يتواصل التدخّل الأجنبي في الشؤون الليبية بطريقة “عدائية”، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من تدهور الوضع هناك، وهو ما جعل رئيس الحكومة المعترف بها دوليًا فايز السراج يندد بهذا التدخل “المشبوه”، ذاكرًا لأول مرة ومن على منبر الأمم المتحدة الدول المتدخلة في بلاده التي ساهمت في مضي حفتر في مشروعه لعسكرة ليبيا.
دول ثلاثة تهدد “مدنية” الدولة
الدول التي تدعم حفتر في “مشروعه التخريبي” التي ذكرها السراج في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هي: مصر والإمارات وفرنسا. قالها مستنكرًا ما تقدمه هذه الدول من دعم مباشر لمن وصفه بمجرم الحرب واللواء المتمرد خليفة حفتر.
لم يكتف رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا فايز السراج بذكر هذه الدول فقط، بل دعا المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق فيما يجري في بلاده، وطالب بإدراج حفتر على قائمة العقوبات الدولية ومحاسبة داعميه.
وأعرب السراج عن أسفه لكون “ليبيا تمر بأزمة خطيرة بسبب تدخل أجنبي سلبي”، منتقدًا أدوار كل من الإمارات التي “سمحت لنفسها بأن تكون منصة إعلامية للمليشيات”، و”مصر التي تريد إعطاء دروس لليبيا”، مشيرًا إلى العثور على “صواريخ فرنسية” في منطقة انتزعتها قواته من قوات حفتر.
دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لحفتر الخارج عن القانون لم يكن إعلاميًا فقط، بل سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا أيضًا بطريقة مباشرة وغير مباشرة
اعتبر أن “ما شجع مجرم الحرب هذا هو حصوله على دعم دول أجنبية”، لكنه أكد “سنهزمه بغض النظر عمن يدعمه”، مؤكدًا رفضه أي حوار مع حفتر، وذلك استباقًا للمؤتمر الدولي الجديد الذي من المنتظر أن يعقد في العاصمة الألمانية برلين في وقت لاحق.
وأوضح السراج، خلال استضافته بـ”منتدى كونكورديا الدولي” على هامش القمة الأممية في نيويورك أن “ما تلقاه حفتر من أسلحة ودعم مالي طوال ثلاث سنوات جعله يتوهم أن بمقدوره اجتياح العاصمة طرابلس خلال 48 ساعة“.
وكان حفتر، المناهض للشرعية، قد شن في مطلع نيسان/أبريل هجومًا عسكريًا على طرابلس، مقر حكومة الوفاق، وتسببت المعارك في سقوط نحو 1093 قتيلاً وإصابة 5762 بجروح بينهم مدنيون، فيما قارب عدد النازحين 120 ألف شخص، بحسب تقارير أممية.
الدعم الإماراتي السخي لحفتر
السراج ذكر تدخل تلك الدول الثلاث ودعمها حفتر، لكنه لم يفصل في ماهية ذلك الدعم ولا كيفيته ولا زمانه، مع ذلك أشار إلى بعض تفاصيله وترك التفاصيل الكبرى دون إشارة مع أن جميع المتابعين للشأن الليبي على علم بها.
رئيس الحكومة الليبية، قال: “الإمارات سمحت لنفسها بأن تكون منصة إعلامية للمليشيات”، وذلك على خلفية احتضان أبو ظبي مؤتمرًا صحفيًا للناطق باسم قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، بداية هذا الشهر، بعد أن ظل لأشهر طويلة يخرج من بنغازي، مقر قوات حفتر في الشرق الليبي، تحدث فيه عن تطورات الهجوم على العاصمة الليبية، وقال إن قواته قررت التوجه إلى طرابلس “لاجتثاث” من وصفهم بالإرهابيين، في إشارة للحكومة المعترف بها دوليًا.
دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لحفتر الخارج عن القانون لم يكن إعلاميًا فقط، بل دعموه سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا أيضًا بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ما جعل حكومة الوفاق تصف الموقف الإماراتي تجاه ليبيا بالعدائي والمساهم في تأجيج الوضع بالبلاد.
وكانت تقارير أممية وحقوقية، قد كشف خرق دولة الإمارات وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها وزيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا.
وقد وثق مفتشو الأمم المتحدة العديد من الانتهاكات للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة من الإماراتيين الذين تتمركز طائراتهم الحربية في قاعدة جوية تديرها في شرق ليبيا، أي في الإقليم الخاضع لسيطرة قوات حفتر. ويقول الخبراء إن الإمارات العربية المتحدة صعدت مساعداتها العسكرية لقوات حفتر في أثناء مواصلته هجومه على طرابلس في الآونة الأخيرة.
يشمل هذا الدعم إجراء الهجمات بواسطة الطائرات الصينية دون طيار ونظام صواريخ أرض جو روسي الصنع، ودعم سلاح الجو التابع لحفتر بطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات حربية وصواريخ وقذائف مدفعية عيار 155 ملم.
في آخر بيان له، أكد المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب التابع لحكومة الوفاق الوطني أن الطيران الإماراتي الحربي يستهدف مطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس وهو يعج بالمسافرين والأحياء السكانية القريبة منه.
ومنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011، تحدثت تقارير إعلامية واستخباراتية عدة عن دور إماراتي مشبوه بقيادة محمد بن زايد، في دعم قوات حفتر والمشاركة في عمليات عسكرية ضد فرقاء ليبيين، الأمر الذي ساهم حسب مراقبين في تأجيج الأزمة السياسية في ليبيا وخلق حالة من التباعد بين شركاء الوطن الواحد.
مصر وصناعة الفوضى
أما عن الجارة الشرقية – مصر – فقد قال السراج إنها “تريد إعطاء دروس لليبيا”. ومعروف عن مصر منذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي صيف 2013، دعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات المصرية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي.
وتوفر السلطات المصرية دعمًا كبيرًا لميليشيات خليفة حفتر المتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، متصادمة بذلك مع جهود الوحدة التي تدعمها منظمة الأمم المتحدة، ومُطيلة بذلك أمد الصراع في ليبيا.
ضمن أوجه الدعم السخي لحفتر، دربت القاهرة مسلحين تابعين له، وقدمت معدات عسكرية متطورة لقواته، فضلاً عن قيامها بالعديد من الضربات الجوية للعديد من المواقع التابعة لقوات معارضة لحفتر، حتى إن مراقبين أكدوا أنه لولا دعم مصر له لما تمكنت قوات حفتر من الصمود حتى الآن.
وتعمل مصر من خلال هذا الدعم على الإبقاء على حفتر عنصرًا رئيسيًا في المشهد السياسي الليبي، حتى تتحرك على الساحة الليبية بشكل أكبر لضمان مصالحها هناك وبسط نفوذها في هذا البلد العربي الغني بالنفط.
دائمًا ما تصر السلطات الفرنسية على وجود حفتر، وهو الذي يفتقد لأي شرعية، في الاجتماعات التي احتضنتها باريس لبحث سبل إيجاد حل للأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات
فضلاً عن ذلك ترى مصر أن دعم حفتر من شأنه تقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية وتعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في البلاد، وهو ما يخدم مصالحها، فلا مصلحة لها في وجود دولة ليبية مدنية قوية ترعى مصلحة شعبها.
ويرى العديد من الليبيين أن مصر كان لها دور بارز في صناعة الفوضى العارمة في بلادهم على جميع الأصعدة لتستفرد بإدارة هذه الصراعات كما يحلو لها، فقد عملت على تفكيك الجيش وضرب الاقتصاد وبث التفرقة بين عموم الليبيين.
وسبق أن أكدت تقارير حقوقية، مشاركة الطائرات المصرية في قصف عدة مدن في الشرق الليبي والجنوب ومنطقة الهلال النفطي، إضافة إلى مشاركة عدد من الضباط والعسكريين التابعين لها في الاشتباكات التي تدور رحاها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014 وحتى الآن.
دعم فرنسي لحفتر في شتى المجالات
في خصوص فرنسا، أشار السراج إلى العثور على “صواريخ فرنسية” في منطقة انتزعتها قواته من قوات حفتر، وكانت القوات الليبية الحكومية قد عثرت في يونيو/حزيران على أربعة صواريخ إف جي إم جافلن المضادة للدبابات، التي تتجاوز تكلفة الواحد منها 174 ألف دولار في غارة على معسكر للمتمردين في بلدة غريان الجبلية جنوب طرابلس، وتبين فيما بعد أن هذه الصواريخ فرنسية.
صواريخ “جافلن” لم تكن الدعم الفرنسي الوحيد لحفتر، فالسلطات الفرنسية لم تدخر جهدًا لدعم هذا اللواء المتقاعد الرافض للشرعية الأممية، في جميع الخطوات التي قام بها رغم يقينها التام بتهديده للاستقرار في ليبيا، فكلما تراجعت مكانة حفتر في البلاد، وجد الدعم من “صديقه” الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدعي لعب دور الوسيط المحايد في الأزمة الليبية.
تسعى هذه الدول إلى إطالة أمد الصراع في ليبيا للاستفادة أكثر من الوضع
ما فتئت فرنسا تدعي الحياد ووقوفها على مسافة واحدة بين جميع الفرقاء الليبيين وتقود الوساطات بينهم، إلا أن موقفها على الأرض كان عكس ذلك، فباريس لا تخفي دعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب، على حساب رئيس الوزراء المعترف به أمميًا فايز السراج.
وسبق أن كشفت العديد من التقارير الإعلامية والاستخباراتية الدولية، مشاركة جنود فرنسيين وطائرات فرنسية مقاتلة إلى جانب قوات الكرامة التي يقودها حفتر في العديد من المعارك التي قادتها في ليبيا، من ذلك معركة درنة ومعارك الجنوب.
الدعم الفرنسي لحفتر لم يكن عسكريًا فقط، بل دبلوماسيًا أيضًا، فدائمًا ما تصر السلطات الفرنسية على وجود حفتر، وهو الذي يفتقد لأي شرعية، في الاجتماعات التي احتضنتها باريس لبحث سبل إيجاد حل للأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات.
هذه الدول الثلاث التي ذكرها فايز السراج بالاسم للمرة الأولى منذ بداية الصراع في بلاده، ترى في ليبيا ثمرة دسمة حان اقتطافها، وذلك لضمان مصالحهم في هذا البلد الغارق في فوضى السلاح والميليشيات الخارجة عن القانون.