استقالة عبد العزيز بوتفليقة من رئاسة الجزائر في شهر أبريل/نيسان الماضي، لم تكن كفيلة وحدها بأن تضع حدّا لنظام حكم البلاد طيلة عقود عدّة، فقد كانت تلك الاستقالة مجرّد رجة خفيفة يعمل الحاكمين الفعليين للبلاد على تجاوزها بطرق شتى منها فرض شخصيات قديمة جديدة على الجزائريين لقيادتهم من قصر المرادية في الفترة القادمة، حتى يلملم النظام أركانه.
من هذه الشخصيات التي أعادها النظام إلى الساحة، وفق العديد من الجزائريين، رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون، الذي يرى فيه النظام “حصان طروادة” القادر على رصّ الصفوف دون الخوف من تغوّله واللعب لمصلحته، لكن هل يكون تبون المرشح الوحيد للنظام؟
سحب استمارات الترشح
كما كان متوقعًا، سحب عبد المجيد تبون الذي يعتبر أحد أبرز رجالات بوتفليقة، أمس الخميس ترشحه رسميًا للانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وقال تبون، في أول تصريح صحفي عقب سحبه استمارات الترشح، إن “شعب الجزائر يعلم من هو عبد المجيد تبون”.
ويعد تبون أحد أبرز رجالات النظام الجزائري. تبوأ عديد المناصب السامية في الدولة، وكان أول منصب وزاري له سنة 1991 في وزارة الجماعات المحلية، ثم شغل منصب وزير للاتصال، وبعدها وزيرا للسكن والعمران والمدينة.
كما عيّن تبون وزيرًا للسكن والعمران عام 1999 ووزيرًا للاتصال عام 2000، وعاد لوزارة السكن والعمران عامي 2001 و2002، وهو نفس المنصب الذي تبوأه منذ عام 2012، قبل أن يتم تعيينه مكلفًا بمهام وزير التجارة بالنيابة سنة 2017 مكان بختي بلعايب الذي غادر الوزارة لظروف صحية.
يتفق الجزائريون أن عبد المجيد تبون مرشّح النظام في الانتخابات القادمة، لكنهم متيقين أيضا أن النظام لا يمكن له الدخول في هذه الانتخابات بمرشّح وحيد
يعتبر عبد المجيد تبون، أقصر رؤساء الوزراء في الجزائر حيث تولى رئاسة الحكومة الجزائرية في 25 مايو / أيار 2017 وأقيل في 15 أغسطس/ آب من نفس السنة بعد بسبب المس برجال أعمال مقربين من السلطة والتلويح بمحاسبتهم، فضلاً عن قيامه بتحركات يراها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته تعديًا على صلاحيات الرئاسة.
وجاء ترشح عبد المجيد تبون، بعد أسبوع على فتح اللجنة المستقلة للانتخابات بالجزائر أبواب الترشح لرئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وإلى الآن استقبلت الهيئة الانتخابية 61 مرشحاً محتملاً، غالبيتهم مجهولون لدى الرأي العام.
حسم مسبق للانتخابات
يعتقد الصحفي الجزائري رياض المعزوزي أن سحب عبد المجيد تبون لاستمارات الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، بمثابة الحسم المسبق لنتائج الرئاسيات، “فهذا المرشح الأول للنظام أو بالأحرى الطائفة المدافعة لما تبقى من النظام”، وفق قوله.
“سبق أن تنبأت بذلك في أغسطس/آب 2017 لما أقيل عبد المجيد تبون بعد تحركات هذا الأخير ضد الفساد، كتبت حينها عبر حسابي الخاص بالفايسبوك “لا تقلقو فتبون سيأتيكم بثوب الرئيس يوما” وهو ما يحدث بالفعل”، يقول رياض المعزوزي لنون بوست.
ويرى محدّثنا أن” النظام الجزائري قام بتلميع صورة عبد المجيد تبون وتكريسه كبطل شجاع يحارب الفساد، قبل إقالته في صورة المغضوب عليه، والمتابع لكلمة تبون في الندوة الصحفية أمس يستخلص بأن ما كان يحدث كله تمثيل لما كان رئيسا للوزراء.”
وكان تبون قد ارتدى أمس عند سحب استمارات الترشح، ثوب المظلومية حيث قال بأنه دفع هو وابنه ثمن انسلاخه عن الفساد، ومحاربته فساد المال العام، وأصبحت عدوا للعصابة، وسحبت صوري بالكامل من قصر الحكومة”.
يرى المعزوزي أن “كل ما حدث لا يعدو سوى مشاهد كانت مصنوعة بدقة ليلبس تبون ثوب البطل، ومن يدفعون إلى ترشيح هذا الشخص الذي هو أصلا ابن النظام، يدفعون أيضا إلى عزف الجزائريين عن الانتخابات المقررة، خاصة وأن العزوف يخدم النظام بالدرجة الأولى للتلاعب بالأصوات كما شاء، فالناخب يجد نفسه أمام أخشاب قديمة يستحيل من خلالها صناعة سفينة جديدة تحمي البلد من الغرق.”
“ترشيح تبون فيه ابقاء لريح النظام وسيلقى نصيبه من الكلام والهتافات خلال مسيرات اليوم، وما يزيد من قطع الشك باليقين من أن تبون مرشح مرتقب للنظام هو تفاعل وتعامل وسائل الإعلام العمومية والخاصة مع خبر سحب استمارات الترشح، والتي كانت تصبّ جميعها في تلميع صورته والترويج له وكأنها حملة انتخابية مسبقة”.
النظام لا يدخل الانتخابات بمرشح واحد
يتفق الجزائريون أن عبد المجيد تبون مرشّح النظام في الانتخابات القادمة، لكنهم متيقنون أيضًا بأن النظام لا يمكن له الدخول في هذه الانتخابات بمرشّح وحيد، فدائمًا ما يقدم العديد من المرشحين تحسبًا لكلّ السيناريوهات التي من الممكن أن تحصل.
ويذهب الصحفي الجزائري بوبكر بلقاسم إلى هذا التصور، حيث يقول لنون بوست، “صحيح أن الوزير السابق عبد المجيد تبّون، هو أحد المقرّبين من قائد الأركان قايد صالح ومحلّ ثقته، وهو ما يجعل منه الخيار الأوّل للمؤسّسة العسكرية، لكن بجدر الإشارة لأمر مهم طرحه جميع المتابعين وهو أن السلطة ستدخل غمار الرئاسيات بأكثر من مرشح لها”.
مهما كان المرشّح للنظام فحتما هو امتداد لنظام حكم الجزائريين طيلة عقود، عرفت فيها البلاد أزمات كبرى لم تخرج منها إلى الآن
يرى “بلقاسم” أن “السلطة تعمل على ضمان انتخابات نزيهة مغلقة، لذلك ينتظر الزجّ بعز الدين ميهوبي الأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي وهو ما يجعلنا لا نجزم تماما بكون تبون هو مرشح السلطة الأوحد، وإن تبيّن ظاهريا أنه الأبرز حاليا، خاصة أنه المرشح الوحيد الذي حضرت القناة الرسمية قدومه لسحب الاستمارات”.
صعوب التكهن بمرشّح النظام
في معرض حديثه أكّد الصحفي الجزائري أن جيش بلاده معروف بغموضه في اختيار مرشحيه، “في عام 1995 تم ترشيح الجنرال اليامين زروال وقد كان اسمه غير مطروح وغير معروف لدى المتابعين آنذاك، نفس الأمر حصل سنة 1999 بعد أن استخرج اسم بوتفليقة من أرشيف السبعينيات، يعني ممكن جدا أن مرشح النظام لازال في بيته يرتشف القهوة وينتظر الإشارة، وما يقوم به تبون وبن فليس مجرد إحماءات.”
بدوره يرى مدير موقع شهاب برس الإخباري في الجزائر فاتح بن حمو نفس الأمر، حيث يقول لنون بوست، “بالنظر إلى عادات النظام في استخلاف الرؤساء في الماضي، فإن مرشحه لا يمكن أن يتكهن به أحد ، وقد يأخذك النظام في طريق بعيد بينما يخرج مرشحه في طريق أخر.”
عادة ما يقدم الجيش أكثر من مرشح في الجزائر
لا يعتقد فاتح بن حمو أن عبد المجيد تبون سيكون مرشحا للنظام بل هو فقاعة تضليلية،” يمكن أن تكون هي الطريق البعيدة التي أراد النظام أخذ الجميع إليها، حتى يقوم بما يريد دون أن يسلّط الأضواء على مرشّحه الحقيقي”.
ويختم الصحفي الجزائري بقوله، “لا أحد يعرف من هو مرشح النظام، لكن من منطق تاريخ النظام ان مرشحه يكون اسمه غير متداول، وعمل في السلك الدبلوماسي، وهناك إشارات إلي أن احتمال ترشح دبلوماسي عمل وزير خارجية الجزائر وعمل قبلها كسفير في إحدى الدول الأنجلوساكسونية”.
مهما كان مرشّح النظام، يجمع الجزائريون الذي خرجوا في فبراير/شباط الماضي ضدّ العهدة الخامسة وضدّ عبد العزيز بوتفليقة على رفضه، فمهما كان شخص هذا المرشّح فحتما هو امتداد لنظام حكمهم طيلة عقود، عرفت فيها البلاد أزمات كبرى لم تخرج منها إلى الآن.