فتيان وفتيات يركضون باتجاهات مختلفة، وشباب يهرولون خلف سراب محدقين بشاشات جوالاتهم، كان الأمر محيرًا، وهو أشبه بالعدوى التي تنتقل بسرعة الريح من مكان إلى آخر في كل أصقاع المعمورة. هذا ما اتصف به مطلع شهر يوليو/تموز من عام 2016، إذ كان هذا الشهر موعد ولادة أولى ألعاب الواقع المعزز (AR)، وهي لعبة “Pokemon Go” من إنتاج شركة نيانتيك.
ما الواقع المعزز؟
الواقع المعزز (Augmented Reality) أو ما يعرف اختصارًا بـ”AR”، مصطلح شاع سماعه مؤخرًا في كل وسائل الإعلام، والبعض يخلط بينه وبين الواقع الافتراضي “VR” ويعتبرهم سيّان، والبَون بينهما شاسع.
فالواقع الافتراضي باختصار هو إنشاء عالم خيالي افتراضي، يتيح للمستخدم التنقل بين عوالم مختلفة وتجربة العيش في بيئات متغيرة ومحاكاة أزمنة متعددة.
تأخر انتشار استخدام هذه التقنية إلى قبل سنوات، بسبب محدودية أجهزة الحوسبة آنذاك، لكن التطور السريع في صناعة الهواتف الذكية والمعالجات الصغيرة الفائقة السرعة جعلت تقنية الواقع المعزز أمرًا قابلاً للتطبيق
أما الواقع المعزز، فهو إسقاط معلومات افتراضية في بيئة المستخدم الحقيقية، فهو يعتمد على تقنية دمج الميزات الرقمية مثل الخرائط والرموز والمرشحات وعلامات الموقع وما إلى ذلك في إطارات الشاشة، من خلال كاميرات الهاتف وأجهزة الاستشعار مثل GPS، يعرض التطبيق أو منصة الوسائط الاجتماعية مكونات رقمية مختلفة مباشرة على شاشتك.
وهو – أي الواقع المعزز – مزيج من العالمين الحقيقي والظاهري، وكما هو الحال مع العديد من التقنيات المتقدمة، تم تطوير الواقع المعزز لأول مرة للاستخدام العسكري، حيث ظهر لأول مرة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي في سلاح الجو الأمريكي.
وتأخر انتشار استخدام هذه التقنية إلى قبل سنوات، بسبب محدودية أجهزة الحوسبة آنذاك، لكن التطور السريع في صناعة الهواتف الذكية والمعالجات الصغيرة الفائقة السرعة جعلت تقنية الواقع المعزز أمرًا قابلاً للتطبيق.
أمّا رواج هذه التقنية وانتشارها في العصر الحاليّ يعود الفضل فيه إلى تطبيق “سناب شات”، إذ امتاز هذا التطبيق دون غيره بأنه امتلك قدم السبق في نظامه، حيث يتيح لمستخدميه إضافة الكثير من الفلاتر والمرشحات على صور الكاميرا.
مستقبل الواقع المعزز في التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي
لا يخفى على أحد مقدار الحيز الذي تشغله منصات التواصل الاجتماعي في عالم الإنترنت، إذ يقضي أكثر من نصف سكان الأرض ساعات طوال متقلبين بين تطبيقاتها المتعددة، إذ تجاوز مستخدمي تطبيق فيسبوك وحده الملياري مستخدم نشط شهريًا.
تتيح ميزات الواقع المعزز للعملاء تجربة منتجات مختلفة قبل إجراء أي عملية شراء، إذ يمكن للعملاء أن يتخلصوا من متاعب القيام برحلة إلى المتجر وتجربة منتجات مختلفة ماديًا
هذا التجمع البشري المهول دفع الشركات التجارية إلى الاستفادة منها على أتم وجه، ومما لا شك فيه أن تقنية الواقع المعزز ستنقل صناعة الإعلانات إلى المستوى التالي، حيث تتيح ميزات الواقع المعزز للعملاء تجربة منتجات مختلفة قبل إجراء أي عملية شراء، إذ يمكن للعملاء أن يتخلصوا من متاعب القيام برحلة إلى المتجر وتجربة منتجات مختلفة ماديًا، أو كما يحصل الآن يختارون منتجًا معينًا بمواصفات معينة، ويتفاجأون بمنتج يختلف عما تخيلوه قبل شرائه.
فأي علامة تجارية تريد الحصول على فرصة كبيرة للتسويق في الفترة القادمة، يتوجب عليها إحكام قبضتها على مزايا الواقع المعزز، فبحسب إحصاءات قامت بها مؤسسة “Business Insider”، ففي عام 2022 سيكون إيرادات الإعلانات المعتمدة على الواقع المعزز بحدود 13 مليار في السنة.
لذا فالشركات التجارية التي ستُبقي برنامجها الدعائي مستقبلًا على نفس النمط الكلاسيكي، لن تجد لها مكانًا بين الكبار، إذ لم يعد مستخدمو الوسائط الاجتماعية مهتمين بإعلانات على غرار تلك التي يشاهدونها على التلفاز.
هذه الأرقام دفعت بكبرى شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي إلى التنافس لتقديم محتوى تفاعلي كبير قائم على الواقع المعزز، وعلى سبيل المثال:
جوجل
لعل شركة جوجل كانت من أولى الشركات التي حاولت إدخال الواقع المعزز إلى عالم الألعاب من خلال منصة “Google Glass” ولكنها فشلت في ذلك. فشل جوجل في منصتها السابقة لم يمنعها من طرح خدمات كثيرة قائمة على الواقع المعزز.
يحاول الجيش الأمريكي تطوير برنامج “google earth” خاص به بالتعاون مع جوجل، والبرنامج سيكون قادرًا على رسم خرائط للمباني من الداخل لمدن بأكملها
حيث قدمت الشركة نظارات تعمل بهذه التقنية أطلقت عليها “googly-eyes”، تتيح لمستخدميها تخصيص حجم جهاز تلفاز افتراضي في غرفة المعيشة الخاصة بهم، أو لعب لعبة رقمية على سطح طاولة.
أضافت شركة “جوجل” ميزة جديدة إلى خانة البحث، تتيح لمالكي الهواتف الذكية التي تحتوي على تقنية الواقع المعزز جلب أي حيوان يودُّون رؤيته ومشاهدته بحجمه الطبيعي.
في مؤتمر I / O الذي انعقد في مايو الماضي، أوضح نائب رئيس “جوجل” لمنتجات الكاميرا والواقع المعزز، آبارنا تشينابراجادا، كيفية استخدام بحث جوجل للواقع المعزز، لرؤية حيوانات ثلاثية الأبعاد وبحجمها الطبيعي، ووضعها في المكان الذي يختارونه.
لتشغيل الخدمة اكتب اسم حيوان تودُّ رؤيته في خانة البحث، وإذا كان الحيوان من بين تلك المشاهد التي تدعمها الميزة حاليًّا، فسيظهر مربع صغير به نص يقول: “تعرَّف عن قرب [بالحجم الطبيعي]”.
يحاول الجيش الأمريكي تطوير برنامج “google earth” خاص به بالتعاون مع جوجل، والبرنامج سيكون قادرًا على رسم خرائط للمباني من الداخل لمدن بأكملها، يمكن استخدامها في التدريبات عبر تقنية المحاكاة.
مؤخرًا عززت جوجل برنامج الخرائط الخاص بها، وبينما تظهر الخريطة التقليدية المسار المختار في الثلث الأسفل من الشاشة، تظهر في الجزء العلوي من الشاشة أسهم وإرشادات خاصة بالاتجاه وأسماء الشوارع، مما يساعد على التوجه الصحيح.
فيسبوك
عملاق التواصل الاجتماعي كان أيضًا حاضرًا وبقوة في سبيل تعزيز تطبيقه بالواقع المعزز، حيث أعلنت الشركة عن شراكتها مع 700 شركة تجارية لتطوير نظام دعائي تفاعلي قائم على الواقع المعزز.
في مؤتمر المطورين لفيسبوك والمعروف بـF8، دعا مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، إلى تطوير المنصة للحصول على ميزات جديدة قائمة على الواقع المعزز تضاف لكاميرا الأجهزة الذكية في تطبيق المراسلة الخاص به.
أضاف تطبيق إنستغرام المملوك لشركة فيسبوك، إمكانية إنشاء تأثيرات ثلاثية الأبعاد بتقنية الواقع المعزز من تصميم المستخدمين، مع إمكانية إضافتها إلى القصص
كما أتاح التطبيق مؤخرًا لمستخدميه تجربة استخدام المكياج عبر كاميرا الهاتف الذكي والتفاعل مع باقي منتجات التجميل، في سبيل معرفة رد فعل المستخدمين لمثل هذه التحسينات.
أضاف تطبيق إنستغرام المملوك لشركة فيسبوك، إمكانية إنشاء تأثيرات ثلاثية الأبعاد بتقنية الواقع المعزز من تصميم المستخدمين، مع إمكانية إضافتها إلى القصص.
ووفقًا لما نشره موقع صحيفة “ذا إندبندنت” البريطاني، تتيح الأداة الجديدة للمستخدمين تصميم وتصنيع كائنات الواقع المعزز الخاصة بهم، التي يمكنهم بعد ذلك تضمينها في قصصهم.
أهم الطرق التي يؤثر بها الواقع المعزز على تطبيقات التواصل الاجتماعي:
1. محتوى جديد
في المستقبل، سيتوقف محتوى الوسائط الاجتماعية عن كونه ثنائي الأبعاد ويصبح ثلاثي الأبعاد، عبر تقنية الواقع المعزز، والشركات التي تفشل في إنشاء تجارب تفاعلية جذابة لوسائل الإعلام الاجتماعية الخاصة بها ستفقد القيمة المحتملة الهائلة.
2. المراجعات
سيتمكن المستخدمون من مشاركة المحتوى على وسائل التواصل في أثناء التنقل من خلال استخدام نظارات تعمل بهذه التقنية، والأهم من ذلك سيتلقى المستخدم لهذه النظارات تقييمات ومعلومات عن المراكز التجارية التي يروم زيارتها.
3. تجربة المنتج
سيتمكن المستخدم من خلال الواقع المعزز من تجربة المنتجات قبل شرائها عبر منصات التواصل.
4. حضور الأحداث العالمية المهمة
تعمل بعض شركات التكنولوجيا على تمكين المستخدمين عبر تجهيزات معينة من تجهيز غرفهم الخاصة وتحويلها إلى مسرح أو ملعب تجعل المستخدم يشعر بحضوره لحفل أو مباراة كرة قدم وهو جالس في بيته.
مجالات أخرى مهمة يدعمها AR في منصات التواصل
من المتوقع أن يتم تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية من خلال منصات التواصل الاجتماعي، فالواقع المضاف سوف يثير مستويات من التعاطف من جمهور وسائل الإعلام الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، وهذا يتعارض مع توقعات الكثير من الناس الذين يعتقدون أن الوسائط الرقمية ستؤدي إلى انخفاض مقدار التعاطف من الناس.
مثال ذلك، تستخدم الأمم المتحدة صورًا عن إهدار الطعام وتعرضها عبر الواقع المعزز لتبين للناس مقدار المجاعة الموجودة حول العالم، وبالفعل حققت هذه الطريقة مقدارًا كبيرًا من التعاطف من الناس تجاه هذه القضية الإنسانية المهمة.