يعيش سكان مخيم الركبان في البادية السورية أوضاعًا إنسانيةً صعبة، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية والطبية داخل المخيم وانعدام مقومات الحياة الأساسية في ظل حصار مطبق من قوات النظام، التي تستغل حاجة المدنيين للمواد الغذائية والأدوية، وذلك بكسب إتاوات على السيارات العابرة إلى المخيم بطرق التهريب.
دخل وفد الأمم المتحدة السبت 28 سبتمبر/أيلول الحاليّ، لنقل الأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى مناطق سيطرة النظام، إلا أن الوفد لم ينفذ البنود التي طالب بها أهالي المخيم في اتفاق سابق خلال شهر أغسطس/آب الماضي، ويحاول موظفو الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري الضغط على المدنيين في حاجتهم للأدوية والمواد الإغاثية للعودة إلى مناطق النظام دون شروط.
وفد الأمم المتحدة يدخل مخيم الركبان
لماذا دخل وفد الأمم المتحدة الركبان؟
دخل وفد الأمم المتحدة مخيم الركبان السبت الماضي لنقل المدنيين الراغبين في العودة إلى مناطق النظام، وذلك بحسب اتفاق أبرم بين الإدارة المدنية للمخيم ووفد الأمم المتحدة خلال شهر أغسطس/آب الماضي.
واتفق أعضاء الإدارة المدنية مع وفد الأمم المتحدة على إجراء استبيان عن رغبات الأهالي، العودة إلى مناطق النظام أو الإقامة في مخيم الركبان، وكذلك تقديم مساعدات إنسانية وطبية لسكان المخيم الذين يرغبون في الإقامة بالركبان، ونقل المدنيين الراغبين بالعودة إلى مناطق النظام إلى مراكز الإيواء في حمص.
وتحدث “نون بوست” مع الناطق الرسمي في الهيئة السياسية لمخيم الركبان شكري شهاب الذي قال: “وفد الأمم المتحدة أجرى استبيانًا في منتصف شهر أغسطس/آب، إلا أن الوفد لم يحضر المساعدات الإنسانية، كما نص الاتفاق”، وأضاف: “وفد الأمم المتحدة دخل إلى مخيم الركبان لنقل الراغبين في العودة إلى مناطق النظام، ولكنه لم يحضر مساعدات طبية”.
ووجهت الهيئة السياسية في مخيم الركبان ببيان نشر على صفحتها في فيسبوك، نداء إلى التحالف الدولي الذي يسيطر على منطقة الـ55 بمنع دخول وفد الأمم المتحدة لإجلاء الراغبين بالعودة إلى مناطق النظام دون إتمام بنود الاتفاق.
الأمم المتحدة تنقل سكان الركبان دون ضمانات أمنية
الأمم المتحدة تنقل المدنيين إلى مناطق النظام دون ضمانات
من جهته قال الناشط في مخيم الركبان عماد غالي لـ”نون بوست”: “عدد الأسر التي ذهبت إلى مناطق سيطرة النظام 53 عائلة، وشكل العدد الإجمالي للعائلات 130 شخصًا”، ومن المفترض دخول وفد الأمم المتحدة بعد خمسة أيام من دخولها الأخير لنقل ما تبقى من الراغبين في العودة إلى مناطق سيطرة قوات النظام السوري.
وأضاف غالي: “ينقل وفد الأمم المتحدة أهالي مخيم الركبان العائدين لمناطق النظام، إلى مراكز الإيواء التي افتتحتها قوات النظام مؤخرًا، وهذه المراكز عبارة عن أبنية ومراكز تعليمية حولتها قوات النظام إلى مراكز لإيواء العائدين من الركبان داخل مدينة حمص”.
وبحسب ما أكدت مصادر محلية فإن وفد الأمم المتحدة لا يقدم أي ضمانات للعائدين إلى مناطق النظام إلا مسؤولية إيصالهم لمراكز الإيواء، ولا يتحمل مسؤوليتهم بعد النقل.
الأمم المتحدة تضغط على المدنيين للعودة
حاولت الأمم المتحدة الضغط على المدنيين بين شهري يناير/كانون الثاني، وأغسطس/آب من العام الحاليّ من خلال قطع المساعدات الإنسانية والطبية عن سكان المخيم لدفعهم إلى العودة الطوعية لمناطق النظام، كما يجري الآن، لكن هذا المخطط الذي سعت إليه روسيا فشل، فقد دفعت هذه الضغوطات أعدادًا كبيرة من الشبان إلى الذهاب نحو مناطق الشمال السوري عبر طرق التهريب التي غالبًا ما تتم بالدراجات النارية.
ويقول عماد غالي: “يدفع الأشخاص الذين يرغبون في الهرب إلى مناطق الشمال السوري لضباط من قوات النظام، لكنهم غالبًا ما يواجهون عقبات كثيرة نظرًا لصعوبة التنقل بالدراجات النارية وكثافة حواجز النظام”، واعتقلت قوات النظام العديد منهم ولم يستطيعوا النجاة إلى مناطق الشمال السوري.
ويضطر الشبان إلى الهرب نحو الشمال السوري للابتعاد عن التجنيد الإجباري في صفوف قوات النظام في حال أُجبروا على العودة إلى مناطقه، في ظل مساعي روسيا والنظام للسيطرة على المنطقة.
النظام يفرض الحصار على مدنيي الركبان لإجبارهم على الرضوخ للعودة إلى مناطقه
مراكز الإيواء سجون جماعية
مطلع عام 2019 قام مركز المصالحة الروسي مع ضباط من قوات النظام بعقد اتفاق مع وجهاء مخيم الركبان، للبحث في مصير المخيم، والوعود الروسية خلال تلك الفترة بدت حقيقية لدى الكثير من السكان الذين رغبوا في العودة إلى مناطق النظام، إلا أن وجهاء الركبان رفضوا الاتفاق ولم يمنعوا الأشخاص الذين رغبوا في العودة.
وعاد المئات خلال الربع الأول من العام الحاليّ وتم نقلهم بشكل مباشر إلى مراكز الإيواء، إلا أن قوات النظام أخرجت البعض منهم واحتجزت عشرات العائلات في المراكز ومنعتهم من الخروج منها وباتت أشبه بمعتقلات.
يقول شكري شهاب خلال حديث لـ”نون بوست”: “بعض الأشخاص يخرجون من مراكز الإيواء بعد أسبوع وبعضهم لا يزال إلى الآن في المركز ذاته يمنع من الخروج إطلاقًا”، وأضاف: “هناك أشخاص ما زالوا محتجزين في مراكز الإيواء منذ سبعة أشهر، ويزورهم وفد الأمم المتحدة شهريًا لتقديم المساعدات لهم”، بينما أكد شهاب: “أن مراكز الإيواء هي معتقلات جماعية للخارجين عن نظام الأسد”.
وتعرضت العائلات في مراكز الإيواء خلال الأسبوع الماضي للضرب المبرح من عناصر النظام، وذلك على خلفية شكاوى قدمها المحتجزون لوفد الأمم المتحدة على مدة الفترة التي قضوها داخل مراكز الإيواء، بحسب شهاب. ويواجه المئات من المقيمين في مراكز الإيواء بمدينة حمص مصيرًا مجهولًا، إذ لا يسمح لهم العودة إلى قراهم وبلداتهم وممارسة حياتهم الطبيعية، وتبدو معاملة النظام أشبه بمسألة انتقام من الأشخاص المعارضين له.
اعتقال وتجنيد في مراكز الإيواء
المدنيون الذين عادوا إلى مناطق سيطرة النظام والميليشيات الموالية، خلال الأشهر الفائتة عبر مركز المصالحة الروسي والأمم المتحدة لم ينجوا من خطر الاعتقال والتجنيد في صفوف قوات النظام إطلاقًا.
قامت قوات النظام بتفتيش مراكز الإيواء واعتقال المطلوبين لديها، حيث اعتقل العشرات ونقلوا إلى المخابرات الجوية، وقال شكري شهاب: “قوات النظام اعتقلت نحو 30 شخصًا خلال الأشهر الفائتة ولا وجود لهم الآن، وهؤلاء المعتقلون وقعوا ضحية سائغة في قبضة النظام الذي يحاول الانتقام بشتى الوسائل من الشخصيات المعارضة له أو التي ساهمت في الثورة”.
وأضاف: “قوات النظام زجت بـ200 شخص تم توثيقهم في صفوفها، منذ يناير/كانون الثاني 2019″، وقتل عدد من الشبان الذين جندتهم قوات النظام في معارك ريف حماة الشمالي، حيث كانوا يقاتلون إلى جانب قوات النظام السوري ضد المعارضة.
يفتقر مخيم الركبان لأدنى مقومات الحياة.. الماء والطعام
مخيم الركبان يفتقر لأدنى مقومات الحياة
يقطن في مخيم الركبان بالوقت الحاليّ نحو 10500 مدني، من أبناء أرياف حمص وأرياف دمشق، فيما يعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية مع ندرتها وارتفاع أسعارها إذا وجدت، وتخضع سيارة المواد الغذائية في حال سمح لها بالدخول إلى استغلال قوات النظام التي تطلب مبالغ مالية مقابل دخولها إلى المخيم، ومن هنا تبدأ عملية ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، ولا تدخل هذه المواد الغذائية عبر المعابر الرئيسية وإنما عبر طرق التهريب مما يجعلها عرضة للاستهداف.
وبحسب ما أوضح عماد غالي خلال حديثه لـ”نون بوست”: “سكان المخيم ليس لديهم عمل ومنطقة البادية غير صالحة للزراعة، مع ندرة وجود الماء”، وأكد: “مخيم الركبان يواجه كارثة إنسانية في ظل انعدام الدعم الإغاثي والطبي، ومن هذا المنطلق فإن الأمم المتحدة تمرر مصالح النظام في الضغط على المدنيين”، كما يواجه سكان المخيم مصيرًا مجهولًا في ظل إطباق روسيا وقوات النظام الحصار والتجويع على السكان، لإجبارهم على العودة إلى مناطق سيطرة الأسد، التي لا تضمن لهم العودة إلى منازلهم.
من جهته قال شكري شهاب: “أُفتتحت مدرستان في مخيم الركبان بجهود محلية وهذه المدارس تفتقر للدعم المالي واللوجستي”، مضيفًا: “وكذلك توجد نقاط طبية متواضعة، والقائمون عليها هم ممرضون من سكان المخيم ولا يوجد أي طبيب مختص”.
وطالب سكان مخيم الركبان الأمم المتحدة والتحالف الدولي الذي يسيطر على منطقة الـ55 بفتح ممرات آمنة وتسهيل خروج المدنيين نحو الشمال السوري، إلا أن الأمم المتحدة والتحالف الدولي رفضا خروج المدنيين إلا نحو مناطق النظام السوري التي تستغل مسألة حصارها للمخيم لصالحها في إعادة المدنيين إلى مناطقها وهذا يعني إعادة سيطرتها على منطقة الركبان برعاية روسية، في حين يبقى مصير آلاف المدنيين مجهولًا.