ترجمة وتحرير نون بوست
خلال منتدى يالطا للاستراتيجية الأوروبية الذي انعقد في كييف خلال الأيام العشرة الأولى من شهر أيلول/ سبتمبر، التقى رئيس وزراء أوكرانيا أليكسي جونشاروك مع رجال أعمال من بعض الممالك العربية ودعاهم للاستثمار في أندية كرة قدم أوكرانية. وعموما، تسعى العديد من العواصم العربية للاستثمار في أوكرانيا، مما يعني أن اقتراح رئيس الوزراء ليس مفاجئا.
من الممكن أن يستثمر رأس المال العربي في كرة القدم الأوكرانية لأسباب تتعلق بالنفوذ، نظرا لأن الاستثمار في هذا المجال يمهد الطريق لغزو العديد من القطاعات الأخرى في الاقتصاد الأوكراني. وفي الواقع، إن أندية كرة القدم الأوكرانية هي عبارة عن مشاريع تجارية تتجاهل الوضع الاجتماعي للبلاد والقدرة الشرائية للأوكرانيين، يستخدمها أثرياء أوكرانيا كأداة لتعزيز نفوذهم السياسي والاقتصادي ولغسيل الأموال.
تعتبر الأراضي والمؤسسات الزراعية من الأصول الأكثر جاذبية في أوكرانيا بالنسبة لرأس المال العربي. ومن المتوقع رفع الحظر عن شراء وبيع الأراضي الزراعية في موفى سنة 2020، على الرغم من أن حكومة جونشاروك بذلت قصارى جهدها لرفع الحظر في نهاية هذه السنة. ووفقا لمبادرة متعلقة بالأراضي الدولية، فإن رأس المال من المملكة العربية السعودية يسيطر على 231 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في أوكرانيا بشكل مباشر وغير مباشر.
يُذكر أن الأنظمة الملكية العربية تعتبر من أكبر مستوردي المواد الغذائية في العالم
في السنة الماضية، استحوذت شركة “سالك” السعودية على شركة “مريا أجرو” الزراعية الأوكرانية التي عُرضت للبيع في سنة 2014. كما تمتلك شركة “سالك” مجموعة المزارعين القارية الأوكرانية التي تزرع 45 ألف هكتار من الأراضي في منطقتي لفيف وترنوبول، علما بأن “سالك” ملك لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية.
في سنة 2016، بدأت مناقشة نوايا رأس المال العربي للاستثمار في القطاع الزراعي الأوكراني بشكل أكثر نشاطا، وذلك بعد أن تم إنشاء مجلس الأعمال الأوكراني العربي الذي تضمن خططًا لإنشاء بنكٍ تجاري برأس مال عربي كليا. لم يخفِ رجال الأعمال العرب اهتمامهم بالاستثمار في القطاع الزراعي والتجهيز والبنية التحتية ذات الصلة في إطار محاولة ضمان سيطرتهم على هذه الأراضي. وعلى الأرجح، يمكن تنفيذ خطط رأس المال العربي في بداية السنة المقبلة حال قيام السلطات الأوكرانية بفتح سوق الأراضي ذات القيمة الزراعية.
يُذكر أن الأنظمة الملكية العربية تعتبر من أكبر مستوردي المواد الغذائية في العالم. وفي سنة 2014، أقر البنك الدولي بأن الاضطرابات في توريد المنتجات الزراعية من أوكرانيا نتيجة مرور البلاد بمرحلة حادة من عدم الاستقرار، كان يمكن أن تؤدي إلى أزمة غذائية في بلدان شبه الجزيرة العربية.
في سنة 2015، وضعت الموانئ البحرية الأوكرانية للخصخصة من قبل حكومة أرسيني ياتسينيوك، كما حافظ فلاديمير غرويسمان وأليكسي جونشاروك على المسار نفسه
في الواقع، تحتل المملكة العربية السعودية المركز الأول بين مستوردي الشعير الأوكراني على مدار السنوات القليلة الماضية، في حين أن قطر واحدة من بين المستهلكين الرئيسيين للبيض الأوكراني. هذا يفسر سبب الاهتمام المتزايد للممالك العربية بالقطاع الزراعي الأوكراني، خاصة بعد سنة 2014، أي بعد أن تم التخفيض في قيمة الأصول الموجودة في أوكرانيا، مما يساهم في جعلها أكثر جاذبية للمشترين.
إن الاهتمام بالاستثمار في السوق الأوكرانية يندرج ضمن منطق برنامج “رؤية 2030” الذي يهدف إلى التنويع الشامل لاقتصاد المملكة العربية السعودية. وفي إطار الاستثمار في السوق الأوكرانية، تعتبر البنية التحتية من العناصر المهمة لتصدير المواد الخام الزراعية. وفي سنة 2017، أعلنت “سالك” عن خططها لبناء ميناء على ساحل البحر الأسود. ولكن بقيت هذه الخطط حبرا على الورق في الوقت الحالي، إلا أنه مع الافتتاح القادم لسوق الأراضي الزراعية، سيكون على رأس المال العربي اتخاذ المزيد من الإجراءات الفعالة في هذا الاتجاه.
في سنة 2015، وضعت الموانئ البحرية الأوكرانية للخصخصة من قبل حكومة أرسيني ياتسينيوك، كما حافظ فلاديمير غرويسمان وأليكسي جونشاروك على المسار نفسه. ومنذ سنة 2016، بدأ ممثلون عن رأس المال الأجنبي القيام بزيارات لموانئ أوكرانية، على غرار ممثلي الشركات الصينية والقطرية والإماراتية، التي تدرس إمكانية بناء موانئ على السواحل الأوكرانية.
بين سنتي 2017 و2018، عملت شركة أنتونوف للطائرات بالشراكة مع المملكة العربية السعودية على إنشاء تقنية إن-132، وهي طائرة خفيفة للنقل متعددة الأغراض
من بين الشركات التي دخلت السوق الأوكرانية شركة “بي أند أو ماريتايم”، التابعة لشركة موانئ دبي العالمية، التي تقدم خدماتها في ميناء يوجني الأوكراني. وفي بداية سنة 2019، قام ممثلو مجموعة موانئ دبي العالمية بزيارة ميناء أوديسا التجاري البحري، الذي يعتبر نقطة اهتمام بالنسبة للإمارات العربية المتحدة.
لم تندلع المعركة على الموانئ الأوكرانية، التي ستتنافس حولها رؤوس الأموال العربية والشركات الصينية وأثرياء أوكرانيا. ومن بين أهم أثرياء أوكرانيا الذين يحظون بفرصة في هذه المنافسة العالمية من حيث النفوذ والتمويل، إيغور كولومسكي ورينات أخميتف، اللذين يسيطران على عدد من الموانئ البحرية الأوكرانية.
أما فيما يتعلق بالأصول الصناعية، فيهتم رأس المال العربي وخاصة الشركات السعودية بصناعة الطائرات الأوكرانية، لاسيما أنه بعد سنة 2014 شهدت علاقات التعاون الأوكرانية الروسية في هذا المجال انهيارا، ما أدى إلى دخول هذه الصناعة في مرحلة من الركود.
بين سنتي 2017 و2018، عملت شركة أنتونوف للطائرات بالشراكة مع المملكة العربية السعودية على إنشاء تقنية إن-132، وهي طائرة خفيفة للنقل متعددة الأغراض. كما تخطط السعودية لإنشاء مصنع للطائرات في مدينة الطائف بمشاركة متخصصين وتقنيين من أنتونوف. ولكن التعاون الثنائي في هذا المجال كان قصير الأجل، نظرا لأن شركة أنتونوف أوقفت في ربيع سنة 2019 إنتاج تقنية إن-132، بسبب فشل العملاء السعوديين وانسحابهم من المشاريع المشتركة. كما ظهر افتراض يفيد بأن الهدف الرئيسي للجانب السعودي من هذا التعاون هو الحصول على الوثائق التقنية لشركة أنتونوف، ويُعتقد أنه قد تم تحقيق هذا الهدف.
إن جميع المعطيات المتوفرة تؤكد أن غزو رأس المال العربي في الاقتصاد الأوكراني يكتسب زخما كبيرا، لا سيما مع تنامي عمليات الخصخصة في أوكرانيا
على صعيد آخر، تجمع بين قطر وأوكرانيا مصالح مشتركة في صناعة الغاز. وخلال زيارة ليترو بروشينكو إلى شبه الجزيرة الإماراتية السنة الماضية، تم الاتفاق على شراء الغاز القطري. ومن الناحية الفنية، يمكن إمداد الغاز القطري إلى أوكرانيا عن طريق محطة الغاز الطبيعي المسال البولندية في أشوينواويشتشه، التي تنوي السلطات البولندية تحويلها إلى مركز إقليمي نظرا لموقعها الاستراتيجي، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن لأوكرانيا سوق مبيعات واعدة.
في المقابل، تكمن المشكلة الرئيسية في توسيع شبكة التوصيل بين بولندا وأوكرانيا، حيث يبلغ حجم شبكة التوصيل الحالي ما يصل إلى 1.5 مليار متر مكعب سنويا. ولكن تعتبر هذه المشكلة قابلة للحل، لا سيما أن القيادة الأوكرانية تعلن عن نواياها لشراء الغاز الطبيعي المسال الذي سيتم تسليمه لبولندا. ومن المقرر استكمال محطة غاز طبيعي مسال أخرى في غدانسك في غضون سنة ونصف.
إن جميع المعطيات المتوفرة تؤكد أن غزو رأس المال العربي في الاقتصاد الأوكراني يكتسب زخما كبيرا، لا سيما مع تنامي عمليات الخصخصة في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن مسألة الربح من الأصول التي فقدت قيمتها منذ سنة 2014 تقع على هامش السياسة الخارجية للممالك العربية، إلا أن ذلك قد يوفر أرباحا جيدة.
المصدر: أورآسيا دايلي