كانت الكتب منذ فترة طويلة مصدرًا لتغيير وجهات النظر، ولكن ليس من دون بعض الجدل الذي صاحبها، ففي حين يبدو الأدب بالنسبة للكثيرين نافذة على عوالم أخرى وفرصة للتواصل والترفيه، إلا أنه بالنسبة للبعض، قد تكون الكتب والروايات مصدر تهديد أو على الأقل هذا ما تريد السلطات – السياسية أو الاجتماعية أو الدينية – أن يصدِّقه القرَّاء.
ومنذ بزوغ فجر الكلمة المكتوبة، عملت الحكومات والقادة في جميع أنحاء العالم على فرض الرقابة على الآراء والكَّتاب، لهذا ليس غريبًا أن يستمر العالم إلى يومنا هذا في الاحتفاء بـ”أسبوع الكتب المحظورة”.
أسبوع الكتب المحظورة
في أوائل الثمانينيات، أطلقت جمعية المكتبات الأمريكية “أسبوع الكتب المحظورة“، الذي يمتد من 22 إلى 28 من سبتمبر/أيلول من كل عام، وهو حدث سنوي يحتفل بحرية القراءة، وانتشر منذ ذلك الحين على الصعيد الدولي.
“أسبوع الكتب المحظورة” هو حملة توعية سنوية تروج لها رابطة المكتبات الأمريكية ومنظمة العفو الدولية، وتلفت خلالها الانتباه إلى الكتب المحظورة والممنوعة، وتسلط الضوء على الأفراد المضطهدين، وتتضمّن قراءات مختلفة من كتب جرى منعها أو مصادرتها في السنوات الأخيرة، إلى جانب الحديث عن الحق في القراءة بلا رقابة والمرتبط بشكل أساسي بحرية التعبير.
كان الأمر في هذا العام في بدايته عبارة عن تظاهرة انطلقت في أمريكا بعد أن بدأت سلطة الجمهور على المحتوى المنشور تتسع، وأصبحت جهات مختلفة من مكتبات وبائعي كتب ومدارس وجامعات تستبعد مؤلفات بعينها وتمارس حق مصادرتها من على أرففها
وتؤكد حملة الولايات المتحدة التي تُعقد خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر أهمية ضمان توافر وجهات النظر غير التقليدية أو تلك التي لا تحظى بشعبية لجميع الراغبين في قراءتها، وتشترط إبقاء المواد متاحة للجمهور حتى يتسنى للأشخاص تطوير الاستنتاجات والآراء الخاصة بهم، كما تشير الحملة الدولية إلى أن الأفراد يتعرضون للاضطهاد بسبب الكتابات التي يقومون بإنتاجها أو توزيعها أو قراءتها.
بدأ الحدث السنوي الأول لهذه الحملة عام 1982، وهو نفس العام الذي قضت فيه المحكمة العليا بانتهاك حقوق التعديل الأول للطلاب عندما تم حذف رواية “المسلخ رقم 5” للكاتب الأمريكي كورت فونيجيت وثمانية كتب أخرى من المكتبات المدرسية.
كان الأمر في هذا العام في بدايته عبارة عن تظاهرة انطلقت في أمريكا بعد أن بدأت سلطة الجمهور على المحتوى المنشور تتسع، وأصبحت جهات مختلفة من مكتبات وبائعي كتب ومدارس وجامعات تستبعد مؤلفات بعينها وتمارس حق مصادرتها من على أرففها، وقد تجاوز عدد المؤلّفات المصادرة منذ ذلك العام 11 ألف كتاب، وفقًا لإحصاءات الجمعية.
منذ ذلك الحين، أصبحت القائمة مليئة بالكتب التي مُنعت تاريخيًا رغم قيمتها الأدبية مثل سلسلة “هاري بوتر” و”الكابتن أندرباتنس” للكاتب والمصور الأمريكي داف بيلكي و”محبوبة” للكاتب توني موريسون و”مغامرات هاكلبيري فن” للكاتب مارك توين و”الحارس في حقل الشوفان” للكاتب سالينجر و”عناقيد الغضب” للكاتب شتاينبيك و”السيرة الذاتية لمالكوم إكس”.
كتب محظورة
بينما يسلط “أسبوع الكتب المحظورة” الضوء على الرقابة في الأدب، فإن قائمة الكتب التي تنتمي إلى هذه النوعية منذ بدء الاحتفال بهذه المناسبة تطول لأسباب عديدة.
نعرض لكم بعض الأعمال الشهيرة التي مُنعت وأُحرقت وأثارت جدلاً كبيرًا.
– سلسلة هاري بوتر
تتمتع سلسلة “هاري بوتر” بالإثارة، وقد استمتع بقراءتها الملايين من الأطفال والكبار في جميع أنحاء العالم منذ أن وُضع الكتاب الأول على الرفوف عام 1997.
ومع ذلك، فإن الدور الرئيسي للسحر في القصص – الذي رسم معركة الصبي الساحر هاري بوتر ضد اللورد الشرير فولدمورت – أزعج بعض الجماعات الدينية، وشهد هذا العام وحده أوصافًا عديدة لسلسلة محظورة من مدرسة الروم الكاثوليك في الولايات المتحدة وأحرقها الكهنة البولنديين، بينما استشهد القساوسة بقصص توراتية تدين السحر، وقالوا “الكتب تحتوي على تعويذات حقيقية قد تُسبب أذى إذا ما قرأت”.
– مزرعة الحيوان
كانت انتقادات الروائي البريطاني جورج أورويل اللاذعة للزعيم السوفيتي السابق جوزيف ستالين في روايته “مزرعة الحيوان” محظورة بشكل غير مفاجئ في الاتحاد السوفيتي عندما نُشرت عام 1945.
القصة التي تستبدل الشخصيات الرئيسية في الحركة الشيوعية بحيوانات المزرعة التي تسعى للإطاحة بأصحابها، تم حظرها أيضًا من قوات الحلفاء لأنها كانت مثيرة للجدل لدرجة حظر نشرها خلال الحرب العالمية الثانية.
لا تزال الرواية محظورة أيضًا في كوبا وكوريا الشمالية وكلتاهما من الدول الشيوعية، وفي عام 1991، تم حظر تعديل مسرحي للكتاب في كينيا بسبب المخاوف من السخرية من السلطة.
كما تسبب تشريح الحيوانات وخاصة الخنازير، في اضطراب، وأدى إلى حظر الكتاب – إلى جانب 26 كتابًا من مناهج المدارس الخاصة – في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2002، لأنه يحتوي على “مواد مكتوبة أو مصورة تتناقض مع القيم الإسلامية والعربية”.
كما أساءت وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” تفسيرها على أنها نقد لجميع أشكال الاشتراكية، ومولت في المقابل نسخة كاريكاتورية من القصة عام 1955، وقد أُخفيت حقيقة تورط الوكالة الأمريكية لمدة 20 عامًا حتى كشف إيفريت هانت القصة عام 1974 في كتابه “مذكرات عميل سري أمريكي”.
– آيات شيطانية
كان منع كتاب “آيات شيطانية” Satanic Verses للكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي أشهر حادثة منع في التاريخ، فبعد 9 أيام من إصدار هذا الكتاب تلقت دار النشر التي طبعت الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التليفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب.
وبعد أقل من 30 يومًا من نشرها عام 1988، تم حظر “آيات شيطانية” في الهند، وأُحرقت في شوارع المملكة المتحدة، لكن الجدل بشأن القصة الذي يتحدى، وفي بعض الأحيان، يسخر من العقائد الحساسة للعقيدة الإسلامي، كان مجرد بداية.
وحتى قبل أن تُنشر “آيات شيطانية”، كان رشدي شخصية مثيرة للجدل، فقد حظرت الهند رواية “أطفال منتصف الليل” بسبب ما تضمنته من صورة عدائية وانتقاص من أنديرا غاندي وعائلتها، كما أثارت رواية “العار” التي نشرت في 1983، انزعاج باكستان على نحو مماثل.
اُحرقت دمية المؤلف سلمان رشدي في الاحتجاجات
عام 1989، أصدر المرشد الأعلى الإيراني آية الله الخميني فتوى دينية يأمر فيها المسلمين بقتل المؤلف، بعدما اعتبر الكتاب “جنونًا لا يستحق الرد”.
أجبر ذلك رشدي على الاختباء لأكثر من عقد من الزمان، في حين تم قصف المكتبات بالمتفجرات وقُتل مترجم الكتاب الياباني، أمَّا الآخرون الذين شاركوا في الكتاب فقد نجوا بصعوبة من محاولات الاغتيال.
بعد وفاة الخميني عام 1989، غيَّرت إيران الفتوى، وأصبح رشدي الآن يظهر على الملأ، رغم أنه لا يزال يتلقى تهديدات بالقتل، في حين يرى البعض أن ما بات معروفًا بـ”قضية رشدي” الدموية، تنبأت بالدور الذي تلعبه سياسة الهوية الآن في تشكيل العالم الحديث.
– عدَّاء الطائرة الورقية
باعت أول رواية للروائي الأمريكي من أصل أفغاني خالد حسيني “عدَّاء طائرة ورقية” ملايين النسخ وألهمت فيلمًا شهيرًا، لكن الكتاب واجه العديد من التحديات منذ صدوره عام 2003.
إدراج الرواية تم حظره في المناهج الدراسية بالمدارس الثانوية، ومُنعت من التداول في 5 ولايات أمريكية، وكانت رابع أكثر الكتب تحديًا عام 2017، وفقًا لجمعية المكتبات الأمريكية.
تقع أحداث القصة على خلفية أحداث مضطربة من سقوط للنظام الملكي في أفغانستان، مرورًا بالتدخل العسكري السوفييتي، فنزوح اللاجئين إلى باكستان والولايات المتحدة ومن ثم صعود نظام طالبان.
الرواية التي تحكي قصة أصدقاء الطفولة أمير وحسان في أفغانستان خلال سبعينيات القرن الماضي تحتوي على مشاهد جنسية صريحة ولغة مسيئة، وأثار تعاملها مع الشذوذ الجنسي والعنف ووجهة نظرها الدينية مخاوف أيضًا، حيث ذكرت جمعية المكتبات الأمريكية مخاوف من أن الكتاب قد “يلهم الإرهاب ويعزز الإسلام”.
عام 2013، أقر حسيني بأن الرواية تحتوي على عناصر جدية يجب على الآباء والمدرسين مناقشتها مع الأطفال قبل القراءة، لكنه قال إن الحظر المفروض “يُلحق الأذى بالأطفال”، وقال خلال مؤتمر جمعية المكتبات الأمريكية في عام 2013: “أعتقد أن الكتاب كان نافذة لأفغانستان، كنافذة لتلك المنطقة من العالم للأطفال، وسمح لهم أن يشعروا بأنهم متصلون بجزء من العالم بعيد عنهم”.
– عشيق السيدة تشاترلي
يمكن القول إن رواية “عشيق السيدة تشاترلي” للكاتب البريطاني ديفيد هربرت لورانس، تمثل أشهر قضية لكتاب محظور في المملكة المتحدة، ويرجع الفضل في هذه القصة عن علاقة امرأة ثرية متزوجة مع صاحبة الأرض من الطبقة العاملة إلى المساعدة في الدخول في الثورة الجنسية بالستينيات.
نُشرت رواية لورانس الصريحة بشكل سري لأول مرة في فلورنسا بإيطاليا عام 1928، بمساعدة من الناشر بينو أوريولي، قبل أن تتلقفها دار نشر “Penguin Books“، وتنشر الطبعة المهذبة منها علنًا في المملكة المتحدة عام 1960.
أدى استحواذ دار النشر هذه إلى تعرضها للمحاكمة بموجب قانون المنشورات الفاحشة بسبب أوصاف الكتاب المفصلة للمشاهد الجنسية، وقدم كتَّاب مشهورون مثل إي إم فورستر أدلة في المحاكمة التي استمرت 6 أيام.
في نهاية المطاف، حُكم على الكتاب بأنه “ليس فاحشًا”، ونُشر بعد شهر، حيث يمكن القول إن مشهد المحاكمة ساعد على زيادة المبيعات، حيث بيع 200 ألف نسخة في اليوم الأول.
– لوليتا
حظر رواية “لوليتا” للكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف في العديد من البلدان بما فيها فرنسا والأرجنتين ونيوزيلندا في نقاط مختلفة منذ نشرها في عام 1955.
في عام 1958، كتبت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الحظر – خاصة من فرنسا حيث نُشر الكتاب في الأصل تحت اسم مطبعة معروفة بأعمال إباحية – أدى إلى نشر “لوليتا” في الولايات المتحدة “مسبوقًا بجولة دعاية”.
إن قصة افتتان رجل في منتصف العمر بفتاة صغيرة أسعدت القراء وأزعجتهم بنفس القدر، ولا يزال يعتبره الكثيرون من أكثر الكتب إثارة للجدل في القرن العشرين، وعلى الرغم من أنه لم يعد محظورًا، فإن إدراجه في المناهج الدراسية في المدارس الثانوية كثيرًا ما يتم الطعن فيه.
– مغامرات هكلبيري فين
لطالما كانت رواية “مغامرات هكلبيري فين” للكاتب الأمريكي مارك توين لعام 1885 عنصرًا أساسيًا في المناهج الأمريكية منذ عقود، فهي إحدى أعظم الروايات الأمريكية، وهي من أول الأعمال الروائية التي كتبت باللغة العامية ذات الصبغة الشعبية المحلية.
ومع ذلك، لم يحظ هذا الكتاب بالاهتمام لدى بعض القراء المعاصرين الذين يعترضون على الإهانات العنصرية المستخدمة تجاه شخصيات الأمريكيين من أصل إفريقي في القصة.
تتحدث العديد من الشخصيات بلهجات إقليمية في جنوب الولايات المتحدة، واستبدلت بعض الطبعات الحديثة كلمات مثل “عبد” أو “خادم” المستخدمة في الكتاب، وتعتبر الآن عنصرية.
في إشارة إلى تغيير المواقف، واجهت رواية “أن تقتل طائرًا بريئًا” للكاتبة الأمريكية هاربر لي انتقادات مماثلة، وتمت إزالتها من قوائم القراءة في العديد من المدارس الأمريكية.
تحدى منتقدو هذا الحظر الحاجة إلى تكييف الأعمال التاريخية مع المشاعر الحديثة، ويحذرون من أن مثل هذا الإجراء يمكن أن يشوه فهم الأطفال للماضي.
العالم العربي في فلك الممنوع
في جميع أنحاء العالم العربي، يمكن أن تكون الكتابة في بعض الأحيان مهنة محفوفة بالمخاطر، خاصةً عند تناول الموضوعات المثيرة للجدل: الجنس والسياسة والدين.
ولأن أنظمة الدول العربية من أكثر الأنظمة القمعية، فمن الطبيعي أن تكون هي الدول صاحبة الرصيد الأكبر من الكتب الممنوعة ومن الكتّاب المتهمين بأغرب الاتهامات لمجرّد أنهم قرروا في يوم ما أن يعبّروا للعالم عن أفكارهم التي قد تختلف قليلاً عما يدور في أذهان الأغلبية.
وفي تحدٍ للمخاطر التي تأتي مع نشر أفكار المرء بشكل علني، استمر العديد من الكتاب من جميع أنحاء المنطقة في تحدي الرقابة والتخويف.
وهنا بعض الأمثلة على ذلك:
– مترو: كتاب مجدي الشافعي هو أول رواية مصورة تصور بشكل حاد معاناة المصريين تحت رئاسة الرئيس المخلوع حسني مبارك، تم حظره في عام 2008، وصادرت السلطات جميع نسخه، وقُبض على كل من المؤلف والناشر وتغريمه، لحسن الحظ، تم رفع الحظر عام 2013.
– أولاد حارتنا: ظهرت هذه الرواية للروائي نجيب محفوظ لأول مرة في عام 1959 كسلسلة في جريدة الأهرام اليومية. بالطبع، أعربت السلطات الدينية عن معارضتها، وحُظر نشرها في مصر على الفور، ثم طُبعت لاحقًا في لبنان عام 1967.
يُظهر محفوظ في كتابه تاريخ الأديان الإبراهيمية التوحيدية الثلاث المتشابكة في شكل قصة، وعندما رُشح محفوظ لجائزة نوبل، استعاد الكتاب الانتباه، وأصبح الروائي المصري الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، ضحية لهجوم شرس بعد 6 سنوات.
وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تعرض محفوظ للطعن عدة مرات في الرقبة في أثناء مغادرته شقته بالقاهرة عام 1994، وقد نجا، لكن أطرافه اليمنى العليا تأثرت بشكل دائم بالأعصاب التالفة، مما تركه غير قادر على الكتابة لأكثر من بضع دقائق في اليوم.
– وليمة لأعشاب البحر: يتناول هذا الكتاب قضايا النوع الاجتماعي وظروف المرأة في المجتمع الأبوي والديكتاتورية والليبرالية، ما جعله بالتأكيد ضمن هذه القائمة.
بعد إعادة طبع الكتاب عام 2000، اتهم رجال الدين في جامعة الأزهر الكاتب والروائي السوري حيدر حيدر بـ”البدعة” و”الإساءة إلى الإسلام”، وأصدروا فتوى تدعو إلى حظر الرواية.
– جريمة في رام الله: يصف الكتاب حياة جيل الألفية في فلسطين، وقد حُظر في فبراير/شباط 2017، لأن الكتاب، كما يقول النائب العام الفلسطيني السابق أحمد براك، يحتوي على “نصوص وعبارات غير لائقة تهدد الأخلاق واللياقة العامة، التي يمكن أن تؤثر على السكان، ولا سيما القصر”.
ألقي القبض على ناشر الكتاب وأفرج عنه بعد الاستجواب، كما اُستدعي الكاتب والباحث الفلسطيني في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عباد يحيى من الخارج لاستجوابه.
ويستمر الحظر
من معارك المحاكم الدراماتيكية إلى حِزم الكتب التي أُحرقت في برلين في ثلاثينيات القرن العشرين، لم تكن المحاولات العاطفية للرقابة على الكلمة المكتوبة جديدة، والقيود مستمرة في جميع أنحاء العالم حتى اليوم.
وفقًا لنشرة إخبارية صدرت مؤخرًا عن جمعية المكتبات الأمريكية، وهي أقدم وأكبر جمعية مكتبات في العالم، تعرضت 531 مادة – بما في ذلك الكتب والمجلات وقواعد البيانات – لمحاولات التقييد أو الإزالة من المكتبات أو المدارس في الولايات المتحدة عام 2018.
لا يزال كل كاتب يحاول معالجة بعض القضايا السياسية والدينية بعمق أكبر من المطروح والمتعارف عليه، يعد مرتدًا أو كافرًا أو شخصية تهدف إلى إفساد المجتمع
الجمعية التي تساهم في دعم المكتبات حول العالم حددت 5 أنواع من رقابة الكتب المسجلة في الولايات المتحدة العام الماضي: تخريب الصفحات وإخفاء المصادر وطلب إذن الوالدين للوصول إلى المحتوى وإزالة المواد، وحتى حرق الكتب.
وعلى الرغم من السابقة القانونية التي سبق الإشارة إليها، لا تزال المدارس والمكتبات تواجه تحديات رسمية لحظر الكتب من أرفف المكتبات أو شطبها من قوائم القراءة لحماية الأطفال من المواد التي يرى البعض أنها غير لائقة.
في عام 2018، أكثر من نصف المكتبات التي قدمت شكاوى فعلت ذلك، بدعوى أن الكتب تحتوي على الألفاظ النابية والمحتوى الجنسي الصريح ووجهات النظر الدينية والمواد التي تصور علانية الظلم وعدم المساواة التي يعاني منها الأشخاص الملونون، حسبما ذكرت جمعية المكتبات الأمريكية.
ورغم أن الإنترنت يتيح لنا فرصة الإطلاع على ما نرغب فيه من كتب، حتى الممنوعة أو المحجوبة منها، لا تزال العديد من الدول والحكومات تحارب الأدب بمنع العديد من الكتب، لأسباب تكون بغالبيتها مرتبطة بالدين والجنس والسياسة.
ليس بعيدًا، تفاقمت أزمة منع وزارة الإعلام الكويتية كتبًا وروايات عالمية وعربية وصلت إلى 4 آلاف كتاب بعد أن كان مسموحًا بيعها، وبدأت الأزمة بعد منع “مائة عام من العزلة” للأديب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيث، بسبب مشهد ترى فيه إحدى الزوجات زوجها عاريًا، كما هو الحال مع “أولاد حارتنا” للكاتب المصري نجيب محفوظ، أول عربي يفوز بجائزة نوبل في الأدب.
وحتى اليوم، ورغم إثبات نظرية “كل ما هو ممنوع مرغوب” أحقيتها، لا يزال العمل الفني محارَبًا، ولا يزال كل كاتب يحاول معالجة بعض القضايا السياسية والدينية بعمق أكبر من المطروح والمتعارف عليه، يعد مرتدًا أو كافرًا أو شخصية تهدف إلى إفساد المجتمع.
واللافت أن الحظر يصل للكتب التي تتحدث عن الكتابة ذاتها وتشجع على القراءة، على سبيل المثال، حُظر كتاب “لماذا نكتب” لأنَّ مُحرِّرته ميريديث ماران، اتَّهَمَت أباها زورًا بالتحرُّش الجنسي، وفي حالات أخرى يكون التبرير غامضًا، مثلما كان الحال مع كتاب “فن القراءة” لديمون يونغ.