ترجمة وتحرير: نون بوست
المغرب بلد معروف بسحره التقليدي، وشوارعه المتعرجة المليئة بالحرف اليدوية، وعقاراته القديمة على طراز الشواطئ، ومتاجره الصغيرة التي توارثتها الأجيال. ومع ذلك، أصبح من الشائع أن نرى بلدات بأكملها تُهدم لإفساح المجال لمشاريع تنمية حضرية جديدة لامعة، مع قلة الحديث عن مصير المجتمعات الأصلية.
شهد المغرب زيادة في شعبيته كوجهة سياحية منذ أدائه في كأس العالم 2022، حيث ترك انطباعًا قويًا على أرض الملعب ومن خلال الحماس الكبير الذي انبعث من الجماهير المغربية.
ومنذ ذلك الحين، بدأ السياح يتدفقون إلى البلاد الواقعة في شمال إفريقيا؛ حيث تُظهر بيانات حكومية حديثة أن المغرب استقبل 17.4 مليون سائح في سنة 2024، متجاوزًا الهدف الذي حدده لسنة 2026.
ويضيف النمو الهائل إلى الضغوط الحضرية المفروضة على البلاد، حيث زاد عدد السكان بنسبة 8.8 بالمائة من سنة 2014 إلى سنة 2024، ليصل إلى 36.8 مليون نسمة، مع نمو عدد الأجانب المقيمين في البلاد إلى 148.152، بزيادة 71.8 بالمائة على مدى العقد الماضي.
لقد عمل المغرب بسرعة على إعادة تطوير العقارات لتتماشى مع الطلب المحلي والأجنبي، وخاصة استعدادًا لاستضافتها لكأس العالم 2030 بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال.
وشهدت المملكة تطورات كبيرة على مدار العقد الماضي؛ أبرزها منتجع سياحي على البحر بقيمة مليار دولار يركز على السياحة البيئية في خليج تغازوت، ومدينة الدار البيضاء المالية في العاصمة الاقتصادية، بالإضافة إلى مشروع تجديد المناطق الحضرية في مارينا الرباط وواد أبي رقراق، الذي من المقرر أن يُكتمل في سنة 2025 مع استثمار 443 مليون دولار لتعزيز النشاط الاقتصادي والسياحة.
الشركات المحلية تدفع الثمن
عادةً ما يتم الترحيب بالسياحة وإعادة التطوير من قبل الأعمال المحلية. ومع ذلك، وجد الحرفيون المحليون أنفسهم يتنافسون مع الفنادق الجديدة ومشاريع التنمية الحضرية للبقاء في مواقعهم الأصلية.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك أولجة، التي كانت تُعرف سابقًا بقصر الحرفيين، وهي مجمع حرفي يقع في مدينة سلا الحدودية بالرباط.
وكانت أولجة مليئة بالمتاجر وورش العمل التي تشبه مغارة علاء الدين، والمليئة بالأواني الفخارية والمصابيح والطاولات المزخرفة بالفسيفساء، التي تملكها عائلات محلية، والعديد منها موجود هناك منذ تأسيسها في سنة 1983.
الآن؛ كل ما تبقى هو الأنقاض، في انتظار الفنادق الحديثة لملء مقبرة الحرفيين.

في الموقع المؤقت الجديد حيث تم نقل الحرفيين إلى داخل مدينة سلا، يظهر المستودع المؤقت المصنوع من القماش المشمع بمظهر أكثر قسوة، مع أقل عدد من المتاجر والمنتجات بشكل ملحوظ.
إن الجو هنا هادئ مقارنة بالضجيج والشرارات الصادرة عن آلات اللحام التي قد يتفاداها المرء عند المرور عبر متاهة الشوارع المليئة بالفن في مدينة أولجا القديمة.
وبينما كان رجل مسن يشرب شاي النعناع في كشك خالٍ نسبيًا مع آخر أواني الطاجين التقليدية والسيراميك المتبقية لديه للبيع، رفض الإدلاء بأي تعليق حول وضعه الجديد.
وقال لموقع “ميدل إيست آي” وهو يهز رأسه: “آسف، لا أريد التحدث عن ذلك”. وأضاف وهو يمسك بيده على صدره: “هذا يزعجني كثيرًا”.
ودعا حرفي أصغر سنًا يدعى يونس “ميدل إيست آي” إلى متجره الخزفي؛ حيث قال: “نحن هنا منذ أربعة أشهر. أخبرونا أنه يتعين علينا مغادرة الموقع القديم قبل حوالي ستة أسابيع، ولم يكن الوقت كافيًا لنقل جميع منتجاتنا”.
تم إغلاق أولجا القديمة على الفور عندما جاء الموعد النهائي وتم تجريف البقايا، مما ترك الكثيرين بدون موادهم وآلاتهم ومنتجاتهم.
وأضاف يونس أن وضعهم الحالي مؤقت على ما يبدو مع جدول زمني يبلغ حوالي سنتين إلى ثلاث سنوات، وقال: “نحن نفهم سبب قيام الحكومة بذلك، فالتصنيع في الموقع القديم كان يتسبب في التلوث، وكانوا بحاجة إلى المساحة لبناء الفنادق”.
ومع ذلك، سيحد مجمع الفنادق الجديد من المساحة المخصصة للحرفيين.
وتابع يونس: “لا توجد مساحة كافية لعودة جميع الحرفيين، وأولئك الذين سيتم السماح لهم بالعودة سيُسمح لهم فقط ببيع المنتجات، وليس بتصنيعها في الموقع.”
ويجد الحرفيون أنفسهم في حالة من الغموض. فلم يتم إبلاغهم بعد بمن سيُخصص له مكان دائم في الموقع الجديد، ولم يتلقوا تعويضات عن خسارة منتجاتهم وآلاتهم.
ويقدر يونس أنه يحقق أرباحًا أقل بنحو 40 بالمائة في الموقع الجديد. علاوة على ذلك، فإن ما تمكن الحرفيون من إنقاذه من الموقع القديم غير كافٍ للاستمرار في السنوات القادمة.
وقال يونس وهو ينظر حول متجره: “هذا أمر مقلق للغاية، فليس لدينا مكان لصنع المزيد من المنتجات. وهذا كل ما تبقى لي لبيعه ولا أعتقد أن هذا سيدوم حتى سنة واحدة”.
صعود المدينة البيئية
تتميز التنمية الحضرية في المغرب بالتحضر السريع؛ حيث قال الدكتور محمد هلال، الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مجال التخطيط الحضري وإدارة مخاطر الكوارث الحضرية في مركز الأنظمة الحضرية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، لـ “ميدل إيست آي” إن “الإسكان غير الرسمي، وقيود الحوكمة الحضرية، وارتفاع التفاوت الاجتماعي تظل من القضايا الحرجة” في المملكة.
ووفقًا للخبير، فإن المغرب “يعمل بنشاط على معالجة تحديات الضغط الحضري من خلال دمج إدارة مخاطر الكوارث في التنمية الحضرية وتعزيز مرونة مدنه”.
ومع الدفع نحو التنمية الحضرية في المغرب، يتم إعادة بناء قطع كبيرة من الأراضي بالكامل؛ حيث يتم استبدال المساكن المؤقتة الأصغر، أو “المساكن غير النظامية”، التي توجد عادة في ضواحي المدن والقرى، بهياكل أكثر حداثة. وقالت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب إن المساكن المؤقتة انخفضت من 5.2 إلى 3.3 بالمائة بين سنتي 2014 و2024.
Voici à quoi ressemblera Casablanca Wessal Port après les travaux, la seconde zone attractive après la Casablanca Finance City. pic.twitter.com/yFHNVvUueF
— MM ۞ (@MoorishMovement) May 17, 2021
“هكذا سيبدو ميناء وصال الدار البيضاء بعد الأعمال، المنطقة الثانية الجذابة بعد مدينة الدار البيضاء المالية”.
وتعد مدينة زناتة الواقعة على الساحل بين الدار البيضاء والمحمدية مثالاً على جهود إعادة التطوير. فقد شهدت المدينة مشروعًا ضخمًا لإنشاء مدينة بيئية من خلال استثمار قدره 2 مليون دولار، مصمم لإيواء 300 ألف من أصحاب الدخول المرتفعة الذين يريدون التنقل بسهولة إلى الدار البيضاء، مركز الأعمال في المغرب.
وقد تلقى السكان الأصليون الإخطار الرسمي بالمشروع في عام 2008، وتم هدم المنازل والأراضي الزراعية والمحلات التجارية تدريجيًا، وفي نهاية المطاف تم هدم الحي بأكمله.
يمتلك صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، وهي مؤسسة مالية مملوكة للدولة المغربية، مشروع إعادة التطوير، وقد منحتها وزارة المالية الحق في الاستحواذ على الأرض، وقد تواصل موقع “ميدل إيست آي” مع فريق التواصل في زناتة للحصول على تعليقات، لكن الشركة لم تستطع الوفاء بالموعد النهائي المطلوب.
وقال أحد موظفي صندوق الإيداع والتدبير، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لموقع “ميدل إيست آي”: “عادة ما يكون نزع الملكية مبررًا لمشاريع المنفعة العامة مثل المدارس أو الطرق، لكن استخدام هذا المنطق لمثل هذه المساحة الكبيرة، حوالي 2300 هكتار، يثير مخاوف قانونية”.
وأضاف الموظف أن صندوق الإيداع والتدبير “يفتقر إلى سلطة إعلان المنفعة العامة أو مصادرة الأراضي بموجب قانون الشركات، ولمعالجة هذه المشكلة، أعلنت وزارة المالية أن المنطقة تخدم “مصلحة عامة”، مما يتيح المضي قدمًا في عملية المصادرة بشكل قانوني”.
“لم يتركوا لنا أي شيء تقريبًا”
رشيدة هي واحدة من العديد من ضحايا عملية المصادرة هذه؛ فقد استثمرت دخل حياتها في منزل أحلامها على الشاطئ في المنطقة، والذي انتقلت إليه مع زوجها في عام 1980، كان منزل عائلتهما الذي ترعرعت فيه بناتهم الثلاث.
بعد فترة وجيزة من شراء المنزل، أبلغتها الحكومة أنه يجب الحفاظ على جميع المنازل وفقًا لمعايير معينة لتتمكن من الاحتفاظ بالعقار، وعملت رشيدة على ترميم المنزل حتى أوائل عام 2000.
في عام 2003، فقدت رشيدة زوجها بشكل مأساوي، حيث لقي حتفه في هجمات تبناها تنظيم القاعدة في الدار البيضاء، حصلت بعدها على تعويض من الملك محمد السادس بصفتها زوجة أحد ضحايا الإرهاب.
وقالت لموقع “ميدل إيست آي”: “قررت أن أضع معظم هذه الأموال في تجديد منزل أحلامي، وأنفقت عليه 800,000 درهم (79,473 دولارًا أمريكيًا) واستخدمت الباقي لتعليم بناتي”.
ولكن في عام 2019، تلقت رشيدة وبناتها إشعارًا نهائيًا بالإخلاء بسبب مشروع زناتة وأُجبرن على مغادرة منزلهن، وحصلن على 290,000 درهم (28,809 دولار أمريكي) كتعويض، خصص منها 50,000 درهم (4,967 دولار أمريكي) للرسوم القانونية للطعن في القرار.
وقالت بصوت شديد التأثر: “المال الذي أعطونا إياه لا يكفي حتى لشراء منزل صغير، لقد انتهكوا حقوقنا”.
وقد شهدت زناتة احتجاجات يومية من قبل النازحين الذين ينددون بطول فترات الانتظار للحصول على تعويضاتهم أو المدفوعات التي لا تتناسب مع قيمة ممتلكاتهم السابقة.
وقالت رشيدة لموقع “ميدل إيست آي”: ”كنت أعاني بالفعل بدون زوجي، وجعلوني أعاني أكثر، لقد جعلوني مريضة لدرجة أنني لم أعد أرغب في العيش بعد الآن”.
ظل المنزل قائمًا حتى حوالي خمسة أشهر مضت، عندما تم هدمه لإفساح المجال لبناء برج جديد، وهي المنازل التي ستحظى بإطلالة الشاطئ التي كانت رشيدة تشاركها مع عائلتها.
وأضافت رشيدة: “لا يمكنني الاقتراب من المدينة دون أن أشعر بالقشعريرة والغثيان”.
Eco-cité Zenata : les développements immobiliers démarrenthttps://t.co/QrdPSloTAM#btp #construction #maroc #industrie #news pic.twitter.com/gvbVIvEDuS
— A+E Magazine (@aemagazine) August 6, 2019
مدينة زناتة البيئية: بداية التطويرات العقارية
والآن، كل ما تملكه هي وبناتها هو ذكرياتهن؛ حيث قالت: “لديّ ذكريات لن أنساها أبدًا مع زوجي وأطفالي عندما كانوا صغارًا، ولكن عندما أرى الآن أشخاصًا آخرين، يبدو الأمر لي وكأنهم استعمروا المنطقة ولم يتركوا لنا أي شيء تقريبًا”.
وشدد الدكتور محمد هلال على أهمية استخدام استراتيجيات لضمان المشاركة الفعالة للمجتمعات المحلية في هذه المشاريع، وأكد على “ضرورة اعتماد نهج تشاركي وشامل، من خلال المشاورات المجتمعية المنتظمة والاجتماعات البلدية والمنصات الإلكترونية التي تسمح للسكان بالتعبير عن مخاوفهم وتفضيلاتهم، وضمان أن تعكس خطط التنمية الاحتياجات المحلية”.
وأشار إلى أنه ينبغي أيضًا تمكين السكان من خلال التثقيف في مجال التخطيط الحضري والاستدامة وحقوق الملكية العامة.
وقال: “إن إعطاء الأولوية للشمولية من خلال مراعاة الفئات المهمشة، مثل السكان ذوي الدخل المنخفض والنساء، والسماح للمجتمعات المحلية بالمساهمة الفعالة” أمر بالغ الأهمية.
مشاريع “بيئية” فاشلة
يعاني المغرب بالفعل من تبعات مشاريع تنموية فاشلة، مثل مدينة تامسنا الجديدة، وهي مبادرة أطلقت في عام 2004 بالقرب من الرباط لتوفير مساكن بأسعار معقولة لذوي الدخل المحدود وإعادة توطين سكان الأحياء الفقيرة، والتي أصبحت “مدينة أشباح لا أثر للحياة فيها”، أو مشروع تطوير بحيرة مارتشيكا في مدينة الناظور شمال البلاد.
ويهدف هذا المشروع الأخير، الذي أُطلق في يونيو/حزيران 2010، إلى بناء سبع مدن بيئية وإنشاء “وجهة سياحية صديقة للبيئة في البحر الأبيض المتوسط”، وفقًا لرئيس المشروع سعيد زارو.
في البداية، استثمرت الحكومة المغربية 154.5 مليون دولار أمريكي، وكانت تهدف إلى إنشاء 100,000 مسكن بحلول عام 2025، على مساحة 2000 هكتار.
🚧 Le projet royal d’aménagement du site de la lagune de Marchica fera de Nador 🇲🇦 l’une des villes les rayonnantes de la Méditerranée à partir de 2030. pic.twitter.com/fyDnXRj33P
— L’Oriental Marocain ۞ (@OrientaleMaroc) June 2, 2021
مشروع التطوير الملكي لموقع بحيرة مارشيكا سيجعل الناظور واحدة من أكثر المدن إشعاعًا في البحر الأبيض المتوسط اعتبارًا من عام 2030.
وعلى الرغم من الاستثمار الكبير والإطار الزمني المحدد، لم يقتصر الأمر على عدم اكتمال المشروع على نطاق واسع، بل ظهرت أيضًا علامات التلوث الناتجة من إعادة التطوير بشكل واسع.
بالنسبة لإيدير، الذي نشأ في المنطقة، فإن “المشروع بأكمله كارثة”؛ حيث قال لموقع “ميدل إيست آي”: “تقوم المباني الجديدة على طول الواجهة البحرية بإلقاء النفايات في البحيرة، كما أن نظام الصرف الصحي كان سيء التصميم، إلى الحد الذي يمكنك أن ترى فيه خطوطًا من مياه الصرف الصحي عبر الشاطئ الصناعي الجديد في البحيرة عند سقوط المطر”.
وأضاف: “لقد اعتدتُ على أن أركض حول البحيرة قبل الحصص الدراسية، وكانت البحيرة جميلة وبها العديد من أنواع الطيور، أما الآن فقد اختفت معظمها”.
وخلصت إحدى الدراسات البيئية إلى أن “البحيرة ملوثة بشدة بسبب الأنشطة البشرية مثل الزراعة والتحضر والعمليات الصناعية والتعدين، ويشكل هذا التلوث تهديدات خطيرة على صحتها البيئية وتنوعها البيولوجي”.
كان الضرر كبيراً لدرجة أنه تم استنفار وكالة بيئية لمحاولة استعادة البحيرة والمنطقة المحيطة بها.
ومع ذلك، تزعم تقارير أخرى أن وكالة إعادة تأهيل بحيرة مارتشيكا “تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى البحيرة تتلوث مرة أخرى بعد سنوات من الجهود المبذولة لتنقية مياه البحيرة بإنفاق المليارات المهدرة”.
ويسلط تقرير آخر الضوء على التدهور البيئي الكبير الذي لحق بالساحل المغربي، وتحديداً في مدينة المحمدية الشمالية، بسبب طلب قطاع البناء على الرمال التي تستخدم في إنتاج الخرسانة.
ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتم استخراج 20 مليون متر مكعب من الرمال كل عام في المملكة، مما يجعل المغرب أحد أكثر البلدان تضررًا من الاستخراج المكثف للرمال.
المصدر: ميدل إيست آي