يستميت النظام المصري باذلًا قصارى جهده في محاولة “شيطنة” حراك المصريين الغاضبين من استبداده السياسي وسياساته الاقتصادية، والمنتفضين مؤخرًا ضد فساده المالي الذي كشفه المقاول محمد علي.
فالجماهير الغاضبة في نظر النظام، هي، على الدوام هي أقلية، “مخطوفة ذهنيًا“، ومُنساقة خلف عددٍ من النشطاء السياسيين المموّلين من الخارج لتنفيذ مخططات مشبوهة، تستهدف استقرار الأكثرية الشعبية التي تدعم الدولة وتلتف حول الرئيس والقيادة.
وكلما استشعر النظام خطر الجماهير الغاضبة على مستقبله، زاد استدعاؤه لنظرية المؤامرة التي تُسهل عليه مهمة عزل هذه الجماهير عن بقية الشعب، وشرعنة قمعها ماديًا ومعنويًا، سواء كان ذلك عبر جنوده المستنفرين للفتك بهذه القلة المارقة أم بواسطة جماهير أخرى تنبري للدفاع عن الوطن المُهدد، “المواطنون الشرفاء”، كما يحلو للأنظمة العربية تسميتهم.
ومن أجل معادلة هذه الادعاءات بصريًا أمام الجماهير، اعتاد النظام القبض على عدد من السياح الأجانب الموجودين بالقرب من أماكن الحراك، وإجبارهم على الإدلاء ببعض التصريحات المُصوّرة التي تفيد بانخراطهم في أنشطة مشبوهة، على غرار: تمويل المتظاهرين وإثارة المظاهرات، وأمامهم عدد من الأحراز من نوعية كاميرا وعملات أجنبية.
بدأ الإعلامي الأهم لدى النظام، عمرو أديب، فقرتيه اللتين عنونهما على مدار يومين متتاليين من برنامج “الحكاية”، بشعار: “منتخب العالم للجواسيس”، في إشارةٍ إلى حجم وتنوع خلفيات العناصر الأجنبية المكشوفة
هذه السردية كانت حاضرةً بقوة في خطاب النظام خلال مظاهرات ثورة الخامس والعشرين من يناير، عندما سعى الإعلام المصري إلى تشويه صورة ميدان التحرير في نفوس الجماهير غير المشاركة في الحراك التي تعتمد على التليفزيون الرسمي مصدرًا وحيدًا موثوقًا للمعرفة.
وقد نجح النظام بالفعل في تسويق سرديةٍ لدى أنصاره عن تلك الثورة التي تم حشدها عبر عناصر أجنبية إثارية، مهدت لاقتحام مسلحين، من فلسطين ولبنان وإيران، الحدود الشرقية للبلاد لفتح السجون وتحرير المعتقلين. ومع اندلاع مظاهرات سبتمبر 2019 المحملة بروائح يناير، حيث الوحدة السياسية والشعارات الجامعة والميدان الرمز، عاود النظام استدعاء هذا “الكارت” الأخير.. فكيف تم ذلك؟
منتخب العالم للجواسيس
بدأ الإعلامي الأهم لدى النظام، عمرو أديب، فقرتيه اللتين عنونهما على مدار يومين متتاليين من برنامج “الحكاية”، بشعار: “منتخب العالم للجواسيس”، في إشارةٍ إلى حجم وتنوع خلفيات العناصر الأجنبية المكشوفة، التي نجحت في التسلل إلى البلاد واستغلال مناخ التوجس من المظاهرات.
وبحسب أديب، فإن هذا النجاح في اختراق البلاد ينطوي بديهيًا على دلالاتٍ أكثر عمقًا، فإذا كان هذا الاختراق قد حدث رغم القبضة الأمنية الحديدية التي كلفت الأجهزة المعنية إنفاق ملايين الجنيهات، “فما الذي ينتظرنا إذا سقط هذا النظام أو تعرض للاهتزاز داخليًا (…) سنحتاج ما لا يقل عن ست أعوام لمحاولة البداية من حيث نقف الآن!”.
من السودان، وليد عبد الرحمن حسن سليمان، دخل إلى البلاد منذ أقل من شهر عبر ميناء “أرقين” الحدودي البري بين مصر والسودان، مدفوعًا بتحريض “الإخوان المسلمين” في السودان
أول الأجانب الذين أدلوا باعترافات مصورة عرضها برنامج أديب كان شابًا من دولة تايلاند (26 عامًا)، يُدعى إبراهيم مالي محمد، وبحسب ما ورد في الفيديو، فقد قُبض عليه من ميدان التحرير، مُتظاهرًا ضد نظام غير إسلامي، هادفًا إلى إقامة نظام حكم شرعي على الطريقة المحافظة.
ومن السودان، وليد عبد الرحمن حسن سليمان، دخل إلى البلاد منذ أقل من شهر عبر ميناء “أرقين” الحدودي البري بين مصر والسودان، مدفوعًا بتحريض “الإخوان المسلمين” في السودان الذين ينتمي إليهم ونزل تحت مظلتهم مظاهرات ديسمبر 2018 التي أطاحت بنظام البشير، بهدف تصوير الارتكازات الأمنية في القاهرة.
ومن فلسطين، كُل من: علي شعبان الخريبي الذي ضُبط في ميدان التحرير مُحرضًا على التظاهر وعُثر في هاتفه المحمول على رسائل (واتساب) من جهات فلسطينية تحرضه على النزول والحشد، إلى جانب مواطنه أشرف أسعد طافش 28 عامًا الذي قالت الأجهزة الأمنية إنه عضو في “سرايا القدس”، تم إرساله إلى القاهرة للقيام بـ”الرصد والاتصال”.
وقد أوكلت مهمة توزيع الأموال في الميدان إلى دولة “قطر” التي أرسلت أموالها – عبر وسطاء – إلى اثنين من عمال المقاهي الواقعة بالقرب ميدان التحرير، نظير إبلاغهما عما يحدث في المتظاهرات، وتوزيع جزء منها على المتظاهرين.
فيما اكتفت تركيا وهولندا بتصوير ورصد المظاهرات، حيث قُبض على مواطنين تركيين هما: بيرات بيرتان أودجان وعبد الله كيماك وبحوزتهما صور لميدان التحرير، بالإضافة إلى بيتر هارون (هولندا)، وعثر بحوزته على طائرة دون طيار لأغراض التصوير.
وشارك الأردن في هذه المؤامرة الكونية عبر شابيْن من شبابه هما: عبد الرحمن علي الرواجبة وثائر حسام مطر، اللذان اعترفا بالتظاهر في ميدان التحرير، لإسقاط الانقلاب العسكري.
نوايا مبيتة
بحسب مراقبين محليين، فإن القبض على السياح الأجانب في مصر وتسويق الأمر دعائيًا باعتباره مؤامرةً عالميةً على البلاد، يعتبر واحدًا من أبرز فصول مسلسل تخويف الجماهير من المجهول المنتظر جراء تحركهم ضد النظام، الذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر الشباب الثامن الذي عُقد بشكل عاجل للرد على اتهامات المقاول، ومحاولة تفسير دوافع ظهوره.
تلقفت بقية مؤسسات الدولة هذه الرواية وعملت على إعادة صياغتها وفقًا لما يتلاءم مع مهام كل مؤسسة على حدة
السيسي الذي نفى معظم اتهامات محمد علي واعتبر جزءًا صغيرًا منها حقًا يُراد به باطل (“مش أي حاجة صح تتقال تصدقوها”)، قال إن “مثل هذه الدعوات والأكاذيب” تقف وراءها -في حقيقة الأمر- رغبة خفية لمحاولة استنساخ “مؤامرة” يناير 2011 التي كانت تستهدف إضعاف “مركزي الثقل” في البلاد: الجيش والشرطة، وهما الجهازان الذان إذا أصابهما سوء، ستصبح مصر دولةً مستباحةً، كما فعلت إثيوبيا مع مصر عند بناء سد النهضة مستغلةً حالة الفراغ الحكومي التي خلفتها “المؤامرة/الثورة”، فـ”العفي، محدش ياكل لقمته”، على حد قوله.
وقد تلقفت بقية مؤسسات الدولة هذه الرواية وعملت على إعادة صياغتها وفقًا لما يتلاءم مع مهام كل مؤسسة على حدة وفقا لما رصده الناشط في المجال الحقوقي، هيثم أبو خليل، الذي قال إن أعداد قتلى الإرهابيين (118) الذي أعلنهم الجيش في بيانٍ رسمي تمت إذاعته عقب استهداف أحد تمركزاته في سيناء يوم الجمعة، بالإضافة إلى أعداد الأجانب المضبوطين في أثناء محاولة التسلل إلى الحدود المصرية (تجاوزت 11 ألف)، تنطوي على مبالغة شديدة مقصودة، من أجل إثارة الذعر في نفوس المصريين.
ومن جهتها أيضًا، تحدثت النيابة العامة المصرية في بيانها الصادر يوم الخميس الماضي، تعليقًا على دعوات التظاهر التي أعلنها المقاول المنشق واستجاب لها عدد كبير من المصريين يوم الجمعة 20 من سبتمبر/أيلول، عما سمته “مخططًا يستهدف إشاعة الفوضى في ربوع البلاد من خلال الدعوة إلى استمرار التظاهرات للجنوح بها إلى مسار غير سلمي ينطوي على أعمال عنفٍ وتخريب”.
وباستثناء الجنسيتين الأجنبيتين (هولندا وتايلاند)، فقد ظهر أن قائمة الجنسيات المتهمة بإشعال المظاهرات، في خصومة سياسية فعلية مع النظام المصري، نتيجة رفضها انقلاب الثالث من يوليو الذي قام به الجيش للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، أو لانخراط شعوبها في حراكات جماهيرية ضخمة مُطالبةً بالحرية والديمقراطية، ومنفتحة في نفس الوقت على خيار الإسلام السياسي.
تعرضت الرواية التي قدمتها أجهزة الأمن المصرية، على لسان المتهمين الأجانب، بخصوص خلفياتهم ومبررات اعتقالهم، إلى تشكيكاتٍ كبيرة من ذويهم ومن عدد من المحللين المحايدين على حدٍ سواء
هذه الملاحظة اعتبرها البعض قدحًا في قرائن الاتهام الموجهة ضد المقبوض عليهم، لا سيما بعد أن صارت جميع السلطات القضائية خاضعةً للسلطة التنفيذية السياسية، بموجب التعديلات الدستورية التي أُقرت بداية عام 2019.
رواية غير متماسكة
تعرضت الرواية التي قدمتها أجهزة الأمن المصرية، على لسان المتهمين الأجانب، بخصوص خلفياتهم ومبررات اعتقالهم، إلى تشكيكاتٍ كبيرة من ذويهم ومن عدد من المحللين المحايدين على حدٍ سواء.
على سبيل المثال، فقد ذكر عدد من المتهمين أن خلفية انشغالهم بالعمل السياسي الحزبي في بلادهم، والدوافع وراء انخراطهم في أعمال ميدانية ضد النظام المصري، تعود إلى تأثرهم بثورة الخامس والعشرين من يناير، وبالكشف عن أعمارهم إبان اندلاع الثورة، يتضح أنهم كانوا في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، وفقًا لما ذكره نجم حسام مطر عن أخيه (ثائر) الذي كان في “الصف التاسع” عام 2011.
بعض المتهمين أيضًا يعيشون في مصر منذ مدة طويلة لأغراض الدراسة والعمل، ويترددون على القاهرة من وقتٍ لآخر، هربًا من وحشة الأطراف إلى أُنس العاصمة، وعلى رأسهم الفلسطيني (علي شعبان الخريبي 19 عامًا) الذي يدرس الطب في إحدى جامعات الأقاليم بمحافظة الشرقية.
وقد استنكر البعض أيضًا الجمع بين تنظيم الدولة (داعش) و”التظاهر”، من أجل جماعة الإخوان المسلمين، في روايةٍ واحدة (إبراهيم مالي محمد)، نظرًا لمعارضة التنظيم القطعية كل أدبيات المعارضة السلمية التي يتبناها المؤمنون بالإسلام السياسي، بل واعتبارها ضربًا من الخنوع الذي لا يقره الإسلام من ناحية، وتكفير هذا التنظيم جماعة الإخوان وقياداتها ومعظم أعضائها من ناحيةٍ أخرى.
تركز الاهتمام الشعبي والرسمي بالسياح المسجونين في الأردن والسودان على وجه التحديد، ويرجح عدد من المحللين أن السر وراء ذلك يرجع إلى استشعار جماهير الدولتين برغبة مضمرة لدى النظام المصري في الانتقام من حالة الحراك الاجتماعي المستمر في البلدين
وفي مقالٍ مطول على صفحته بموقع “فيسبوك”، نقض الباحث السينمائي الأكاديمي المعروف باسل رمسيس مجمل رواية الأجهزة الأمنية ضد الشاب الأردني عبد الرحمن الرواجبة، موضحًا أن الدوافع الحقيقية وراء مجيئه إلى مصر كانت دراسة “السينما التسجيلية” دراسةً عملية تحت أيدي خبراء متخصصين، بدلاً من الدراسة مرتفعة التكاليف في أوروبا، حيث حضر الرواجبة ورشتين كاملتين تحت إشرافه الشخصي، خلال الفترة من ديسمبر/ كانون 2018 إلى أبريل/نيسان 2019.
وبحسب رمسيس، فإن زيارته إلى مصر في هذا التوقيت تحديدًا تعود إلى شروعه في العمل على أحد الأفلام التسجيلية القصيرة، بعد انتهائه من دراسة أساسيات السينما، وتطلعه إلى حضور “مهرجان الجونة السينمائي” الذي أقيم في مصر بالتزامن مع الدعوة إلى هذه المظاهرات، ولكن علمه بوفاة جدته في الأردن، واعتقاله من منزله فجر الاثنين، خلافًا لرواية الأمن المصري بالقبض عليه مساء الأحد من الشارع، كانت مبررات كافية لعدم حضور المهرجان.
مصير غامض
تركز الاهتمام الشعبي والرسمي بالسياح المسجونين في الأردن والسودان على وجه التحديد، ويرجح عدد من المحللين إلى أن السر وراء ذلك يرجع إلى استشعار جماهير الدولتين برغبة مضمرة لدى النظام المصري في الانتقام من حالة الحراك الاجتماعي المستمر في البلدين، التي يعتبرها النظام أحد المخاطر الإقليمية التي ينبغي كسرها.
وفي تفاعلٍ مع بيان أسرة الشاب السوداني وليد الذي قالت فيه إنها لم تستطع الاتصال به أو معرفة مكان احتجازه إلى الآن، أصدرت قوى الحرية والتغيير في السودان التي تمثل التيار الأبرز في تجمع المهنيين السودانيين بيانًا رسميًا يدين التوظيف السياسي للقبض على الطالب السوداني، ويطالب الحكومة السودانية بالاطلاع بدورها في العمل على سرعة الإفراج عن “وليد”.
يحاول الأردن تطمين أسرة الشابين المعتقلين واحتواء الغضب الشعبي العارم، استنادًا إلى واقعة الإفراج عن أحد الشباب الأردنيين المقبوض عليهم في ميدان التحرير (محمد النظامي)
وبعد عدد من المسيرات والمواكب الجماهيرية التي تم تسييرها إلى السفارة المصرية بالخرطوم، أعلنت الخارجية السودانية استدعاء السفير المصري حسام عيسى وإبلاغه بقلق أسرة الشاب السوداني من ظروف احتجازه بمصر، وحصولها على وعد مصري بترتيب لقاء يجمع السفارة السودانية بالقاهرة بوليد، وتمكين السفارة من أداء دورها القانوني في الدفاع عنه.
ومن جانبه، يحاول الأردن تطمين أسرة الشابين المعتقلين واحتواء الغضب الشعبي العارم، استنادًا إلى واقعة الإفراج عن أحد الشباب الأردنيين المقبوض عليهم في ميدان التحرير (محمد النظامي)، وإيضاح أن دوافع الاعتقال احترازية أمنية وليست سياسيةً، وأن الانتظار كفيل بإنهاء المشكلة.
ويشير استقراء حالات الاعتقال المُشابهة إلى أن الدولة المصرية سوف تتعنت -على الأغلب – في الإفراج عن الأجانب المحتجزين لديها، ولن تسمح لذويهم بأكثر من الاتصال بهم ومعرفة أماكن احتجازهم وانتداب فريق قانوني للدفاع عنهم، واعتبار ما هو أكثر من ذلك تعدٍ على السيادة المصرية، واتهام ضمني مرفوض بعدم استقلال الهيئات القضائية.
وخلال الشهر الماضي، حاولت أبرز قيادات السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس أبو مازن، الوساطة عند الحكومة المصرية للإفراج عن نجل القيادي الفلسطيني نبيل شعث (رامي نبيل شعث)، المتهم في “قضية الأمل”، دون جدوى.
إصرار الحكومة المصرية على تصوير المتهمين أثناء الإدلاء باعترافاتٍ مُعدة مسبقًا أمام الكاميرا (لاحظ عدد من النشطاء أن اعتراف الشاب السوداني الذي وصل إلى مصر منذ أقل من شهر كان بمفردات ولهجة مصرية!)، وبالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية الذي يمنع تصوير المتهمين من جهات القبض، بالإضافة إلى اتهام بعضهم في قضايا جنائية أخرى بالتوازي مع التهم السياسية (ثائر مطر/تعاطي المخدرات)، هي مؤشرات قوية على نية النظام حجز هؤلاء الشباب مددًا أطول، قبل الإفراج عنهم بموجب قانون ترحيل المتهمين الأجانب الذي أصدره الرئيس عام 2014.
ضربة للسياحة
بالإضافة إلى عدد من الضربات الإرهابية الواسعة التي استهدفت السياح بشكل رئيسي، التي كان أبرزها حادثة استهداف الطائرة الروسية في شرم الشيخ، أكتوبر 2015، التي تسببت في مقتل 220 روسيًا، فقدت ارتكبت الحكومة المصرية هي الأخرى عددًا من الأخطاء الكبيرة، عن طريق الأجهزة الأمنية، ضد الأجانب في شريط القاهرة، الذي صار ملاذًا للسياح، بعد تحذيرات دولية رسمية من السفر إلى الساحل الشمالي المصري منذ حادثة الطائرة.
خلال موجة التظاهرات الأخيرة، اعتقلت قوات الأمن عددًا من السياح الأجانب المشار إليهم من داخل عدد من الفنادق العالمية، في أثناء ممارسة أنشطة اعتيادية مثل التصوير
أبرز هذه الأخطاء، كان مقتل الباحث الإيطالي ريجيني في يناير/كانون 2016، ثم التهرب من محاسبة الضالعين في قتله نظرًا لتورط عدد من كبار رجال الأمن الوطني والمخابرات العامة (جناح محمود السيسي) في هذه الجريمة.
وقبل هذه الجريمة بأشهر قليلة، قامت عدد من المروحيات التابعة للجيش المصري بهجوم “خاطئ” على مجموعة من السياح المكسيكيين في أثناء تناولهم وجبة الغداء في طريق الواحات، وهو ما أسفر عن مقتل 12 سائحًا وإصابة 10 آخرين، والتسبب في أزمةٍ دبلوماسية كبيرة ضد النظام، نظرًا لعدم تقديمه أيًا من الجنود الضالعين في الهجوم إلى المحاسبة القضائية.
وخلال موجة التظاهرات الأخيرة، اعتقلت قوات الأمن عددًا من السياح الأجانب المشار إليهم من داخل عدد من الفنادق العالمية، في أثناء ممارسة أنشطة اعتيادية مثل التصوير، بمحيط ميدان التحرير، الذي يعد – ومحيطه – متحفًا تاريخيًا مفتوحًا، يرتاده السياح للتعرف على الطابع الشعبي الأكثر اتصالًا مع الواقع في مصر، واستعادة ذكريات الحدث الأبرز في ثورة 25 يناير.
وبحسب محللين، سيكون لزامًا على الحكومة المصرية أن تحاول – على الأقل – الفصل بين القمع الداخلي الذي يجد من يبرر له من مناصري النظام، والسياح الأجانب الذين تضيق عليهم البلاد شيئًا فشيئًا، وتؤثر انطباعاتهم الشخصية وتدويناتهم على الصورة الذهنية العامة عن البلاد، إذا كانت جادة فعلًا في محاولات استعادة معدلات السياحة إلى أرقام عام 2010، عملًا بنصيحة والدة ريجيني التي استنكرت تعذيبه “كما لو كان مصريًا”.