عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” دوّن الفنان المغربي رشيد غلام قائلًا: “الاستبداد لا يتيح الفرصة إلا للفنانين المتملقين الذين يتغنون بأمجاد الحاكم الملهم، المنضوين في جوقة المسبحين بحمده. الاستبداد لا يطيق وجود فنان يغرد خارج سرب الخنوع والتملق، يشدو بهموم أمته وآلام المستضعفين. إذا لم يكن الفن موقفًا، فلا يعدو أن يكون ترفًا، فالحقُ والخيرُ لا ينفصلان عن الجمال”.
من هذا المنطلق يثور التساؤل عن طبيعة العلاقة بين الفن والسلطة وكيف يصبح الفنان أداة طيعة بيد السلطة السياسية تسخره كيف تشاء؟ وكيف يتحول الفن إلى أداة ناعمة للتأثير على الرأي العام أو توجيهه حسب تعليمات السلطة؟ والحقيقة أن الإجابة عن هذه التساؤلات نجدها في حرب الفيديوهات التي انطلقت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، فبعد أن نشر المقاول والفنان المصري محمد علي مقطع فيديو يدعو فيه المصريين للتظاهر في الشوارع بعد انتهاء مباراة كرة القدم بين فريقي الأهلي والزمالك، أطلق النظام فنانيه من معاقلهم ليردوا على محمد علي، حيث بثت وسائل الإعلام المصرية مقاطع فيديو لعدد من الفنانين عبروا عن تأييدهم للسيسي ورفضوا ما وصفوها بدعوات التخريب.
بدأت علاقة السيسي بالفنانين قبل انقلاب 3 يوليو، ففي أبريل 2013 دعا السيسي المطربين والفنانين لحضور الاحتفال بعيد تحرير سيناء في جامعة المستقبل وكان هذا اللقاء الشرارة الأولى التي حاول من خلالها السيسي التأثير على عاطفة الناس ومشاعرهم
كانت مقاطع الفيديو تحمل رسالة مكررة مفادها “أنا مع جيش مصر ويسقط الخونة” ومن أبرز الفنانين الذين استعان بهم النظام في البداية المغنية أنغام والفنان محمد فؤاد والفنان بيومي فؤاد والمغني الشعبي الشهير حمو بيكا، ولكن دعوات هؤلاء لم تلق صدى لدى المشاهدين، وهنا ظهر النجم الأكثر شهرة في الفترة الراهنة الفنان محمد رمضان والراقصة فيفي عبده التي أحدث ظهورها صدى كبيرًا، إذ تحول اسمها إلى الهاشتاغ الأكثر تفاعلًا على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، ربما بسبب البذاءة الفجة التي صبغت مداخلتها.
الفن والسلطة في عهد السيسي: حين يجمل الفنانون وجه الاستبداد القبيح
بدأت علاقة السيسي مع الفنانين قبل انقلاب 3 يوليو، ففي أبريل 2013 دعا السيسي المطربين والفنانين لحضور الاحتفال بعيد تحرير سيناء في جامعة المستقبل وكان هذا اللقاء الشرارة الأولى التي حاول من خلالها السيسي التأثير على عاطفة الناس ومشاعرهم، فبعد الانتهاء من الأوبريت الغنائي وجه السيسي التحية إلى الفنانين والضباط والجنود وألقى كلمته الشهيرة التي تم ترديدها كثيرًا فيما بعد: “وبكرة تشوفوا مصر.. مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا”.
في 12 من مايو 2013 وبعد حفل عيد تحرير سيناء بأسابيع قليلة استضاف السيسي مجموعة من الفنانين في مقر الوحدة التاسعة مدرعات بالمنطقة المركزية وكان أبرز هؤلاء الفنانين: يحيى الفخراني وأحمد بدير وأحمد السقا وشريف منير ومحمد فؤاد وحسين فهمي وعادل إمام الذي أكد سعادته بوجوده في قلب الجيش المصري حيث قال: “الجيش ده مش ملك للحكومة ولا لحد، ده ملك الشعب، وسعيد وفخور بوجودي مع أبناء الجيش وضباطه وأفراده وقادته”، كما أكد الفنان طلعت زكريا أن الجيش هو سند المصريين الذي يعول عليه الجميع للعبور للمستقبل ولهذا لم يكن من قبيل الصدفة أن يتصدر الفنانون مظاهرات 30 يونيو رافعين الكارت الأحمر في وجه نظام مرسي.
بعد انقلاب 3 يوليو جاء دور الفنانين مبكرًا للغاية، حيث لعب المخرج خالد يوسف دورًا كبيرًا في مساندة الانقلاب، فحين تم تصوير المتظاهرين في ميادين مصر بالطائرة الهليكوبتر وبُثت على الفضائيات أعلن يوسف أن عدد المتظاهرين لا يقل عن 30 مليون متظاهر في الشارع وأكد أن مشهد 30 يونيو مهيب وليس موجودًا في العالم، أما الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبندودي فقد وجه شكره العميق إلى الجيش والفريق عبد الفتاح السيسي القائد الأعلى للقوات المسلحة مضيفًا بأن الله حقق له ما توقعه في أشعاره إذ قال بأحد قصائده “يا ريس المركب يا حلاوتك.. ياللي سواقتك عجباني.. من كتر خوفنا على راحتك هنشوفلها ريس تاني”.
الفنانون كأداة لشرعنة نظام السيسي في الداخل والخارج
وطد السيسي علاقته بالفنانين بعد توليه الحكم، ففي ذكرى الاحتفال بعيد الشرطة في 25 يناير 2015 دعا السيسي الفنان أحمد السقا والفنانة يسرا ووجه لهما الكلمة قائلاً: “يا أستاذ أحمد أنت وأستاذة يسرا والله هتتحاسبوا على ده” في إشارة واضحة لدور الفن في التأثير على الناس.
ومع أول زيارة رسمية له بالولايات المتحدة الأمريكية في 23 من سبتمبر 2014 لحضور اجتماعات الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة ضم الوفد المصاحب للسيسي بعض الفنانين مثل الفنانة يسرا، والحقيقة أنها لم تكن المرة الأخيرة ففي أثناء زيارته لألمانيا في يونيو 2015 شمل وفد السيسي أكثر من 19 فنانًا وفنانةً أبرزهم يسرا وإلهام شاهين وياسمين الخيام وأحمد بدير وسامح الصريطي وكيل نقابة المهن التمثيلية في ذلك الوقت.
الفنان محمد رمضان: ابن النظام المدلل
منذ ظهوره على الشاشات في رمضان مجسدًا دور البطولة لأول مرة في 2014 من خلال مسلسل “ابن حلال” استطاع الفنان محمد رمضان أن يجذب إليه المشاهدين بموهبته الكبيرة وأدائه القوي، ولكن الحقيقة أن انجذاب المشاهدين لشخصية رمضان لم تكن فقط بسبب موهبته ولكن اختيار رمضان لأعماله كان له دور كبير في صناعة نجوميته فهو دومًا ابن البلد المقهور الذي تربي في أزقة الحارات الشعبية، ولهذا كان دومًا يراه المشاهد البسيط والعادي وكأنه يجسد صورة من حياته، وذلك عوضًا عن دراما الكومباوندات التي انتشرت في السنوات الأخيرة ووسعت الهوة بين الفن والشارع.
بعد سنوات تحول محمد رمضان من البطل الشعبي إلى البطل البلطجي مركزًا على تحقيق أعلى الإيرادات، ففي لقاء له أكد رمضان أنه يتقاضى أعلى أجر في مصر وحتى أعلى من الفنان عادل إمام نفسه، وعلى صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي كان رمضان يتباهي دومًا بسياراته الفارهة وفيلته الكبيرة.
النظام يعرف مدى سرعة انتشار أغاني محمد رمضان، فقد أسند إليه أغاني الجيش الوطنية ومنها أغنية جيشنا صعب التي حققت أكثر من 18 مليون مشاهدة على موقع اليوتيوب
كان إعلام النظام على دراية كبيرة بشعبية رمضان بين الشباب ولهذا لجأ إلى تسليط الضوء عليه منذ التحاقه بالجيش المصري لأداء الخدمة العسكرية في يناير 2017 بمركز التجنيد التابع لقوات الصاعقة بمنطقة أنشاص في بلبيس بمحافظة الشرقية، فخلال شهر رمضان 2017 نشر موقع وزارة الدفاع فيديو ظهر فيه الفنان محمد رمضان في أثناء حضور حفل إفطار جماعي مع مقاتلي القوات الخاصة والمظلات في حضور الفريق صدقي صبحي وزير الدفاع في ذلك الوقت، وقد أثار هذا الفيديو جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي حيث بين المعاملة الخاصة التي يتلقاها رمضان خلال أداء خدمته العسكرية.
محمد رمضان بالزي العسكري
وفي أثناء زيارة قوات الصاعة المصرية لمسشتفى سرطان الأطفال 57357 ظهر محمد رمضان مرتديًا زي الجيش وكان المتحدث الرسمي عن فرقة الصاعقة، ولأن النظام يعرف مدى سرعة انتشار أغاني محمد رمضان فقد أسند إليه أغاني الجيش الوطنية ومنها أغنية جيشنا صعب التي حققت أكثر من 18 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.
وفي الفيديو الأخير الذي صوره رمضان من فيلته وجه دعوته إلى الشباب برفض دعوات محمد علي للتظاهر قائلاً إن الأخير لا يأكل من أكلنا وطالب رمضان الشباب بالصبر حتى لو كانت ظروف البلد الاقتصادية متدهورة، وهو الأمر الذي اعتبره رواد السوشيال ميديا استفزازًا لهم واستخفافًا بمشاكلهم، فمحمد رمضان الذي يتقاضى الملايين يحدثهم عن الصبر ويخبرهم أن محمد علي لا يأكل من أكلهم وهو الأمر الذي رد عليه الكثير من الشباب بأن رمضان نفسه لا يأكل من أكلهم.
الفنان محمد رمضان من مهرجان الجونة 2019
وفي النهاية لم يلعب النظام لعبته بذكاء مع الشعب هذه المرة، فأمام الشعبية الكاسحة للفنان والمقاول محمد علي وفيديوهاته لم تلق فيديوهات فناني النظام إلا سخرية رواد السوشيال ميديا، ربما كان الأمر مجديًا قبل ست سنوات من الآن، لكن الحقيقة أنه في الوقت الحاليّ هناك هوة سحيقة بين الفنانين والشعب وليس أدل على ذلك من أن القاهرة كانت تموج غضبًا في 20 من سبتمبر في حين كان الفنانون يقيمون مهرجانهم السينمائي بالجونة دون أي التفات لما يحدث في العاصمة.