منذ الوهلة الأولى حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على التأكيد مرارًا وتكرارًا على شغفه بإعلام مرحلة الستينيات، هذا النوع من الإعلام، أحادي الاتجاه، الذي أثار إعجاب رئيس دولة بحجم مصر في عصر السماوات المفتوحة والنوافذ المتداخلة، فأغبط الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أنه كان يمتلك إعلامًا كهذا.
احتل ملف الإعلام قائمة متقدمة في أولويات السيسي، حتى قبل إعلانه الترشح لمنصب رئيس الدولة، إيمانًا منه بالدور الكبير لهذا السلاح الخطير الذي من الممكن أن يكون أداة قوية لإصلاح الأمم والإطاحة بالأنظمة الفاسدة، وإن كان في الوقت ذاته يمكنه أن يكون معول هدم حال تحول إلى بوق يحول الأنظمة والحكام إلى ألهة غير قابلين للنقد.
حملات ممنهجة قام بها الرئيس وأذرعه على مدار السنوات الستة الماضية، تمحورت حول تشكيل الخريطة الإعلامية وفق ما يتناسب وأهداف النظام، وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى حدوث العديد من موجات التغيير، ما بين حجب غلق ودمج، وضخ دماء جديدة، وصولاً إلى الصورة المثلى.
وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن موجة أخرى من إعادة الهيكلة ستفرض نفسها على منظومة الإعلام، ربما تغير شكلها بصورة كبيرة، إذ إن المرحلة الحاليّة التي سقط فيه إعلام الدولة بالقاضية أمام وسائل الإعلام الخارجية، تتطلب إستراتيجيات جديدة للتكيّف مع المستجدات الأخيرة، فما ملامح هذه الإستراتيجية؟
هجوم مستمر على الإعلام
لم تكن العلاقة بين الرئيس والإعلام على ما يرام على طول الخط، رغم الجهود المضنية التي يقوم بها القائمون على تلك المنظومة لإرضاء النظام وتجنب الصدام معه أو استفزازه، كان الصدام الأول بعد أشهر قليلة من تولي السيسي الرئاسة، تحديدًا في الـ6 من سبتمبر 2014.
في 21 من أكتوبر من نفس العام وجه السيسي رسالة شديدة اللهجة للإعلاميين قال فيها: “أنتوا الإعلاميين، على مهلكوا على المصريين، الناس قاعدة في بيوتها بتسمع منكم وبتقرأ لكم، خلوا عندهم أمل عشان إحنا ماشيين كويس”
وخلال كلمة له في إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، تهكم السيسي على معالجة وسائل الإعلام لقضية انقطاع الكهرباء، قائلًا: “لما ألاقي في الجرنال مكتوب الحكومة منورة، هو أنت كده يعني بتعالج الموضوع لما تكتب كده؟ مينفعش، لكن الحل في معالجة الأمور”.
وفي 21 من أكتوبر من نفس العام وجه رسالة شديدة اللهجة للإعلاميين قال فيها: “إنتوا الإعلاميين، على مهلكوا على المصريين، الناس قاعدة في بيوتها بتسمع منكم وبتقرأ لكم، خلوا عندهم أمل عشان إحنا ماشيين كويس، مش زي ما إحنا عايزين، لأن آمالنا كبيرة أوي، خلوا فيه سياق عام تتكلموا فيه، اللي هو الحفاظ على الدولة المصرية”، وذلك خلال مشاركته في مناورة ذات الصواري بالإسكندرية.
الأمر ذاته تكرر في نوفمبر 2015 خلال تعليقه على أزمة غرق شوارع الإسكندرية بمياه الأمطار، حيث قال: “أحد الإعلاميين بيقول إزاي الرئيس يقعد مع سيمنز وشايف إسكندرية بتغرق، حاجة صعبة أوي، عيب ميصحش كده، إيه الشغل ده والأمر ده لا يليق، أنتوا بتعذبوني أني جيت وقفت هنا”.
وبلغ الصدام أوجه حين طالب الشعب المصري بعدم الاستماع إلا إليه فقط، وذلك على هامش كلمته باحتفالية تدشين إستراتيجية التنمية المستدامة “مصر 2030″، في 24 من فبراير 2016، وهو ما قوبل حينها باستنكار وتهكم شديدين، الأمر الذي أنذر حينها بمرحلة جديدة من الخطاب الإعلامي يكون فيه الرئيس هو المتحدث الوحيد.
كما انتقل الرجل من مرحلة انتقاد المضمون إلى الحث على خلق مضمون جديد، لكن من نوع آخر، حين طالب أجهزة الإعلام بخلق “فوبيا” لدى الشعب المصري من إسقاط الدولة المصرية وحماية مصر من السقوط، مؤكدًا استعداد الدولة دعم إنتاج عمل سينمائي في مواجهة ما سماه “محاولات هدم وإضعاف الدولة” وذلك خلال فعاليات المؤتمر الدوري الرابع للشباب بالإسكندرية يوليو 2016.
خريطة فاشلة
تغييرات كثيرة شهدها الإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير، حيث انقسم إلى عدة محاور، تجمع بين موروث مبارك وتبعات الثورة، ثم مرتكزات الثورة المضادة، وذلك وفق ما ذهب إليه الكاتب الصحفي المصري أشرف عبد المقصود الذي أكد أن الخريطة شابها الكثير من التطورات.
المحور الأول يتمثل في موروث مبارك، وهو المحور المشكّل من حفنة رجال الأعمال التي تجيد العزف على الأوتار كافة، على رأسهم محمد الأمين والسيد البدوي وعائلة الكحكي، بجانب إمبراطورية طارق نور وشركائه.
فيما يأتي المحور الثاني امتدادًا للأول، إذ إنه يتضمن رجال أعمال أيضًا لكنهم مدعومون من المؤسسة الأمنية، ونجح هذا المحور الذي يأتي في مقدمته أحمد أبو هشيمة رئيس مجلس إدارة شركة إعلام المصريين السابق، وياسر سليم رئيس مجلس إدارة شركة بلاك آند وايت، وطارق إسماعيل صاحب شركة دي ميديا، بالإضافة إلى إيهاب طلعت صاحب الخبرة الواسعة في إدارة القنوات التليفزيونية والتسويق، وفق ما أشار عبد المقصود لـ”نون بوست” في الحصول على امتيازات لم يحصل عليها أي فريق طيلة العقود الماضية.
الخريطة بشكلها القديم يبدو أنها لم تؤت ثمارها المأمولة، وهو ما دفع النظام إلى تطويق الخناق أكثر وأكثر
تطوّر هذا المحور بشكل تدريجي ليدشن من داخله محورًا جديدًا، يضم عددًا من العسكريين ممن دخلوا إلى مجال الإعلام حديثًا وفي مقدمتهم: محمد سمير المتحدث العسكري الرسمي السابق باسم القوات المسلحة المصرية، مدير قناة العاصمة، وضابط الجيش السابق أحمد شعبان مدير مكتب اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة حاليًّا.
سقوط مدوٍ
الخريطة بشكلها القديم يبدو أنها لم تؤت ثمارها المأمولة، وهو ما دفع النظام إلى تطويق الخناق أكثر وأكثر، وذلك عن طريق تشريع عدد من القوانين التي تهدف في المقام الأول إلى تكبيل أيدي الإعلاميين وخفض سقف الحريات إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
حزمة قوانين أصدرتها السلطات المصرية خلال العامين الماضيين كفيلة وحدها أن تضع البلاد في مؤخرة مراتب حرية الصحافة في العالم، هذا ما أشارت إليه أميرة صلاح عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصرية، التي استنكرت انخراط الدولة في حرب ضد الإعلام.
صلاح لـ”نون بوست” كشف أن قانون الصحافة الجديد بلائحة جزاءاته يكفي وحده لكتابة شهادة وفاة رسمية للإعلام في المحروسة، أضف إلى ذلك تشكيل رقيب رسمي تحت مسمى “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” بغرفتيه “الهيئة الوطنية للإعلام” و”الهيئة الوطنية للصحافة” قادر أن يعيد الإعلام إلى ما قبل الخمسينيات وليس الستينيات كما يتمنى السيسي.
المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
وقع عشرات الإعلاميين أسرى للمجلس والقانون على حد سواء، فزج ببعضهم في السجون والمعتقلات، فيما ألقي بالآخرين في الشارع بلا عمل، فضلاً عن تقليص رواتب فريق ثالث، بينما أوقفت عشرات البرامج وأغلقت العديد من القنوات، حتى وصل المشهد إلى صورة سوداوية لم يصلها منذ أن عرفت مصر الإعلام.
مرحلة حرجة
عشرات السقطات وقع فيها الإعلام المصري المناوئ للرئيس خلال السنوات القليلة الماضية، في ظل الافتقاد للشفافية وانتظار التعليمات الرسمية، وجد المواطن المصري نفسه مرغمًا على التجول بين شاشات القنوات الأجنبية والوكالات الخارجية، فتصدرت تلك الوسائل قائمة القنوات المفضلة للشارع المصري.
العديد من الاختبارات العملية كانت كفيلة لأن يقدم فيها الإعلام الرسمي المصري والخاص على وجه سواء أوراق اعتماده لدى الشارع، لكنه تخلى عن الفرص التي أتيحت له تاركًا السارحة فارغة لمنافسيه من القنوات الخارجية، فباتت اللقطات الأولى لحادث محطة مصر مثلاً تبث على رويترز والجزيرة قبل أن يصل التليفزيون المصري.
مع تصاعد الأحداث السياسية والاقتصادية وفرض المستجدات نفسها على الساحة بات الوضع غاية في الحرج والخطورة في آن واحد
هذا بخلاف حالة التعتيم الواضحة والتجاهل التام لعقلية المشاهد في تقديم مادة إعلامية تتناسب ومستوى وعيه، وهو ما دفع في النهاية إلى هجر تلك الوسائل والبحث عن أخرى، وهو ما أصاب النظام بهزة عنيفة، دفعته لإعادة النظر في السياسة الإعلامية المتبعة والبحث عن دماء جديدة بعدما فقد المشاهد الثقة في الأسماء الموجودة التي كانت تتمتع بجماهيرية كبيرة في الآونة السابقة.
ومع تصاعد الأحداث السياسية والاقتصادية وفرض المستجدات نفسها على الساحة بات الوضع غاية في الحرج والخطورة في آن واحد، إذ بات البحث عن بديل لاستعادة الثقة المفقودة لدى الجمهور أمر في غاية الأهمية، خاصة بعدما نجح الإعلام الخارجي في إصابة جدار النظام بالعديد من الإصابات الموجعة التي كشف من خلالها بعض أوجه الفساد والانتهاكات الممارسة بحق الشعب، وهو ما أحدث خللاً واضحًا في العقلية الإدارية للدولة.
إستراتيجية جديدة
“أنا اللي بشكرك يا رامي، إنت شخصية جميلة ومحترمة، ودا الجيل الجديد اللي إحنا بنقول عليه، اللي بيعمل آ آ وحاجة رائعة. مطولش عليا كل مرة بناخد ساعتين وساعتين ونصف، المرة دي رامي رحمني وقالي ساعة ونصف كفاية”، كانت هذه الإشادة التي منحها السيسي للمذيع رامي رضوان خلال جلسة “اسأل الرئيس” في مؤتمر الشباب الذي عقد في يوليو الماضي بمثابة تدشين رسمي لتغييرات جديدة في منظومة الإعلام المصري.
نقطة البداية في تلك المرحلة الجديدة كانت تغيير القائمين على الإعلام في أحد الأجهزة الأمنية التي تشرف على هذا الملف، واستبدال أحد القائمين على الملف بآخر شديد القرب للسيسي، حسبما نقل موقع “المنصة” عن مصادر إعلامية كشفت أن تلك التغييرات انعكست على مجموعة من القرارات أولها تشكيل مجموعة إعداد مركزي لبرامج التوك شو الرئيسية.
من سمات تلك المرحلة استبعاد أسماء بعينها من المشهد والاستعانة بأخرى جديدة، في محاولة لرسم صورة مغايرة بأسماء وشخصيات ليس لديها تصور سلبي عن المشاهد
في سبتمبر الماضي تفاجأت كل فرق الإعداد في 4 برامج على القنوات التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وهي الحياة اليوم وكل يوم وهنا العاصمة ومساء دي إم سي بدعوتهم لاجتماع مع إدارة تحرير المحتوى في المجموعة المتحدة للإعلام لإطلاعهم على قرارات تنظيمية، أهمها العمل بنظام جديد لفرق الإعداد يحمل اسم الإعداد المركزي.
ويقصد بهذا الأسلوب “اختيار 4 معدين يتم تثبيت اثنين منهم و”تدوير” اثنين آخرين، يومين في قناة الحياة، ويومين في قناة أون، ويومين في قناة سي بي سي، “المعد يشتغل سبت وحد مثلًا في برنامج الحياة اليوم، واثنين وثلاثاء في برنامج كل يوم على قناة أون تي ڤي.. وهكذا” هكذا شرح أحد المعدين في برنامج توك شو “الحياة اليوم” على قناة الحياة.
ومن سمات تلك المرحلة استبعاد أسماء بعينها من المشهد والاستعانة بأخرى جديدة، في محاولة لرسم صورة مغايرة بأسماء وشخصيات ليس لديها تصور سلبي عن المشاهد، إضافة إلى التخلص جزئيًا من إعلاميي مبارك، وهو ما تكشف مع الإطاحة بلميس الحديدي وإبراهيم عيسى ومحمود سعد قبل عودته الباهتة مرة أخرى، بجانب الإعلامي المقرب من السيسي نفسه أسامة كمال.
التصفية لم تقتصر على إعلاميين فقط، بل تجاوز الأمر إلى منع أسماء بعينها من الظهور إعلاميًا بشكل كبير، نظرًا لما يراه النظام بشأن تمثيلهم خطورة عليه، كالرياضي رضا عبد العال الذي كان دائمًا شديد النقد لفساد اتحاد الكرة والمنتخب المصري، بجانب منع الملحن عمرو مصطفى وتقليل ظهور وزيرة الصحة على قدر الإمكان، بحسب “المنصة”.
المشهد الإعلامي بحلته الجديدة المقترحة لملاءمة المرحلة بدأت إرهاصاته تتكشف يومًا تلو الآخر، إلا أنه يحمل في طياته كوارث جمة، لن تلقي بظلالها القاتمة على منظومة الإعلام فحسب، بل ستدفع بالآلاف من العاملين في هذا الحقل إلى صفوف البطالة وأرصفة الشوارع، وفق ما أشار الباحث الإعلامي علي الخضري.
بخلاف ما يتردد بشأن غلق بعض الصحف والإبقاء على مطبوعة واحدة أو اثنين لكل دار نشر، مع الاستبدال بمواقع إلكترونية بدلاً من المطبوعات، توفيرًا للنفقات، وهو ما قوبل بهجوم شديد من العاملين في هذه الصحف
الخضري في حديثه لـ”نون بوست” كشف أن التغيرات التي يعمل النظام عليها تجمع في الغالب بين أمرين: الأول تقليل النفقات قدر الإمكان، والثاني بناء خطاب إعلامي موحد يدعم توجهات الدولة الرسمية ويكون نواة للتصدي للحملات الإعلامية التي يشنها الإعلام الخارجي، منوهًا أن تلك التغييرات تتمحور في 3 ركائز أساسية:
الأولى: الصحافة.. وتنقسم هي الأخرى إلى فرعين: أحدهما يتعلق بالصحف القومية المملوكة للدولة، وهنا بدأ النقاب يتكشف رويدًا رويدًا عن حجم التعديلات المتوقعة، التي على رأسها دمج المطبوعات الإعلامية الصادرة عن تلك الوسائل (دار التحرير، دار الأهرام، دار الأخبار) وتقليل عددها قدر الإمكان، علمًا بأن الشركات الثلاثة يتجاوز إصداراتها قرابة الـ40 مطبوعة.
هذا بخلاف ما يتردد بشأن غلق بعض الصحف والإبقاء على مطبوعة واحدة أو اثنين لكل دار نشر، مع الاستبدال بمواقع إلكترونية بدلاً من المطبوعات، توفيرًا للنفقات، وهو ما قوبل بهجوم شديد من العاملين في هذه الصحف، خاصة أن غالبيتهم لن يجد له مكان حال تطبيق ذلك.
أما النوع الثاني من الصحافة وهو الصحف الخاصة والمستقلة، فالمصير ذاته هو المحتوم عليها، حيث إغلاق بعضها ودمج الأخرى في مجموعات إعلامية واحدة، كما حدث مع صحف الدستور وصوت الأمة وغيرها، أما الصحف الأخرى فتتعرض لضغوط قوية ربما تدفعها إلى غلق نوافذها قريبًا، علمًا بأن هناك ما يزيد على 500 موقع إلكتروني تم حجبه خلال العامين الماضيين فقط وفق بيانات حقوقية.
القنوات الخاصة، فيسير فيها النظام بخطوات متسارعة، فالأمر لم يعد مراقبة على قنوات بعينها أو التدخل في مضمون برامج ذات جماهيرية، بل وصل إلى تدشين قنوات خاصة به
الثاني: التليفزيون.. كما هو حال الصحافة ينقسم التليفزيون إلى محورين: تليفزيون الدولة الرسمي “ماسبيرو” الذي يتعرض الآن لهجوم شديد وانتقادات لاذعة تحت ستار ما يتعرض له من خسائر مليارية دفعت السلطات إلى مناقشة فكرة تقليل عدد القنوات به وتخفيض نسبة العمالة، هذا بجانب التخلي عنه إعلاميًا والتوجه نحو قنوات أخرى أكثر جماهيرية، وهو ما يفسر اختصاص برامج معينة خاصة بتسريبات المخابرات العامة ومداخلات رئيس الدولة في الوقت الذي يعاني فيه التليفزيون الرسمي من عقم في المواد الإعلامية المقدمة.
أما القنوات الخاصة، فيسير فيها النظام بخطوات متسارعة، فالأمر لم يعد مراقبة على قنوات بعينها أو التدخل في مضمون برامج ذات جماهيرية، بل وصل إلى تدشين قنوات خاصة به، وهو ما تجسده مجموعة قنوات “دي إم سي” الملموكة للمخابرات، هذا بخلاف دراسة فكرة دمج القنوات في مجموعات قليلة تخضع لإدارة جهاز أمني سيادي يتحكم في مضمونها المقدم ويكون هو صاحب الرسالة والخطاب الإعلامي.
الثالث: مواقع التواصل الاجتماعي. المرحلة الحرجة التي يشهدها النظام الحاليّ في مصر تتطلب ظهيرًا من الحملات الإلكترونية القادرة على مجابهة الهجمات التي يتعرض لها عن طريق رواد السوشيال ميديا الذين لم يجدوا سبيلاً للتعبير عن آرائهم إلا الفضاء المفتوح بعدما أغلقت أمامهم كل النوافذ التقليدية الأخرى.
السلطات الحاكمة في مصر تعي خطورة ما يطلق عليه “حرب الفضاءات الإلكترونية” وهي الحرب التي خسرتها بصورة واضحة في أزمة تسريبات الفنان محمد علي الأخيرة، ومن ثم هناك توجه كبير بتدشين كيان إلكتروني قوي يكون جاهز للرد والتعامل مع مثل هذه الحملات في وقت الأزمات.
وفي المجمل يبدو أن حرية الإعلام ستكون الضحية الأولى والأكبر لمثل تلك التغييرات التي لا تهدف إلا لحماية النظام والزود عنه وتوصيل رسائله الخاصة للشعب دون أي معايير أخرى خاصة بقيم الحرية وميثاق الشرف والمهنية، وهو ما قد يحمل بين ثناياه – وفق ما ذكر البعض – شهادة وفاة رسمية للإعلام المصري.