لليمن خصوصية دينية وتاريخية لدى إيران، وترتكز الخصوصية الدينية على ما تسمى “الثورة السفيانية” التي روّج لها العلامة الشيعي علي الكوراني في كتابه “عصر الظهور”، ومضمونه يتحدث عن ثورة ستكون في اليمن، ووصفها بأنها “أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق”، وتحدد الروايات الشيعية وقتها، بأنه “مقارب لخروج السفياني في شهر رجب، أي قبل ظهور المهدي ببضعة شهور”، وعاصمتها صنعاء، أما قائدها – المعروف في الروايات باسم “اليماني” – فتذكر رواية أن اسمه (حسن) أو (حسين)، وأنه من ذرية زيد بن علي.
أما عن الخصوصية التاريخية، فإن اليمن كان ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية قبل أن يفتحه الإسلام، ومن هذا المنطلق تتداخل الأهواء الدينية والأطماع التاريخية مع بعضها البعض في عملية صياغة وتحديد مسار السياسة والإستراتيجية الإيرانية في اليمن.
لم يكن التمدد الإيراني في اليمن وليد لحظة ما متأخرة، بقدر ما كان وليد تراكم لمحاولات سابقة عديدة للاختراق والوجود على الأرض اليمنية، كغيرها من البلدان العربية الأخرى، مثلما صنعت في لبنان والعراق وسوريا وغيرها، بدافع مبدأ تصدير الثورة الإسلامية التي لم تكن إلا غطاء للإستراتيجية الإيرانية القائمة على السيطرة ومد النفوذ في محيطها الإقليمي والعربي تحديدًا، وبفعل متغيرات عدة محلية وإقليمية فرضتها مفاعيل ثورات الربيع العربي، وجد الإيرانيون الفرصة سانحة للتدخل بحثًا عن مناطق للنفوذ، وبشكل أكثر وضوحًا.
لذا عقب مجزرة جمعة الكرامة 18 من مايو 2011، وإعلان المبادرة الخليجية، بدأت عملية الاستقطاب والتجنيد للمشروع الإيراني في اليمن بشكل أكثر وضوحًا، وذلك بتجنيد واستقطاب شباب وناشطين وتسفيرهم خارج اليمن، تحت لافتة إقامة مؤتمرات وورش عمل وندوات، ويستدعى لها عدد من الناشطين الشباب والأكاديميين ومشايخ القبائل وغيرهم للحضور إلى بيروت أو طهران أو دمشق، وكان في كل مرة يتم اختيار مجموعة منهم وتأهيلهم لما بعدها من دورات إعلامية أو أمنية أو عسكرية أو سياسية أو استخبارية، لتخدم المشروع الإيراني في اليمن مستقبلًا.
بدء عمليات التحالف العربي
مع بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية تحت عنوان “عاصفة الحزم” في 26 من مارس 2015، وجدت إيران في ذلك بؤرة جديدة للصراع الإقليمي، بتقديم نفسها في المجتمع الدولي كوصي إقليمي لحماية جماعة الحوثي وتمثيل مصالحها، وقد بدأت إيران في الأشهر الأولى للحرب في اليمن بتصعيد دور الوكيل الإقليمي، وكرست خطابها الإعلامي وتصريحات مسؤوليها لتسويق الحرب في اليمن على أنها حرب دول عربية سنية على أقلية يمنية شيعية، متجاهلة الأبعاد السياسية الداخلية التي أفرزتها الحرب، كما حاولت كسر الحصار الذي فرضته السعودية على الحوثيين في اليمن، بإرسال سفن إغاثة إيرانية، إلا أن استحقاقات الاتفاق النووي الإيراني ألقت بأثرها على إدارة إيران للحرب في اليمن، كما حرصت على التأكيد بأن حل الأزمة اليمنية لا يكون إلا بالحل السياسي، وشاركت في النشاط الدبلوماسي لوقف الحرب في اليمن.
إيران تسعى لإبقاء أمن شبه الجزيرة العربية والسعودية مهددًا بشكل أسوأ من ذي قبل، عبر جماعة مسلحة تنشط على حدودها الجنوبية وتبتز النظام السعودي، كلما حاولت الرياض الاحتفاظ بدورها في قيادة العالم الإسلامي
تعتقد إيران أن إدخال السعودية في حرب استنزاف طويلة المدى، سيعطي الكثير لها للتحرك والسيطرة على المنطقة، حتى إنها أصبحت تطالب للمرة الأولى بزعامة العالم الإسلامي، وحقها كما تقول في إدارة الحرمين الشريفين، وسبق أن ساهمت إيران في إفشال أي طريق يؤدي إلى حل سياسي سلمي في اليمن، رغم مخاوفها المتزايدة من انهزام الحوثيين في اليمن وانتصار الحكومة الشرعية، وفي الوقت نفسه لا تبحث إيران عن حل شامل وجذري للأزمة اليمنية – منفردة – دون إيجاد حل يرضيها في سوريا.
ويشير تعليق جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني على إحدى جلسات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالشأن سوريا، إلى ذلك الربط المقصود بحل الأزمتين “السورية واليمنية” مجتمعة في المنطقة، وفق حلول يضعها فريق المرشد الأعلى، التي لا تعتبر سحب أسلحة الحوثيين وحل تنظيمهم إحدى الخيارات المتاحة، بل إن حصولهم على الثلث المعطل وبقاء الأسلحة بأيديهم بما فيها الصواريخ الباليستية التي زودتهم بها مؤخرًا، هو ما تريده طهران للحوثيين في اليمن بأي شكل من الأشكال، باتفاق سياسي أم بضغوط دولية، والسبب وراء ذلك أن إيران تسعى لإبقاء أمن شبه الجزيرة العربية والسعودية مهددًا بشكل أسوأ من ذي قبل، عبر جماعة مسلحة تنشط على حدودها الجنوبية وتبتز النظام السعودي، كلما حاولت الرياض الاحتفاظ بدورها في قيادة العالم الإسلامي.
استحضار الماضي
إيران كغيرها من الدول التوسعية تتذكر ماضيها الاستعماري، فهي تسعى بكل الوسائل لتحقيق أهدافها وزيادة نفوذها وبروزها كقوة إقليمية، وفي اليمن فإن إيران حاضرة وتستخدم وسائلها المتعددة الخفية والظاهرة، فهي تحاول استمالة واستعطاف بعض فئات الشعب اليمن، بأنها تقف إلى جانبها في حروبها التي تخوضها لتحقيق سيادتها واستقلالها، ومن خلال وسائلها الإعلامية لتحسين صورة حلفائها ومناصريها وتشويه ما دونهم، وليس بخاف العلاقة بين إيران وبعض التيارات والشخصيات اليمنية الذين يعملون على تطبيق المشروع الإيراني سواء بوعي أم بغير وعي، فإيران تمتلك مشروعًا إستراتيجيًا تجاه منطقة الشرق الأوسط، وما اليمن إلا جزء من ذلك المشروع.
ثقل عسكري حوثي
تتمثل القدرات التسليحية للحوثيين، بما استحوذوا عليه من أسلحة الجيش خلال الحروب الست (2004-2010)، وكل أسلحة وحدات القوات المسلحة التي آلت إليهم بعد أن أصبحوا السلطة الأولى في مناطق نفوذهم، والأسلحة التي حصلوا عليها من مصادر داخلية وخارجية في أثناء الحرب الحاليّة، كما راكمت هذه القدرات من نتائج المواجهة المسلحة مع قوات الرئيس السابق علي صالح، بعد مقتله والاستيلاء على مخازن أسلحته.
مع ذلك لا يمكن القول إن هذه الأسلحة تقع تحت سلطة رسمية واحدة، بل تحت سلطتين على الأقل: أولهما وزارة الدفاع، وثانيهما السلطة المهيمنة على اللجان الشعبية التي لا تزال حتى الآن غامضة الكيان، حيث شهدت هذه السلطة، نموًّا مطَّردًا، بعد تمرد الحوثيين عام 2014، نتيجة لنقل الكثير من أسلحة الجيش إلى مخازنها، وتتنوع القدرات التسليحية للحوثيين على النحو الآتي:
– المشاة والمدرعات
– القوة الصاروخية
– القوات البحرية والدفاع الساحلي
اتخذ الدور الإيراني في دعم وتوظيف الحوثيين أشكالًا متنوعة، منها الدعم السياسي على كل المستويات الدولية والإقليمية، لتقبل الحوثيين كفاعل رئيسي ومهم في اليمن
فضلاً عن ذلك نجح الحوثيون في نقل فرضيات الحروب اللامتماثلة، وتطبيقها في مسرح العمليات العسكرية في صراعها مع السعودية، وهو ما أعطاها فاعلية كبيرة في إطالة أمد الحرب وزياردة تأثيراتها، وهو ما أوقع القوات العسكرية السعودية والجماعات اليمنية المتحالفة معها، في حالة مشاغلة إستراتيجية لم تصل إلى أهدافها الإستراتيجية في حربها داخل اليمن حتى اليوم.
وكيل إيراني نشط
اتخذ الدور الإيراني في دعم وتوظيف الحوثيين أشكالاً متنوعة، منها الدعم السياسي على كل المستويات الدولية والإقليمية، لتقبل الحوثيين كفاعل رئيسي ومهم في اليمن، فضلاً عن الدعم الديني عن طريق حشد وتجنيد الشباب في صفوف الجماعة، من مُنطلق مذهبي، فمعظم قادة حركة الحوثيين تم تدريبهم في إيران، هذا بجانب الدعم العسكري الذي تقدّمه إيران من خلال تدريب وتسليح مقاتلي الجماعة، بأحدث الأسلحة المتطورة.
وإجمالًا فمنذ عام 2012 وإيران تحاول الاستفادة من العوامل المتغيرة في اليمن، ومن ثم قدمت كل التسهيلات لحركة الحوثيين، على أمل أن تصبح مثل حزب الله في لبنان، مجرد أداة في لعبة طهران الإقليمية، وهو ما ورد بالفعل في حديث علي شيرازي ممثل المرشد الأعلى الإيراني علي خامئني، لوكالة الصحافة الإيرانية في يناير 2015.
الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن القائم على أساس مذهبي، أدى إلى توسيع دائرة النفوذ الإيراني في اليمن من ناحية، وتقوية شوكة الحوثيين، بل ودخولهم في مواجهات مباشرة مع الدولة اليمنية من ناحية أخرى، وهذا الدعم المقدم للحوثيين لم يقتصر على الدعم القائم على أساس المذهب فقط، بل امتد ليشمل الدعم السياسي والمالي، حيث دعمت طهران الحوثيين بالسلاح، إذ اعترضت السلطات الشرعية اليمنية غير مرة عددًا من السفن المحملة بالأسلحة على سواحل البحر الأحمر، بينها صواريخ ومتفجرات عسكرية وقذائف صاروخية ومعدات تستخدم لصناعة المتفجرات محليًا في البحر العربي، وتم كشف أن مصدر تلك الأسلحة كانت إيران، وقد نتج عن هذا الدعم حالة من عدم الاستقرار غير المسبوقة في الحالة اليمنية.
تطورات متصاعدة
شكلت عملية نجران الأخيرة في 29 من سبتمبر 2019، التي تمكن من خلالها الحوثيون من أسر وإصابة ما يقرب من 2500 عنصر من مقاتلي التحالف العربي، حالة مفاجئة في الأوساط السياسية والإعلامية المتابعة للشأن اليمني، وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، إن العملية انطلقت في 25 من أغسطس/آب الماضي، وسبقها رصد دقيق استمر شهورًا قبل استدراج العدو لأكبر كمين نفذته الجماعة منذ اندلاع الحرب، وأضاف أن قواتهم تمكنت أيضًا من تحرير 350 كيلومترًا مربعًا في المرحلة الأولى من العملية، بما فيها من مواقع ومعسكرات، وسقوط ثلاثة ألوية بعددها وعتادها في محور نجران السعودية“.
وأضاف أن قواتهم نفذت كذلك هجمات صاروخية عدة على أهداف داخل السعودية، في نجران وعسير وجازان، ضمن المرحلة الأولى من العملية العسكرية “نصر من الله”، ولم يصدر التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن بعد أي تعليق.
لا بد من القول إن رغبة الجميع الجلوس إلى طاولة الحوار السياسي، ليست بالقدر المهم، على اعتبار أنها رغبة جميع أطراف الصراع، ولكن الأهم من كل ذلك هي ضمن أي شروط سيجلس المتصارعون وضمن أي ظروف
وفي السياق ذاته، دعت الحكومة الإيرانية، نظيرتها السعودية، لقبول مبادرة الحوثيين من أجل السلام وإنهاء الحرب المستمرة منذ أربع سنوات، ورحبت طهران بمقترح الحوثي الذي ينص على وقف الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية، مقابل وقف الأخيرة عملياتها العسكرية في اليمن، وبحسب وسائل إعلام إيرانية، فإن الخارجية اعتبرت المبادرة “خطوة مهمة تسهم في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة“، وقالت طهران إنها تدعم أي إجراء من شأنه وقف إطلاق النار وإيقاف الحرب في اليمن.
ونوهت طهران إلى عدم اكتراث السعودية بترحيب الأمم المتحدة بمبادرة الحوثيين، واستمرارها في قصف مناطق وجود الأخيرة، يذكر أن أنباء متضاربة شاعت بشأن قبول السعودية مبادرة الحوثي في أربع مناطق فقط، دون صدور أي تصريح رسمي عن ذلك.
وفي هذا الإطار لا بد من القول إن رغبة الجميع الجلوس على طاولة الحوار السياسي، ليست بالقدر المهم، على اعتبار أنها رغبة جميع أطراف الصراع، ولكن الأهم من كل ذلك هي ضمن أي شروط سيجلس المتصارعون وضمن أي ظروف، فالموجود بين السعودية وإيران من أزمات إقليمية يتجاوز حدود اليمن، فهناك العراق وسوريا والبحرين ولبنان، ومن ثم فإن عدم توصل أطراف الصراع إلى صفقة إقليمية شاملة لتسوية كل ملفات الصراع، لن تعطي تسوية الملف اليمني ذلك الاهتمام الكبير، فتسوية ملف اليمن دون غيره من الملفات، هذا يعني إمكانية اندلاع الجبهة اليمنية في أي لحظة، خصوصًا إذا اندلعت جبهات أخرى بين السعودية وإيران.