اعتقد الصحفيون الفلسطينيون، بعد أداء حكومة التوافق الفلسطينية القسم الدستوري وانتهاء عمل “حكومتي الانقسام” في غزة والضفة، أن معاناتهم مع “مصطلحات” توصيف الحالة الفلسطينية، قد انتهت.
إلا أنهم اكتشفوا مع الوقت أنهم كانوا على خطأ، فالواقع الحالي عقّد الأوضاع في الساحة الفلسطينية، وجعلهم حيارى في توصيف الأشياء، من “أجسام سياسية”، و”مؤسسات حكومية”.
وتتركز معاناة الصحفيين بشكل خاص لدى مراسلي وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام الخارجية، حيث يحتاجون إلى إرفاق موادهم الصحفية بمعلومات توضيحية وخلفيات، تعين القارئ الأجنبي على فهم تفاصيل ما يجري.
ويعاني الصحفيون طوال السنوات السبع الماضية خلال تغطيتهم للأحداث من مشكلة الحاجة لتوضيح وجود حكومتين فلسطينيين، مع سرد تعريف دقيق لكل حكومة، وتوضيح أسباب وجود الحكومتين، بالإضافة للعديد من المحاذير الأخرى.
وبعد توقيع اتفاقية المصالحة نهاية أبريل الماضي، وإعلان الحكومة الجديدة بداية الشهر الجاري، فوجئ الصحفيون بأن الأمر ازداد سوءًا، على عكس ما كانوا يتوقعون.
ويقول مراسل وكالة أنباء دولية (رفض ذكر اسمه، لوجود قرار من إدارة وكالته يمنعه من الحديث للصحافة) لوكالة الأناضول: “على أرض الواقع، حكومتي الانقسام ما زالتا موجودتين، مع وجود حكومة ثالثة هي حكومة الوفاق، ومطلوب منا عند كتابة كل فقرة في التقرير الصحفي، توضيح ذلك”.
وأضاف: “على سبيل المثال: شرطة حماس في غزة أغلقت البنوك الأسبوع الماضي، ونحن هنا احترنا في توصيف الحدث، هل هي شرطة حكومة غزة السابقة، أم شرطة حكومة الوفاق، ولمن تتبع هذه الشرطة؟ فالمتلقي الخارجي لا يعرف ما يجري، ويحتاج لتوضيحات دقيقة كي يفهم”.
وأردف: “كما أننا نجد صعوبة في تعريف مصطلحات مثل (موظفي غزة) وموظفي (السلطة الفلسطينية)، والتوضيح للقارئ الأجنبي ما الفرق بينهما؟، ولماذا هذا الاختلاف وأسبابه؟”.
كما أشار إلى وجود محاذير كثيرة، تجعلهم يتوقفون كثيرًا قبل تعريف أو توضيح أي مصطلح حتى لا يصطدموا بغضب الأحزاب الفلسطينية.
وقال: “في السابق كنا نعرّف حكومة غزة بأنها حكومة حماس أو الحكومة المقالة، وحتى الآن لم تستلم حكومة الوفاق زمام الأمور في غزة، ونحن نحتار في تعريف الناطق باسم وزارة الصحة أو الداخلية مثلاً، فهل نقول إنه: الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أم الناطق باسم وزارة الصحة في الحكومة السابقة؟ أم ماذا ؟”.
وأكد أن هذا الانقسام في المصطلحات يعكس صورة سلبيّة لدى المتلقي في الخارج، وعن الصورة التي تتكون تجاهنا كفلسطينيين.
وتابع: “في الخارج يعرفون شيئًا واحدًا يتمثل في الحكومة الفلسطينية الجديدة، والتي أنهت الانقسام بين غزة والضفة، وأي توصيف آخر يعقد الأمور، ويعطي انطباعًا سيئًا للأسف”.
ويقول “ياسر أبو هين” رئيس تحرير وكالة الصحافة الفلسطينية “صفا”، إنّ 7 سنوات من عمر الانقسام ولدّت مصطلحات ولغة أجبرّت الصحفيين على التعامل معها بحكم ما فرّضه الواقع السياسي من حكومتين وسلطتين في غزة والضفة ووزراء هنا وهناك.
وأضاف أبو هين في حديثٍ لوكالة الأناضول إنّ “هذه اللغة لا يمكن لها أن تزول في يومٍ واحد أو فترة زمنية قصيرة”، لافتًا إلى أن “زوالها يحتاج إلى إعادة صياغة (سياسية وإعلامية) معًا”.
وعقب فوز حركة “حماس” بغالبية مقاعد المجلس التشريعي في يناير 2006، تفاقمت خلافاتها مع حركة “فتح” وبلغت تلك الخلافات ذروتها بعد الاشتباكات المسلحة بين الحركتين في غزة منتصف يونيو 2007، والتي انتهت بسيطرة “حماس” على غزة، وهو ما اعتبرته فتح “انقلابًا على الشرعية”.
وأعقب ذلك الخلاف، تشكيل حكومتين فلسطينيتين، الأولى تشرف عليها “حماس” في غزة، والثانية في الضفة الغربية وتشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس محمود عباس رئيس حركة “فتح”.
وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام، وقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل الماضي، على اتفاق للمصالحة، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
وأُعلن في الثاني من يونيو الجاري عن تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، حيث أدى الوزراء اليمين الدستورية أمام الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية.
ويؤكد أبو هين أن ثمة مصطلحات ولغة تظهر بين الفينة والأخرى، لتثير مجددًا إشكالية الانقسام، كالحديث عن بعض الناطقين الإعلاميين في الوزارات البارزة كالصحة والداخلية والذين لا يزالون على رأس عملهم.
غير أنه يُشدد على أن مشكلة التوصيف هذه، تحتاج إلى قرار ذاتي من المؤسسات الإعلامية للتعامل مع المصطلح وفق ما تفرضه المتغيرات الحالية، وأجواء حكومة الوحدة إلى أن يتم معالجة ذلك بشكل كامل “سياسيًا” و”إعلاميًا”.
أما الصحفي “حامد جاد” مراسل صحيفتي الغد (الأردنية) و”الأيام” (الفلسطينية الصادرة في الضفة الغربية)، فيشير إلى أن هناك “تغييرًا واضحًا في المصطلحات التي ولدتها سنوات الانقسام وعدم الإشارة إلى حكومتين أو سلطتين إلا أنه ليس بالقدر الكافي”.
وأضاف “جاد” في أنّ ثمة “وقائع تجري على الأرض تُعيد الصحفيين الفلسطينيين إلى دائرة مصطلحات الانقسام من جديد”.
وتابع:” كنا نكتب الشرطة في غزة أو الناطق باسم وزارة الداخلية دون أن تكون هناك مشكلة، لكن تفجر إحدى الأزمات كأزمة رواتب موظفي غزة مؤخرًا عقب إعلان حكومة التوافق، أعادت الصحفيين للتعامل لتلك الدائرة، فبات من الضروري توضيح “الشرطة التابعة لحكومة حماس السابقة”، وتعريف الموظفين وهكذا”.
ويؤكد جاد أنه من المفترض التعامل مع ناطق إعلامي واحد لوزارة واحدة، وتوصيف كل مسمى بـطريقة سليمة.
واستدرك بالقول:” لكن مقتضيات المرحلة الراهنة، تفرض نفسها وتعيدنا لتوصيف الحدث بطريقة قد لا تتناسب مع المصالحة”.
وأكد جاد أن توحيد المصطلحات بشكل كامل، يتم عندما تبدأ حكومة التوافق في ترتيب أجندتها والعمل على إلغاء كافة مظاهر الانقسام السياسي لتتفكك كل مصطلحات “لغة الانقسام” بشكل تلقائي وتدريجي.
ويواجه المحرر في الموقع الإلكتروني لصحيفة فلسطين المحلية الصادرة في غزة “محمد الدلو” أزمة في بعض المصطلحات التي لا تزال تفرض نفسها كواقعٍ للانقسام السياسي.
ويقول الدلو في حديث إنّه يعاني من بعض المصطلحات التي لا تزال تفرض نفسها كواقع سياسي لم يتغير، كالإشارة إلى الشرطة في غزة، والأجهزة الأمنية في الضفة، وتوصيف ناطقي بعض الوزارات.
وتابع: “لا يمكن أن تنتهي هذه اللغة إلا باكتمال كافة بنود المصالحة وتطبيقها بشكل كامل وتولي حكومة التوافق كافة المؤسسات والوزارات في غزة والضفة، وأن يتم خلق واقع سياسي موحد يُنهي الازدواجية في الكتابة”.
وأكد الدلو، أن ثمة توصيفات إعلامية لا تزال تذكّر الإعلاميين بأن الانقسام السياسي بشكل كامل لم ينتهِ بعد.
وشدد على أن هناك تأثير سلبي على القارئ والملتقي عند الإشارة إلى “غزة” و”الضفة”، دون طرح موحد للغة الإعلامية.
من جانبه، يبشّر “إيهاب بسيسو” الناطق باسم حكومة التوافق الفلسطينية، الصحفيين بأنه: “لن تكون هناك أي عقبة في طريق الصحفيين الفلسطينيين ولغتهم، وتوصيفهم للأحداث سواء في قطاع غزة أو الضفة”.
وأكد بسيسو في تصريح أن “كافة أشكال الانقسام السياسي في طريقها للزوال بشكل تدريجي، وهو ما سينعكس على لغة الإعلام”.
وتابع: “في الأيام القليلة القادمة، سيتم توحيد المؤسسات والوزارات، الآن نحن أمام حكومة فلسطينية واحدة، وسنكون قريبًا أمام ناطق واحد لكل وزارة، ولن يكون هناك مصطلحات تعزز الانقسام أو تعيدنا للغة الحكومتين”.
وشدد بسيسو أن توحيد الجو السياسي، ينعكس تلقائيًا على اللغة الإعلامية، مؤكدًا في ذات الوقت على أن حكومة التوافق من مهمتها إزالة كافة أشكال الانقسام السياسي والإعلامي، وإزالة مظاهر ما خلّفته أعوام الانقسام بين حركتي فتح وحماس.