قبل أيام وفي مدينة درعا السورية، عثر الأهالي، على جثّة شاب دخل الأراضي السورية قادماً من السعودية عبر معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا، بعد غياب دام تسع سنوات، فيما اتهم ناشطون في المدينة السورية، المخابرات الجوية التابعة للنظام بهذه الجريمة، إذ أنّ الأتوستراد الدولي من معبر نصيب حتّى بلدة خربة غزالة يعدّ ضمن سلطتهم والحواجز الموجودة في المنطقة تتبع لهم.
جاءت عودة الشاب أسعد عبد الله، ومقتله، في ظل حملة ترويج يقودها النظام السوري لتشجيع اللاجئين على العودة إلى البلاد عبر تجميل الحالة العامة بادعاء توفر الأمان الشخصي والعام، إضافة لبدء تعافي الاقتصاد هناك. إلا أن هذه قضية الشاب المغدور فتحت من جديد السجال وسط مجتمعات اللجوء السوري حول قرار العودة إلى سوريا. ويقفون بين مؤيد ومعارض في ظل الأزمات التي تضرب البلاد من شمالها إلى جنوبها، اقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا. كما يفتح مقتل عبد الله أيضًا الباب أما التساؤلات الكبيرة التي تدور في عقل الشاب السوري عن إمكانية “تسوية الوضع” لدى النظام والعودة، حقيقة ذلك والجدوى منه. فهل تقي هذه التسوية أو المصالحة مع النظام العائدين من بطش الاعتقال أو القتل، فعلًا؟
تسوية الوضع.. كيف يحاول النظام إعادة اللاجئين وماذا يستفيد؟
في موقع وزارة خارجية نظام الأسد، تجد الدعوة للرجوع تحت مسمّى “تسوية الوضع”، وهو ما قالت الوزارة إنه “حرص على معالجة أوضاع السوريين الذين غادروا القُطر بطريقة غير مشروعة، بسبب الظروف الراهنة، ورغبة من القيادة بتشجيع المواطنين، لا سيما المكلفين بالعودة إلى الوطن وتسوية أوضاعهم التجنيدية والأمنية، بغض النظر عن الظروف التي اضطرتهم للمغادرة”.
من جهةٍ أخرى، وفي سبيل تسهيل عودة الشباب الخارجين من البلاد، وتجميل قبح الصورة، ولأسباب سياسية ومالية، يتجه النظام لطرح تعديلات على قانون “البدل الخارجي” الخاص بالخدمة الإلزامية في قواته المسلحة (البدل الخارجي هو مبلغ مادي يدفعه الشاب الذي لا يريد الالتحاق بالخدمة العسكرية). إذ سُتعرضُ مقترحات تتعلق بتخفيض قيمة البدل، من 8 آلاف دولار أمريكي إلى 4 آلاف دولار، وتقسيمه إلى ثلاث شرائح مالية، على مجلس الشعب لمناقشتها، بحسب ما ذكرت صحيفة “المدن“.
في حديثه لـ “نون بوست”، يقول الصحفي السوري فراس ديبة، إن الفوائد التي يجنيها النظام من عودة الشباب هي “زجهم في حربه ضد الشعب السوري من خلال التجنيد الإلزامي والخدمة العسكرية الاحتياطية، إضافة لتحريك عجلة الاقتصاد قليلًا، في مجتمع أصبح يفتقر لفئة الشباب”. ويضيف ديبة بوجود فائدة أخرى وهي “دعم بروباغندا النظام حول عودة الأمن والأمان وبالتالي دعوة آخرين للعودة تمهيداً لتسويق مشروع إعادة الإعمار بعد عودة اللاجئين الطوعية”.
لا أمان للعائدين
لا يمكن لأي شاب يفكر بالعودة من أي بلد إلا أن تراوده هواجس الاعتقال أو الموت أو السوق إلى الجبهات للقتال، وهذا ما تحذّر منه المنظمات الحقوقية والهيئات الإنسانية. فعلى الرغم من كل التطمينات التي يقدمها بشار الأسد ونظامه للعودة، إلا أن حالات القتل والاعتقالات التي تحصل تجعل الكثير من الشباب يحجمون عن هذه الفكرة.
من أجل ذلك، وفي 15 أغسطس/آب المنصرم، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا يقول إن “النظام السوري ما زال يشكل تهديدًا عنيفًا بربريًا على حياة اللاجئين في حال قرروا العودة إلى بلادهم”. يرصد التقرير أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأسد ضد العائدين، مشيرًا إلى أن “نسبة الذين عادوا إلى المجموع الكلي للاجئين لم تتجاوز 6%، معظمهم من لبنان”.
ووثَّق التقرير 1916 حالة اعتقال على يد النظام السوري للاجئين العائدين، بينها 219 طفلًا و157 سيدة. من بين هذه الحالات أُفرج عن 1132 حالة، وبقيت 784 حالة اعتقال، تحوّل 638 منها إلى حالة إخفاء قسري، كما تم التحقق من مقتل 15 حالة تحت التعذيب.
ذه المبررات على اختلافها تبنى على بروباغندا أسدية تتمحور حول أكذوبة انتهاء الحرب وعودة الأمن والأمان إلى البلد
ويحذر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني اللاجئين من العودة، في التقرير قائلًا: “لقد تحوَّلت الدولة السورية تحت قيادة النظام الحالي إلى سلطة مافيات، ونحن نُحذر اللاجئين من خطر العودة، ونطلب من الدول كافة احترام القانون الدولي العرفي وعدم إعادة أحد قسريًا لأن تلك الدولة سوف تتحمل مسؤولية ما قد يحصل معه”.
فخّ العودة وأسبابها
لا يجد الكثير ممن هم خارج سوريا مبررًا للعودة إليها في ظل حكم النظام القائم في أي حال من الأحوال وخاصة أن المصير في حال العودة سيكون مجهولًا، إلا أن البعض يرون صعوبة في المعيشة ضمن بلدان اللجوء وسوءًا في المعاملة، إضافةً إلى اوضاع اقتصادية متردية، إلا أن مقارنةً بسيطة تجد أن سوريا حاليًا تعد من أسوأ البلدان اقتصاديًا، كما أن سوق العمل فيها متوقف والعملة في انهيار متسارع.
في هذا السياق يرى الصحفي فراس ديبة أن أسباب العودة تتراوح بين “الاقتصادي، أي قلة فرص العمل في بلدان اللجوء، أو قانوني، فيما يتعلق بعدم قانونية الإقامة، وبالتالي الخوف من الترحيل”. ويضيف ديبة السبب “النفسي أو العاطفي”، وهو حالة الحنين إلى الوطن والناس في الوطن، مشيرًا إلى أن “هذه المبررات على اختلافها تبنى على بروباغندا أسدية تتمحور حول أكذوبة انتهاء الحرب وعودة الأمن والأمان إلى البلد”.
ويرى ديبة أن “القاسم المشترك بين هؤلاء الشباب هو بعدهم عن أوساط الثورة السورية وعدم متابعتهم للإعلام المعارض مما أدى لعدم وقوفهم على حقيقة ما يجري في مناطق سيطرة النظام، من اعتقالات بدوافع متعددة أهمها الابتزاز المالي، أو تشبيح في بلد أصبح مستباحاً للعصابات بشتى أشكالها ومسمياتها”.
ومن أبرز الدول التي يعود منها السوريون هي لبنان، وهو ما يوضحه تقرير الشبكة السورية المذكور. فمعظم من عادوا إلى سوريا كانوا لاجئين في لبنان، أي يشكلون النسبة الأكبر من الـ 6%، وهي نسبة العائدين من مجموع اللاجئين حول العالم. فيما تحاول وسائل إعلام النظام دائمًا الترويج للشباب السوريين العائدين من تركيا عبر معبر كسب الحدودي الذي تسيطر عليه قوات الأسد.
من جهته يوصي التقرير، دول اللجوء بالتوقف عن “حملات التضييق العنصرية بحق اللاجئين السوريين” التي تدفعهم إلى العودة وبالتالي التعرض لخطر الاعتقال والإخفاء القسري أو التعذيب حتى الموت وتدعوها إلى “تحمّل مسؤولياتها في هذا الخصوص”. فيما دعى التقرير إلى التوقف عن إعادة اللاجئين السوريين بشكل قسري؛ لأن ذلك ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسري في القانون العرفي الدولي وهو مبدأ ملزم للدول كافة.
وأخيرًا، إن نظام الأسد الذي لا يحترم الاتفاقيات والمواثيق الدولية لا يمكن أن يراعي حقوق العائدين خاصة الشباب منهم، فهناك مخاوف حقيقية من كون النظام قد يتجاهل أوراق “تسوية الوضع” ومستندات دفع البدل النقدي، كونه لا زال يحارب مما يجعله بحاجة إلى إمداد بشري في منظومته العسكرية، وهو ما سيحصل عليه من العائدين، وإن لم تكن النتيجة هل الإرسال للقتال، فالمعتقلات جاهزة والسجانون حاقدون.