أثار تشكيل المجلس العسكري في السويداء جدلًا واسعًا بين السوريين خلال اليومين الماضيين، خاصة في ظل تزامنه مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الداعية إلى حماية الدروز في المنطقة الجنوبية وعدم السماح للجيش السوري الجديد بدخولها، وترحيب قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بتشكيل المجلس.
المجلس، الذي يتكون من فصائل عسكرية محلية، تشكل بعد تنسيق مع القوى السياسية الثورية والمجتمع الأهلي، ويهدف إلى فرض بيئة آمنة واستقرار في المحافظة داعيًا إلى إقامة دولة ديمقراطية لا مركزية.
ورغم الصلاحيات المحدودة التي يتمتع بها المجلس العسكري على مستوى الجغرافي والإداري في السويداء، بسبب عدم تلقيه استجابة من كبرى الفصائل العسكرية المسلحة في المحافظة، إلا أن القائمين عليه اتهموا بالانفصاليين، بسبب اتخاذه شعارًا مستوحى من شعار “قسد”، ما دفع المجلس إلى نفي الاتهامات والتأكيد على وحدة الأراضي السورية.
تأسيس جسم عسكري
أسست مجموعات عسكرية مكونة من منشقين ومتقاعدين في محافظة السويداء جنوبي سوريا جسمًا عسكريًا تحت مسمى “المجلس العسكري في السويداء”، خلال فيديو مصور في مطار الكفر الزراعي في ريف المحافظة الجنوبي.
وقرأ بيان التأسيس الأول قائد المجلس العسكري، العقيد المنشق عن جيش النظام البائد، طارق الشوفي، بوصفه مشروعًا وطنيًا انطلق من قاعدة تنظيم التعاون بين القوى المسلحة في المجتمع المحلي.
وجاء في البيان، “أن المجلس العسكري نواة عسكرية من كوادر العسكريين المنشقين والمتقاعدين الذين شاركوا في انتفاضة السويداء منذ انطلاقتها الأولى”، ودعا، “كل من يرغب من القوى العسكرية في الانخراط في مشروعه الوطني القائم على تحصيل حق كل صاحب حق والالتزام بالواجب الوطني”.
وأكد أنه سيكون جزءًا من الجيش الوطني للدولة السورية الجديدة “دولة الحداثة والمواطنة المتساوية وحقوق الإنسان والدولة الديمقراطية العلمانية اللامركزية دولة العدالة والسلام الإقليمي والدولي”.
واعتبر المجلس أنه يعمل بالتنسيق مع القوى السياسية والثورية والمجتمع الأهلي والهيئة الروحية، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، ويهدف لحماية المجتمع والأمن الوطني والإقليمي، وحماية الحدود الجنوبية من عصابات تهريب السلاح والمخدرات وتسلل المنظمات الإرهابية حتى منطقة التنف في البادية السورية.
وجاء البيان عقب دعوة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لجميع العسكريين من ضباط، وصف ضباط، وأفراد، وحملة السلاح من أبناء المجتمع المحلي إلى حضور عرض عسكري لإلقاء البيان الأول.
بينما أعلنت مجموعات عسكرية في عدة قرى وبلدات في السويداء عبر بيانات مصورة منفصلة، انضمامها للمجلس العسكري، من بينها أبناء بلدة الغارية وقوات نبي شعيب، وبيرق سليمان بن داوود، ومقاتلين آخرين في قرية بكا جنوبي السويداء.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أسس العقيد طارق الشوفي مجلسًا عسكريًا مؤقتًا في السويداء، معتبرًا أنه قائم بمباركة الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، إلا أن الهجري رفض المجلس ووصف القائمين عليه بـ “الانفصاليين”، وأكد عدم تفويضهم بأي شكل من الأشكال.
كما اعتبرت غرفة العمليات المشتركة في السويداء، أن ما قام به الشوفي، عمل تخريبي يهدف إلى شق الصف ويمس السلم الأهلي في المحافظة، محذرًا من التعامل مع المجلس العسكري المؤقت كونه لا يملك الشرعية الرسمية والتفويض الأهلي.
صلاحيات المجلس العسكري
ينتشر المجلس العسكري في السويداء جغرافيًا ضمن قرى وبلدات تقع في ريف محافظة السويداء الجنوبي والمحاذية للحدود السورية – الأردنية، دون انتشار في باقي أرجاء المحافظة التي تنتشر فيها قوات رجال الكرامة، ولواء الجبل، وتجمع أحرار الجبل، وبالتالي لا يملك المجلس العسكري قرارًا كاملاً على مستوى المحافظة.
كما لم يلق المجلس استجابة من الفصائل العسكرية في السويداء التي تنضوي في غرفة عمليات مشتركة، والتي شاركت في عملية ردع العدوان تحت اسم معركة الحسم، وانضمت في المعركة من خلال الزحف من الجنوب السوري إلى دمشق.
وفي 23 فبراير/شباط 24 جددت غرفة العمليات المشتركة في محافظة السويداء، تحذيرها خلال بيان، أن المجلس العسكري غير شرعي والبيان لا يمثل إلا أصحابه ويحملونهم المسؤولية كاملة عن أي مضاعفات تحدث إثر هذا الاجتماع.
عقب الإعلان عن المجلس العسكري، جرى لقاء جمع الرئيس السوري، أحمد الشرع، مع عدد من وجهاء وممثلين عن كبرى الفصائل المسلحة في السويداء، في العاصمة دمشق، ناقشوا خلاله، المؤتمر الوطني والإعلان الدستوري وإدارة شؤون الدولة وتشكيل الحكومة والجيش.
وعقب سقوط نظام الأسد تأسس مجلس شورى عسكري في السويداء مكون من أكبر خمسة فصائل في المحافظة، وهي حركة “رجال الكرامة” و”قوات شيخ الكرامة” و”تجمع أحرار جبل العرب” و”لواء الجبل” و”درع التوحيد”، هدفه التواصل مع وزارة الدفاع في الحكومة السورية للتوصل إلى اتفاق والاندماج في وزارة الدفاع.
وأكد مشايخ وممثلي الفصائل المسلحة، “أن الجيش السوري يجب أن يكون لحماية حدود الوطن وولائه للشعب وليس للرئيس كما كان على دور النظام السابق والتأكيد على أن الجيش من كافة مكونات الشعب السوري”.

في 23 فبراير/شباط الجاري، اجتمع ممثلون عن الفصائل المسلحة في السويداء مع وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، في إطار سلسلة الاجتماعات السابقة التي تهدف إلى تنظيم انضمام الفصائل في السويداء إلى جيش سوريا الجديد، من خلال تأسيس فرقة عسكرية يكون قوامها من أبناء المنطقة الجنوبية في سوريا.
ويرى الباحث عمار فرهود، أن إدارة دمشق تنتهج النهج الدبلوماسي في التقارب مع السويداء من أجل عدم تصعيد الموقف وإعطاء الفرصة لجهات داخلية وخارجية تريد تطوير الخلاف بين دمشق والسويداء للوصول للقتال المسلح. مضيفًا، أن السويداء ممثلة بالشيخ الهجري وكبار المحافظة لا يريدون تصعيد الخلاف لمرحلة الصدام المسلح حتى لا يتم الوصول لاقتتال داخلي ذات لون ديني في الجنوب السوري.
ما وراء تشكيل المجلس العسكري؟
عندما تشكل المجلس العسكري المؤقت لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعرض لانتقادات لاذعة ورفض من المجتمع المحلي في محافظة السويداء، ما دفعه إلى إصدار بيان رد فيه على الانتقادات التي طالته.
واعتبر البيان حينها، أن المجلس العسكري هو المفوض الوحيد من قبل “دول التحالف الدولي لإعادة الأمن والاستقرار”، مستنكرًا ما وصفه بمحاولات الاقصاء من “مجموعات معينة لا تخدم سوى أجندات الفوضى والانقسام”، وأضاف أنه سيستمر في العمل على “بناء مؤسسة عسكرية مهنية”، حسب شبكة السويداء 24.
لكن مع التشكيل الجديد تحت اسم المجلس العسكري في السويداء الذي اتخذ شعارًا مقاربًا ومستوحى من شعار قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي، كما اتخذ بعضًا من المبادئ الداعية إلى حكم ديمقراطي لا مركزي في سوريا، ما دفع “قسد” إلى الترويج للمشروع العسكري باعتباره امتدادًا لمشروعها ويخدم تطلعاتها.

يعتقد الباحث عمار فرهود، أن الهدف من الإعلان عن الجسم العسكري تحقيق غايتين، الأولى زيادة الضغط على الإدارة للقبول بشروط المعلنين عن التشكيل بنوع من اللامركزية الإدارية للسويداء، والثانية تنفيذ لرغبات خارجية هدفها إظهار الادارة بمظهر الضعيف وعدم قدرتها على تمثيل المكون السوري بكل أطيافه.
وقال فرهود خلال حديثه لـ “نون بوست”: إن “ظهور التشكيل العسكري جاء بسبب انعقاد المؤتمر الوطني وعدم توصل السويداء والإدارة السورية الجديدة إلى اتفاق واضح حول مستقبل العلاقة بين الطرفين”.
وأضاف، أنه في حال تطورت أدوات المجلس العسكري للامساك بمفاصل السلطة في السويداء فإنه من الممكن أن يقوم بتطبيق اللامركزية على المستوى الإداري في السويداء دون انتظار موافقة دمشق، مما سيؤدي إلى تشجيع مكونات أخرى على سلوك نفس النهج في اتخاذ قرارات سيادية دون انتظار موقف السلطة المركزية دمشق”.
وأشار إلى أن الدعوة إلى اللامركزية هي دعوى واسعة لا يمكن ضبط المراد منها دون الحديث في التفاصيل واعتقد أن طلاب هذه الدعوة هم من يريد مركزية ذات طابع إداري واسع يشبه المعمول به في الولايات المتحدة الامريكية، وعليه فإنها تتشارك مع “قسد” في العنوان ولكن تختلف في التفاصيل.
ختامًا.. رغم الإعلان عن تشكيل المجلس العسكري في السويداء الداعي إلى نظام الحكم الديمقراطي اللامركزي، فإنه لا يمتلك سلطة كاملة على مستوى المحافظة بسبب عدم استجابة الفصائل العسكرية المسلحة الكبرى لدعواته، واستمرار الاجتماعات الدورية مع الإدارة السورية الجديدة لتعزيز سلطتها على كامل التراب السوري.