“أوه أوه أوه، لمن نشكي حالي، الشكوى للرب العالي، أوه أوه أوه، هو اللي داري (هو الذي يعرف)”، “فهاد (في هذه) البلاد عايشين في غمامة، طالبين السلامة، انصرنا يا مولانا”، “لا صحة لا تعليم غي (غير) الرشوة والفساد”، “لفلوس (الأموال) في المشاريع والأطفال في الشوارع عاشوا (غير) ضحايا”، بعض كلمات أغاني الأولتراس في المغرب التي تحكي هموم شعبهم.
أغانٍ تجاوزت مدرجات الملاعب، لتحتل قلوب المغاربة والعرب ويصل صداها العالم أجمع، فهي تحمل الوجع العربي من المحيط إلى الخليج، وتعبر عن نفس الهموم والمشاكل والمعاناة التي تلاقيها الشعوب العربية -خاصة فئة الشباب- في دولهم.
ولد الشعب
لحق أولتراس “هيركوليس” المشجع لفريق اتحاد طنجة بالكوكبة، فقد أصدر مؤخرًا أغنية جديدة حملت اسم “ولد الشعب”، تحكي هموم المغاربة مع الهجرة السرية والموت وسط البحار والتجنيد الإجباري ومشاكل أخرى.
أغنية أداها جمهور اتحاد طنجة بحماس، فهي تحكي وجعهم ووجع باقي الشباب المغربي، تحدثت عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد التي أدت بكثير من شبابها إلى السعي وراء الهجرة للدول الأوروبية كحل وحيد لتحقيق مستقبل أفضل وتحصيل حياة كريمة.
نشأت هذه المجموعات في الأحياء الشعبية من مشجعين أوفياء لفرقهم الرياضية، ومعروفين بحضورهم الدائم لمباريات أنديتهم
“هاد العيشة نيكرا (صعبة)، هي سبب الهجرة، مبروك البلاد خوات (خاوية)”، “يا هاد (هذه) البلاد، هجروا منك الولاد (الأولاد)، لي وصلوا ولي ماتوا (منهم من وصل ومنهم من مات)”، كما تحدثت الأغنية أيضًا عن تدهور الخدمات الصحية والتعليمية “لا صحة لا تعليم غي (غير) الرشوة والفساد”.
تحدثت الجماهير كذلك عن قانون التجنيد الإجباري، حيث جاء فيها “لا خدمة لا ردما (لا شغل لا شيء) وبغاوني (يريدونني) نكون عسكري” “حب الوطن في القلب يعلم به غير الرب”، منتقدين هذا القانون وربط مسؤولي البلاد حب الوطن بذهاب الشاب إلى التجنيد.
وكانت السلطات المغربية قد أقرت، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، عودة فرض التجنيد الإجباري في الجيش، الذي أُنهي العمل به سنة 2006، بعد أن كان معمولاً به طيلة 40 عامًا. وقد حدّد القانون الجديد الذي أقره البرلمان، الشريحة التي يهمها التجنيد وهي الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و25 عامًا، لكن يمكن وفق الظروف استدعاء الأشخاص الذين يبلغون 40 سنة أيضًا.
في بلادي ظلموني
قبل ذلك، دوت مدرجات المغرب بأغنية “في بلادي ظلموني” لجماهير الرجاء البيضاوي، تقول “صرفو علينا حشيش كتامة (صرفوا علينا القنب الهندي الذي يوجد بمدينة كتامة المعروفة بزارعة الحشيش) خلاونا كي اليتامى نتحاسبو في القيامة (تركونا مثل اليتامى وسنتحاسب يوم القيامة)”.
وتستطرد: “مواهب ضيعتوها (ضيعتم المواهب)، كيف بغيتو تشوفوها (كيف تريدون أن تروها)، فلوس البلاد كع كليتوها (أكلتهم أموال البلاد) للبراني عطيوتوها (أعطيتوها للأجانب)”، وتختتم الأغنية كلماتها بـ”أوه أوه أوه.. توب علينا يا ربي”.
أغنية انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي في المغرب وباقي دول العالم العربي، لتصبح من الأغاني التي حصدت الملايين من المشاهدات في موقع “يوتيوب” وتحتل مراتب متقدمة في العالم.
عبر جماهير الرجاء من خلال هذه الأغنية عن بؤس ومعاناة ملايين الشباب المغربي المخنوق والمكتوم صوته، الذي لم يجد وسيلة للتنفيس عن عذاباته إلا في ملاعب الكرة، حيث انفجرت الأصوات الشبابية لتوصل صوتها للعالم عن بؤس الحال الذي وصلت إليه.
بداية النشأة
بداية الأولتراس في مدرجات ملاعب المملكة المغربية كانت سنة 2005، حيث تم إنشاء مجموعة لتشجيع فريق الرجاء تحمل اسم “غرين بوبز”، وكان أول حضور لهم في مباراة الرجاء والنجم الرياضي التونسي.
منذ ذلك التاريخ بدأ مشجعو العديد من الفرق في تأسيس مجموعات خاصة بهم، وتعدى عددها الآن الـ50 وأصبحت تمثل جميع الفرق الرياضية نذكر منها “أولتراس عسكريل Ultras Askary فريق الجيش الملكي” و”الوينرزل Winners فريق الوداد البيضاوي” و”حلالة بويزHelala Boys لفريق النادي القنيطري” و”فطال تايكرز” Fatal Tigers لفريق المغرب الفاسي” و”كرايزي بويزCrazy Boys لفريق الكوكب المراكشي”.
يرى عديد من المغاربة أن للجماهير الرياضية في المملكة دور كبير في كسر حاجز الخوف، سواء بأهازيجها المتمردة أم بمقاومتها السلمية المباشرة لقوات الأمن
نشأت هذه المجموعات في الأحياء الشعبية من مشجعين أوفياء لفرقهم الرياضية، ومعروفين بحضورهم الدائم لمباريات أنديتهم، قبل أن تتأسس مجموعات خاصة تحمل أسماء ذات دلالات ثورية ومناهضة في الغالب للسلطات المغربية.
تنتشر هذه المجموعات في مختلف المدن المغربية وتضم في صفوفها حشودًا من الجماهير من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، تجتمع على هدف واحد داخل المدرجات والملاعب، وهو تشجيع فريقها بأهازيج وطقوس معينة.
حركة احتجاجية تتخذ من المدرجات منصات للتعبير عن معاناة المغاربة
مثلت هذه المجموعات منذ بداية نشأتها حركة اجتماعية احتجاجية تتخذ من مدرجات ملاعب كرة القدم منصات للتعبير عن مطالبها ورفع شعاراتها السياسية، بعد أن كانت الجماهير تقتصر على تشجيع فرقهم الرياضية فقط.
هذا التحول، كان في جزء كبير منه نتيجة التضييق الذي مارسته السلطات المغربية على حرية التعبير والصحافة والتظاهر والتنظيم والمراقبة الشديدة على الفضاءات العامة والافتراضية، بعد تنامي الحركات الاحتجاجية في المملكة.
نتيجة ذلك، حوّلت هذه المجموعات ملاعب كرة القدم في المغرب إلى ساحة لتوجيه رسائل سياسية إلى حكومتهم ومهاجمة الفساد والمحسوبية في بلادهم، ورفع مطالب ومناشدات الشعب لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، والسؤال عن السبب والمسؤول عن الأوضاع التي وصلت إليها البلاد.
يحاول جماهير الكرة التعبير عن الأوضاع التي تعيشها فئات كبيرة من المجتمع المغربي التي تأمل في غد أفضل وأوضاع أحسن لما تعيشه اليوم، التي أدت إلى تأجيج الاحتجاجات في العديد من المناطق بالمملكة المغربية.
وتمتلك مجموعات الأولتراس قدرة كبيرة على التعبئة أكثر من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ذلك أنها ذات بنْية تنظيمية متميزة ومغايرة عن بنية الهيئات التقليدية المعروفة، فالشباب يجد فيها كل ما يفتقده في تلك التنظيمات.
تقول جماهير الأولتراس، إنها اختارت أن تكون لسان المضطهدين والمدافع الأول عن حقوق وكرامة المغاربة، لذلك كانت شعاراتهم المرفوعة في أغانيهم لا تخرج عن موضوعين رئيسين “لا للظلم، نعم للحرية والكرامة“.
يرى عديد من المغاربة، أن للجماهير الرياضية في المملكة دور كبير في كسر حاجز الخوف، سواء بأهازيجها المتمردة أم بمقاومتها السلمية المباشرة لقوات الأمن، وتعتبر هذه المجموعات الرياضية أن مدرجات الملاعب السبيل الوحيد للتعبير عن أفكارهم.
إزاء هذا الأمر، عمدت السلطات المغربية في شهر أبريل/نيسان 2016 إلى حل الأولتراس، وذلك بعد أحداث ما بات يعرف بالسبت الأسود الذي قتل فيه مشجعان وأصيب عشرات في مباراة الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، ضمن مباريات الدوري المغربي لكرة القدم، قبل أن تسمح لهم مجددًا بالنشاط.