في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1988، حُجِزَ المفكر الحركي لجماعة الإخوان السورية سعيد حوى في المشفى الإسلامي بالأردن، الذي وصله إثر إصابته بجلطة دماغية، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة يوم الخميس 9 مارس/ آذار 1989، لتنتهي رحلة حياته في سن مبكرة نسبيًا عن عمر ناهز 55 عامًا.
ورغم قِصَر الرحلة، إلا أن حياته كانت حافلة، فقد شارك بنشاط في كل الأحداث السياسية الرئيسة التي مرت بها سوريا خلال تلك الفترة، وترك إرثًا في مختلف الميادين الدعوية والسياسية والجهادية ما زال صداه يتردد لدى الشباب المسلم في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، حتى إنّ تأثيره اخترق جنوب شرق آسيا، خاصة في ماليزيا.
نستكشف في هذه المقالة -وهي أولى ثلاث نتناول فيه سيرة سعيد حوى- الحياة المبكرة للرجل، طفولته وتعليمه وتكوينه، والسياقات السياسية والتاريخية التي ساعدت في تشكيل أفكاره، والشخصيات التي تأثّر بها، مع الانتباه إلى التغيرات التي طرأت على تفكيره في كل مرحلة من مراحل حياته وتتبع العوامل المسببة لذلك.
سنوات التكوين: الأفكار والتأثير
بحلول أواخر القرن التاسع عشر، ضعفت الدولة العثمانية وواجهت تهديدات من روسيا والقوى الأوروبية التي احتلت تونس ومصر، ونافستها ثقافيًا واقتصاديًا وفكريًا. ولمواجهة التحديات الأوروبية، نفذت الإدارة العثمانية إصلاحات إدارية واقتصادية على النمط الغربي، وألغت الحكم الذاتي للولايات العربية.

ولكن آخرين من ضمنهم نخبة مدينة حماة السورية لم يقتنعوا بأن محاكاة الغرب ستقدم إجابات على المشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي، وشككوا في جدوى الإصلاحات العثمانية. وبرز في حماة علماء مصلحون، أبرزهم محمد سعيد الجابي وأحمد إبراهيم القاوقجي (الصابوني)، الذي قاد حركة إصلاح ديني في مطلع القرن العشرين، وساهمت كتاباته في تطوير الفكر الإصلاحي بالمدينة.
ثم سرعان ما وجد المجتمع السوري المحافظ نفسه في موقف دفاعي، ليس فقط بسبب الإصلاحات العثمانية، بل أيضًا جراء الاحتلال الفرنسي، وبدا حينها أن قرونًا من التقاليد والعادات الراسخة التي نظمت حياة المجتمع تتعرض للتحدي.
لقد أثار انتشار الأفكار الفرنسية في سوريا قلق معظم السوريين، مما دفع رجال الدين إلى تأسيس جمعيات إسلامية في مختلف البلاد رفضًا للقيم الدخيلة، وركزت هذه الجمعيات على التعليم وإحياء القيم الإسلامية لمواجهة الغزو الثقافي الأجنبي، كما ساهمت في تسييس القضايا الاجتماعية.
وفي مدينة حماة، اتخذ نخبتها موقفًا حازمًا ضد القوانين الفرنسية، وقاد الشيوخ المحليون مقاومة شرسة، مما جعل المدينة إحدى أبرز جبهات الفكر والنضال ضد الاحتلال. ووسط هذه الظروف، وُلد سعيد حوى عام 1935 لعائلة سنية ذات حضور سياسي، وحسب سيرة حوى الذاتية التي دونها تحت عنوان “هذه شهادتي وهذه تجربتي” فإن عائلة والده تنحدر من قبيلة بني النعيم التي ينتهي نسبها إلى النبي الكريم محمد ﷺ، بينما تنتمي والدته إلى عشيرة الموالي، وكان أفراد العائلتين يقطنون في الحي نفسه.
كانت طفولة حوى مفجعة لحد كبير، قضى الصبي سنواته الأولى يتيمًا، فقد ماتت أمه عندما كان عمره عامًا وأربعة أشهر، في حين هرب والده “محمد ديب” من حماة بسبب تورطه في ثأر دم. ونتيجة لذلك، ترعرع الصغير حوى تحت رعاية جدته، وكانت هي الشخصية المهيمنة في طفولته المبكرة، في الواقع، كانت امرأة حازمة، وتتجلى جديتها عندما لم تمنعها حياتها الفقيرة من رغبتها في رؤية حفيدها يصبح شخصًا متعلمًا.
لقد جعلت تعليم الطفل همها الرئيسي، فأرسلته إلى المدرسة، لكن حالة ملابس حوى البالية أثارت سخط مدير مدرسته، وتم توبيخه كثيرًا لدرجة أنه كاد أن يُطرد من المدرسة، ولم يتمكن من مواصلة دراسته إلا عندما أهداه أحد أقاربه ملابس أفضل. ويصف حوى تلك الأيام بقوله: “كنا فقراء نأكل خبز الشعير في الغالب، ولا نذق الأرز إلا في الأعياد”. صـ6.
وبجانب تعليمه النظامي، أصرت جدته على أن يحفظ القرآن الكريم، وأرسلته عند معلمة كفيفة من أقربائه تولت تحفيظه القرآن، ورغم أن جدته كانت تضربه من أجل الدراسة وأن يتوقف عن البكاء، لكن حوى يتذكرها بمودة كبيرة.
لم يتعرف حوى على والده إلا في سن السابعة بعدما صَفحت عنه أسرة الرجل الذي قتله، وأُطلق سراحه بعدما قضى سنة في السجن، ومع ذلك شعر حوى الصغير بمرارة الحياة وهو في الثامنة من عمره، فقد اضطر لترك المدرسة بسبب الضغوط الاقتصادية التي تعرضت لها أسرته.
اضطر محمد ديب إلى إخراج ابنه من المدرسة بسبب ضيق الحال، واصطحبه للعمل معه في تجارة الخضروات بسوق المدينة، وفي ذلك الوقت، كان حي العليليات الذي نشأ فيه حوى من أكبر أحياء حماة وأكثرها فقرًا، وكان معظم سكانه يعتمدون في رزقهم على العمل كعمال زراعيين أو بيع ما ينتجونه.
ورغم أن الأمر بدا وكأن تعليم حوى قد انتهى كما حدث للعديد من أطفال حي العليليات، لكن والد حوى هو الذي أثار في نفس ابنه الشغف بالتعلم الذي دام بقية حياته، ويروي حوى أنه تعلم من والده مهارات البيع والشراء، وأصبح خبيرًا في الرياضيات، ولا شك أن موقف والده الذي وثق به في تحصيل الديون ودفع نفقات المنزل قد أعطى الصغير ثقة كبيرة.
في الواقع، كان تأثير الأب على ابنه هائلًا ولم يقتصر على التعلم الحياتي، يحكي حوى أن والده كان شخصية مؤثرة في المجتمع وماهرًا في غرس القيم والأخلاق النبيلة، ومن بين القيم التي زرعها في ابنه، الشرف، والنزاهة، وأن يكون إنسانًا مسؤولًا مثابرًا على الشدائد، كما أثار اهتمامه بالدين، فكان يتلو القرآن مع ابنه ويصليان معًا كل صباح في بداية يوم عملهما.
ومن أبرز التجارب التي عاشها حوى في تلك المرحلة اندلاع الاحتجاجات ضد فرنسا، وإصابة والده بشظايا قنبلة خلال معركة طرد الفرنسيين من حماة عام 1945، وذكر حوى في سيرته أنه شاهد نهب المنازل التي سكنها الفرنسيون بعد هزيمتهم.
بعد ثلاث سنوات من ذلك الحدث، شارك حوى في مظاهرات ضد وعد بلفور، ومن هنا تحديدًا بدأ يهتم بالمعاناة التي كانت تسود العالم الإسلامي، لقد استمع للخطب الحماسية لنصرة فلسطين، وكان متلهفًا للغاية وهو يستمع باهتمام إلى أخبار وقصص أصدقاء والده الذين جاءوا من فلسطين.
ربما التأثير الأبرز لوالد سعيد حوى على ابنه هو في ميدان السياسة، فقد كان الأب ناشطًا سياسيًا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين وعضوًا في حركة أكرم الحوراني، وقد حرض فلاحي حي العليليات ضد ملاك الأراضي. ويحكى حوى أنه تأثر بالديناميكية السياسية التي تمتعت بها حركة الحوراني على مستوى التنظيم والتعبئة.
ومع تحسن أوضاع عائلته اقتصاديًا، عاد حوى إلى المدرسة بعد ثلاث سنوات من الانقطاع، فالتحق بمدرسة الأنصار الليلية التي أدارتها جمعية سلفية، وحضر فصول الكبار لعدم توفر خيارات أخرى له في حماة، فكان يدرس ليلًا ويعمل نهارًا مع والده، ورغم التحديات، حصل على الشهادة الابتدائية، ومع انتقاله للإعدادية ازداد شغفه بالقراءة.
لم يتمكن حوى من شراء الكتب بسبب ظروف عائلته، فاستعان بمكتبة “جامع المدفن”، وقرأ فيها لأرسطو والغزالي الذي أثر فيه بشدة، وقد منحته هذه المطالعات قدرة على الاستيعاب السريع، كما يروي في مذكراته.
بعد ذلك التحق حوى بثانوية ابن رشد، كبرى مدارس حماة، وبرز كتلميذ موهوب خاصة في الخطابة، مما جعله مصدر فخر لعائلته. وفي تلك المدرسة، التقى حوى بالرجل الذي مارس أعمق الأثر على حياته، وهو الشيخ محمد الحامد، شيخ مدينة حماة وأستاذ مادة التربية الإسلامية.
وإضافة إلى حضور دروس أستاذه في المدرسة، كان حوى يحرص على حضور حلقات الحامد في جامع السلطان بين المغرب والعشاء. ومع مرور الوقت، توطدت العلاقة التعليمية والروحية بين حوى والحامد، وغرس الأخير في نفس الصغير حب العلماء وغير من نظرته للحياة والدين.
لقد تأثر حوى بحديث الحامد عن ضعف الأمة الإسلامية وإشكالات مجتمع حماة، وكانت حلقاته في جامع السلطان نقطة تحول في مسيرته. صحيح أن حوى بدأ التزامه الإسلامي من خلال المساجد وتتلمذ على كبار علماء حماة، لكن الحامد هو الشخصية التكوينية الرئيسية في حياته، مشكلًا رؤيته للحياة ومقيمًا معه علاقة حانية، وهو ما عبّر عنه حوى بحب واضح في كتاباته.
وخلال دراسة حوى في ثانوية ابن رشد، شهدت سوريا اضطرابات سياسية وصراعًا بين تيارات فكرية كالقومية والاشتراكية والبعثية، وامتد تأثيرها إلى المدارس. كما أسهم صعود الجمعيات الإسلامية منذ مطلع القرن العشرين في تأسيس جماعة الإخوان السورية، التي وحدت هذه الجمعيات عبر مؤتمرات بدأت عام 1937، لتعلن رسميًا عن نفسها عام 1944.
وكحال الكثيرين من أبناء مدينته، كان حوى مهووسًا بالسياسة، لكن بحكم تكوينه وتأثره بالشيخ الحامد، رفض الانضمام لأي من الأحزاب العلمانية، بما فيها حزب حوراني الذي انتمى إليه والده. وبدلًا من ذلك، بدأ بالتعرف على جماعة الإخوان، معجبًا بشكل خاص بحسن البنا.
بعد استقلال سوريا عام 1946، قاد شكري القوتلي البلاد، لكن الصراعات الداخلية، وهزيمة 1948، والإضرابات الطلابية التي شارك فيها حوى، أدت إلى تدهور سياسي حاد. ثم في مارس/ آذار 1949، قاد العقيد حسني الزعيم انقلابًا وحلّ جميع الأحزاب، بما فيها الإخوان، لكن في أغسطس/ آب من ذات العام أطاح به العقيد سامي الحناوي، واعدًا بإعادة الديمقراطية.
ثم في نوفمبر/ تشرين الثاني 1949، خاض الإخوان أول انتخابات لهم بقيادة مصطفى السباعي، وفاز مع زميليه محمد المبارك وعارف الطرقجي بمقاعد في البرلمان. لكن مشاركتهم لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما قاد العقيد أديب الشيشكلي الانقلاب الثالث في 1951، وحلّ جميع الأحزاب بما فيهم جماعة الإخوان.
ومع ذلك، كانت هذه المرحلة حاسمة في تشكيل الجيل الجديد من الإخوان، الجيل الذي سيقود لاحقًا النضال ضد البعث. وعن تلك الفترة، يقول حوى: “لم أزل أتذكر خطبة نارية لأحد خطباء الجمعة يتحدث فيها عن الدستور وماذا يريد الإسلاميون فيه، وقد هيج الناس لدرجة أنني وأنا الصغير حدثت نفسي أن علي أن أحقق ذلك”. صـ16.
لقد كان حوى ابن عصره بامتياز، شكلته البيئة المحافظة التي سادت في مسقط رأسه والأب الذي كان ناشطًا سياسيًا، وقبل كل شيء، شيخه محمد الحامد، ولذا لم يكن مفاجئًا أن يتخذ قراره بالانضمام إلى الإخوان عام 1952 وهو لا يزال في الصف الأول الثانوي.
اللافت أن لقاء حوى بمصطفى السباعي وإخوان دمشق لم يترك في نفسه تأثيرًا عميقًا مقارنة بشيوخ الصوفية في العاصمة، وربما يعود ذلك إلى صعوبة تأقلمه مع الطابع النخبوي والفكري للإخوان الدمشقيين
وسرعان ما تقدم حوى بسرعة في صفوف الإخوان، مستفيدًا من موهبته الخطابية التي مهدت له الطريق لقيادة الجيل القادم، وقد أعجب بثلاثة شخصيات بارزة في جماعة الإخوان بحماة: مصطفى الصيرفي، عبد الكريم عثمان، وعدنان سعد الدين.
ومن خلال مشاركته في أنشطة الإخوان بحماة، مثل المخيمات، حلقات القرآن، وحملات دعم الجزائر، إضافة إلى المظاهرات ضد إعدام إخوان مصر، عاش حوى جو من الدفء، وشعر أن الإخوان هم الأمل الجديد للمسلمين بعد سقوط الخلافة وضياع فلسطين، وعلى حد تعبيره فإن “ميلاد الإخوان هو إلهام من الله للإمام حسن البنا مجدد هذا القرن”.
من حماة إلى دمشق: دروب المريد
بعد إنهاء دراسته الثانوية، حلم حوى بالالتحاق بالجيش، لكنه رُفض بسبب سيطرة الحزب الاشتراكي الذي استبعد المتدينين والأثرياء، عندها قرر حوى استكمال تعليمه الجامعي، فسافر إلى دمشق للالتحاق بكلية الشريعة.
وصل حوى إلى دمشق في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين، وهناك فتحت له أبوابًا كثيرة، فقد تم تعينه مسؤولًا إخوانيًا عن كلية الشريعة، وتتلمذ على يد على عدد من أهم أساتذة الشريعة في مقدمتهم مصطفى السباعي مؤسس جماعة الإخوان السورية، والفقيه مصطفى الزرقا، وفوزي فيض الله، ومعروف الدواليبي وغيرهم.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يضطر فيها حوى لمغادرة حماة، وبالنسبة له، لم يكن الانتقال إلى العاصمة سهلًا، فمن الناحية المادية، كان عليه أن يكتفي بسكن متواضع، ومن الناحية الروحية، كان قلبه مليء بالهواجس وجاهد لمقاومة الإغراءات التي واجهها في دمشق، وفي النهاية اختار السكن في غرفة بالتكية السليمانية.
في تلك الفترة، وتحت تأثير القمع الحكومي، ابتعد الإخوان مؤقتًا عن السياسة وركزوا على التعليم والعمل الاجتماعي، أما حوى، فاتجه نحو عالم الصوفية معتبرًا إياه وسيلة لتعريف نفسه، وحاول التغلب على كل مَأزِقه من خلال الطواف على معظم أرباب الصوفية في العاصمة.
شارك حوى في “الخلوة الصوفية” مع كبار أئمة الصوفية في دمشق بذلك آنذاك، أبرزهم الشيخ عبد الكريم الرفاعي من جامع زيد بن ثابت، والشيخ سعيد البرهاني، والشيخ عبد القادر عيسى، والشيخ بصير قهوجي والشيخ محمد الهاشمي رئيس الطريقة الدرقاوية في دمشق، والشيخ ملا رمضان البوطي، والشيخ إبراهيم الغلاييني زعيم الطريقة النقشبندية ولكنه لم يستمر معه بسبب دعوته للعزلة.
كان لهؤلاء المشايخ الصوفيين تأثير عميق على حوى، والواقع أن ميله نحو التصوف خلال إقامته في دمشق شكل نقطة تحول في حياته، ومنذ ذلك الحين، هيمنت النزعة الصوفية على سلوكه وأفكاره واستمرت معه حتى آخر أيامه.
واللافت أن لقاء حوى بمصطفى السباعي وإخوان دمشق لم يترك في نفسه تأثيرًا عميقًا مقارنة بشيوخ الصوفية في العاصمة، وربما يعود ذلك إلى صعوبة تأقلمه مع الطابع النخبوي والفكري للإخوان الدمشقيين، خاصة أن كثيرًا منهم كان لديه موقف متحفظ تجاه التصوف، عكس إخوان حماة وحلب الذين غلبت عليهم التربية الصوفية. يقول حوى:
“لقد تتلمذت في باب التصوف على من أظنهم أكبر علماء التصوف في عصرنا وأكثر الناس تحققًا به، وأذن لي بعض شيوخ الصوفية بالتربية وتسليك المريدين”. تربيتنا الروحية”. صـ16.
وبعد فترة طويلة من التردد على شيوخ الصوفية، وانطلاقًا من تجربته معهم، أوصى حوى بجلسات الذكر، مؤكدًا على ضرورة وجود شيخ يرشد السالك في طريقه إلى الله. كما يرى أن طلب العلم وحده لا يكفي لحماية الإنسان من الانحراف، لذا شدد على أهمية الربط بين التصوف والهداية في العلوم الإسلامية الأخرى، وأقر بوجود الكرامات لدى الصوفيين، ولم يرَ أن انتماءه إلى التصوف يتعارض مع نشاطه في جماعة الإخوان.
في الحقيقة، كان حوى من أوائل شخصيات الحركة الإسلامية الذين أولوا اهتمامًا كبيرًا بقضايا التصوف والتزكية. وبحسب رأيه، فإن نجاح أي حركة إسلامية يستوجب الاعتماد على التصوف، سواء على المستوى الفكري أو السلوكي.
وقد أقنعته خبرته في صفوف الإخوان بأنها كحركة غير قادرة على منح أعضائها الكمال الروحي، وكان يشعر بهذا النقص في شبابه، ويشير حوى إلى أن الإخوان في بداياتهم دعموا التعاليم الصوفية، وكان حسن البنا يعتبر الحقيقة الصوفية مثل الرسالة السلفية أحد أسس حركته.
ومع ذلك، يزعم حوى أن الإخوان لم يحددوا بوضوح دور التصوف في منهجهم، مما دفعه إلى إعادة إحياء السلوك الصوفي داخل الجماعة. وبالفعل وضع منهجًا متكاملًا في التزكية والتصوف، عبر تأليفه ثلاثية طويلة تضم: تربيتنا الروحية، المستخلص في تزكية الأنفس، ومذكرات في منازل الصديقين والربانيين.
في كتابه تربيتنا الروحية، أعاد حوى صياغة التصوف لتنقيته من التصورات السلفية المعاصرة، بينما في المستخلص في تزكية الأنفس، الذي يعد مختصرًا لنصوص الغزالي، تناول وسائل التزكية وطرق تحقيقها، كما تزخر كتبه الأخرى، مثل الأساس في التفسير والأساس في السنة، بمسائل التزكية والتصوف.
عقائديًا، كان حوى أشعريًا، وفقهيًا تبع المذهب الحنفي دون تعصب، وتأثر بالغزالي في تصوفه، ورغم اتفاقه مع السلفية في العودة إلى مسار الأسلاف، فقد انتقد رفضهم للطرق الصوفية.
يرى حوى أن الصوفية لا تتعارض مع عقيدة أهل السنة والجماعة، وأن التصوف لا يليق تهميشه ولا تغييبه عن أي فن من الفنون، بالنسبة له، السلفية والصوفية متكاملة وليست متناقضة، بحيث تكمل الصوفية الفقه، بينما يحكم الفقه الصوفية، أو بعبارة حوى “طريقة صوفية أصولية فقهية”.
غير أن حوى لم يتردد في توجيه اللوم لبعض مشايخ الصوفية الذين أغفلوا الفقه والسياسة، كما انتقد التصوف الذي يساهم في إضعاف الأمة من الداخل، وميّز بين أشكال صحيحة وأخرى خاطئة في التصوف، مؤكدًا على الدور الحيوي الذي يمكن أن تؤديه الصوفية في المجالين الاجتماعي والسياسي.