ترجمة وتحرير نون بوست
لقد كان ذكيًا من أطلق اسم “الربيع الجهادي” على حسابه على تويتر، فبعد ثلاث سنوات من الاضطرابات، وعلى خلفية حروب قادتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، لم يستفد أحد من ذلك أكثر من الإسلاميين المتطرفين، وخصوصًا دولة العراق والشام (داعش) وهي المجموعة التي تتجاوز القاعدة في التعصب والتطرف.
قبل عام أو نحوه، حققت داعش مكاسب وسيطرت على مساحات هائلة من الأراضي تشمل الكثير من شرق وشمال وغرب سوريا وشمال العراق، وفي 10 يونيو الجاري حققت أكبر انتصار في تاريخها حتى الآن، من خلال سيطرتها على “حلب العراق”، أو الموصل ومعظم محافظة نينوى المحيطة، وفي اليوم التالي بدأت في التقدم نحو العاصمة بغداد، مستولية على العديد من البلدات في طريقها، اعترف وزراء في الحكومة العراقية بأن الكارثة تحدث بالفعل، وبعد عقد من الاحتلال الأمريكي للعراق، تبدو البلاد هشة ومثيرة للشفقة أكثر من أي وقت مضى.
بعد أربعة أيام من القتال، تخلت قوات الأمن العراقية عن مواقعها في الموصل في الوقت الذي انتشر فيه أفراد ميليشيا داعش للسيطرة على قواعد الجيش والبنوك والمكاتب الحكومية، لقد استولوا على مخازن ضخمة من الذخيرة والأسلحة والمركبات التي زودت الولايات المتحدة العراقَ بها، كما استولوا أيضًا على ست طائرات هليكوبتر من طراز بلاك هوك و500 مليار دينار أو 430 مليون دولار أمريكي من العملات المطبوعة حديثًا، هناك أكثر من 500 ألف عراقي فروا من المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
كان حجم الهجوم على الموصل جريئًا بشكل استثنائي، لكنه لم يأت من فراغ وبلا مقدمات، فقد استولت داعش على الفلوجة خلال الستة أشهر الماضية، وسيطرت على أجزاء من مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، وتخوض معركة للوصول إلى سامراء، والتي تضم أقدس المزارات الشيعية في العالم، ويفجر مقاتلوها كل يوم تقريبًا في بغداد، ويبقون المواطنين في حالة من الرعب.
وبخلاف ذلك، فقد سيطرت داعش على مدينة تكريت، مسقط رأس صدام حسين، والتي تبعد 140 كم عن بغداد. السرعة التي تتحرك بها داعش على الأرض تطرح احتمال معاونتهم من بقايا من نظام صدام، التي استمرت في القتال ضد نظام يهيمن عليه الشيعة منذ غادر الأمريكيون العراق في نهاية 2011.
لقد مضى أكثر من عام علي قرار داعش توسيع عملياتها من العراق إلى سوريا، عن طريق تغيير اسمها من “الدولة الإسلامية في العراق”، إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وباستخدامها كلمة الشام، فهي تتحدث عن مساحات أوسع كثيرًا من سوريا الحالية، وتشمل لبنان وأجزاء من فلسطين والأردن.
يدير داعش “أبو بكر البغدادي” وهو جهادي عراقي، ويصل تعداد مقاتلي داعش إلى أكثر من 6000 مقاتل في العراق، ومن 3000-5000 في سوريا، بما في ذلك قرابة 3000 من الأجانب، وذكرت مصادر أن قرابة 1000 ينحدرون من الشيشان، وربما 500 من فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى.
إنه تنظيم لا يرحم! يذبح الشيعة وغيرهم من الأقليات بما في ذلك المسيحيين والعلويين الذين ينتمي إليهم بشار الأسد، إنهم يفجرون الكنائس والمزارات الشيعية، يرسلون انتحاريين إلى الأسواق، وليس لديهم أي اعتبار لسقوط “ضحايا مدنيين”.
آخر التطورات في العراق ما كانت لتحدث لولا سيطرة داعش على محافظة الرقة في الشرق السوري، وهو ما وفر لها حقل تجارب ومعقل ومعسكر للانطلاق في غزوات بعيدة، استولوا على المنطقة واستغلوا حقول النفط السورية فيها، وحصلوا على العديد من الأموال عبر اختطاف الأجانب وطلب فدىً.
وبدلاً من أسلوب حرب العصابات كما فعلت القاعدة قبل 2011، تهدف داعش إلى السيطرة على الأراضي، وتطبق نموذجها الخاص من العدالة وتفرض قواعد أخلاقية خاصة بها: التدخين ممنوع، كذلك كرة القدم والموسيقى، وكذلك أن تُرى النساء غير محجبات، كما فرضوا ضرائب على الأجزاء التي سيطرت عليها من سوريا والعراق.
عناصر داعش يحرقون المئات من علب السجائر في الرقة شرق سوريا
وبعبارة أخرى، إنهم يخلقون شبه دولة على أراضي لا يسيطر عليها غيرهم على جانبي المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، وإذا تمكنت داعش من المحافظة على المناطق التي سيطرت عليها في العراق، فستكون قد سيطرت على منطقة في حجم الأردن بنفس عدد السكان تقريبًا (حوالي ستة ملايين نسمة) وتمتد على مساحة 500 كم من الريف الشرقي لحلب إلى غرب العراق.
إن الحركة تسيطر كذلك على ثلاثة معابر حدودية بين سوريا وتركيا، وعلى أكثر من ذلك بين العراق وسوريا، ويقول سكان في الرقة السورية إنهم جلبوا جهاديين من تونس والمغرب مع زوجاتهم وأطفالهم ليستقروا في المدينة، كما تم تعيين دعاة أجانب في المساجد، ولداعش أيضًا جهاز استخبارات خاص بها.
ولقد أفاد النظامين، نظام الأسد في سوريا ونظام المالكي في العراق، داعش كثيرًا بتأجيجهم النعرات الطائفية في المنطقة بين السنة وغيرهم، السنة يشكلون أكثر من 70٪ من تعداد السوريين وقرابة خمس العراقيين، وقد كانوا أصحاب الهيمنة إبان عهد صدام حسين.
اثنان من الوحوش مقابل حفنة من البلطجية
لقد كان المالكي أقل وحشية لكن أكثر فجاجة من الأسد، بحلول نهاية عام 2011 كانت القوات الأمريكية قد قضت على داعش تقريبًا، حيث كانوا لا يزالون في العراق، لقد فعلوا ذلك عن طريق إلقاء القبض أو قتل قادتهم الأكثر قوة وتأثيرًا، كما جندوا حوالي 100 ألف عراقي سني وشكلوا ما عُرف بـ “الصحوات”، وهي مجموعات قبلية مسلحة أُسست بالأساس لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق، التي لم تستطع المحافظة على تعاطف الناس في المناطق التي تسيطر عليها بعد فرض قواعدها الصارمة.
وبعد أن غادر الأمريكيون، حل المالكي الصحوات، وأخلف وعده بدمجهم في الجيش النظامي، لقد طهر الحكومة العراقية من السنة، كما فرض إجراءات وحشية ضد الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في الرمادي والفلوجة طوال العام الماضي.
المناهضون للولايات المتحدة، والموالون لصدام حسين، وحتى بعض أعضاء الصحوات السابقين قرروا الانضمام للدولة الإسلامية بدافع من اليأس ربما! وبشعورهم أن المالكي لم يعطهم حقهم في العراق.
في 2012 هرب “طارق الهاشمي” نائب الرئيس العراقي الذي كان رأس السنة في العراق، وحُكم عليه بالإعدام غيابيًا، السنة يشعرون أنهم غير ممثلين سياسيًا، وهذا ما تستغله داعش والقاعدة بحسب “حسن أبو هنية” المحلل السياسي الأردني.
بعض الدول الأخرى في المنطقة، والتي تعارض توجهات الأسد والمالكي، دعمت داعش بطريقة أو بأخرى، فلقتال الأسد، سمحت تركيا بالتدفق اللامحدود للمقاتلين الأجانب عبر حدودها مع سوريا حتى نهاية العام الماضي، وكانت بعض دول الخليج مثل الكويت وقطر يتسامحان مع تمويل بعض مواطنيهما لداعش قبل أن يبدأوا في تضييق الخناق عليهم.
المجزرة في العراق ليست بشعة عدديًا كما هو الحال في سوريا، لكنها تزايدت بسرعة، لقد قُتل 5400 شخص خلال هذا العام فحسب، كانت داعش مسئولة عن ما بين 75٪ و95٪ من الهجمات وفقًا لبعض التقديرات، كما رتبت ونفذت الدولة عددًا من عمليات الهروب من السجن، مثل تهريب المئات من الجهاديين في عام 2013 من سجن أبو غريب، وخلال هذا الأسبوع حررت داعش 2500 من أشرس المقاتلين من سجن الموصل.
سواء كانت في العراق أو سوريا، سعت داعش إلى إخضاع الناس وترويعهم.
في 8 يونيو صلبت الحركة ثلاثة من الشبان في بلدة قرب حلب بسبب تعاونهم مع “الثوار” المنافسين، وخطفت أيضا العشرات من الطلاب الأكراد وعمال الإغاثة والصحفيين، ومؤخرًا (في الموصل) بعض الدبلوماسيين الأتراك.
حتى القاعدة وزعيمها “أيمن الظواهري” اعتبرت داعش شديدة العنف والوحشية! لقد اختلف الظواهري طويلاً مع البغدادي وحذره من قطع رؤوس المعارضين ونشر مثل تلك الأعمال.
وحتى الآن، لم يتحَدّ داعش أي تنظيم سوى بعض التنظيمات السنية، فقد اصطدمت داعش مع جبهة النصرة، والتي تمثل القاعدة رسميًا في سوريا، المجموعتان قاتلتا ضد بعضهما قرب دير الزور، وهي مدينة سورية بين الرقة السورية والأنبار العراقية، وقُتل حينها أكثر من 600 مقاتل من الطرفين. ومنذ بداية العام، تحارب معظم الجماعات العاملة في سوريا داعش بعد أن كانت قد رحبت بها في بداية القتال ضد بشار الأسد، لقد اضطروهم للخروج من بعض المناطق في إدلب وحلب، وفعلت الشيء ذاته القوات الكردية في شمال شرق سوريا.
يعتقد البعض أن اندفاع داعش داخل العراق قد يكون بهدف دعم فرعها في سوريا بعد أن أنهكه قتال الثوار، وقد جددت بالفعل خزائنها من الذخيرة والأسلحة، وفي الوقت ذاته، فإن المقاتلين المعتدلين في سوريا أصبحوا غير مجهزين للقتال أكثر من أي وقت مضى، يقول بعضهم إن نصف قواتهم قد تم تحويلها من قتال الأسد إلى الوقوف لصد داعش.
القوات الأفضل تجهيزًا لمحاربة داعش قد تكون القوات الكردية أو ما يعرف باسم “مقاتلي البيشمركة” هؤلاء الذين قدموا الحماية لمنطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق على مدى العقدين الماضيين، وهناك أيضًا ما يعرف باسم “وحدات الحماية الشعبية” وهي مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على شمال شرق سوريا، لقد حشدت الحكومة الكردية في العراق قواتها على الجانب الشرقي من نهر دجلة، الذي يمر عبر الموصل، وذلك لمنع داعش من التوجه إلى الشرق والشمال في عمق المنطقة الكردية. وفي 12 يونيو الجاري سيطر الأكراد على مدينة كركوك العراقية بدلاً من الجنود العراقيين الفارين، ويتوقع البعض أن يدعو المالكي الأكراد لمساعدته على قتال داعش.
لا تعودوا للمنزل!
الحكومات الغربية قلقة من التهديد الذي يمثله بعض مواطنيها الذين انضموا لجماعات مثل داعش، والذين قد يعودوا إلى بلادهم ليثيروا العديد من المشاكل. في 28 مايو المنصرم طلب “باراك أوباما” من الكونغرس الأمريكي 5 مليار دولار لبرامج مكافحة الإرهاب. أعضاء داعش لا يخفون عزمهم ونواياهم لتنفيذ هجمات ضد أهداف غربية. في 24 مايو الماضي قُتل 4 أشخاص في المتحف اليهودي البلجيكي، المتهم شخص عائد من الحرب في سوريا. داعش تدير معسكرات تدريب في الصحراء الشرقية لسوريا، ويُخشى أن يكون ذلك في الأردن وتركيا أيضًا.
لكن لا أحد، ربما باستثناء إيران، حريص على تسليح نظام المالكي السيء وغير الكفء في العراق، لم توافق الولايات المتحدة العام الماضي على بيع العراق المزيد من الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة F-16، التهديد الإرهابي ضد الغرب حث الحكومات الغربية على إعطاء المتمردين السوريين المزيد من الأسلحة لقتال داعش، لكن مساعدة المالكي تختلف عن ذلك، ورفض أوباما طلبًا باستخدام طائرات بدون طيار (درونز) لقصف أهداف تابعة لداعش.
إذا ما نظرنا على المدى الطويل، فإن أكبر أمل للانتصار على داعش يكمن في افتقارها للقاعدة الشعبية التي قد تدعمها على نطاق واسع، فبعد كل شيء، فشل تنظيم القاعدة نفسه فشلاً ذريعًا للحصول على دعم الشعوب العربية خلال الربيع، وبالمثل في سوريا والعراق، معظم السُنة لا يرغبون في أن يحكمهم المتطرفون، الموصل والمناطق الأخرى قد تعود في يد الحكومة العراقية في نهاية المطاف، لكن السوريون والعراقيون محاصرين بين الحكام المستبدين من جهة، والجهاديين المتطرفين من جهة أخرى. خياران أحلاهما مر كالعلقم.