دعا ناشطون مدنيون عراقيون، الشعب العراقي للتظاهر بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر، ضد الأداء الحكومي البائس والمطالبة بحقوق الشعب المشروعة في حياة حرة كريمة. تأتي هذه الدعوة للتظاهر في ظل ثلاث حوادث متزامنة تخيم على الأوضاع في العراق هذه الأيام وتزيد التوتر بين الشعب والحكومة.
أولى هذه الأحداث كان فض اعتصام أصحاب الشهادات العليا بطريقة مهينة، وهم يعتصمون أمام مقر رئاسة الوزراء وسط بغداد، وفي ظل التجاهل الحكومي المقصود للغضب الجماهيري الذي جاء إثر حركة التنقلات بين الضباط الكبار في الجيش العراقي والداخلية العراقية، من خلال إقالة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من منصبه كقائد لجهاز مكافحة الإرهاب، ونقله إلى مقبرة الضباط في وزارة الدفاع، وعزل اللواء الركن محمد محسن زيدان القريشي من منصبه، وإحالته إلى إمرة قيادة قوات الشرطة الاتحادية. أما الثالثة، فكانت التهجير القسري لسكان العشوائيات في بغداد وبعض المحافظات الأخرى، بطريقة همجية دون إيجاد البديل اللائق لهؤلاء المواطنين العراقيين.
وفي الوقت الذي لا يملك أي مواطن إلا أن يبارك خطوة الدعوة إلى التظاهر ويثني على الداعين لها، إلا أن هناك أمورًا كثيرةً يجب على المتظاهرين مراعاتها وهم يقومون بحراكهم الثوري هذا. من أهمها الإجابة عن تساؤل مهم يعطي لتلك التظاهرات قيمتها ويجعل الرأي العام الداخلي أو الدولي في أمر واحد لا ثان له، الاهتمام بها ودعمها بكل السبل، أو الصد عنها وتجاهلها، والسؤال هو: إلى ماذا يدعو شباب العراق في تظاهراتهم؟ وماذا يطمحون للحصول عليه من تلك التظاهرات؟ بالتأكيد هو سؤال كبير والإجابة عنه تحدد إن كانت تلك الجهود المباركة ستذهب هباءً منثورًا أم أنها تصل لتحقيق أهدافها.
من أهم الأخطاء التي ارتكبت في التحركات السابقة لشعبنا العراقي، أن حراكهم كان حينًا مناطقيًا، وحينًا فئويًا، وأحيانًا أخرى لأجل مطالب خدمية أو رفع الضيم عن فئة من المجتمع
إن الشعب العراقي لم يهدأ له بال، وهو يرى الحال المتردي للعراق والعراقيين طيلة فترة الاحتلال منذ 2003، وعبر عن رفضه لما يحدث وبأشكال مختلفة وعديدة، لا يسعنا في هذا المقال حصرها، تجعلنا نخرج بحقيقة، أن الشعب العراقي ورغم سياسة التجهيل المستخدمة ضده، وسياسية التفرقة الطائفية تارة والتفرقة القومية تارة أخرى بين صفوفه، فقد ظلّ متمسكًا بقيمه العليا وما زال يستهدي بالبوصلة التي تحدد له الوجهة التي تؤدي بالنهاية للخلاص من الحال المزري الذي يعيشه البلد.
لكن مع كل هذا، فإن الأخطاء غير المقصودة تجد طريقها لهذا الحراك الجماهيري ولأسباب عديدة، حالها في ذلك كحال كل الشعوب الثائرة من أجل حريتها.
من أهم الأخطاء التي ارتكبت في التحركات السابقة لشعبنا العراقي، أن حراكهم كان حينًا مناطقيًا، وحينًا فئويًا، وأحيانًا أخرى، لأجل مطالب خدمية أو رفع الضيم عن فئة من المجتمع، هذا الأمر سهَّل على الحكومة الفاسدة في بغداد قمع تلك التظاهرات ومنعها من الانتشار إلى مناطق أخرى من الوطن، وفي كل مرة كانت تنجح الحكومة في وأد تلك التظاهرات، دون أن يصل المتظاهرون إلى تحقيق أهدافهم، وهذا الدرس يجب أن تعيه النخبة الواعية التي تقود تلك التظاهرات.
من المهم على المتظاهرين اتباعه، هو تجاوزهم لمبدأ المناطقية والفئوية والمطالب الخدمية في تظاهراتهم، والابتعاد عن الاعتصامات في تظاهراتهم التي تتطلب منهم البقاء في منطقة محددة، تُسهّل عمل الأجهزة القمعية في قمع تظاهراتهم ومحاصرتهم بمناطق محددة وعزلهم عن باقي المجتمع العراقي.
إن من أفضل الأساليب في التظاهرات، القيام بمسيرات صاخبة غاضبة لا تتحدد بمنطقة واحدة، إنما تنطلق من نقطة معلومة لتنتهي بنقطة معلومة أخرى، ومن المهم أيضًا أن لا تُرفع شعارات حزبية أو طائفية أو أي شعار من شأنه تمزيق وحدة الشعب العراقي، ذلك لأن العدو المتمثل بالحكومة سوف يستغل تلك الشعارات لضرب مصداقية المتظاهرين ورؤيتهم بشمولية حراكهم من أجل العراق كله، ومن شأن رفع الشعارات والرموز الطائفية أن يثبط أتباع مكونات عراقية أخرى، من الانخراط في هذا الحراك الذي يجب أن يكون ذا مرجعية عراقية خالصة.
ليس جديدًا حينما نقول إن كل تلك المظالم التي تصيب الشعب العراقي من نقص بالخدمات ونهب لأموال العراق وبطالة متفشية وتردٍ للتعليم وغياب قسري للمواطنين، ما هي إلا مفرزات لهذا النظام الحاكم
والأهم من ذلك كله أن كل شعار يجب ألا يكون دون شعار “إسقاط النظام”، لأن كل شعار دون هذا الشعار، يعتبر مسألة ترقيعيَّة للنظام وليس لتغييره، فكل التظاهرات التي خرجت من أجل توفير فرص العمل وتحسين الكهرباء وتوفير الماء الصالح للشرب وبناء المستشفيات وإصلاح الطرق وإطلاق سراح الأبرياء ومعرفة مصير المغيبين قسريًا، وغيرها من المطالب الخدمية والحقوقية، هي مطالب جزئية وليست شمولية، ذهبت أدراج الرياح ولم يتم الاستجابة لها من السلطة الحاكمة، بينما شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” يختزل كل تلك الشعارات ويتضمنها جميعًا.
فليس جديدًا حينما نقول إن كل تلك المظالم التي تصيب الشعب العراقي من نقص بالخدمات ونهب لأموال العراق وبطالة متفشية وتردي للتعليم وغياب قسري للمواطنين، ما هي إلا مفرزات لهذا النظام الحاكم، وعلى هذا الأساس، لتكن تظاهراتكم من أجل استبدال هذا النظام بنظام آخر منبثق من الشعب حقيقة لا بالتزوير، ولتكن تظاهراتكم من أجل الإصلاح الجذري لا الإصلاح الترقيعي، فتجاعيد امرأة عجوز لا تصلحها كل مساحيق التجميل التي في العالم، وهذا النظام الذي يقود العراق بلغ مرحلة الشيخوخة التي لا ينفع معها طبيب ولا يغير حاله طبيب.