تزداد، يومًا بعد يوم، الأصوات الرافضة للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها نهاية السنة الحاليّة برعاية الجيش في الجزائر، آخر الرافضين حركة “حمس” الإسلامية (إخوان) بسبب عدم توافر الشروط المناسبة لتنظيم الانتخابات مثل الشفافية وتلبية مطالب الشعب.
أسباب الامتناع عن الترشح
فضلًا عن عدم ترشيح مرشح عنها، قررت حركة مجتمع السلم، عدم دعم أي مرشح آخر، حيث قال رئيس الحركة عبد الرزاق مقري خلال مؤتمر صحفي ردًا على أسئلة الصحفيين “لن ندعم أي مرشح (…) لسنا لجنة دعم”، معتبرًا استمرار حكومة نور الدين بدوي مؤشرًا على “عدم وجود إرادة سياسية لمحاربة التزوير وأن بؤر التزوير الانتخابي ما زالت قائمة”.
وأوضح مقري أن المسار الذي تعيشه الجزائر خاطئ ولا يحقق شروط الانتقال الديمقراطي الحقيقي، بما في ذلك حملة الاعتقالات التي تشهدها البلاد والتضييق على الإعلام”، معتبرًا أن قاعدة الفرز السياسي في الجزائر “لم تعد تتعلق بالتوجه الأيديولوجي، وإنما بمن مع الديمقراطية والحرية، ومن مع النظام الشمولي”.
وأكد رئيس حركة مجتمع السلم أن فرص التحالف لتقديم مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة غير متاحة حاليًّا في الجزائر، مشيرًا إلى أنه لم يحدث تطور في المنظومة القانونية والمؤسسات والهيئات المتعلقة بالعملية الانتخابية يطمئن بأن تكون الانتخابات تنافسية حقيقية.
جاء قرار عدم المشاركة، عقب نهاية دورة مجلس الشورى الوطني للحركة في ساعة متأخرة من مساء السبت
أضاف زعيم الحركة الإسلامية، وهي أكبر حزب معارض في البرلمان حيث يمثله 34 نائبًا من أصل 462، أن مجلس الشورى الوطني اجتمع وتم عرض وثيقة تضمنت الأسس التي اعتمد عليها الحزب في بلورة الرأي، مشيرًا إلى أن فرصة الانتقال الديمقراطي لا تزال بعيدة.
وتحدث رئيس حمس عن الكتلة الناخبة التي تعد الركيزة الأساسية في العملية الانتخابية غير أنها تبقى مجهولة، ولا تزال في أيدي وزارة الداخلية، بالإضافة إلى خلايا مراقبة الكتلة الانتخابية، وأوضح أن الأحزاب طالبت بهيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات مستقلة عن الإدارة غير أن ما حصل هو استحداث هيئة مستقلة عن الأحزاب بحجة أن الأحزاب لا علاقة لهم في الهيئة وهو ما يسهل استمرار التزوير.
وقلل مقري من استقلالية الهيئة المستقلة للانتخابات التي يرأسها وزير العدل السابق محمد شرفي، ورأى أنها “تستعمل كوادر أحزاب الموالاة في اللجان المحلية والولائية، وهذا يعني أن التزوير سيمارس بنفس الطريقة التي كان عليها في العهد السابق”.
إلى جانب ذلك أكد رئيس الحركة أن “رفض السلطة التفاعل مع مقترحات مؤتمر المعارضة والأحزاب والشخصيات الوطنية التي اجتمعت في السادس من يوليو/تموز الماضي، وتضمنت الكثير من التنازلات، في مقدمتها التخلي عن مطلب رحيل رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، والاكتفاء برحيل حكومة نور الدين بدوي، كان مؤشرًا على استمرار السلطة في عنادها السياسي، وانفرادها بوضع وصياغة الحل”.
جاء قرار عدم المشاركة، عقب نهاية دورة مجلس الشورى الوطني للحركة في ساعة متأخرة من مساء السبت، حيث صوت أغلب أعضاء مجلس الشورى (179 عضوًا) لصالح عدم ترشيح عبد الرزاق مقري أو أي شخصية أخرى من الحركة للاستحقاق الرئاسي القادم.
عدم “شرعنة” الانتخابات
بهذا القرار اختارت حركة الراحل محفوظ نحناح عدم “شرعنة” الانتخابات التي يسعى الحكام الفعليون للجزائر وعلى رأسهم قائد الأركان أحمد قايد صالح إلى فرضها على الجزائريين بجميع الطرق المشروعة وغير المشروعة، بحجة إنهاء الغموض السياسي الذي تعرفه البلاد منذ استقالة بوتفليقة.
وسبق أن أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في 12 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، ليتوافق مع التوقيت الذي كان قد اقترحه رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الماسك بزمام الأمور في البلاد.
يأمل القائمون على الحكم في البلاد في انتخاب رئيس جديد بدلًا من الرئيس المؤقت الحاليّ عبد القادر بن صالح الذي يفتقد إلى أي شرعية، ووصل بن صالح إلى الرئاسة يوم 9 من أبريل/نيسان الماضي، إثر تعيينه من البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، رئيسًا مؤقتًا للبلاد لمدة 90 يومًا بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه، إثر الحراك الشعبي المطالب برحيله وتخلي أبرز حلفائه عنه ومنهم الجيش الذي كان أبرز حليف له وعمود حكمه الفقري طوال فترة حكمه التي امتدت لقرابة الـ20 سنة.
وحكم بوتفليقة (82 سنة) الجزائر لنحو 20 سنة بينها سبع سنوات وهو مريض بعد إصابته بجلطة في الدماغ عام 2013، لكن رغبته بالترشح لولاية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 من أبريل/نيسان فجرت مظاهرات حاشدة.
يهيئ طلاب الجزائر نفسهم للخروج مجددًا إلى الشارع ضد السلطات الماسكة بزمام الأمور في البلاد غدًا الثلاثاء، كعادتهم منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية
ترى قيادات حركة حمس، أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، أن مشاركة مرشح عنها في هذا الاستحقاق الانتخابي سيمنح شرعية لمرشح السلطة الذي سيفوز في الانتخابات، في ظل عدم توافر الشفافية الكاملة.
ويتبين من هذا القرار أن “إخوان الجزائر” لا يريدون التورط مجددًا مع السلطة الحاكمة في البلاد، وعدم الرجوع إلى الحكم، يذكر أن آخر مشاركة للحركة في السلطة تعود إلى 7 سنوات مضت، حيث أنهت الحركة في يونيو/حزيران 2012 مشاركتها في الحكومة بعد 17 سنة من العمل في صفوف الحكومات، وفي تلك السنة فكت الحركة ارتباطها السياسي مع التحالف الرئاسي الذي كان يجمعها بحزبي السلطة: جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، احتجاجًا على ما اعتبرته تزويرًا للانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار 2012.
تواصل الرفض الشعبي
يرى العديد من قيادات الحركة الإسلامية أن قرار حركتهم رفض ترشيح مرشح عنها يتماشى مع الرفض الشعبي العام للانتخابات، حيث يرفض أغلب الجزائريين هذه الانتخابات التي ترتب لها السلطة متوعدين بإسقاطها كما أسقطوا الانتخابات السابقة.
وتتواصل المظاهرات المناهضة لهذه الانتخابات في العديد من مناطق البلاد، ويصر المحتجون على إسقاط هذه الانتخابات في ظل بقاء أبرز الأسماء التي يعتبرونها “أذرع بوتفليقة في السلطة” ومنهم نور الدين بدوي والرئيس عبد القادر بن صالح باعتبارهما جزءًا من النظام الموروث من 20 سنة من حكم بوتفليقة.
وحتى الخميس الماضي، قام 80 شخصًا بسحب استمارات لجمع الـ50 ألف توقيع الضرورية للترشح، من بينهم علي بن فليس رئيس الحكومة بين 2000 و2003 في الولاية الأولى لبوتفليقة وعبد المجيد تبون رئيس الوزراء لثلاثة أشهر فقط بين مايو وأغسطس 2017، وفق وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر.
وزاد ترشح رموز نظام بوتفليقة لهذه الانتخابات الرئاسية المرتقبة من رفض الجزائريين لها، فالنظام حسب رأيهم، يريد إقامة انتخابات وفق تصوره، وتفرز نتائج تخدم مصلحته هو لا غيره، دون أن يولي اهتمام لإرادة الجزائريين.
يطالب الجزائريون بسقوط رموز النظام قبل الذهاب للانتخابات
جدير بالذكر، أن الجزائريين سبق لهم أن أسقطوا الانتخابات التي كانت مبرمجة في 18 من أبريل/نيسان 2019، نتيجة اعتزام بوتفليقة الترشح لها، كما أسقطوا الانتخابات التي كانت مبرمجة في 4 من يوليو/تموز الماضي، وكان سبب إلغاء الانتخابات في يوليو/تموز، غياب المرشحين كما أعلن المجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية في البلاد.
ويهيئ طلاب الجزائر نفسهم للخروج مجددًا إلى الشارع ضد السلطات الماسكة بزمام الأمور في البلاد غدًا الثلاثاء، كعادتهم منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في الـ16 من فبراير/شباط الماضي في مدينة خراطة للتنديد بترشح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية رئاسية خامسة.
يتفق غالبية الجزائريين على ضرورة مواصلة حراكهم والخروج للشوارع بكثافة للضغط على بقايا النظام السابق وتحقيق الديمقراطية التي يتوق لها الشعب منذ أكثر من نصف قرن بحسب شعارات المحتجين.