“إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعد بإمكانية إلغاء العقوبات بعد لقائه مع نظيره الإيراني حسن روحاني”، أعاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بهذه التصريحات الصادرة عنه في ختام زيارته لنيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ملف لقاء الزعيمين، الأمريكي والإيراني، إلى الأضواء مرة أخرى بعد تصاعد التوتر خلال الأيام الماضية في أعقاب تفجيرات أرامكو التي تتهم واشنطن طهران بالضلوع فيها رغم نفي الأخيرة.
ظريف في لقاءات صحفية له لوكالة أنباء “فارس” الإيرانية أكد أنه تلقى اتصالات من عدة أعضاء في الكونغرس الأمريكي خلال زيارته، دون كشف هوياتهم وانتماءاتهم الحزبية، مضيفًا “بسبب قصر مدة زيارتي لنيويورك لم يكن بالإمكان التنسيق لمجيئهم إلى المدينة وإجراء لقاءات مباشرة”.
كما ألمح إلى احتمالية رفع العقوبات المفروضة على بلاده، هذا في الوقت الذي يغرد فيه فريق آخر على وتر استبعاد هذه الخطوة بعد تصعيد التوتر بين البلدين خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن البعض ذهب إلى أن المأزق الذي يواجهه ترامب في ظل بدء إجراءات سحب الثقة منه في أعقاب فضيحة أوكرانيا ربما تدفعه إلى تحقيق مفاجآت في الملف الإيراني للتخفيف من حدة الضغوط الممارسة عليه على المستوى الداخلي.
لقاء بشروط
أعاد وزير الخارجية الإيراني التأكيد مجددًا خلال لقائه وأعضاء الكونغرس الأمريكي على ضرورة عقد لقاء بين ترامب وروحاني بجانب الدول الموقعة على الاتفاق النووي 2015 لحلحة الأزمة الراهنة، غير أنه وضع شروطًا استباقية لذلك، على رأسها رفع العقوبات المفروضة على بلاده.
ظريف أشار إلى أن القاعدة الأساسية لدى الإيرانيين أنه لا لقاء دون رفع العقوبات، فهي البادرة الأولية للجلوس مع الرئيس الأمريكي، مضيفًا أن الرئيس الأمريكي “كان يرغب بأن يحصل اللقاء أولاً، وتحدث عن احتمال أن ترفع العقوبات بعده”، لافتًا إلى أنه “لم يقل إن العقوبات سترفع بعد اللقاء”.
أما عن الضغط الأوروبي الممارس على طهران لعقد هذا اللقاء، فقد أرجعه وزير الخارجية إلى “عجز الأوروبيين عن تنفيذ تعهداتهم بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي”، وكذلك قناعة أوروبية بأن “حل مشاكلهم يكمن في أن نتفاوض نحن مع ترامب”، في إشارة إلى مشاكل تواجهها أوروبا في الوفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاق النووي.
التجربة أثبتت أن الرئيس الأمريكي الحاليّ لا يتعامل بالمنطق، ومصالحه الشخصية فوق أي مصالح أخرى، فالرجل ربما يطيح بمرتكزات بلاده من أجل مستقبله
وشدد قائلاً “لسنا مستعدين أن نربط مستقبل شعبنا واقتصادنا بلقاء استعراضي مع رئيس أمريكا الذي لم يلتزم بتعهداته”، منوهًا “على الأوروبيين أن يجدوا حلاً لمشاكلهم، وليست مشكلتنا أنهم لا يمتلكون الإرادة والقدرة على تنفيذ التزاماتهم”.
وفي المقابل رفض الجانب الأمريكي أي شروط مسبقة لعقد هذا اللقاء، ليبقى الأمر في ملعب الوسطاء، الأطراف منهم (الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق) والحلفاء وفي مقدمتهم باكستان التي أشار رئيس وزرائها عمران خان إلى تحميله رسائل من الرياض وواشنطن لتوصيلها إلى الإيرانيين.
وكان البيت الأبيض قد أعلن في 15 من سبتمبر الحاليّ أن الرئيس الأمريكي قد يلتقي نظيره الإيراني رغم اتهام الولايات المتحدة لإيران بأنها وراء الهجمات بطائرات مسيرة على منشآت نفطية سعودية، ولم تستبعد المستشارة كيليان كونواي احتمال اللقاء في مكالمة تليفزيونية، تزامنت مع بذل السعودية كل الجهود لتسريع استئناف العمليات في منشأتي نفط استهدفتهما طائرات مسيرة وأدت إلى خفض إنتاج النفط السعودي.
غير أن ترامب نفسه، صبيحة اليوم التالي، فند تصريحات مستشارة البيت الأبيض، مقللاً من فرص الاجتماع مع مسؤوليين إيرانيين، قائلاً في تغريدة له: “الأنباء الكاذبة تقول إنني على استعداد للاجتماع مع إيران دون شروط، هذا غير صحيح (كالمعتاد)”.
The Fake News is saying that I am willing to meet with Iran, “No Conditions.” That is an incorrect statement (as usual!).
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 15, 2019
وساطة باكستانية
لم تنكر طهران الرسائل التي حملها خان من السعوديين والأمريكان، إذ أكد ظريف ذلك من خلال القول: “من جاء برسائل كانت جهودهم ترمي إلى الحيلولة دون تصعيد التوتر في المنطقة”، واصفًا هذه الجهود بـ”الحميدة جدًا”، إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن “الطريق لخفض التوتر في الظروف الراهنة واضح جدًا وهو إنهاء الحرب على اليمن”، مشيرًا إلى قناعة بلاده بأن “السعودية إذا قبلت هذا الواقع في أقرب وقت تكون قد أنهت الوضع الخطير للغاية في المنطقة”.
أما بخصوص ما إذا كانت طهران قد أرسلت هي الأخرى رسائل مضادة أو ردود فعل قال وزير الخارجية الإيراني: “رسائلنا كلها معلنة. نحن قلنا لجيراننا ونعيد تكرار ذلك إنه لا يمكنهم تحصيل الأمن من خلال شراء الأسلحة الأمريكية وجرّ الأمريكيين إلى المنطقة وخوض حروب لا تنتهي مع دول جارة”، في إشارة إلى الحرب التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي على اليمن.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد كشف، بعدما أجرى لقاءين منفصلين مع الرئيس الإيراني والرئيس الأمريكي، أن ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلبا منه الوساطة مع إيران لخفض التوترات في المنطقة.
استهداف الشركة السعودية وحده كفيل بأن يقلل من فرص احتمالات عقد أي لقاء، وإن كان ذلك لا يعني أنه لن ينعقد بالمرة، إلا أن التفاعلات التي تبعت التفجير ألقت بظلالها القاتمة على الأجواء بين البلدين التي باتت أكثر سخونة من ذي قبل
فريق ذهب إلى أن الأجواء التي يعايشها ترامب الآن من ضغوط داخلية وضعته في موقف حرج أمام شعبه جراء مناشدته لرئيس أوكرانيا بافتعال أزمة ضد نجل منافسه الديمقراطي جو بايدن مما يقلل من فرصه في الانتخابات القادمة، ربما تدفع به إلى فتح الباب أمام الحوار مع طهران في محاولة لسحب الأضواء من ملف فضيحة أوكرانيا.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى أن التجربة أثبتت أن الرئيس الأمريكي الحاليّ لا يتعامل بالمنطق، ومصالحه الشخصية فوق أي مصالح أخرى، فالرجل ربما يطيح بمرتكزات بلاده من أجل مستقبله، حتى إن كان الثمن تشويه سمعة حزبه وتلويث تاريخه السياسي بفضائح تلو الأخرى، ومن ثم فإنه إن رأى مصلحته في الحوار مع إيران وتخفيف حدة التوتر في هذا التوقيت، لن يتردد أبدًا مهما كانت مواقفه السابقة.
محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني
تفجيرات أرامكو تقلل فرص اللقاء
وفي المقابل استبعد آخرون عقد أي لقاء خلال المرحلة الحاليّة، مرجعين ذلك لتداعيات استهداف معامل شركة أرامكو السعودية التي اتهمت واشنطن والرياض الجانب الإيراني باستهدافها، وفي هذا الشأن يقول أسامة الهتيمي، الباحث في الشأن الإيراني، إن الجميع كان يترقب على مدى أسابيع مضت أن يجتمع كل من الرئيس الأمريكي والإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم التي عقدت في نيويورك، إذ لم تكن هناك فرصة أفضل من ذلك تحفظ ماء وجه الطرفين للعمل على احتواء تصاعد الصراع بينهما قبل أن يتفجر ويصل إلى نقطة اللاعودة.
الهتيمي في حديثه لـ”نون بوست” أوضح أن استهداف الشركة السعودية وحده كفيل بأن يقلل من فرص احتمالات عقد أي لقاء، وإن كان ذلك لا يعني أنه لن ينعقد بالمرة، إلا أن التفاعلات التي تبعت التفجير ألقت بظلالها القاتمة على الأجواء بين البلدين التي باتت أكثر سخونة من ذي قبل.
كما قلل الباحث في الشأن الإيراني من حماس الموقف الأوروبي الرامي إلى حلحلة الأزمة عبر هذا اللقاء، لافتًا إلى أن هذه العملية غيرت موقف الدول الأوروبية بصورة كبيرة، لا سيما حين أصدرت الدول الثلاثة الموقعة على الاتفاق “فرنسا – بريطانيا – ألمانيا” بيانًا حملت فيه إيران مسؤولية الهجمات وهو ما انعكس بكل تأكيد سلبًا على العلاقات الإيرانية الأوروبية، الأمر الذي اتضح جليًا في تصريحات المرشد الأعلى للثورة على خامنئي بشأن الربط بين العداوة الأمريكية والأوروبية تجاه إيران.
تبقى سياسة النفس الطويل، الملعب الحقيقي لتقوية كل طرف موقفه على طاولة التفاوض، حيث إعادة تدوير بعض أوراق الضغط هنا وهناك، كل يسعى لتسجيل الهدف الأول في مرمى الآخر
أما عن ملامح مستقبل العلاقات بين البلدين بعد تراجع فرص اللقاء، توقع الباحث المصري أن المرحلة المقبلة ربما تشهد تفاعلات جديدة يحاول فيها كل طرف من الطرفين أن يستعمل أدوات تقوي موقفه وتدفع بالطرف الآخر للقبول بتقديم بعض التنازلات، غير أن الثابت حتى اللحظة أن أمريكا لن تقدم على الدخول في حرب شاملة ومفتوحة على إيران للكثير من الأسباب.
فبجانب أن ذلك يتعارض مع إستراتيجية واشنطن في التعاطي مع الملف الإيراني، فإن ذلك يتناقض بصورة كبيرة مع تطورات المشهد السياسي والاقتصادي الداخلي في أمريكا، هذا بخلاف الرفض الإقليمي والدولي المحتمل لنشوب مثل هذه المواجهات التي بلا شك ستطال خسائرها الأطراف كافة دون استثناء.
وفي المجمل تبقى سياسة النفس الطويل الملعب الحقيقي لتقوية كل طرف موقفه على طاولة التفاوض، حيث إعادة تدوير بعض أوراق الضغط هنا وهناك، كل يسعى لتسجيل الهدف الأول في مرمى الآخر، فيما تبقى أنفاس المتابعين لما تتمخض عنه نتائج هذا السجال محبوسة لحين إسدال الستار عن الفصل النهائي لهذه المسرحية التي من المتوقع أن تطول فصولها ويستمر عرضها لفترات أكثر من المتوقع.