في ذكرى التدخل الرابعة.. إنجازات روسية على دماء السوريين

بمرارة ومأساوية، تمرّ على السوريين الذكرى السنوية الرابعة للتدخل الروسي العسكري على أراضيهم، تدخلٌ أدى وبشكلٍ كبير إلى تثبيت دعائم نظام بشار الأسد في حكم البلاد واسترجاع العديد من المناطق لقبضته، وكل ذلك لم يكن لولا اتباع القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة على جميع المناطق التي ساعدت باحتلالها وقتل أهلها وتشريدهم، كما أن موسكو كانت شريكًا أساسيًا بتغيير البنية الديمغرافية للبلاد.
ضخّت روسيا في معركتها المستمرة حتى اليوم آلافًا من الجنود وأسرابًا من طائراتها وعددًا لا يحصى من الذخائر، كما أنها بنت قواعد مع مطارات عسكرية تقلع منها طائراتها التي تلقي حممها على السوريين، فيما تحلم روسيا برجوع أمجاد الاتحاد السوفييتي وقوته، وأن تكون قوةً عالميةً عظمى إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وكل ذلك عن طريق بناء قاعدة لا تتزحزح في شرق المتوسط والسيطرة على مفاصل دولةٍ تحلم كثيرٌ من الدول أن يكون لهم فيها موطئ قدم.
في 30 من سبتمبر/أيلول 2015، طلب نظام الأسد وبشكل رسمي تدخل القوات الروسية لحمايته وحكومته التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار أمام ضربات المعارضة الموجعة في أنحاء البلاد كافة، فكانت المعارك المشتعلة حينها مرهقة للأسد وجنوده، ودائمًا ما يصرّح القادة الروس بانتشالهم لحليفهم الأسد من السقوط، وفي تصريح لرئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غيراسيموف، قال: “قواتنا بدأت عمليتها في سوريا، تلبية لطلب من نظام دمشق، عندما كان يسيطر على 10% من الأراضي، وكانت الدولة السورية مهددة بالزوال في غضون شهر ونصف أو شهرين”.
وعلى مدار الـ4 سنوات الماضية لم يكن التدخل الروسي في سوريا من أجل عيون بشار الأسد ونظامه، إنما من أجل تحقيق أهداف لعل أهمها تثبيت حكم الأسد ليحمي المصالح الروسية في البلاد، إلى ذلك حققت روسيا في هذه الأعوام ما لم تتوقع تحقيقه على مدار عشرات السنين اللاحقة.
الاستيلاء على ميناء طرطوس
وقّعت كل من موسكو ودمشق في أبريل من العام الحاليّ، اتفاقية تنص على تأجير ميناء طرطوس للروس لمدة 49 عامًا للنقل والاستخدام الاقتصادي والعسكري، فيما تنص إحدى مواد الاتفاقية على أنها قابلة للتجديد تلقائيًا لمدة 25 عامًا في حال لم يطلب أحد الطرفين إنهاءها، وتنص الاتفاقية على استخدام الأراضي والقطع المائية حسب المخططات بالمجان.
ومما يشير إلى أن هذه الاتفاقية هي احتلال تحت مسمى الاستثمار، بندٌ يقضي بعدم تفتيش موظفين وأفراد الطاقم والمقاولين الروس وأسرهم من قوات الأسد وسلطات الحدود ويحق لهم العبور بحرية، ولا يحق لممثلي المؤسسات السورية الدخول للمنشآت الروسية دون موافقة قائد المنشأة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أكد أن قاعدتي طرطوس وحميميم الروسيتين في سوريا تشكلان “عاملاً مهمًا لحماية المصالح الروسية”، موضحًا أن القاعدتين ستبقيان على الأراضي السورية للعمل بشكل دائم، مشيرًا إلى أنهما تشكلان عاملاً مهمًا في حماية أمن روسيا ومصالحها القومية في أحد الاتجاهات الإستراتيجية الرئيسية.
ميناء طرطوس
سوريا ساحة تدريب ومختبر أسلحة
بكل فخر صرّح الرئيس الروسي بوتين، أن الطلب العالمي على أسلحة بلاده ازداد بعد العمليات الجوية في سوريا، مما يعني أن بوتين جعل سوريا مختبرًا ومعرضًا لسلاحه إلى العالم، من جهته وصف مدير شركة روستيخ الروسية الحكومية لتصنيع وبيع الأسلحة سيرغي تشيميزوف، العملية العسكرية التي تنفذها بلاده في سوريا بالدعاية المجانية للأسلحة الروسية وأنها أثرت إيجابيًا على مبيعات تلك الأسلحة.
واستكمالًا لعرض مهارة أسلحتها أعلنت روسيا العام الماضي، أنها أظهرت للعالم بأسره “فعالية المجمع الصناعي العسكري”، من خلال اختبار أكثر من 200 سلاح جديد في سوريا، ما ساهم في زيادة مبيعات روسيا من السلاح، حتى من بلدان ليست حليفة، وفي ذات السياق قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو: “غالبية الطيارين المقاتلين سافروا في سوريا”.
وبحسب إحصاءات نشرتها صحيفة روسية فإن 98% من طاقم النقل الجوي و90% من طواقم الطيران في الجيش الروسي، وكذلك 60% من الطيارين للعمليات بعيدة المدى شاركوا بالعمليات في سوريا، ويقول بوريس أوبسونوف، رئيس مؤسسة الصواريخ التكتيكية الروسية: “قبل سوريا، لم يكن ممكنًا اختبار الأسلحة”.
إلى ذلك بدأت القوات الروسية بتعديل الطائرات الحربية والمعدات العسكرية البرية والبحرية لتدارك العيوب التي ظهرت في معركتها بسوريا، وقالت وكالة الأنباء الروسية: “يرغب المتخصصون العسكريون في زيادة مدى الأسلحة وتحسين مواصفات المروحيات وتكرار أنظمة ومكونات معينة وتقليل الوقت اللازم لإعداد المروحيات للطيران”.
وذكر تقرير روسي أن موسكو أرسلت إلى سوريا طائرتين مقاتلتين من الجيل الخامس المتطور “سوخوي 57” وهما في مرحلة الاختبار والتجريب، قبل أن تعتمدها القوات المسلحة الروسية في الخدمة، لاختبار معدات الرادار المزودة بها في ظروف قتالية قريبة من الواقع، وهذه الظروف لا تتوافر إلا في سوريا.
غزو ثقافي وتعليمي
يذكر تقرير سابق لـ”نون بوست“، أنه ومع تضاعف الجهود الروسية لتوسيع نفوذها في سوريا، يسعى الروس لإدخال اللغة الروسية والثقافة الروسية إلى بنية المجتمع والفرد السوري، ومن بين هذه المشاريع افتتاح أول مدرسة روسية في دمشق وتعتمد المدرسة في تعليمها على المنهاج الروسي.
وبطريقة جديدة لإدخال اللغة الروسية إلى التعليم السوري أعلن المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الروسية، ستانيسلاف غابونينكو، أن “شبكة مراكز التعليم المفتوح باللغة الروسية، ستظهر في سوريا خلال الأعوام ما بين 2019 و2025″، وأوضح أن “وزارة التعليم الروسية تخطط لفتح دروس مباشرة عبر الإنترنت للمعلمين السوريين، إضافة إلى دورات تدريبية للعاملين في المهن الصناعية”.
وأصدرت الحكومة الروسية في يوليو 2018، مرسومًا يسمح للأطفال السوريين بالالتحاق بالمدارس العسكرية الروسية مجانًا، شرط تعلمهم اللغة الروسية، وانطلقت أولى الدفعات في سبتمبر من نفس العام، وتتراوح أعمار الأطفال الـ8 المختارين بين 10 و15 سنة، نقلتهم طائرة عسكرية روسية من قاعدة حميميم في اللاذقية للالتحاق بالمدرسة العسكرية الروسية بمدينة سان بطرسبرغ.
إنجازات على الدماء
لا يخفى على أحد أن موسكو حققت بعض الإنجازات بالنسبة لها وعن طريق رجلها بشار الأسد، فاستعرضت الأسلحة واستولت على أماكن حساسة وغزت الثقافة والتعليم ولكن كل ذلك حصلت عليه حينما سارت على دماء الشعب السوري وقتلته واغتالت حريته التي طالب بها.
من جهتها وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير أصدرته بمناسبة الذكرى الرابعة للتدخل العسكري الروسي أمس الإثنين، مقتل 6686 مدنيًا سوريًا، بينهم 1928 طفلاً و908 سيدات على يد القوات الروسية، وأورد التقرير توزيعًا لحصيلة الضحايا على الأعوام، حيث شهدَ العامان الأول والثاني للتَّدخل الحصيلة الأكبر من الضحايا، وأشار التَّقرير إلى توزع حصيلة الضحايا بحسب المحافظات، حيث شهدت محافظة حلب الحصيلة الأكبر من الضحايا تلتها إدلب فدير الزور.
وقالت الشبكة: “لا يمكن الثقة بروسيا في أي عملية سياسية أو إعادة إعمار بعد أن ارتكبت مئات جرائم الحرب، ولم تعتذر وتعوِّض الضحايا”.