أثار رجل الأعمال ورئيس اتحاد القبائل والعائلات في مصر، إبراهيم العرجاني، الجدل مجددًا، بعد تغريدات له عن البدو معتبرًا أنهم -إلى جانب أهل الصعيد- “خط أحمر”، وذلك ردًا على تصريحات تلفزيونية منسوبة إلى عضو لجنة تطوير السياحة بالبرلمان، حامد الشيتي، الأمر الذي أشعل منصات التواصل الاجتماعي التي انتفضت ضد تلك التغريدات التي وصفها البعض بالقبلية والطائفية، وسط تحذيرات بشأن تهديدها للتماسك المجتمعي المصري.
وكان حامد الشيتي، وهو أحد رجال الأعمال المعروفين في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، قد حمّل -خلال مشاركته في حلقة نقاشية على فضائية “القاهرة والناس”- بدو محافظة مرسى مطروح (شمال) مسؤولية إعاقة رجال الأعمال عن البناء في الساحل الشمالي، والتعدي عليهم، مما يؤثر على القطاع السياحي في مصر.
وبعد ساعات قليلة من تلك التصريحات، كتب العرجاني المقرب من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وسمسار معبر رفح كما يلقبه البعض، تغريدات عبر حسابه في منصة “إكس”، أحدثتا ضجة كبيرة لدى الشارع المصري وعلى منصات التواصل الاجتماعي، طالب فيها الشيتي بالاعتذار قائلًا: “من أخطأ في بدو مصر عليه الاعتذار فورًا”، مضيفًا أن “بدو مصر معروفون للمخابرات العامة والمخابرات الحربية والخدمة السرية وأجهزة الدولة”، فيما جاءت الثانية تحذيرية بشكل مباشر حيث قال “بدو مصر وصعيد مصر خط أحمر”.
دفاع العرجاني عن البدو ربما يكون مقبولًا لدى البعض -وإن جاء في سياق قبلي بحت- كونه رئيس اتحاد القبائل والعائلات الذي نصب نفسه مدافعًا عن القبائل والبدو من شرق مصر إلى مغربها ومن شمالها حتى جنوبها، لكن لغة التهديد المستخدمة في عبارة “خط أحمر” هي ما أثارت كل هذه الضجة، وأحدثت قلقًا كبيرًا لدى المصريين، نخبة وعامة، لما تنطوي عليه من لهجة قبلية لم يعرفها المصريون من قبل، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل عن حقيقة وحجم النفوذ الذي يدفع شخصية مثل العرجاني لأن توجه تهديدًا علنيًا وأن يٌدخل البدو وأهل الصعيد معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. ثم السؤال الأهم: لماذا يُترك هكذا دون محاسبة ومن الذي يحميه؟
اعتذار فوري مثير للقلق
بعد تغريدات العرجاني خرج عضو لجنة تطوير السياحة بالبرلمان ببيان قدم من خلاله اعتذارًا رسميًا لسوء الفهم الذي حدث مع التصريحات التلفزيونية التي أدلى بها، مؤكدًا على أنه “يكن كامل الاحترام والتقدير للإخوة العرب البدو في كافة أنحاء الجمهورية، وأنهم يمثلون نموذجًا للشرف والنزاهة ويثمن دورهم في كافة الأوقات الصعبة ويتم التعايش معهم كإخوة وتقوم العلاقات معهم على أسس من المحبة والمودة بكافة المشروعات المقامة في محافظات مصر المختلفة”.
وأرجع الشيتي تصريحاته إلى ما “يعانيه كمستثمر مصري من تجاوزات ترتكبها فئة قليلة من بعض من العرب البدو بالساحل الشمالي بمشروع قرية ألماظة، تجاوزات موثقة بمحاضر رسمية وقرارات إزالة تعديات على قطعة الأرض المملوكة للشركة.. واستمرار عمليات البناء ومخالفة القانون على الأرض المخصصة لنا من هيئة المجتمعات العمرانية”.
اللافت هنا أن رجل الأعمال المخضرم والبرلماني المُحنك بدأ بيانه بالاعتذار أولًا لاتحاد القبائل العربية الذي يرأسه العرجاني، في استهلال فٌهم على أن البيان إنما جاء استجابة للتغريدة التي طالبه فيها ابن قبيلة الترابين، ورئيس اتحاد قبائل سيناء، بالاعتذار، ثم التحذير من الاقتراب من البدو، مضيفًا لهم لاحقًا -وبدون مبرر- أهل الصعيد.
والشيتي هو صاحب شركة “ترافكو”، واحدة من أكبر شركات السياحة في مصر، والتي تمتلك أكبر أسطول من السيارات والحافلات وتأسست عام 1979، والملقب بـ”ملك السياحة، إذ يمتلك 17 فندقًا سياحيًا بشرم الشيخ ومرسى علم والغردقة، و21 فندقًا عائمًا حول العالم، بإجمالي 143 فندقًا ومنتجعًا سياحيًا وفنادق عائمة تخدم 1.3 مليون سائح سنويًا.
وكان الشيتي من أبرز رجال مبارك السابقين، إلا أنه غادر البلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 خوفًا من الملاحقة القضائية، وقد وٌضع اسمه على قوائم الترقب، لكنه عاد مجددًا بعد إبرام صفقة تصالح مع الدولة المصرية في 2012 نظير سداد مبلغ 25 مليون دولار، ليبدأ في مباشرة إمبراطورتيه الاقتصادية مرة أخرى وينخرط في النظام الجديد.
وأثار اعتذاره للعرجاني بعد ساعات قليلة من طلب الأخير منه القيام بذلك الكثير من التساؤلات عن حجم النفوذ الذي من الممكن أن يتمتع به رئيس اتحاد قبائل سيناء بما يدفع شخصية بحجم الشيتي لأن تستجيب لهذا الطلب بتلك السرعة، وهو الأمر الذي عدّه نشطاء مؤشر لمرحلة جديدة من سيطرة الفصائل والميليشيات في مصر.
من أين أتى العرجاني بتلك السطوة؟
تُعد رحلة صعود إبراهيم العرجاني من مُطارد من قبل قوات الأمن كونه مجرمًا سابقًا ومتورطًا في اختطاف جنود وضباط مصريين في سيناء، إلى واحد من أبرز وجوه المال والأعمال وأحد المقربين من رأس السلطة في مصر والشريك الأكبر والأساسي للمؤسسة العسكرية في خارطة مشروعاتها ومن قبل عملياتها العسكرية على الحدود الشرقية، أحد الرحلات التي يجب التوقف عندها مليًا لما تحمله من مفاجآت وقفزات غير مفهومة في كثير من محطاتها.
واستطاع رئيس اتحاد قبائل سيناء أن يتوغل بشكل مٌلفت في جميع الساحات، الاقتصادية والسياسية والرياضية، بل والأمنية، وتصاعد نفوذه بشكل مقلق وغير مستوعب، لاسيما بعدما بات رئيسًا لاتحاد القبائل والعائلات العربية، مايو/آيار الماضي، حتى عده البعض خليفة محتمل للسيسي في مرحلة لاحقة.
ويواجه العرجاني قائمة مطولة من الاتهامات حول منظومة أعماله خارج إطار القانون كتجارة السلاح والمخدرات والذهب، وصولًا إلى فرض الإتاوات على الفلسطينيين منذ بداية حرب غزة، وإجبارهم على دفع مبالغ باهظة نظير دخولهم من معبر رفح للأراضي المصرية، وهي الاتهامات التي وثقها الكثير من شهود العيان من الفلسطينيين وينفيها العرجاني وشركته “هلا” التي تدير عمليات الدخول من وإلى المعبر.
بدو مصر مش لوحدهم.. ليهم سند ورجالة، وعلى رأسهم الحاج #إبراهيم_العرجاني اللي هيجيب حقهم بالقانون مش بالكلام! 🔥⚖️ pic.twitter.com/pQjiubQqLI
— Shimaa Algandy (@shaima_algandy) February 23, 2025
وبعد ماراثون من العمليات التي تمت خارج القانون، استطاع العرجاني تأسيس “مجموعة العرجاني القابضة” (ORGANI GROUP)، التي أصبحت اليوم واحدة من أباطرة الأعمال في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، وتمتلك شبكة علاقات اقتصادية محورية مع الجهات السيادية في الدولة أبرزها وزارة الدفاع ممثلة في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، إذ تعاونت مع الدولة بعشرات المشاريع خارج سيناء، هذا بخلاف العلاقة القوية التي تربطه بنجل السيسي وبعض المقربين منه.
ومؤخرًا فرض الشيخ السيناوي، نفسه على الساحة السياسية، بتأسيسه لحزب “الجبهة الوطنية” المٌشهر مؤخرًا، والذي يتوقع أن يكون الحزب الأكثر استحواذًا على المشهد مع أول استحقاق انتخابي قادم نهاية هذا العام، حيث الانتخابات البرلمانية، وذلك بعدما ضم الحزب نخبة كبيرة من الساسة ورجالات الدولة وكبار المسؤولين ما بين وزراء ورؤساء برلمان سابقين، وإعلاميين وخبراء اقتصاديين، فيما وصفه البعض بـ”حزب السيسي” أو “حزب الدولة” إلى جوار حزب “مستقبل وطن” الذي يهمين على الخارطة البرلمانية حاليًا.
بتلك الشبكة المعقدة من العلاقات السياسية مع قيادات الصف الأول للنظام الحالي، وتلك الامبراطورية الاقتصادية الضخمة، وهذه الأرضية المشتركة من تبادل المصالح مع المؤسسة العسكرية وجهازي المخابرات العامة والحربية، بات العرجاني الرجل الثاني في الدولة بعد السيسي، والشخصية الأكثر حضورًا ونفوذًا في المشهد خلال العامين الأخيرين تحديدًا.
وينظر نشطاء إلى ما يقوم به العرجاني وإمبراطورتيه الاقتصادية والتسليحية بطول الشريط الحدودي المصري من سيناء شرقًا إلى مطروح غربًا، كظهير ميليشياوي للنظام، يلجأ إليه وقت الحاجة، ويستعين به في الأعمال المراد القيام بها بعيدًا عن المؤسسة العسكرية والجهات الرسمية، فهو أقرب للدور الذي قامت به مجموعة “فاغنر” في روسيا والجنجويد في السودان إبان عهد الرئيس السابق عمر البشير.
مشهد عبثي.. غضب على منصات التواصل
منذ بداية صعود العرجاني على الساحة حذر كثير من النشطاء والمراقبين من القفزات السريعة التي يخطو بها الرجل لتعزيز نفوذه الداخلي، متمترسًا خلف عباءته القبلية، حيث وصفه البعض بـ “حميدتي مصر” وأخرون اعتبروه قائد ميليشياوي ليس أكثر من ذلك، وسط تصاعد المخاوف من تعاظم امبراطوريته الاقتصادية والتسليحية.
ومع المواكب الضخمة التي كانت ترافقه في كل تحركاته والتي تتجاوز أحيانًا فخامة وحجم مواكب السيسي نفسه، وكميات السلاح المملوكة لأنصاره من القبائل السيناوية والعربية، زادت تلك المخاوف، خاصة بعد العزف على الخطاب القبلي العشائري المستخدم لتوسيع دائرة حضوره بين العشائر في سيناء ومطروح وعبر الحدود الشرقية والغربية للدولة المصرية.
القلق تصاعد مع تعبيد الطريق له من جانب النظام لتعظيم نفوذه السياسي والاقتصادي، إذ أصبح الداعم الأهم والأبرز للحزب المرشح أن يكون خليفة “الحزب الوطني” في مصر مستقبلًا، كذلك الشريك الاستراتيجي المحوري للجيش في مشروعاته البنيوية سواء على الحدود أو في قلب القاهرة، حتى بات الرجل حديث الإعلام والشخصية الأكثر حضورًا تحت الأضواء.
بالتفاصيل : إبراهيم العرجاني يفتح النار على الجميع ويهدد من تجاوز الخط الأحمر .. ايه الحكاية؟ pic.twitter.com/Zuw8g9zXOx
— Osama Gaweesh (@osgaweesh) February 24, 2025
استمرت تلك المخاوف في نطاقها المٌلجم نسبيًا حتى جاءت تدوينته الأخيرة التي نصّب نفسه فيها المدافع عن بدو مصر وأهل الصعيد، وكلاهما يمثل شريحة لا يُستهان بها من الشعب المصري، الأمر الذي أعاد للأذهان التحذيرات السابقة بشأن عزف العرجاني على أوتار القبلية والمناطقية لتعزيز نفوذه، وسط تصاعد حدة القلق من استخدام مثل هذه اللغة التي تهدد وحدة النسيج المجتمعي المصري، التي تعد الركيزة الأهم في تماسك الدولة واستقرارها التاريخي.
الإعلامية المصرية قصواء الخلالي، علقت على حديث العرجاني، قائلة: “لا أعلم حقيقة؛ ماذا ستفعل صفحة شيخ القبائل في من يتم التجاوز في حقّهم؟ ولماذا لهجة التهديد والوعيد لمن أخطأ، وكأنّها تملك عقابه ومحاسبته؟ وماذا عن البقيّة؟ فهل توافق ما أسموها صفحته، بأن يتم استباحة بقيّة المصريين، لأنّهم ليس لهم (اتحاد، وشيخ، وخط أحمر) يحميهم”، واصفة المشهد بأنه أصبح عبثيًا وأن الجميع يستعرض قوته بشكل عشوائي.
بالمحصلة.. بعيدًا عن تهويل البعض من تداعيات تصريحات رئيس اتحاد القبائل العربية، وتصاعد القلق من وضعه اللبنة الأولى في بناء التقسيم القبلي والطائفي، وتهديد الوحدة الوطنية واللحمة المجتمعية، وإثارة النعرات الطائفية داخل المجتمع المصري، وهي التحذيرات البعيدة بشكل كبير عن هوية المصريين وخارطتهم الفكرية والأيديولوجية والمجتمعية والتي لا مكان فيها لمثل تلك النعرات والخطاب القبلي.
إلا أن السؤال الأهم الآن والذي يفرض نفسه: من الذي يحمي العرجاني ليعربد بهذه الطريقة التي تشتبك مع واحدة من أهم ركائز المجتمع المصري؟ ولماذا تغض الدولة الطرف عنه رغم حالة القلق التي تخيم على الشارع المصري بسبب تصريحاته المستفزة بين الحين والأخر والتي تهدد الأمن القومي للبلاد؟