ترجمة وتحرير: نون بوست
لا تدور الحرب في السودان في ساحة المعركة فقط، ففي الوقت الذي تواصل فيه القوات المسلحة السودانية إحراز تقدم ضد عدوها، قوات الدعم السريع شبه العسكرية، يعمل الطرفان بعيدًا عن القتال في محاولة لإرساء شرعيتهما كهيئات حاكمة.
والنتيجة هي أن ما يسمى بـ”وضع ليبيا” يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى؛ حيث ينقسم السودان إلى كيانين مختلفين أو أكثر.
في الأسبوع الماضي؛ اجتمع قادة قوات الدعم السريع في كينيا للإعلان عن حكومة “سلام ووحدة” موازية، في حين قام مقاتلوها بحملة وحشية استمرت ثلاثة أيام في ولاية النيل الأبيض، مما أسفر عن مقتل 433 شخصًا.
وفي يوم الأحد، وبينما كان الجيش يكسر الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع على مدينة الأُبيض ذات الأهمية الإستراتيجية منذ ما يقرب من عامين، قالت قوات الدعم السريع إنها ستوقع ميثاقًا مع الجماعات السياسية والمسلحة المتحالفة معها لإنشاء حكومة في المناطق التي تسيطر عليها.
وتسبب هذا الإعلان والاجتماع في كينيا؛ حيث تتمتع حكومة الرئيس ويليام روتو بعلاقة مقربة مع الراعي الرئيسي لقوات الدعم السريع، دولة الإمارات العربية المتحدة، في إثارة الجدل في جميع أنحاء القارة الأفريقية.
فالاتحاد الأفريقي، الذي يضم 55 دولة عضو، منقسم حول مسألة ما إذا كان السودان سينقسم، وحول ما إذا كان يمكن التغاضي عن أي كيان سياسي مرتبط بقوات الدعم السريع، التي اتهمتها الحكومة الأمريكية وجماعات حقوق الإنسان بارتكاب إبادة جماعية.
ويتعقد سيناريو ليبيا المحتمل هذا بسبب تشكيل إدارتين متمردتين قائمتين بالفعل تتمتعان بالحكم الذاتي في جبال النوبة في جنوب كردفان وجبال مرة في دارفور.
ونظرًا لأن السودان شهد انقسامًا بالفعل عندما تم إنشاء جنوب السودان في عام 2011، فإن هناك مخاوف واسعة النطاق من أن يتحول السودان، الذي يواجه بالفعل أزمة إنسانية عميقة بسبب الحرب التي بدأت في أبريل/نيسان 2023، إلى مجموعة من الولايات الفاشلة.
روتو وحميدتي وتجارة الذهب
وأدانت الحكومة السودانية المتحالفة مع الجيش، والتي تتخذ من مدينة بورتسودان مقرًا لها، تصريحات قوات الدعم السريع وهددت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كينيا وطرد سفيرها.
ووصفت الخارجية السودانية الخطوة الكينية بأنها تدخل مباشر في شؤون دولة أخرى وانتهاك للأعراف الدبلوماسية وميثاق الاتحاد الأفريقي.
ورفضت وزارة الخارجية الكينية ذلك، زاعمةً أنها تحاول التوسط وجلب الأطراف المتحاربة في السودان إلى طاولة المفاوضات، مضيفةً أن هذه الخطوة تتسق مع رغبة نيروبي في المساعدة في إحلال السلام في جارتها.
وقال مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة في الجيش السوداني، إن “سلسلة الإجراءات التي اتخذها الرئيس روتو تمثل اتجاهًا مقلقًا للتدخل الخارجي الذي يهدد بتقسيم السودان… لماذا تتدخل كينيا في شؤون السودان الداخلية بينما لا تتوقع في الوقت نفسه أن تواجه أي عواقب؟”.
وتطلع عقار بدوره إلى القيام ببعض التدخلات، مذكرًا روتو بأن “بلاده تواجه تحديات داخلية عديدة، بما في ذلك بطالة الشباب والفقر والمطالبة بالشفافية – وهي قضايا تتطلب أقصى درجات الاهتمام”.
وانضم النشطاء الكينيون وجماعات المعارضة ووسائل الإعلام إلى هذه الانتقادات، مشيرين إلى علاقات روتو بالإمارات العربية المتحدة وعلاقات حكومته التجارية المزعومة مع قوات الدعم السريع.
وادعى ريغاثي غاتشاغوا، نائب الرئيس الكيني السابق، أن روتو متورط في تجارة الذهب المربحة للغاية التي يديرها محمد حمدان دقلو، زعيم قوات الدعم السريع المعروف باسم حميتي.
وكان غاتشاغوا نائبًا للرئيس عندما دعا روتو حميدتي إلى كينيا في عام 2023، وقد أخبر قناة “كي تي إن نيوز” الكينية أنه لم يحضر حينها الاجتماع بين الرجلين.
وقال غاتشاغوا: “لو كان الأمر يتعلق بكينيا لحضرت الاجتماع، ولكن بعد أن انتهوا من الاجتماع، أنا من اصطحبته إلى المطار واستفسرت، إنهم يقومون بأعمال تجارية”.
وأضاف: “إنهم يتاجرون بالذهب مع رئيس قوات الدعم السريع، والذي يتم أخذه من تلك المنطقة وإحضاره إلى نيروبي ثم نقله إلى دبي”.
في يناير/كانون الثاني الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة “إيه زد جولد”، وهي شركة لشراء الذهب مقرها الإمارات، وجاء في إشعار العقوبات: “اشترت شركة “إيه زد جولد” ذهبًا من السودان، وكان ذلك على الأرجح لصالح قوات الدعم السريع، ثم نقلته لاحقًا إلى دبي”.
ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن القوني حمدان دقلو، أحد أشقاء حميدتي “احتفظ بإمكانية الوصول إلى الحساب المصرفي لشركة “إيه زد جولد” في الإمارات، والذي كان يحتوي على ملايين الدولارات“.
واتهمت حكومة السودان المتحالفة مع الجيش السوداني روتو بالتعامل تجاريًا مع قوات الدعم السريع، دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
وقالت وزارة الخارجية السودانية: “من المؤسف أن الرئيس الكيني وضع مصالحه الشخصية والتجارية مع الرعاة الإقليميين للميليشيا ومع قيادة الميليشيا فوق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين” في إشارة – دون تسمية صريحة – إلى دولة الإمارات.
التضامن الأفريقي
وقال دبلوماسي سوداني سابق لموقع “ميدل إيست آي” إن العديد من الدول الأفريقية أعربت عن تضامنها مع السودان في مواجهة ما وصفه بالعدوان عليه.
وقال الدبلوماسي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن “التضامن جاء من دول شمال وغرب أفريقيا مثل مصر والجزائر ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والسنغال وموريتانيا وغيرها من الدول التي تقف ضد الخطوة الكينية”.
وفي شرق أفريقيا، قدمت دول مثل أوغندا وتشاد، اللتين كانتا جزءًا من شبكة خطوط إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة التي اشترتها الإمارات، ضمانات بالاعتراف بأي حكومة تقودها قوات الدعم السريع.
وقال دبلوماسي في الاتحاد الأفريقي إن أي انقسام في أي بلد أفريقي يثير قلق الاتحاد لأنه يتعارض مع قواعد ميثاقه ويهدد بعدم الاستقرار.
وقال المصدر الذي لم يكشف عن هويته: “غالبية الدول الأفريقية هشة، ومباركة مثل هذه الخطوة قد تجذب هجمات مضادة أخرى وتؤدي إلى حروب أوسع بالوكالة بين الجيران، وإشعال المزيد من عدم الاستقرار”.
كيف سيكون شكل حكومة قوات الدعم السريع؟
إذا أرادت قوات الدعم السريع إقامة أي نوع من الحكومات داخل السودان، فلا بد من الإجابة على العديد من الأسئلة، أبرزها هو أين سيكون مقر الحكومة وكيف ستحكم.
لقد عانت القوات شبه العسكرية مؤخرًا من عدد من الهزائم في ساحة المعركة في وسط وجنوب السودان، وكذلك في العاصمة الخرطوم، لكنها لا تزال تسيطر تقريبًا على كل دارفور وكردفان في غرب البلاد المترامي الأطراف.
وفي الاحتفال الذي أقيم في نيروبي، أعلنت قوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة معها أنها ستضع حداً لما وصفوه بالظلم والتمييز في السودان القديم، والذي قالوا إنه أدى إلى تهميش أجزاء من البلاد.
ويضم هذا المعسكر، إلى جانب قوات الدعم السريع، الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وقائدها عبد العزيز الحلو، وممثلين عن حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، وفصائل من حزب الأمة القومي، وفصائل من الحزب الاتحادي الديمقراطي وغيرها من الحركات المتمردة والأحزاب السياسية.
وكان عبد الرحيم حمدان دقلو، نائب قوات الدعم السريع وشقيق حميدتي، حاضرًا في الحدث، رافعًا قبضته تحت صورة لروتو.
وردد الحاضرون هتافات مناهضة للإسلاميين في إشارة إلى الرئيس الدكتاتوري السابق عمر البشير الذي حكم السودان من عام 1989 إلى عام 2019، عندما أطاح به حميدتي وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بعد ثورة ديمقراطية.
وقال الحلو الذي حارب رجال البشير لعقود من الزمن، وسط هتافات التهليل: “هذه لحظة تاريخية لإنهاء التمييز في السودان وميلاد سودان جديد، علينا أن نبني دستورًا جديدًا وعهدًا جديدًا لهذا البلد”.
وقال المحلل السياسي صلاح الدومة لموقع “ميدل إيست آي” إنه من المتوقع أن تحظى سلطة قوات الدعم السريع الجديدة باعتراف واسع النطاق من دول الجوار.
وقال الدومة: “عادة ما يحدث التغيير السياسي بشكل تدريجي من خلال الوسائل الديمقراطية، أو من خلال التغيير الجذري الذي قد يحدث عبر انقلاب عسكري أو ثورة شعبية، أو من خلال سيطرة قوة عسكرية على عاصمة ما”.
وأضاف قائلًا: “بالنسبة لي، توقعت أن يكون الخيار الثالث هو الأكثر احتمالاً لأنني أرى أن غالبية الجماعات المتمردة حاليًا في معسكر قوات الدعم السريع، وأعتقد أن العديد من الدول أكدت لهم أنهم سيحصلون على اعتراف منهم”.
ومع ذلك، قال محلل سياسي آخر طلب عدم ذكر اسمه، إن معسكر قوات الدعم السريع مليء بالجماعات ذات الأهداف المتناقضة، فهو يضم جماعات تقليدية، وزعماء قبائل، وقوات الدعم السريع، وحركات متمردة من دارفور وجنوب كردفان لها خلفيات وأيديولوجيات مختلفة.
وقال المحلل: “لقد اختارت هذه المجموعات التحالف مع قوات الدعم السريع وغيرها من الجماعات السياسية التي تمارس القمع الوحشي ضد الشعب السوداني بينما تدعي أنها تنادي بإنهاء التمييز في البلاد، وهذا تناقض عميق أتوقع أن يؤدي إلى انهيار التحالف”.
وانقسم تحالف تقدم، وهو تحالف مدني، إلى مجموعتين حول مسألة تشكيل حكومة جديدة؛ فبينما رفضت الأحزاب المدنية تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وانشقت لتشكل كتلة جديدة بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، بقيت بعض الجماعات المتمردة وبعض السياسيين في دارفور.
حكومة السودان المتحالفة مع الجيش
وفي الوقت نفسه، يتخذ الجيش خطوات نحو تشكيل حكومة تنفيذية جديدة؛ فبينما كانت قوات الدعم السريع في نيروبي، أعلنت الحكومة السودانية المتحالفة مع الجيش في بورتسودان أنها غيرت بالفعل الإعلان الدستوري لتعلن عن قرب تشكيل حكومة مدنية.
وقال مني مناوي، والي دارفور وأحد أمراء الحرب السابقين والمتحالف الآن مع الجيش، إن إعلان قوات الدعم السريع في كينيا يعد عملًا عدائيًا.
وقال: “لا علاقة لنا بما تقوم به قوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة معها، سنرد فقط على الأرض وفي ساحات القتال، سنحرر الأراضي التي يحتلونها“.
إن المعسكر السياسي للجيش، مثل معسكر قوات الدعم السريع، مليء بالحركات المتناقضة، من الجماعات الإسلامية المتشددة مثل كتيبة البراء بن مالك إلى الجماعات الشعبية الراديكالية مثل حركة غاضبون بلا حدود.
أضف إلى هؤلاء المتمردين السابقين مثل مناوي وجبريل إبراهيم، وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة، وسيكون لديك لغز آخر سيكون من الصعب تجميعه معًا.
المصدر: ميدل إيست آي