أُسدل الستار عن عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأفغانية التي انتهت مساء أمس السبت، بعد تمديدها لمدة ساعتين بسبب ضعف نسبة التصويت، لتتواصل عملية فرز الأصوات التي من المتوقع أن تقود إلى جولة إعادة فيما يتم إعلان النتيجة النهائية منتصف أكتوبر/تشرين المقبل.
تأتي الانتخابات وسط حالة من التوتر الأمني الشديد، إذ سبقتها تفجيرات قرب مراكز الاقتراع في كل من إقليم هلمند وقندهار في الجنوب وفي ننجرهار بالشرق وإقليم بروان بالشمال، فيما وقعت أخرى في العاصمة الأفغانية كابول، ونجمت معظم تلك التفجيرات عن إطلاق صواريخ أو إلقاء قنابل يدوية، أعلنت حركة “طالبان” مسؤوليتها عنها.
انتخابات استثنائية تشهدها أفغانستان، بعدما كانت مهددة بالإلغاء حال استمرار المفاوضات بين الحركة والولايات المتحدة، غير أن إعلان الأخيرة وقف المسار التفاوضي، بذريعة قتل جندي أمريكي، خلال هجوم نفذته الحركة في العاصمة كابول في الـ7 من سبتمبر/أيلول الحاليّ، جاء بمثابة طوق النجاة لإجراء تلك الانتخابات رغم تحذيرات “طالبان” المتكررة من تمريرها في هذا الوقت.
ويحق لـ9 ملايين ناخب (من أصل نحو 34 مليون نسمة) التصويت لاختيار رئيس جديد في انتخابات هي الرابعة من نوعها التي تشهدها البلاد منذ انهيار حكم الحركة في 2001 على أيدي قوات تحالف دولي بقيادة أمريكا، ويعول عليها الكثيرون في الخروج من المأزق الحاليّ فيما انتاب آخرون تخوفات عدة خشية الدخول في أتون حرب أهلية جديدة.
تهديدات أمنية
قبل طي صفحة الحملة الانتخابية للمرشحين بأيام قليلة، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بيان منسوب لحركة “طالبان” تضمن السماح للناخب الأفغاني بالمشاركة في العملية الانتخابية والتوجه إلى صناديق الاقتراع، وهو البيان الذي قوبل بترحيب كبير من جميع الأطياف السياسية داخل الدولة.
لكن سرعان ما نفت الحركة صحة ما جاء في البيان، متهمة الحكومة الأفغانية بالتورط في هذا المنشور عن طريق حملة استخباراتية تديرها، ولم تكتف بالنفي فقط، بل توعدت باستهداف العملية حال إجرائها، وهو ما كان بالفعل، حيث وقعت العديد من التفجيرات في مراكز عدة، أعلن الناطق باسمها، ذبيح الله مجاهد، مسؤولية الحركة عنها.
سيناريو انتخابات 2014 يخيم على البعض، حين نشب النزاع بين المنافسَين: الرئيس أشرف غني والرئيس التنفيذي لحكومته عبد الله عبد الله، المرشحين هذه المرة أيضًا، الذي انتهى بتدخل أمريكي من خلال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية
وفي هذا السياق جيشت الداخلية الأفغانية قرابة 72 ألف عنصر لتأمين حراسة نحو خمسة آلاف مركز اقتراع في أنحاء البلاد، في محاولة للخروج بالمشهد بأقل الخسائر في ظل استمرار التهديدات الطالبانية باستهداف المقار الانتخابية فضلاً عن مراكز محورية في مدن رئيسية.
سيناريو انتخابات 2014 يخيم على البعض، حين نشب النزاع بين المنافسَين: الرئيس أشرف غني والرئيس التنفيذي لحكومته عبد الله عبد الله، المرشحين هذه المرة أيضًا، الذي انتهى بتدخل أمريكي من خلال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ويذهب بعض السياسيين اليوم إلى أبعد من ذلك، محذرين من سقوط أفغانستان في أتون حرب أهلية إذا اندلع أي نزاع مشابه لما حدث إثر إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية.
لكن يبدو أن تلك التهديدات رغم ما تحمله من مخاطر، وما لها من تأثير واضح في مسار الاقتراع، لم تحل دون إصرار البعض على المشاركة، وهو ما أشار إليه أحد الناخبين في منطقة تيماناي بكابول لوكالة فرانس برس، معلنًا “أنا هنا للتصويت. أعلم أن هناك تهديدات، لكن القنابل والهجمات جزءٌ من يومياتنا”، فيما قال محيي الدين البالغ الخامسة والخمسين: “لستُ خائفًا، علينا التصويت إذا أردنا أن نكون قادرين على تغيير حياتنا”.
ورغم عدم الإعلان رسميًا عن نسبة التصويت في الانتخابات حتى كتابة هذه السطور، فإن بعض وسائل الإعلام نقلت عن مسؤول في مفوضية الانتخابات بالبلاد قوله إن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن أكثر من مليوني ناخب أدلوا بأصواتهم في الانتخابات من إجمالي 9.67 مليون ناخب لهم حق التصويت.
رئيسة مفوضية الانتخابات الأفغانية حوا علم نورستاني قالت في مؤتمر صحفي: “الانتخابات الرئاسية الحاليّة هي الأنجح خلال الـ18عامًا الماضية”، مضيفة أن 98% من مراكز الاقتراع (خمسة آلاف مركز) كانت مفتوحة، وبحسب مراسل “الجزيرة” في أفغانستان، فإن هناك توقعات كبيرة بجولة إعادة بين المرشحَيْـن الحائزَيْن على أعلى نسبة من الأصوات منتصف الشهر القادم.
تشديدات أمنية كبيرة
غني وعبد الله الأقرب
قبيل بدء عملية الاقتراع بلغ عدد المرشحين 18 مرشحًا، إلا أن أربعة منهم انسحبوا لصالح الرئيس المنتهية ولايته أشرف غني، هم السفير الأفغاني السابق في الهند شيدا أبدالي والجنرال نور الحق علومي وعبد الحكيم ألكوزاي، وأخيرًا أحد المرشحين الرئاسيين عام 2014، زلمي رسول.
وعليه يخوض 14 مرشحًا المنافسة على رئاسة أفغانستان، أبرزهم الرئيس الأفغاني الحاليّ، والرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، وبقي انسحاب حكمتيار لصالح غني متوقعًا حتى آخر لحظات الحملة الانتخابية التي اختتمت مساء يوم الأربعاء الماضي، لكن ذلك لم يحصل، على الرغم من إيحاءات صدرت عن الطرفين تؤكد حتميته.
يعد اقتراع المرأة الأفغانية لا سيما في الجنوب أزمة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتصويرها خلال الإدلاء بصوتها، فهناك مناطق بعينها تمنع تصوير النساء، حتى في أوقات الضرورة
تشير التوقعات إلى أنه من المرجح أن ينحصر السباق بين غني ورئيس الحكومة، ويذكر أن كليهما يتقاسمان السلطة في حكومة وحدة وطنية تم تشكيلها بوساطة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، في أعقاب انتخابات رئاسية شابتها الفوضى والتلاعب عام 2014.
مشاركة نسائية متوسطة
من الملاحظات التي لفتت الأنظار المشاركة النسائية التي جاءت فوق المتوسط في بعض اللجان فيما كانت واسعة في أخرى، وذلك رغم تهديدات طالبان، ووفقًا لأرقام اللجنة المستقلة للانتخابات فإن النساء يشكلن نحو ثلث عدد الناخبين.
ويعد اقتراع المرأة الأفغانية لا سيما في الجنوب أزمة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتصويرها خلال الإدلاء بصوتها، فهناك مناطق بعينها تمنع تصوير النساء، حتى في أوقات الضرورة، وهو ما قد ينعكس على العملية الانتخابية برمتها، فضلاً عن تداعيات ذلك على بعض الناخبين على رأسهم الرئيس غني.
غني المنتمي إلى العرقية البشتونية المحافظة والمتشددة ربما يدفع ثمن التشبث بتلك المعتقدات التي تحول دون مشاركة المرأة في الانتخابات فضلاً عن تصويرها وهو ما يمكن أن ينعكس على عدد وحجم الأصوات الداعمة له، خاصة أن الرجل يمتلك نفوذًا كبيرًا في جنوب البلاد مقارنة بالشمال.
وفي المجمل جاءت مشاركة المرأة بصفة عامة مرضية للكثيرين، فرغم ما تواجهه من تهديدات أمنية وإجرائية وعقدية، نجحت في الخروج من هذا الثالوث للإدلاء بصوتها غير أبهة لما يمكن أن تتعرض له لا سيما بعد التحذيرات المتتالية من المشاركة في هذا الاستحقاق.
مشاركة نسائية متوسطة في الانتخابات
مخاوف من التزوير
رغم إسدال الستار على عملية الاقتراع، فإن الجميع يحبس أنفاسه، فالتهديدات التي تواجه العملية ليست أمنية فحسب، بل ثمة مخاوف أخرى لدى الكثير من المرشحين وأنصارهم، تتمحور معظمها في الثغرات الموجودة في نظام الانتخابات، وتحديدًا في نظام الإدلاء بالصوت، فهي ثغرة كبيرة تفتح الباب أمام التزوير.
المعارضة تلمح بين الحين والآخر إلى مخطط يسمح بتمرير الانتخابات لصالح الرئيس المنتهية ولايته، وذلك عبر تجييش الحكومة أنظمتها المختلفة لاستغلال هذه الثغرات في دعم غني، وهو ما ينفيه المرشح وأنصاره جملة وتفصيلاً، لكن ورغم ذلك تبقى المخاوف قائمة.
زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار، أحد المتنافسين الـ14 على منصب الرئيس علق بقوله: “لقد توصلنا إلى نتيجة مفادها وجود مخطط لممارسة التزوير، وهذا إن حصل، فإن السلطات الرسمية وداعميها الأجانب سوف يجبروننا على التوجه مرة أخرى إلى الجبل من أجل حمل السلاح”، مهددًا بـ”تجربة الحرب لمدة 40 عامًا” التي يمتلكها.
حالة من الترقب الدولي تشهدها الانتخابات الجارية وما تتمخض عنه من نتائج، فبينما أبدت الولايات المتحدة قلقها بشأن التهديدات الأمنية المحتملة، أعربت تركيا عن ترحيبها بإجراء الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، بأجواء آمنة نسبيًا
الأمر ذاته ذهب إليه الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، وهو في الوقت نفسه أحد أبرز المنافسين لغني، حيث قال: “هناك محاولات تزوير وخطط لأجله، لكننا نؤكد أنه إذا حصل ذلك، فستكون النتائج وخيمة، وتقع مسألة تحملها على عاتق السلطات ولجنة الانتخابات”.
وفي المقابل استنكرت رئيسة لجنة الانتخابات حوا عالم نورستاني، تلك الاتهامات، مشددة على أن نظام الانتخابات الجديد والإدلاء بالصوت من خلال بصمة اليد “لا يسمحان بأي نوع من التزوير”، بالإضافة إلى أخذ صورة كل ناخب يدلي بصوتهن وهو – وفق رأيها – ضمانًا نسبيًا لنزاهة العملية الانتخابية.
حالة من الترقب الدولي تشهدها الانتخابات الجارية وما تتمخض عنه من نتائج، فبينما أبدت الولايات المتحدة قلقها بشأن التهديدات الأمنية المحتملة، أعربت تركيا عن ترحيبها بإجراء الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، بأجواء آمنة نسبيًا.
الخارجية التركية في بيان لها أوضحت أن أنقرة تأمل في أن تكون انتخابات الأمس، وسيلة لتأسيس حكومة تستوعب جميع شرائح الشعب الأفغاني، وتكسب زخمًا جديدًا للجهود المبذولة من أجل إحلال الاستقرار والعدل الدائمين في البلاد، فيما دعا جميع المرشحين إلى الالتزام بضبط النفس والتحلي بالهدوء، إلى حين إعلان لجنة الانتخابات المستقلة، النتائج الرسمية للاستحقاق الانتخابي.