طُرحت قبل عدة أيام الرواية الجديدة للكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي تحت عنوان “ناقةُ صالحة”، وصدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون، ثم تلتها الطبعة المصرية بالتعاون مع مكتبة “تنمية”.
فور صدور رواية سعود أصبحت حديث القرَّاء، أحبها البعض وكرهها البعض الآخر وقال البعض إنه يحاول نسخ أسلوب إبراهيم الكوني، لكن قبل الدخول في تلك التفاصيل دعونا نُعرفكم بـ”سعود السنعوسي”.
من سعود السنعوسي؟
سعود السنعوسي
سعود السنعوسي هو روائي وكاتب كويتي من مواليد 1981، فاز بعدد من الجوائز الأدبية أبرزها الجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها السادسة عن روايته “ساق البامبو” عام 2013، التي حصلت بدورها على جائزة الدولة التشجيعية في الكويت عام 2012، له عدد من الروايات المميزة مثل “سجين المرايا” و”فئران أمي حصة” و”حمام الدار”، كما تُرجمت بعض أعماله لعدة لغات مثل الإنجليزية والإيطالية والكورية والصينية.
ما الذي يقدمه سعود السنعوسي في عمله الجديد؟
“للإبِل طباعٌ صعبة مثلَ حياتِنا، وفيَّةٌ إن أحبَّت، ولكنها مزاجية، وتغور الإساءة في قلبِها ولا تُسامِح من يسيء إليها، وصالح خير من يعرف ذلك.. فلأحدِ أسلافِنا قصةٌ متوارثة، حين أساءَ لبعيرِه صعب المراس، أثقلَ عليه وآذاه في مأكلِه ومَشربِه بعدما شاخ.. تربَّصَ له البعيرُ في أحد أسفارِه معه وحيداً بعيداً مقطوعاً عن القبيلة، وطارده حتى هربَ جدُّنا الأكبر إلى رأس تلٍّ عالٍ في الصَّحراء.. ظلَّ يُراقبُ البعيرَ الهائج في الأسفل يتحرَّى لحظة هدأتِه أو غيابه بعد طول انتظار.. أضناهُ العَطَشُ في التَّلِّ الصَّخري، وقرَّرَ النُّزولَ في اليوم الرَّابع.. وافاه البعيرُ في الأسفلِ.. عضَّه في كتِفِه وبرَكَ فوقه يهرسه”، سعود السنعوسي “ناقةُ صالحة”.
المكان بادية الكويت، والزمان هو مطلع القرن العشرين، المجتمع قبلي، والرواية صغيرة بلغة مكثفة، والقصة هي قصة حب قديمة كما يجب أن تكون، محبة وفراق ثم محاولة لالتقاء، فقبيلة “صالحة” ترفض زواجها بابن خالها “دخيل” وتُجبرها على الزواج من ابن عملها “صالح”، وككل عاشق خائب يرحل ابن الخال، لكن القدر في النهاية يفسح لها طريقًا للقاء، فترتحل مع ناقتها ممنية نفسها بتحقيق الحلم.
لا ينكر السنعوسي أنه استلهم أحداث الرواية من أغنية قديمة تُعزف على الربابة تُدعى “الخلوج”، وهي تصف ناقة تفقد وليدها في أثناء الوضع
كيف عبر سعود السنعوسي عن التراث؟
رواية “ناقة صالحة” ليست رواية تراثية، كما أنها ليست رومانسية وإن اتخذت ذلك القالب، إنها رواية عن الأفراد الحالمين، المغتربين حتى في أوطانهم، الذين لا يستطيعون تحويل “هُناك” إلى “هُنا”.
لا ينكر السنعوسي أنه استلهم أحداث الرواية من أغنية قديمة تُعزف على الربابة تُدعى “الخلوج”، وهي تصف ناقة تفقد وليدها في أثناء الوضع، إذن الاستلهام ورُبما جزء من اللغة يتعلق بالتراث قليلًا ليس أكثر.
إن تلك الرواية ليست رواية البارحة، إنها رواية الغد، بل وكل غد، وكل تلك القوانين الاجتماعية التي تحكمنا وما زالت تحكمنا، لم تتغير، لأننا تركنا فقط الخيمة خلفنا، وحملنا أوثاننا معنا فوق البعير.
السنعوسي والكوني والصحراء
يرى بعض القرَّاء تشابهًا بين رواية “ناقةُ صالحة” ورواية “التبر” للكاتب الليبي الكبير إبراهيم الكوني، والحقيقة أنه لا يوجد وجه تشابه، ففي روايات الكوني “الصحراء” هي الأسطورة، هي الحاضرة والمهيبة، إنها أيضًا عالم فارغ كرقعة شطرنج خالية من الدلالات، والحيوان فيها أهم عناصر البناء، ويأتي بالتوازي مع الأسطورة.
والأمر يبرز تمام البروز في رواية “نزيف الحجر”، فعالم الكوني كصفحة واحدة، صحراؤه تمتد في كل مكان، تحيط بنا، وتهزمنا.. تهزم الإنسان. الصحراء رمز والحيوانات رمز وابن آدم رمز لدى الكوني والأسطورة تعلو أمام كل شيء.
للحظة قد نجد تشابهًا مع رواية “ناقة الله”، لكن البطولة فيها للحيوان فقط، والقضية فيها هي العودة إلى الفردوس المفقود، الاغتراب والحنين للوطن.
إذا كانت رواية ساق البامبو أشهر روايات سعود السنعوسي، فإن رواية “ناقةُ صالحة” هي الرواية التي دلت بالفعل على مقدرته الأدبية وتمكنه من لغته وأسلوبه
لكن بالتدقيق في عوالم سعود السنعوسي نجد أن عالمه أبسط من ذلك بكثير، فالرواية قصيرة ومكثفة ولغتها مُبهرة، تُشعرك أنها جزء من التراث لكنها ليست كذلك، إنها حكاية بلا أسطورة، فنحن من نصنع الأسطورة ونصنع أوثان المجتمع بأنفسنا، ومن تلك البساطة ينتج التعقيد الذي يُعرفنا بالمجتمع الكويتي، لهذا رواية السنعوسي ليست سطحية مقارنة بروايات الكوني، ولكن كل منهما يسبح في فلكه الخاص وأي مُقارنة تُعقد لن تكون حقيقية أو منطقية.
هل فاجأ السنعوسي قرَّاءه بروايته الجديدة؟
تقول علياء مُحمد وهي صحفية رياضية: “أنا لا أميل لقراءة الأدب العربي الحديث، خصوصًا الأعمال التي تنتمي لفئة الأكثر مبيعًا في مصر، لكن الأمر مختلف مع سعود السنعوسي، لقد قرأت جميع أعماله ولم أستطع شراء الرواية الأخيرة بعد، لكنني بالتأكيد سوف أفعل قريبًا. أكثر ما يجذبني في كتاباته أنها “محلية”، فتلك الروايات تُعبر عن الكويت بشكل أو بآخر، بطريقة سلسة لكنها مُركبة، يبني حواديته في عوائل كبيرة لكنها تعكس شكل المجتمع الكويتي سواء سياسيًّا أم اجتماعيًّا مثل روايته “ساق البامبو”، أيضًا الطائفية مثل رواية “فئران أمي حصة”، حتى في روايته “حمام الدار” التي كتبها بشكل مختلف تمامًا مثل الأحجية كانت قصة واحدة لكنها تُروى بشكل مختلف. لم أشعر بالملل عند القراءة له، مهما زادت أو قلت عدد صفحات أعماله، ورغم كثرة الشخصيات في بعض الروايات، أجد دائمًا سلاسة في تذكرهم، وهذا يميزه، فهو كاتب ماهر، قادر على استعمال أدواته في عدد من الصفحات دون إشعار القارئ بالملل، لهذا أثق أن كل عمل له سوف يكون رائعًا”.
يقول البوك-تيوبر محمد شادي “بتاع الكتب“: “إذا كانت رواية ساق البامبو هي أشهر روايات سعود السنعوسي، فإن رواية “ناقةُ صالحة” هي الرواية التي دلت بالفعل على مقدرته الأدبية، وعلى تمكنه من لغته وأسلوبه.
بينما يقول البوك-تيوبر سيف حبشي “سلفني كتاب“: “اختيار اللغة والكلمات كان مناسبًا جدًا لتلك الحقبة الزمنية التي تدور فيها الرواية، ويمكنني أن أقول إنها المرة الأولى التي تسحرني فيها رواية وتجعلني أعيش في أجوائها تمامًا. ورغم أن أيقاع الأحداث هادئ، فإنه ليس بطيئًا؛ كما أن كون الرواية متعددة الرواة هذا ساعد على تمكننا من النظر للأحداث بطرق مختلفة طبقًا لكل شخصية من الشخصيات”.