لم يدر بخلد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ولا أي من المقربين منه، ناهيك عن زمرة المحللين وقراء الكف، أن يتعرض لمثل ما تعرض له داخل المكتب البيضاوي بواشنطن، حين وجد نفسه أشبه بجثة ينهشها ضباع البيت الأبيض، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس الذي كشر عن أنيابه، متخليًا عن دبلوماسيته وابتسامته التي اعتاد تصديرهما للإعلام منذ أن وطأ بأقدامه مسرح العملية السياسية خلال الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري قبل أشهر، ومعهما مراسلو الصحف والقنوات التلفزيونية الذين شاركوا في تلك المسرحية.
فبينما كان يُفترض كما هو مُعد منذ البداية أن يُستقبَل زيلينسكي فور وصوله في المكتب البيضاوي لبعض الوقت بمشاركة عدد من الصحفيين للحديث عن صفقة المعادن النادرة المرتقبة بين واشنطن وكييف، ثم يتم الانتقال إلى طاولة المباحثات لتوقيعها بشكل رسمي، كخطوة لتعزيز الشراكة بين البلدين، إلا أن ما حدث كان شيئًا آخر انتهى بطريقة مروّعة ومخيفة لكل من يفكر أن يزور لاحقًا البيت الأبيض.
مواجهة حادة في البيت الأبيض.. مشادة كلامية بين #ترامب و #زيلينسكي حول الدعم الأمريكي لأوكرانيا. pic.twitter.com/HByCQwDboy
— نون بوست (@NoonPost) February 28, 2025
لغة الجسد التي بدا عليها الرئيس الأوكراني وهو محاصر من ترامب من جانب ودي فانس من جانب آخر، والمراسلين الصحفيين الذين ساهموا في حفلة الإهانة من جانب ثالث، تعكس بشكل كبير حالته، والحسابات المعقدة التي تدور بعقله حول مستقبل بلاده إذا ما رفعت أمريكا غطاء دعمها عنها، وعشرات التساؤلات التي أطلت برأسها أمام عينيه دون إجابة محددة.
تراشق متبادل، توبيخ مستمر، إهانات لا تتوقف، سجال تجاوز حد التطاول، وفي النهاية طرد مهين للرئيس الأوكراني وفريقه من البيت الأبيض، مشهد يمثل سابقة في تاريخ أمريكا، كارثة دبلوماسية بحسب وصف البعض، تحمل الكثير من الرسائل والدلالات، وتضع الولايات المتحدة في مأزق أخلاقي كبير أمام الحلفاء قبل الخصوم.
عدم شكر أمريكا.. حُجة فارغة
الحجة التي ساقها ترامب ونائبه للهجوم على زيلينسكي بزعم أنه لم يشكر الولايات المتحدة بما يكفي على موقفها الداعم لكييف منذ بداية الحرب مع روسيا، والتي على أساسها تعرض لموجة توبيخ وإهانات لم يتعرض لها رئيس دولة قبل ذلك في البيت الأبيض، زجت به في قفص الاتهام، مُطالبًا بالدفاع عن نفسه، يبدو أنها لم تنطلي على أحد، كونها تتعارض مع السياق السياسي والتاريخي.
بالعودة لمواقف الرئيس الأوكراني تجاه واشنطن، يلاحظ أنه خلال العام الماضي فقط وجه 33 رسالة شكر لأمريكا، قيادة وشعبًا، حتى أنه لم يفوت فرصة، خطاب كان أو تصريحات صحفية، إلا وعبر عن عمق تقديره للدعم الأمريكي، مشددًا أكثر من مرة على أن هذا الدعم هو قشة الإنقاذ التي حمت بلاده من الانهيار في لحظات حرجة كثيرة.
بل إنه في خطابه الذي ألقاه أمام الكونغرس في كانون الأول/ ديسمبر 2022 وشكر أعضاء البرلمان بمجلسيه قائلًا: “أود أن أشكركم جزيل الشكر، على المساعدة المالية التي قدمتموها لنا والتي قد تقررون” تقديمها لاحقًا، مؤكدا أن “أموالكم ليست صدقة، بل استثمار في الأمن العالمي والديمقراطية، ونحن نديرها بأكثر الطرق مسؤولية”، كما حمل معه علمًا أوكرانيًا جلبه معه من أرض المعركة قائلًا إنه هدية من العسكريين الأوكرانيين الذين يقاتلون على خط الجبهة، مُصرّحًا: “لن ننسى أبدًا ما قدمتموه لنا”.
إذن، فإنّ ما أثاره ترامب ونائبه بشأن عدم إعراب زيلينسكي عن شكره لأمريكا على دعمها لبلاده، حجة فارغة المضمون، ليست سوى مبرر لإهانته عبر هذا السيل من الانتقادات والتوبيخ، وهذا ما يدفع للتساؤل حول طبيعة ما حدث، وما إذا كان كمينًا محكمًا كما يقول البعض أم حدث عفوي فرضه السجال والتلاسن غير المنضبط من الطرفين.
بين الكمين المُحكم والعفوي
انقسم المتابعون لمشهد التلاسن داخل المكتب البيضاوي إلى قسمين:
الأول: يرى أن ما حدث جاء بصورة عفوية نتيجة الاحتقان المتبادل بين الطرفين، كما نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين في البيت الأبيض، مستندين في هذا الرأي إلى أن الإدارة الأمريكية كانت بصدد توقيع صفقة المعادن والشروع في شراكة اقتصادية مع كييف تقود في النهاية إلى السلام.
الثاني: يميل إلى أن المشهد بكل تفاصيله كان مخططًا له منذ البداية، وكان مُرتبًا بالشكل الذي يضع زيلينسكي في هذا المأزق الحرج الذي يبدو وكأنه في قفص اتهام يدافع عن نفسه أمام موجة الاتهامات الموجهة له من الرئيس الأمريكي ونائبه، وهو ما أكده أحد أعضاء الوفد الأوكراني الذي شارك في تلك المحادثات لشبكة “إي بي سي نيوز” والذي أضاف “كنا مستعدين لاجتماع مثمر، لكن من الواضح أنهم كانوا يريدون بدء نزال”.
وأضاف المسؤول الأوكراني أن الوفد المشارك بعد انتهاء هذا السجال انتظر في غرفة منفصلة، قرابة ساعة كاملة، وكان مستعدًا لمواصلة المفاوضات، غير أن موظفين بالبيت الأبيض أخبروهم بإلغاء اللقاءات، وبأنه يتعين عليهم المغادرة. ولدى سؤال المسؤول الأوكراني عما إذا كان يعتقد بأنه تم استفزاز زيلينسكي بشكل متعمد، رد قائلًا: “نعم أعتقد ذلك”.
ماذا يريد ترامب من تلك المشهدية؟
يدفع الرأي القائل بأن حفلة التلاسن المتبادل بين الطرفين الأمريكي والأوكراني والتي أسفرت في النهاية عن إلغاء جدول الأعمال، كانت مُرتبة بشكل مسبق، إلى التساؤل عن دوافع ترامب من وراء إنهاء اللقاء بتلك الكيفية العبثية، ووضع الرئيس الأوكراني في هذا المشهد المهين الذي قد يؤدي إلى احتمالية تخريب الصفقة التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، في ظل حاجة الولايات المتحدة لها وبشدة في سياق حربها الاقتصادية مع غريمها التقليدي الصين.
بالمذهب البرغماتي الذي يدين به ترامب، وعقلية السمسار التي تهيمن على سلوكه، من غير المنطقي أن يضحي الرئيس الأمريكي بصفقة بهذا الحجم ستمنحه دفعة قوية في مواجهة التبعية الأمريكية للصين في الحصول على المعادن الاستراتيجية اللازمة للصناعات الدفاعية والإلكترونية الدقيقة، إذ تلبي بكين 80% تقريبًا من احتياجات الأمريكان من تلك المعادن.
لكن بالعودة إلى الوراء قليلًا، وقبل أيام من توجه زيلينسكي لواشنطن لإبرام تلك الصفقة، قيل إن الاتفاق المزمع توقيعه بين الطرفين لم يكتمل بعد، وأن هناك نقاطًا خلافية بشأن الضمانات التي تطلبها كييف من الولايات المتحدة نظير توقيع هذا الاتفاق، وعلى رأسها طلب مشاركة أمريكا في قوات حفظ السلام بين روسيا وأوكرانيا بعد نهاية الحرب، واستمرار دعم واشنطن العسكري في مواجهة الروس حال تعثرت المفاوضات، وهي النقاط التي يتحفظ عليها ترامب وإدارته بزعم أن تلك المهمة تقع على عاتق الأوروبيين فقط.
من هنا تجنب ترامب توريط بلاده في أي ضمانات ممنوحة لأوكرانيا قد تضعه في مواجهة محتملة مع موسكو التي يخطب ودها بشكل كبير منذ تسلمه السلطة، وعليه فقد استقر في يقينه أن إبرام الاتفاق بالشروط التي يريدها بات مسألة صعبة، ومن هنا كان لابد من إخراج المشهد بتلك الكيفية ووضع كييف في تحد قاس بين الرضوخ لإملاءات الرئيس الأمريكي أو مواجهة روسيا بشكل منفرد بمعزل عن الدعم الأمريكي الذي يمثل الجزء الأكبر من منظومة الدعم التي تحصل عليها أوكرانيا في تلك الحرب.
ثمة مقاربات تميل إلى تلك الرؤية التي يحاول من خلالها ترامب الضغط على أوكرانيا لتقديم المزيد من التنازلات بشأن صفقة المعادن، وتجنيب الولايات المتحدة أي التزامات عسكرية أو سياسية تحرجها أمام الروس، أو على الأقل إبداء المزيد من المرونة عند الجلوس على طاولة التسوية السياسية مع موسكو، هذا في حال احتمالية عدم ارتياح روسيا لصفقة المعادن خاصة وأن جزء كبير من ثروات أوكرانيا التعدينية متواجدة في الأراضي التي تحتلها القوات الروسية.
دعم أوروبي وحفاوة روسية
حفلة الإهانة التي أقامها الرئيس الأمريكي ونائبه وإعلامه للرئيس الأوكراني داخل البيت الأبيض لاقت حفاوة كبيرة من قبل الجانب الروسي، الذي يعد بشكل واضح ومباشر المستفيد الأول من هذا التوتر بين الحليفين، حيث اعتبر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف أن زيلينسكي تلقى”صفعة قوية”من نظيره الأميركي، حيث كتب على تليغرام معلقا على هذا اللقاء “توبيخ قاس في المكتب البيضاوي”
أما المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، فأبدت تعجبها من عدم تعرض زيلينسكي للضرب في البيت الأبيض، حيث كتبت على تليغرام تقول “إن عدم إقدام ترامب ونائبه جيه دي فانس على ضرب زيلينسكي خلال الاشتباك الذي جرى بثه على الهواء مباشرة هو معجزة” معتبرة أن ترامب تحلى بـ”ضبط النفس” بعدم ضرب الرئيس الأوكراني، مضيفة أن “أكبر كذبة لزيلينسكي من بين كل أكاذيبه كانت تأكيده في البيت الأبيض أن نظام كييف عام 2022 كان وحيدا، من دون دعم” مشيرة إلى أن “امتناع ترامب وفانس عن ضرب هذه الحثالة معجزة في ضبط النفس”.
وتشير مختلف التقديرات إلى أن الانفجار الذي شهده البيت الأبيض، ظهر الجمعة 28 شباط/ فبراير، وحالة الاحتقان التي خيمت على لقاء ترامب- زيلنيسكي، وسواء كان مخططا له أم لا ، فإن المستفيد الأكبر منها هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الرأي الذي اتفق معه عدد من الخبراء السياسيين والأمنيين في الداخل الأمريكي، من بينهم المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، جون برانن، والسفير والمستشار الرئاسي في إدارة ترامب الأولى، وجون بولتون.
وعلى الجانب الأخر فقد قرأت أوروبا المشهد بلغتها الخاصة، فالمقصود لم يكن زيلينسكي ولا أوكرانيا، بل السيادة الأوروبية واستقلالية قرارها، الأمر الذي وضع قادة القارة في اختبار حساس أمام حليفهم الذي تعرض لإهانة بالغة في واشنطن، ومن هنا جاءت ردود الفعل الداعمة بقوة لكييف ورئيسها عقب انتهاء هذا اللقاء.
رئيسة المفوضية الأوروبية لـ زيلينسكي: لن تسير وحدك أبدا#قناة_العربية pic.twitter.com/AI6Sz6tOiO
— العربية (@AlArabiya) February 28, 2025
حيث أعلن كل من الرئيس الفرنسي والألماني، ورؤساء وزراء كل من كندا واستراليا وبولندا وإسبانيا والسويد والنرويج دعمهم الكامل للرئيس الأوكراني ووقوفهم إلى جانب أوكرانيا في حربها ضد الروس، حتى رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الفائز بالانتخابات الألمانية فريدريش ميرتس، دخل هو الأخر على خط الدعم معلقًا “يجب ألا نخلط بين المعتدي والضحية في الحرب” مؤكدا أن ألمانيا وبقية دول أوروبا تقف مع أوكرانيا “في السراء والضراء”
وفي سياق موجة الدعم الكبيرة خاطبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الرئيس الأوكراني قائلة “كرامتك اليوم هي تكريم لشجاعة الشعب الأوكراني، كن قويا وشجاعا”، مضيفة “أنت لست وحدك أبدا، وسنواصل العمل معكم من أجل سلام عادل ودائم”، مؤكدة على دعم المفوضية ومختلف بلدان القارة لأوكرانيا في معركة التحرير ضد الغزو الروسي.
تحريف للسياسة الخارجية الأمريكية
ماحدث في دقائق معدودة من قبل ترامب ونائبه مع زيلينسكي داخل البيت الأبيض لم يحدث مثله من قبل بهذه الفظاظة بحق رئيس دولة حليفة، في تاريخ أمريكا الممتد لنحو 250 عامًا، فهو تحريف ممنهج وكارثي للسياسة الخارجية الأمريكية التي تخلت عن مبدئها المعلن بدعم المقاتلين من أجل حرية بلادهم، إلى دعم المتعدي والدكتاتور والغازي، بحسب توصيف الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، تعليقًا على اللقاء الذي شهده المكتب البيضاوي.
فريدمان في مقاله بصحيفة “نيويورك تايمز” استغرب من وقوف ترامب مع بوتين ضد زيلينسكي، مشددًا على أن بلاده كانت إلى جانب الحرية وأولئك الذين يقاتلون من أجلها في جميع أنحاء العالم، حتى الأوقات التي اضطرت فيها للتحالف مع الديكتاتوريين كانت بصفة مؤقتة لدعم القضية الأكبر المتمثلة في الحرية، ضد أعداء خطرين مثل ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي، على حد قوله.
وتابع الكاتب الأمريكي ” لم يعلن أي رئيس أميركي من قبل أن الزعيم المنتخب ديمقراطيا لبلد يحافظ على الحرية كان “دكتاتورا” بدأ الحرب مع جاره” مُبديًا تعجبه مما قاله ترامب حول مساعدته لكييف وأنه كان إيثارا، مضيفًا “وكأننا ليست لدينا مصالح حقيقية على المحك في مصيرها وانتصار الحرية فيها، مع أنها هي التي تحمي حدود الاتحاد الأوروبي، هذا التكتل العملاق من الأسواق الحرة والشعوب المؤيدة لأميركا”
وختم فريدمان مقاله واصفا ما حدث بأنه تحريف كامل للسياسة الخارجية الأميركية التي يمارسها كل الرؤساء الأمريكيين منذ الحرب العالمية الأولى، محذرًا الشعب الأمريكي من أنهم في مياه مجهولة تماما، بقيادة رئيس “لا أصدق أنه عميل روسي، لكنه بالتأكيد يلعب دور عميل روسي على شاشة التلفزيون” حسب تعبيره.
لقاء مُقتضب ورسائل عدة
في ضوء مخرجات اللقاء وردود الفعل المتتالية، وبعدما فشلت الزيارة بشكل رسمي، فقد حمل المشهد عدد من الرسائل أبرزها:
أولا: تخلي الولايات المتحدة عن القضية الأوكرانية بنسبة كبيرة، حيث ألقى ترامب الكرة في ملعب الأوروبيين كونهم المعنيين بتلك الأزمة، والواجب عليهم تحمل أعباء وكلفة الدفاع عن أمن حدودهم الشرقية، وهو ما ألمح إليه الرئيس الأمريكي بشكل لا يحمل المواربة خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في واشنطن، الثلاثاء 25 شباط/ فبراير، وبعدها مباشرة مع رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، الخميس 27 شباط/ فبراير، حيث أكد الرئيس الأمريكي خلال هذين اللقاءين أن بلاده قدمت ما يكفي لأوكرانيا وأنه قد آن الأوان لوقف حنفية الدعم التي يجب أن يتولاها الأوروبيون.
ثانيًا: تعاظم الهوة مع أوروبا والناتو.. يعلم قادة القارة العجوز جيدًا أن إهانة زيلينسكي تنسحب بطبيعة الحال على دول أوروبا وحكوماتها، كونها الحاضنة السياسية لكييف في تلك الحرب، وكانت العلاقات الأمريكية الأوروبية قد دخلت منعطفا جديدًا من التوتير مع تسلم ترامب السلطة رسميًا يناير/كانون الثاني الماضي، إذ شن أكثر من مرة هجوما لاذعا على الدول الأوروبية، بسبب اعتمادها على أمريكا في منظومتها الأمنية، مطالبًا إياها بتخصيص 5% من ناتجها المحلي الإجمالي لصالح الناتو والنشاطات الدفاعية عن القارة.
ويعلم ترامب كما زعماء الاتحاد الأوروبي أن تخصيص هذه النسبة لصالح الناتو عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها معظم الدول الأوروبية، والتي تعتمد على الولايات المتحدة كونها تتحمل أكثر من ثلثي ميزانية التحالف، وهو الأمر المرفوض من الرئيس الأمريكي والساعي لتغييره بشكل أو بأخر.
ومن ثم يرى مراقبون أن مسألة الانسحاب الأمريكي من حلف الناتو لم تعد مٌستبعدة، في ظل وجود عقلية مثل ترامب على رأس السلطة الأمريكية، خاصة وأنه كان قد أعطى أكثر من إشارة بشأن تلك الخطوة في ولايته الأولى، الأمر الذي يضعه قادة أوروبا على طاولة النقاش في اجتماع الحلف يونيو/حزيران القادم.
عن اللقاء الكاريكاتوري بين ترامب وزيلينسكي!
ليس الأخير هو من أهانه ترامب اليوم، فهو لم يكن شيئا بدون أمريكا وأوروبا.
لقد أهان ترامب سلفه بايدن و"الدولة العميقة" وحلفاء أمريكا الغربيين الذين ورّطوا زيلينسكي في الحرب.
من الصعب حشر هذا الموقف من ترامب في قصة تاجر العقارات المهووس… pic.twitter.com/FG1wxRSuvG
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) February 28, 2025
ومنذ الثاني عشر من شباط/ فبراير الماضي بدأ الرئيس الأمريكي الإسراع من خطواته لتعكير الأجواء مع أوروبا، حين أجرى اتصالا أحاديًا غير مسبوق مع نظيره الروسي، بشأن إنهاء الحرب وإحلال السلام بما يتوافق نسبيًا مع الرؤية الروسية، بمعزل عن أوروبا وأوكرانيا، وهو التحرك الذي أثار حفيظة الأوروبيين الذين صُدموا بإصرار الإدارة الأمريكية على المضي قدما وبشكل انفرادي في هذا المسار بدون الإرادة الأوروبية، كما أعلن عن ذلك صراحة نائب ترامب خلال قمة ميونيخ للأمن، ما دفع الرئيس الفرنسي للدعوة لعقد اجتماع طارئ في باريس يضم كبار قادة القارة، لكنه الاجتماع الذي خلص على انقسامات حادة، فشلت في تبني موقفًا موحدًا إزاء هذا الملف.
وفي ذات السياق، هناك فريق يقرأ المشهد بعين أكثر اتساعًا، لافتًا أن ما حدث لا يقف عند حاجز إهانة الرئيس الأوكراني فحسب، إذ يتجاوز الأمر ليشكل تهديدًا واضحًا ومباشرًا للولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، فالرجل لم يكتف بتوبيخ زيلينسكي، بل أهان سلفه جو بايدن، وقادة أوروبا الذين ورّطوه في الحرب، كما ذهب المحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة.
الزعاترة وعلى حسابه على منصة “إكس” أشار إلى أنه من الصعب اختصار ما حدث في قصة تاجر العقارات المهووس بالمال، خاصة وأن الرئيس الأوكراني جاء خصيصًا لإبرام الاتفاق، قبل أن يتعرض للإهانة، لافتًا أن الانحياز الفج لبوتين سيضع الأوروبيين في مأزق حقيقي ويعرض التحالف الغربي برمّته إلى الخطر، في لحظة تاريخية فارقة من الصعود الصيني الروسي.
أخيرًا.. بات واضحًا أن ترامب، بما لديه من سياسات حمائية متطرفة، يسير بخطى متسارعة نحو تغيير النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، محاولًا تشكيل خارطة تحالفات جديدة، تضع مصالح بلاده – وبمبدأ ميكافيللي بحت- في المقدمة، دون أي اعتبارات أخرى، خاصة بعدما باتت التحالفات القديمة -من وجهة نظره- تشكل عبئًا على أمريكا، ماديًا وسياسيًا، وهو التوجه الأقرب للمقامرة بحسب مراقبين، وسط تحذيرات من خطورة هذا المسار وضرورة تلجيمه بأسرع وقت ممكن، قبل أن تتحول الولايات المتحدة مع مرور الوقت إلى دولة منبوذة حتى من أقرب الحلفاء.