر المتوسط شهد موت ستة أشخاص يوميًا في المتوسط العام الماضي.
فيما تشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إلى أن نحو 900 شخص فقدوا حياتهم وهم يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط عام 2019، ما جعل المفوضية تدعو إلى تكثيف الجهود للحد من الخسائر في الأرواح في البحر، بما في ذلك عودة سفن البحث والإنقاذ التابعة للاتحاد الأوروبي.