في الـ8 من أغسطس 2012 استيقظ المصريون على خبر تعيين الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، اللواء محمد أحمد زكي، قائدًا لقوات الحرس الجمهوري، قادمًا من وحدات المظلات ومكلفًا بتأمين جميع قصور ومقرات الرئاسة وتأمين شخص رئيس الجمهورية وأفراد أسرته وعناصر موكبه.
لكن سرعان ما توالت الأحداث ليفرض الرجل نفسه على الساحة بعدما كان أحد أدوات الانقلاب على أول رئيس مدني بالبلاد، ليقدم كرسي الرئاسة على طبق من ذهب لوزير الدفاع آنذاك الفريق عبد الفتاح السيسي الذي حرص على رد الجميل بتعيينه وزيرًا للدفاع في خطوة أثارت لغطًا دستوريًا في هذا الوقت.
محمد زكي، وزير الدفاع رقم 25 في سلسلة وزراء دفاع مصر منذ يوليو 1952، الذي تحول خلال الأيام القليلة الماضية إلى وجبة دائمة على موائد النقاش والتحليل في أعقاب الحراك الثوري الذي يستهدف الإطاحة بالسيسي على خلفية تسريبات الفنان المقاول محمد علي التي كشف من خلالها فساد بعض إدارات المؤسسة العسكرية.
ورغم خروج الوزير بتصريحات يبدو من الواضح أنها تأييد كامل لرئيسه الذي اختاره لهذا المنصب خلفًا للفريق صدقي صبحي، فإن الأنظار بين الحين والآخر تراقب تحركاته وردود فعله حيال المستجدات التي تشهدها الساحة السياسية خلال الأيام العشر الأخيرة.
انقلابه على مرسي
حين اشتعلت الأحداث في الشارع المصري في 30 من يونيو 2013، وانقسم الشارع بين ميداني رابعة العدوية والتحرير، راهن الجميع على المؤسسة العسكرية في حماية الشرعية والزود عنها كون هذا دورها المنوط وفق ما أقره الدستور، لكن تطورات المشهد جاءت مغايرة تمامًا.
ففي الوقت الذي كان يخول باللواء زكي – وقتها – حماية الرئيس، إذ به أول من شارك في الإطاحة به، وهو ما كشفه الصحفي الأمريكي ديفيد كيركباتريك رئيس مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” في القاهرة، وذلك في كتابه “في أيدي العسكر” حين قال إنه في الأيام التي سبقت الإطاحة بالرئيس مرسي، نقل “زكي” الرئيس إلى مجمع الحرس الجمهوري، “ظاهريًا لحماية مرسي”، ثم في 3 يوليو، وبناء على أوامر وزير الدفاع حينئذ عبد الفتاح السيسي، تحول زكي من الحارس إلى السجان.
ساعد الفريق زكي وبصورة كبيرة في إنجاح الانقلاب على الرئيس المنتخب، فبينما كان يراهن أنصاره على خروجه وعودته مرة أخرى للقصر في ظل ما أذيع حينها من تسريبات بشأن أن التحفظ عليه كان من باب حمايته، وهي الحجة التي استهدفت تهدئة الأجواء المشتعلة آنذاك، إذ بالرجل يلقي بآخر كارت كان من الممكن أن يحفظ للشرعية مكانها وذلك بتسليمه الرئيس للمحاكمة.
لم يتوقف دور رئيس الحرس الجمهوري الأسبق على اعتقال مرسي وتقديمه للمحاكمة فحسب، بل ساعد بشهاداته في توجيه العديد من الاتهامات للرئيس الراحل في عدة قضايا
شهادته في قضية قتل متظاهري الاتحادية
لم يتوقف دور رئيس الحرس الجمهوري الأسبق على اعتقال مرسي وتقديمه للمحاكمة فحسب، بل ساعد بشهاداته في توجيه العديد من الاتهامات للرئيس الراحل في عدة قضايا على رأسها قضيتي التخابر وقتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2012،، حيث أكد أن قوات الحرس الجمهوري رفضت تنفيذ أوامره بقتل المتظاهرين، وقال: “لن نعتدي على أبناء الشعب ولا نتوقع أن يعتدي المصريون على الحرس الجمهوري”.
وأضاف أنه تلقى اتصالًا من مرسي في الساعة الثانية فجر يوم 5 من ديسمبر 2012 يأمره فيه بفض الاعتصام أمام القصر الجمهوري خلال ساعة واحدة بالقوة، فرفض تنفيذ الأمر ثم حاول الاتصال بالرئيس بعد ذلك، فلم يتمكن فاتصل بأسعد الشيخة نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وطلب منه مهلة 24 ساعة لفض الاعتصام من دون عنف، فأخبره الأخير بأنه اتصل بمرسي الذي أصدر أوامره بعدم وجود أي من المعتصمين عند حضوره صباحًا، وفي صباح اليوم التالي كان معظم المعتصمين قد انصرفوا عدا مجموعة قليلة نصبوا 15 خيمة فحضر إليه الشيخة وطلب منه إخلاء المعتصمين فرفض، فقرر الشيخة أن يكلف جماعته بالفض عصرًا.
وذكر أن الرئيس الراحل وجه إليه أمرًا صريحًا بصفته رئيس الجمهورية بقتل من يتجرأ على اقتحام قصر الرئاسة، قائلًا: “هناك اتفاقًا بين محمد مرسي وجماعته على قيام أنصارهم بالتعدي على المعتصمين وفضّ اعتصامهم بالقوة، وكان تنفيذ ذلك الاتفاق بإشراف الشيخة الذي كان موجودًا بين أنصار محمد مرسي في أثناء فض الاعتصام”.
وفي المقابل اتهم أنصار مرسي رئيس الحرس الجمهوري بأنه تخاذل وتآمر ضده في أكثر من موقف، وتواطأ مع المتظاهرين في أحداث الاتحادية، وعرض حياة الرئيس للخطر باعتباره مكلفًا بتأمين جميع قصور ومقرات الرئاسة وتأمين شخص رئيس الجمهورية وأفراد أسرته وعناصر موكبه.
قضية التخابر
في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”قضية التخابر” استعرض زكي خلال شهادته أمام المحكمة الاختصاصات الوظيفية لمهام عمله، وقال إن التقارير التي ترد لقيادة الحرس الجمهوري تسجل في أرشيف الحرس ويتم استلامها بواسطته، ويتولى عرضها مباشرة على رئيس الجمهورية، مؤكدًا أن جميع هذه الوثائق تسجل في دفتر واحد بدرجة سريتها.
وأضاف أن لديه بيانًا بجميع الوثائق التي عرضت على محمد مرسي إبان رئاسته للبلاد منذ 30 من يونيو 2012، التي تزيد على 100 وثيقة وبيان الوثائق التي عرضت بمعرفة قائد الحرس الجمهوري السابق، ولم يتم استعادتها من الرئيس مرسي.
في 28 من يوليو 2018 رقّى السيسي قائد الحرس الجمهوري إلى رتبة فريق أول ثم المفاجأة الكبرى حين اختاره لمنصب وزير الدفاع في خطوة أثارت الكثير من الجدل الدستوري والسياسي في هذا التوقيت
وفي شهادته أمام المحكمة قدم ما قال إنه صورة ضوئية من خطاب صادر من رئاسة الجمهورية في 16 من يوليو 2012 ومزيل بتوقيع المتهم أحمد عبد العاطي وموجه إلى اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة في ذلك التوقيت واللواء مجدي عبد الغفار رئيس جهاز الأمن الوطني آنذاك (وزير الداخلية الحاليّ).
وتضمن التنبيه على إرسال التقارير الخاصة وتقارير الحالة الأمنية اليومية داخل مظروف مغلق ومختوم من الخارج بدرجة سري للغاية باسم مدير مكتب رئيس الجمهورية، وهو المتهم أحمد عبد العاطي، ولا يفتح إلا بمعرفته، كما قدم بيانًا بالوثائق التي تم تسليمها لرئاسة الجمهورية للعرض على محمد مرسي، وذلك عبر قائد الحرس الجمهوري السابق ولم يتم استعادتها، تضمنت 16 وثيقة منها تشكيل القوات البرية المصرية والسياج الأمني المقرر إنشاؤه على الحدود مع إحدى الدول والحجم العام للقوات ومراكز القيادة والسيطرة وتطورات الأوضاع على الحدود المصرية وغيرها.
وزير بالمخالفة للدستور
عقب عزل الرئيس مرسي تم إقالة الفريق زكي من منصبه، لكن سرعان ما أعاده السيسي بعد تنصيبه رئيسًا في 2014، قائدًا للحرس الجمهوري مرة أخرى، ليبقى في مكانه 4 سنوات كاملة، وذلك قبل أن يستعين به الرئيس مكافأة على ما وجده فيه من إخلاص، لا سيما أن السيسي لا ينكر دوره في تعبيد الطريق أمام كرسي الحكم.
وفي 28 من يوليو 2018 رقّى السيسي قائد الحرس الجمهوري إلى رتبة فريق أول ثم المفاجأة الكبرى حين اختاره لمنصب وزير الدفاع في خطوة أثارت الكثير من الجدل الدستوري والسياسي في هذا التوقيت.
في الدستور المصدق عليه في 2014 تم تحصين منصب الفريق صدقي صبحي، وزير الدفاع في هذا الوقت، ونص الدستور على أن “يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارًا من تاريخ العمل بالدستور”.
ترقية فسرها البعض بأنها بجانب كونها مكافأة للرجل المخلص ودوره البارز في الوصول بالأحداث إلى ما هي عليه الآن، فإنها في الوقت ذاته محاولة لكسب المزيد من دعمه وتجنب تكرار سيناريو مرسي رغم الفارق الكبير في الحالتين، وهو ما بات يلمح إليه البعض خلال الأيام الأخيرة عقب استعادة الثورة روحها المفقودة مرة أخرى بعد سنوات من الجمود بفعل التضييق الأمني وحالة اليأس التي خيمت على الغالبية العظمى من المصريين.
ولد الفريق أول محمد أحمد زكي، في الـ29 من يناير 1956، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية (تخرج في الكلية الحربية في 1 من أبريل 1977 – الدفعة 69 حربية)، هذا بجانب اجتيازه لعشرات الدورات العسكرية منها الفرق التأهيلية لسلاحي المشاة والمظلات، ودورة أركان حرب عام، دورة كلية الحرب العليا، إضافة إلى الدورة العليا لكبار القادة.
تدرج في جميع الوظائف القيادية بوحدات المظلات، حيث عين قائد لوحدات المظلات في الفترة من 18 من ديسمبر 2008 حتى 11 من أغسطس 2012، ثم عين قائد للحرس الجمهوري اعتبارًا من 12 من أغسطس 2012، ورقي إلى رتبة الفريق في يناير 2017، ثم فريق أول في 28 من يوليو 2018.
حصل زكي على العديد من الأوسمة والأنواط والميداليات، منها ميدالية 30 يونيو 2013 وميدالية 25 يناير 2011، بجانب نوط التدريب من الطبقة الأولى ونوط الواجب العسكري ونوط الخدمة الممتازة وميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة.