صمت قاتل سئمه الجميع استمر شهورًا عدة، أعقبه – أخيًرا – إقرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بأن “إسرائيل” من استهدفت مواقع الحشد الشعبي في محافظات عراقية عدة. هذا الاعتراف الخجول يأتي على خلفية لغطٍ بصوت خافتٍ لا يكادُ يُسمَع وعبارات خجلى عن اتهامات موجهة بشأن القصف الذي طال مخازن ومقار عسكرية تابعة للحشد، ليتكشف بذلك لغز الطائرات المسيرة في العراق، في حين علقت بعض الجهات بأن هذا أول اعتراف واتهام رسمي من بغداد لـ”إسرائيل”.
واضح أن عبد المهدي كان يحاول ترقيع اتهامه المتأخر الذي قابله في الطرف الآخر تبريرات فاقت حجم الاتهام، تتخذ من “السلام” شافعًا له، فقد صرح في مقابلة مع الجزيرة بأنه “يجب إبعاد شبح الحرب عن المنطقة، وأن الجميع يتحدث عن قبوله بالمفاوضات لحل الأزمة”، مبينًا أن “كثيرًا من المؤشرات تدل على ألا أحد يريد حربًا في المنطقة باستثناء إسرائيل”، مشيرًا إلى أن هناك استعدادًا لتقديم تنازلات وفتح ملفات كانت مغلقة.
شكوك الحشد يزيلها اليقين
منذ يوليو/تموز الماضي، تعرضت 5 مخازن أسلحة ومعسكرات تابعة للحشد لسلسلة هجمات، فيما أطلقت فصائل مسلحة النار في مناسبتين على طائرات مسيرة حلقت فوق مقارها، وكان القيادي في تحالف الفتح أحمد الأسدي قد أشار إلى أن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض أطلع برلمانيين على تورط إسرائيلي.
إحدى منشآت الحشد الشعبي المستهدفة
قال الأسدي في تصريح تابعه “نون بوست”: “لقد أبلغنا أن لجان التحقيق أثبتت أن ثلاثة من الاعتداءات على الأقل كانت هجمات خارجية، بينها اثنان من إسرائيل”.
عبد المهدي.. وموقف لا يُحسَد عليه
“نون بوست” تابع تداعيات تصريح عبد المهدي وانعكاسه دوليًا ومحليًا، وفي هذا الإطار يؤكد رئيس المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية الدكتور واثق الهاشمي أن “تأخير إعلان نتائج قصف الحشد كاد يتسبب في حرب داخلية، لا سيما أنه أعقب القصف سيل من التراشق والاتهامات، خصوصًا في بلد متعدد الولاءات مثل العراق، توجد فيه جماعات متعددة”.
العراق المثقل بأزماته الداخلية وسيطًا لتخفيف التوتر في الشرق الأوسط، لا سيما بعد إعطاء السعودية الضوء الأخضر لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي بعد باكستان للشروع بالوساطة وإنهاء الصراع في المنطقة
وقال الهاشمي: “الحكومة العراقية في موقف العاجز وبغداد ستسلك الطرق القانونية عبر تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي، لكن موقف الحشد جاء مغايرًا لذلك بعد تصريحات أعقبت تصريح رئيس الوزراء أنه سيرد على القصف، وهو ما سيحرج رئيس الوزراء في الداخل والخارج وأمام الشركاء”.
العراق وسيط لرأب الصدع
العراق المثقل بأزماته الداخلية وسيطًا لتخفيف التوتر في الشرق الأوسط، لا سيما بعد إعطاء السعودية الضوء الأخضر لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي بعد باكستان للشروع بالوساطة وإنهاء الصراع في المنطقة.
رئيس الورزاء العراقي عادل عبد المهدي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز
تتكشف تفاصيل الوساطة هذه المرة عبر موافقة أولية من السعودية وإيران على عقد قمة في بغداد لرأب الصدع بينهما وتصفير أزمات المنطقة بعد أن أصبح شبح الحرب يهدد الجميع، وتأتي الوساطة العراقية بعد أن وصلت السعودية ومثلها إيران إلى قناعة بأن الأزمة في المنطقة لا حل لها إلا عبر الحوار، وأن ترمب لن يكون جادًا في ضرب إيران إطلاقًا.
عبد المهدي يهب ما لا يملك!
وفي تصريح لنائب رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية الدكتور باسل حسين قال: “العراق غالبًا ما يكون وسطًا وليس وسيطًا، والدولة التي لا تستطيع احتكار قرار الحرب والسلم من الصعوبة أن تقوم بدور الوسيط، على الرغم من تسريبات لمصادر مقربة من رئيس الوزراء أن العراق نجح في مسعاه بعقد قمة سعودية إيرانية في بغداد”.
في أول رد إيراني على الوساطة أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي أن بلاده مستعدة لخفض التوتر مع السعودية إذا كان الطرف الآخر مستعدًا
ويضيف حسين في حديثه لـ”نون بوست” أن “محاولة إرسال التطمينات إلى السعودية أمر لا يملكه رئيس الوزراء، لأن هنالك فصائل مسلحة لا تلتزم بقرار الدولة، وتتصرف وفقًا لأجنداتها الداخلية أو الإقليمية، وبالتالي يكون كأنه وهب ما لا يملك”.
إيران.. موقف يتخذ جانب اللين
في أول رد إيراني على الوساطة أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي أن بلاده مستعدة لخفض التوتر مع السعودية إذا كان الطرف الآخر مستعدًا، موسوي قال: “هناك دائمًا إمكانية لحل النزاعات من خلال الحوار، وطهران لا ترفض جهود أولئك الذين يرغبون في تجنب انعدام الأمن في المنطقة”، مشيرًا إلى أن بلاده تدعم هذه الإجراءات، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
تحديات تعيق سعي العراق
الحديث عن الوساطة العراقية يأتي لتخفيف التوتر في المنطقة وإبعاد شبح الحرب عن العراق ومنع أن تكون بغداد ساحة مواجهة إقليمية، لكن هناك حزمة تحديات قد تعيق جهود الحكومة، لعل من أبرزها أنها تصنف على أنها قريبة من طهران وهو ما يفقدها ميزة الحياد، ولا يجعلها إلا ساعي بريد بين أطراف الصراع.