كعادة مديري المخابرات الحربية، لا يلمع اسم الواحد منهم إلا إذا اُختير في منصب أقرب إلى الأضواء، وكان هذا شأن رئيس أركان القوات المسلحة المصرية السابق الفريق محمود حجازي الذي يتصل بقائد الانقلاب العسكري الرئيس عبدالفتاح السيسي، ففضلاً عن علاقة المصاهرة بينهما، فهو أحد قيادات الجيش الذين كان يُنظر لهم باعتبارهم أقوى الرجال في نظام السيسي، إذ ظل هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن حجازي كان محصنًا من العزل بفضل علاقة المصاهرة مع الرئيس، فضلاً عن ظهور السيسي وحجازي في مختلف المناسبات كشريكين في السلطة، والسطور التالية ستخبرك قصته كاملة.
رجل المراحل الانتقالية
وُلد حجازي في العام 1953، وتخرج في الكلية الحربية العام 1974 ضمن الدفعة 65 حربية، نفس دفعة المشير عبد الفتاح السيسي، وتدرج في الوظائف القيادية في سلاح المدرعات من قائد فصيلة إلى قائد كتيبة، مرورًا بقائد لواء مدرع حتى تولى قيادة الفرقة التاسعة المدرعة في المنطقة المركزية العسكرية.
وعُيّن ملحقًا للدفاع في لندن، كما عمل مساعدًا لقائد المنطقة المركزية العسكرية، فرئيسًا لأركان المنطقة الغربية العسكرية ثم قائدًا لها، وكان أحد أبرز قادة القوات المسلحة خلال مسؤولية المشير حسين طنطاوي عن قيادة القوات المسلحة، ليترأس بعد ذلك هيئة التنظيم والإدارة للقوات المسلحة خلال أحداث ثورة يناير 2011.
الأهم من هذه المؤهلات، تلك العلاقة التي ربطت حجازي بالرئيس السيسي مبكرًا، حيث تربطهما علاقة مصاهرة تكللت بزواج ابن السيسي بابنة حجازي
ويعتبر حجازي من الوجوه المألوفة خلال قيادة المجلس العسكري الذي تشكل لقيادة المرحلة الانتقالية في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، إذ عهد إليه الدفاع عن صورة الجيش بعدما زادت الانتقادات له، لا سيما بعد “أحداث ماسبيرو” التي قتل خلالها أكثر من 20 متظاهرًا قبطيًا في اشتباكات مع الجيش.
وحصل حجازي على جميع الفرق المطلوبة في سلاح المدرعات، كما حصل على ماجستير العلوم العسكرية في العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان، وزمالة كلية الحرب العليا في أكاديمية ناصر العسكرية العليا، ودورتي المدرعات المتقدمة والاستخدام الفني في الولايات المتحدة.
وشارك في حرب الكويت وحصل على أنواط ونياشين منها نوط التدريب من الطبقة الثانية ونوط الواجب العسكري من الطبقات الأولى والثانية والثالثة وميدالية تحرير الكويت وميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ونوط الخدمة الممتازة وميدالية 25 يناير 2011.
الأهم من هذه المؤهلات، تلك العلاقة التي ربطت حجازي بالرئيس السيسي مبكرًا، حيث تربطهما علاقة مصاهرة تكللت بزواج ابن السيسي (حسن الموظف بشركة بترول حكومية) بابنة حجازي (داليا العضوة في النيابة الإدارية) في العام 2010، وهو ما فتح الباب أمام حجازي للتدرج في المناصب العسكرية سريعًا.
خليفة السيسي
ظل حجازي في رئاسة هيئة التنظيم والإدارة حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بعدما عيَّنه الفريق أول عبد الفتاح السيسي مديرًا للمخابرات الحربية والاستطلاع خلفًا له، وإسناد مهام منصبه في هيئة التنظيم والإدارة إلى اللواء أركان حرب أحمد أبو الدهب الذي كان مديرًا للشؤون المعنوية.
تعكس الفترة التي تولى فيها حجازي هذا الجهاز الحساس الكثير من التناقضات، ففي حين وُجهت تهم كثيرة لمرسي، منها “العبث بأمن سيناء والتخابر مع حركة حماس” التي روَّج النظام الجديد حينها لوصمها بـ”الإرهاب”، كشفت وثيقة حصلت عليها قناة “الجزيرة” مسربةً من إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع بشأن مقترحات عن استعادة الأمن وتحقيق التنمية الشاملة في سيناء، مؤرخة بما يسبق الانقلاب بأقل من شهرين، بتوقيع مدير المخابرات الحربية والاستطلاع اللواء أركان حرب محمود إبراهيم حجازي، توصيات واضحة لعلاج بعض جوانب الأزمة السيناوية.
برز دور حجازى بشكل كبير خلال الفترة التي سبقت انقلاب 3 من يوليو/تموز كقائد يلعب دورًا كبيرًا فى الأحداث من خلف الكواليس، واستعان به السيسى خلال كل المراحل التي مرت بها الفترة الانتقالية
تتضمن الوثيقة مفاجأة هي ضرورة تكثيف قنوات الاتصال مع قيادات حركة “حماس”، حفاظًا على الاستقرار الأمني على الحدود مع القطاع، وهي توصية صدرت في عهد رئيس دولة كان يُحاكم قبل وفاته لذات السبب، في حين اعتبرت “حماس” أن الوثيقة تمثل دليلاً قاطعًا على زيف الادعاءات بتدخلها في سيناء.
المفارقة الأخرى أن هذه الوثيقة المكونة من 17 صفحة لم تتضمن أي إشارة لنشاط جماعة الإخوان المسلمين في سيناء وبأي صورة من الصور. أمن سيناء وخصوصية التعامل مع سكانها وضرورة التفهم الجيد لمشاكلهم المزمنة نقاطٌ أسهبت في تناولها الوثيقة المسرَّبة، لكن مدير المخابرات الحربية السابق لا يتذكر ما وقَّع عليه لوقف ما يراه سكان سيناء استهدافًا ظالمًا لهم بدعوى مكافحة الإرهاب.
مُدبر الانقلاب
لعب الفريق محمود حجازي دورًا كبيرًا خلال المرحلة الانتقالية الأولى والثانية من خلال منصبه كمدير للمخابرات الحربية، وكان أحد الأعضاء البارزين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وشهد العديد من اللقاءات مع القوى الثورية والسياسية خلال ثورة يناير/كانون الأول 2011، وأحداث 30 يونيو/حزيران 2013.
حجازي هو أيضًا من الوجوه القليلة التي استمرت بعد حركة التغييرات الواسعة التي أجراها الرئيس الراحل محمد مرسي، وأطاح فيها بوزير الدفاع السابق حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان.
برز دور حجازي بشكل كبير خلال الفترة التي سبقت انقلاب 3 من يوليو/تموز كقائد يلعب دورًا كبيرًا في الأحداث من خلف الكواليس، واستعان به السيسي خلال كل المراحل التي مرت بها الفترة الانتقالية، وكان السيسي يعقد العديد من اللقاءات والاجتماعات داخل مقر إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ويعتبر الرجل القوي داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
يذكر تقرير لموقع “الموجز” المصري اعترافًا صريحًا بدور حجازي في الانقلاب، ويقول: “إننا لا نكون مبالغين إذا قلنا إن عملية الإطاحة بحكم الرئيس الراحل مرسي لم يكن يُكتب لها النجاح لولا وجود هذا الجنرال الذي أُديرت من مكتبه كل اللقاءات المصيرية للمشير السيسي قبل الانقلاب”.
ليس هذا إلا غيض من فيضِ محاولة الإفشال التي تعرض لها مرسي من أجهزة المخابرات، فبعض مما كان خافيًا تكشَّف على لسان وكيل المخابرات العامة السابق ثروت جودة في حوار مع صحيفة “الوطن” المصرية قال فيه: “جهاز المخابرات لم يعط معلومة واحدة صحيحة لمرسي طوال فترة حكمه، لأنه كان يعلم منذ بداية التسعينيات أنه خائن”، وهو ما يعطى مزيدًا من المصداقية لشكاوى مؤيدي مرسي من أن أجهزة الدولة – بما فيها أجهزة المخابرات – كانت تعمل ضده.
كما كان حجازي جزءًا من لعبة “الخداع الإستراتيجي” التي أدارها السيسي في الأيام واللحظات الأخيرة من رئاسة الرئيس الراحل محمد مرسي، ويؤكد ذلك فيلم وثائقي أعدته قناة “الجزيرة” بعنوان “الساعات الأخيرة”، حيث يكشف كيف تدخلت المؤسسة العسكرية المصرية في الأزمة السياسية متظاهرةً بالسعي إلى حلها.
بحسب منظمة “هيومان رايتس واتش”، حضر حجازي اجتماعات أمنية رفيعة المستوى للتخطيط لفض اعتصامي رابعة والنهضة، كما أطلق القناصة في أثناء فض الاعتصام النار من أعلى مبنى المخابرات العسكرية الذي كان تحت إشراف حجازي
وبحسب شهادات مقربين من مرسي، من بينهم خالد القزاز مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، فإن مواقف قيادات القوات المسلحة في الأيام العشرة الأخيرة من حكم مرسي كانت تتعمد أن تكون “حمالة لكل الأوجه”، وعندما يستفسر الرئيس عن موقف ما يستشكله تقوم هذه القيادة – ممثلة في وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي – بالمراوغة وتقديم التبريرات.
كما كان حجازي أحد أبطال التسريبات التي خرجت من مكتب الجنرال عبد الفتاح السيسي قبل رئاسته البلاد، وكان أبرز ما جاء فيها هو بيان الدور الإماراتي في تمويل الانقلاب على مرسي عن طريق أذرع موالية للجيش والمخابرات، كذلك كان حديث مدير مكتب السيسي عباس كامل مع وزير الدفاع آنذاك صدقي صبحي لإخباره أن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ومستشار دولة الإمارات الحاليّ سيزور القاهرة للقاء سري مع السيسي ومحمود حجازي ونبيل فهمي وزير الخارجية.
بحسب الدساتير المصرية المتعاقبة لو كان لأحد أن يُحاكم بتهمة الخيانة فهو مَنْ امتنع عن أداء واجبات وظيفته، بل ويتفاخر بذلك وبتعمد الحنث في القسم، ومن المعلوم أنه من الديمقراطية بالضرورة أن مَنْ يرفض أوامر رئيس منتخب لا يزدري هذا الرئيس فقط، وإنما يزدري الشعب الذي انتخبه ويحتقر إرادته.
فض الاعتصام
لم تخل فترة ولاية حجازي لجهاز المخابرات من تلك الاتهامات التي وُجهت لقائده في الجيش، فقد كان أحد أركان نظام السيسي، وكان مديرًا للمخابرات الحربية إبان انقلاب يوليو/تموز 2013 وما تلاه من مذابح بحق رافضي عزل الجيش لأول رئيس مصري منتخب.
كان حجازي واحدًا من كبار المسؤولين في نظام السيسي الذين وُجهت إليهم الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بعد مذبحة رابعة التي راح ضحيتها أكثر من 800 شخص، ويُقال بحسب منظمات حقوقية إنه أشرف على الاعتقالات في مراكز الاحتجاز العسكرية، وكان “جزءًا لا يتجزأ من خطط التفريق في رابعة في أغسطس/آب 2013”.
اعتبر البعض قرار تقلد حجازي منصب رئيس أركان الجيش وإن صدر عن رئيس الجمهورية (المؤقت)، إلا أنه يرجح أن السيسي رتبه قبل استقالته، في إطار ما بدا تمهيدًا لتولي السيسي رئاسة الجمهورية مطلع عام 2014
وبحسب منظمة “هيومان رايتس واتش“، حضر حجازي اجتماعات أمنية رفيعة المستوى للتخطيط لفض اعتصامي رابعة والنهضة، كما أطلق القناصة في أثناء فض الاعتصام النار من أعلى مبنى المخابرات العسكرية الذي كان تحت إشراف حجازي.
ربما كان هذا سبب كافٍ لاعتقاله ومنعه من السفر، لكن “الحصانة الاستثنائية” كانت كلمة السر التي سمحت – بحسب محامين – له في سبتمبر/أيلول 2015 بزيارة بريطانيا لحضور معرض للأسلحة في لندن دون القبض عليه أو مساءلته بشأن تهم بارتكاب جرائم ضد المحتجين في ميدان رابعة العدوية صيف 2013، في واحدة من أسوأ عمليات القتل الجماعي التي طالت أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي خلال صيف عام 2013.
الفريق حجازي (وسط) تتهمه جماعة الإخوان المسلمين بارتكاب جرائم ضد المحتجين في ميدان رابعة عام 2013
المحامون قالوا حينها لصحيفة “الغارديان” البريطانية إن حكومة كاميرون منحت حجازي تلك الحصانة التي أنقذته من الملاحقة على خلفية تهم بأعمال تعذيب بحق رافضي الانقلاب، ونقلت الصحيفة عن المحامين أن شرطة سكوتلاند يارد ردت في البداية بالإيجاب بشأن توقيف حجازي، ثم عادت لتقول إنه مُنح حصانة.
منح تلك الحصانة الاستثنائية التي نعمت بها في وقت سابق الوزيرة الإسرائيلية تسيبي ليفني، بدد بحسب حقوقيين جهودًا حقوقية وقانونية بُذلت لملاحقة مسؤولين مصريين على رأسهم السيسي وحجازي حال وصولهم إلى المملكة المتحدة في زيارة أُرجئت من يوليو/تموز 2015 لأسباب غامضة قد يفسرها البعض لعدم تبلور تلك الحصانة الاستثنائية بعد.
ومع عدم استجابة الحكومة البريطانية لدعوات إلغاء زيارة السيسي، على أساس أن الأخير “ديكتاتور عسكري مسؤول عن نظام ترهيب”، سيكون على العدالة البريطانية فيما يبدو أن تتخطى صكوك الحصانة الاستثنائية التي توزعها حكومة بلادها على سياسيين وعسكريين تلاحقهم تهم تتعلق بالديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان بعد أن كانت لندن يومًا وجهة الباحثين عن العدالة.
مكافأة الصهر
جُزي حجازي لاحقًا لقاء ما قام به، فقد نال ترقيات غير مسبوقة، بلغت ذروتها بتقلده منصب رئيس أركان الجيش بعد ترقيته إلى رتبة الفريق في مارس/آذار 2014، ليخلف الفريق أول صدقي صبحي، شريك السيسي الرئيس في الانقلاب، والشاهد الرئيسي على إدانة محمد مرسي في القضية المعروفة بـ”التخابر”، الذي شغل منصب وزير الدفاع طوال 4 سنوات قبل عزله بقرار مفاجئ في يونيو/حزيران 2018.
استبدل السيسي صهره بصديقه الفريق محمد فريد حجازي الذي جيء به من منصب مساعد وزير الدفاع
لم يكن أحد داخل المجلس العسكري يتوقع أن يختار السيسي صهره حجازي، رئيسًا للأركان باعتباره مديرًا للاستخبارات الحربية، وهو جهاز نوعي وليس جهازً قتاليًا، وفي ذلك الوقت، كانت كل المؤشرات تصب في صالح تصعيد الفريق صدقي صبحي وزيرًا للدفاع والفريق عبد المنعم التراس رئيسًا للأركان، ليس باعتباره القائد الأقدم بين أقرانه وحسب، بل أيضًا لخبرته القتالية الميدانية وكفاءته العسكرية.
لكن هذا لم يحدث، فأثارت الأخبار عن صلة النسب بين المرشح الأقوى للفوز بالرئاسة ورئيس الأركان الجديد انتقادات من بعض السياسيين والناشطين، واعتبر بعضهم أن القرار، وإن صدر عن رئيس الجمهورية (المؤقت)، إلا أنه يرجح أن السيسي رتبه قبل استقالته، في إطار ما بدا تمهيدًا لتولي السيسي رئاسة الجمهورية مطلع عام 2014، مما أثار مخاوف من عودة التوريث الذي كان بين الأسباب الأساسية لقيام ثورة يناير/كانون الثاني.
استبدال الصهر بالصديق
بعد 3 سنوات ونصف من توليه منصب رئاسة الأركان، قدَّم خلالها الكثير للمؤسسة العسكرية بمسؤوليته عن ملفات حساسة، وفي توقيت قد يبدو بالغ الحساسية، قرر السيسي إقالة حجازي من منصب رئاسة أركان الجيش، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وتعيين محمد حجازي بعد ترقيته من رتبة لواء أركان حرب إلى فريق.
لو كانا (محمود ومحمد) شقيقين ربما لوجب العزاء لحجازي بذهاب محمود ومجيء محمد، لكنها مفارقة الأسماء في مصر، يُطاح بمرسي ويأتي السيسي، ثم يُقال ذهب حجازي وجاء حجازي آخر، وما وراء هذه المفارقة خبر يحكي قصة مختلفة.
قرارات مفاجئة أُطيح فيها بـ11 من القادة الأمنيين في وزارة الداخلية، وفوقهم رئيس الأركان بعد يومين فقط من حضوره مؤتمر في واشنطن لرؤساء أركان الدول المشاركة في مكافحة الإرهاب على الإرهاب، وهو صهر الرئيس الذي عينه في منصبه، ليُنقل إلى منصب آخر حديث قيل إنه شرفي، وهو مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط الإستراتيجي وإدارة الأزمات.
الفريق محمود حجازي كان “مهندس التعاون” بين نظام السيسي واللواء خليفة حفتر في ليبيا تحت شعار “مكافحة الإرهاب”
استبدل السيسي صهره بصديقه الفريق محمد فريد حجازي الذي جيء به من منصب مساعد وزير الدفاع، وقبل تسلّمه منصبه الجديد الخطير، تولى أيضًا أمانة وزارة الدفاع وأمانة سر المجلس العسكري، وكان رئيسًا لأركان المنطقة الشمالية، وقاد الجيش الميداني الثاني بين عامي 2010 و2012، وكان في وقت من الأوقات مسؤولاً عن حملة على الجماعات المسلحة في شمال سيناء، لم تؤت ثمارها في ظل استمرار الهجمات.
بيد أن الأقل ضجيجًا في التغييرات بدا أكثرها دلالة، فقد أُقيل معهما اللواء محمد شعراوي رئيس أمن القطاع الوطني أو ما كان يُعرف بـ”أمن الدولة” واللواء إبراهيم المصري مدير الأمن المسؤول عن قطاع الجيزة، حيث المحافظة التي يقع في نطاقها هجوم الواحات الملتبس الذي جاء قبل أسبوع من الإقالة، وتكبدت فيه قوات الأمن خسائر فادحة بينها مجموعة من الضباط الكبار.
بدا حينها أن الرئيس المصري رأى أن الاجتماع مع البنيان العسكري والأمني المتنفذ في مؤسسة الحكم أجدى من مخاطبة الشعب وتفسير ما جرى له، فاجتمع مع قيادات الجيش (وزير الدفاع صدقي صبحي، ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار، ورئيس المخابرات العامة خالد فوزي و”البديل الجاهز” محمد حجازي)، وأكد أن مكافحة الإرهاب مستمرة، وسيُقطع دابره.
مهندس التعاون مع حفتر
في الاجتماع – الذي غاب عنه محمود حجازي – كان الاستنفار الأمني هو التوجيه الأبرز الذي صدر عن السيسي لمواجهة الهجمات المتصاعدة والتحديات التي تتعرض لها قوات الجيش والشرطة في أكثر من منطقة، لكن المفاجأة كانت في قرار الإقالة الذي طال شخصية بحجم ووزن الفريق حجازي الذي كان يُمسك بالعديد من الملفات، لعل أبرزها التنسيق السياسي والعسكري مع الجانب الليبي، وهو الجانب الذي تقول السلطات المصرية إنه المصدر الرئيسي للمسلحين الذين يتسللون عبر حدودها الغربية لشن هجمات على قوات الأمن.
لهذا رأى البعض في قرار الإقالة المفاجئ امتدادات إقليمية، فالفريق محمود حجازي كان “مهندس التعاون” بين نظام السيسي واللواء خليفة حفتر في ليبيا تحت شعار “مكافحة الإرهاب”، الأمر الذي رأه ليبيون آخرون تبنيًا علنيًا للثورة المضادة، لم يفعل غير منح الغطاء لفظاعات تُرتكب في حقهم.
أظهر التسريب مكالمة هاتفية لمدير المخابرات الحربية آنذاك محمود حجازي أخبر فيها السيسي بانتماء الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام في ليبيا نوري بو سهمين لجماعة الإخوان المسلمين
منذ أن أصبح رئيس الأركان عام 2014، ترأس حجازي اللجنة المصرية لليبيا التي تم تشكيلها عام 2016. خلال ذلك الوقت، سعى لتحسين المصالحة الداخلية في ليبيا. كان هذا أكثر وضوحًا في اجتماع القاهرة في فبراير/شباط 2017 مع رئيس الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا فايز السراج.
بعد أن فشلت كل من القاهرة وأبو ظبي في الجمع بين الرجلين بعد اجتماعهما المباشر في العاصمة الإماراتية في مارس/آذار 2017، دعت اللجنة المصرية حول ليبيا، برئاسة حجازي، وفدًا من مصراتة إلى القاهرة في أوائل يوليو/تموز، حيث حاولت مصر بلورة سياسية الدعم لحليفها العسكري.
ويمتد الرابط بين حجازي والملف الليبي يمتد إلى ما قبل عام 2014. في هذا الشأن، كشف تسريب صوتي بثته قناة “بانوراما ليبيا”، في مارس/آذار 2015، تدخل نظام السيسي في الشأن الليبي ودعمه للقيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) محمد دحلان، وأظهر التسريب مكالمة هاتفية لمدير المخابرات الحربية آنذاك محمود حجازي أخبر فيها السيسي بانتماء الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام في ليبيا نوري بو سهمين لجماعة الإخوان المسلمين، وأن “بو سهمين” أصر على حضور السفير الليبي في القاهرة اللقاء مع السيسي “بأي طريقة” بسبب خلافات مع رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان.
كبش الفداء
التحليلات كثيرة بشأن الإطاحة بحجازي، بينها ما ربطه البعض بالصراعات الداخلية داخل المؤسسة العسكرية، وذهب هؤلاء إلى أن السيسي انتهز الفرصة لإزاحة مَنْ قد يمثلون تهديدًا له في المؤسسة العسكرية، فمنذ انقلاب 3 يوليو/تموز، أقال السيسي ما يقارب 30 قائدًا عسكريًا من داخل المجلس العسكري حتى ينفرد بالقرار داخل الجيش، وعمل على الإطاحة بالشخصيات ذات النفوذ داخل المؤسسة العسكرية.
وحجازي أحد هؤلاء الذين كان يُنظر لهم منذ ثورة 25 يناير/كانون الأول بأنهم شخصيات سياسية بامتياز، وكان هو واللواء محمد العصار (يشغل حاليًّا منصب وزير الإنتاج الحربي منذ 2015) متصدرَين المشهد الإعلامي كواجهة للجيش المصري، وكان حجازي دائمًا يجتمع بشباب الثورة.
وفي دلالة على الصراعات الداخلية، يرى البعض أن السيسي وحجازي طيلة الأربع سنوات الماضية لم يكونا على قلب رجل واحد، وظهر هذا التوتر عند وفاة والدة حجازي في 5 من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ولم يشارك السيسي، وأوفد العميد أركان حرب أيمن فاروق أحمد شكري للمشاركة في الجنازة، كما لم يشارك في تشييع الجنازة أيضًا وزير الدفاع السابق صدقي صبحي مع العلم أن السيسي وصدقي كانا داخل الأراضي المصرية، ولم يكن أي منهما في زيارة خارج البلاد في فترة تشييع الجنازة.
في منصبه الجديد كمستشار إستراتيجي للرئيس، نادرًا ما تسمع عن صهر السيسي في وسائل الإعلام المحلية، رغم أن السيسي أصدر تعليماته باستمرار حجازي في مباشرة الملفات ذاتها التي كان يعمل عليها، وأبرزها التواصل مع الفرقاء الليبيين
ومما يشير إلى أن هناك قيادات أخرى داخل المؤسسة سيتم الإطاحة بها – وهو ما حدث مع وزير الدفاع صدقي صبحي في العام التالي لعزل حجازي – ما كتبه معتز نجل محمود حجازي بعد الإقالة بيوم، وفسرها البعض بأنها تدل على أن محمود حجازي كان ضد سياسة السيسي، وأنه في صف آخر ضد صف السيسي حيث كتب: “دمت فخرًا وشرفًا لكل من عرفك، دمت شامخًا قدر احترامك لذاتك، دمت وتدًا في مواقفك لا تسبح فيها مع التيار”.
بعد أقل من شهرين من الإقالة، ظهر السيسي مع حجازي للمرة الأولى بالزي المدني، حيث كرَّم الرئيس صهره رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، وقلَّده وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، “تقديرًا لما أداه من خدمات جليلة للبلاد أثناء خدمته بالقوات المسلحة”، كما ذكر بيان المتحدث باسم القوات المسلحة العقيد تامر الرفاعي، فيما بدا ذلك محاولة من السيسي لإعادة الثقة بأحد أهم أركان نظامه.
كرم السيسي الفريق محمود حجازى بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى
أمَّا الإقالات في جهاز الأمن، فبدت إقرارًا علنيًا بالإخفاق في مهمة حفظ أمن المصريين ومواجهة الإرهاب، وهي المهمة التي تمنح السيسي روح الحياة جنرالاً ثم رئيسًا، وقد حوَّلها إلى معركة لتخليص مصر من ثوارها ودعاة التغيير السياسي والزج بهم في السجون بإسلامييهم وليبرالييهم بينما الإرهاب مستمر والإخفاق مستمر، سواء على جبهات المجموعات المسلحة في سيناء، وعدد أفرادها لا يتجاوز ألفًا أم في تمددها إلى الداخل وفق الرواية الرسمية لواقعة الواحات، فيتحول بهذا من أُقيلوا إلى “أكباش فداء” بحجم الواقعة.
إن صح هذا الطرح، فإنه يتناقض مع فكرة التكليف بعد التفويض التي ارتضاها السيسي بل طلبها لنفسه، وكان حجازي شاهدًا عليها، فلم يعارض أو يحتج حين جعلها السيسي ركيزة شرعيته وناظم علاقته بالشعب منذ نظرية الإرهاب من احتماليتها إلى واقعيتها، وربما جعلها ضرورة لاستمرار حكمه في غياب أحد جنرالاته الذي لم تشفع له علاقة المصاهرة التي تجمعه بالرئيس.
في منصبه الجديد كمستشار إستراتيجي للرئيس، نادرًا ما تسمع عن صهر السيسي في وسائل الإعلام المحلية، رغم أن السيسي أصدر تعليماته باستمرار حجازي في مباشرة الملفات ذاتها التي كان يعمل عليها، وأبرزها التواصل مع الفرقاء الليبيين، وإدارة ملف تسليح الجيش وتنويع مصادر الاستيراد بالتنسيق مع رئيس الأركان الجديد واللواء محمد العصار وزير الإنتاج الحربي”.
رغم هذا الإبعاد المتعمد، يرى البعض في ذلك احتمال استغلال السيسي لمحمود حجازي في المرحلة القادمة، من خلال الترويج له كشخصية مدنية قادرة على تولي مناصب حكومية سواء كانت حقائب وزارية حساسة أم رئاسة الحكومة، لتحميله الفشل لكل ما ترتب عليه من تدهور أصاب الاقتصاد المصري، في حين يرى آخرون أن حجازي من المحتمل أن يكون أحد الوجوه التي من الممكن أن نراها منافسة في أي انتخابات بترتيب مع السيسي، لكن على فرض صحة أن السيسي أقال حجازي استعدادًا للمرحلة القادمة، فلماذا لم يتم تعيينه مباشرة رئيسًا للوزراء أو نائبًا للسيسي؟