“جوجل” تنتصر على باريس بمعركة “حق النسيان”.. ونحن؟

بعد معركة طويلة وحاسمة في تاريخ السجال الدائر بين باريس وشركة جوجل، أصدرت محكمة العدل الأوروبية، حكمًا يتضمن أن “جوجل” غير مطالبة بتطبيق “الحق في النسيان” عبر الإنترنت على محركات البحث التابعة لها خارج أوروبا، وجاء في حكم المحكمة: “لا يشترط قانون الاتحاد الأوروبي، على مشغلي محركات البحث القيام بعملية إزالة روابط كهذه في جميع نسخ محركات البحث التابعة لها”.
حق النسيان
ظهرت قضية “حق النسيان” عام 2014، بعد أن فتحت فرنسا الملف لدفع جوجل لتطبيق هذا الحق الذي يضمن بشكل أساسي حق الأفراد بالخصوصية على الإنترنت مقابل حرية الحصول على المعلومات. وفي نفس العام أطلقت شركة جوجل، خدمة جديدة على الإنترنت مخصصة للأوروبيين فقط تمكنهم من حذف معلومات وروابط لا يرغبون أن ترتبط بأسمائهم على الإنترنت انطلاقًا من “حق النسيان” الرقمي الذي فرضته عليها محكمة العدل الأوروبية.
تقترح هذه الخدمة الجديدة، مسح نتائج البحث على الإنترنت المرتبطة باسم المستخدم، ويعتبرها صاحبها غير ملائمة أو لم تعد ذات صلة، وتتم العملية عبر استمارة على الإنترنت يملأ عبرها المستخدم خانة متعلقة بالبيانات الشخصية وبعدها يضع الروابط التي يريد حذفها.
في سنة 2015 طالبت اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات الفرنسية بإزالة قوائم نتائج البحث للصفحات التي تحتوي على معلومات ضارة أو خاطئة عن شخص ما من جميع محركات البحث التابعة لها عالميًا، مما أدى إلى أن تطرح جوجل في العام التالي خاصية “الحجب الجغرافي” التي تمنع المستخدمين الأوروبيين من رؤية الروابط المحذوفة.
وفي عام 2016 فرضت الهيئة الفرنسية في 2016 غرامة قدرها 100 ألف يورو على جوجل لعدم امتثالها لأمرها تطبيق “حق النسيان” في جميع محركاتها، وتصر على ضرورة تطبيق سحب الروابط على جميع النطاقات لتكون العملية فعالة.
وفي أبريل من العام الماضي، فاز أحد رجال الأعمال بقضية رفعها ضد جوجل في لندن، لإزالة نتائج البحث في قضية تخصه، وكان لقضيته مع جوجل “الحق في النسيان” تداعيات واسعة النطاق، إلا أنه وفي نفس العام رُفضت قضية مماثلة لرجل أعمال آخر كان قد أدين في قضية أكثر خطورة.
ووفقًا لوكالة “فرانس برس“، فإنه في حال كانت فرنسا قد ربحت القضية “لعمّق ذلك حدة الانقسامات بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث مقار معظم شركات الإنترنت العملاقة التي انتقد رئيسها دونالد ترامب ما وصفه بتدخل الاتحاد الأوروبي في الأعمال التجارية الأمريكية”.
محكمة العدل الأوروبية
باريس ترد وجوجل ترحب
من جهتها ردت هيئة تنظيم البيانات الفرنسية بأن “الحكم لا يمنعها بشكل واضح من المطالبة بسحب الروابط على صعيد عالمي”، مضيفةً “ونتيجة لذلك، فإن الهيئات التنظيمية وبالتالي اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات مخولة بمطالبة محرك بحث بسحب الروابط من نتائج جميع نسخ محركاته إذا كان ذلك مبررًا وفي حالات معينة، بهدف ضمان حقوق الشخص المعني”.
أما الشركة الأمريكية جوجل، فأشادت بقرار المحكمة، وقال محامي الشركة بيتر فليشر: “من الجيد أن المحكمة اتفقت مع حججنا”، وأضاف أن شركته عملت من أجل “تحقيق توازن منطقي بين حق الناس في الوصول إلى المعلومات والخصوصية”، وحذر جوجل من أن “دولًا استبدادية خارج أوروبا قد تستغل طلبات سحب الروابط عالميًا للتغطية على الانتهاكات الحقوقية المرتكبة فيها”.
إجراءات مسيسة
وبحديثه لـ”نون بوست”، قال المهندس المُختص في تقنية المعلومات فراس اللو إن فرنسا لم تخسر شيئًا بهذه القضية، ويرى أن الأمر “يبدأ بفهم آلية عمل جوجل كمحرك بحث وأرشفة البيانات ووضعها بالأرشيف، ولدى الشركة الأمريكية أدوات يستطيع من خلالها أي أحد تقديم طلب لإزالة البيانات بعد دراسة الطلب من الشركة”، مشيرًا أن مشكلة فرنسا هي “شأن سياسي لا تقني”.
تحتج جوجل على “حق النسيان” دائمًا بأنه يمكن إساءة استخدام هذا الإجراء من جانب حكومات استبدادية قد تحاول التستر على انتهاكات حقوق الإنسان إذا طُبق خارج حدود أوروبا
ويقول اللو: “في حال تم قبول طلب باريس لإزالة أي بيانات عن طريق القضاء، فيجب إزالته من جميع العالم”، مضيفًا “هذا الأمر لا ترضى به جوجل”، وأشار اللو أنه في حال كسبت فرنسا هذه القضية “لأصبحت مثل الصين في طريقة تعاملها، فأي قضية لا ترضاها تمكنها من حظر جوجل”، مشبهًا الأمر بما حصل مع “ويكيبيديا” في تركيا، فنتيجة لنشر مقالة واحدة ضد الحكومة تم حجبها إلى الآن، من أجل ذلك فإن الشركة الأمريكية ستبقى “تحارب بهذه القضية”.
وقلّل اللو من شأن خسارة فرنسا لهذه القضية بالنسبة للمستخدمين بشكل عام، لأن إجراءات جوجل لخصوصية الأشخاص والمؤسسات واضحة، من حيث تقديم الاعتراضات وحذف البيانات.
وتحتج جوجل على “حق النسيان” دائمًا بأنه يمكن إساءة استخدام هذا الإجراء من جانب حكومات استبدادية قد تحاول التستر على انتهاكات حقوق الإنسان إذا طُبق خارج حدود أوروبا، فيما تعتبر فرنسا أن “هذا الحق لا قيمة له إلا في حال تطبيقه عالميًا”.