بين عامي 1947 و1963، سعى الإخوان المسلمون في سوريا للتكيف مع الانقلابات العسكرية والاتحاد مع مصر (1958-1961) الذي قيّد دورهم السياسي، ومع إصابة السباعي بجلطة، انتقلت الزعامة تدريجيًا إلى الشاب الدمشقي عصام العطار، ويُقال إنه أدخل للإخوان بنية شبه عشائرية لم تكن موجودة في عهد السباعي.
كما يثير البعض قضية سلفية العطار وأتباعه الدمشقيين الذين هيمنوا على القرار، مما أدى إلى تمرد المحور الشمالي ضد جناح دمشق وخلق أزمة قيادة داخل الجماعة، وكما يذكر حوى في مذكراته، أدت هذه الحالة إلى بروز ثلاثة تيارات داخل الإخوان: أحدها مؤيد للعطار في دمشق، والآخر تابع لأبي غدة في حلب، بينما تبنى التيار الثالث، المنتشر في حماة وإدلب ودير الزور موقفًا محايدًا، مطالبًا بقيادة موحدة للجماعة.
وقبل تفاقم الانقسامات داخل الإخوان، أَتمَّ حوى دراسته الجامعية عام 1961، وبدأ بتدريس مادة الثقافة الإسلامية في الحسكة شمال شرق سوريا، وبعد عام، نجح في الانتقال إلى حماة، لكنه اضطر لمغادرة مدينته مجددًا لتأدية التجنيد الإجباري، حيث خدم كضابط في كلية الاحتياط بحلب ثم في السجلات العسكرية بدمشق.
أثناء خدمته العسكرية، استولى الضباط البعثيون على السلطة عبر انقلاب عسكري، عندها، دفع حوى بدلًا ماليًا عن المدة المتبقية من خدمته، وعاد مسرعًا إلى حماة قبل فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة الأولى في مدينته.
انتفاضة الستينات وظهور مروان حديد
بعد انقلاب 1963، حظر النظام الجديد جماعة الإخوان المسلمين، مما شكل بداية مرحلة نضالهم المأساوية. في البداية، لجأ الإخوان إلى الاحتجاجات السلمية للتعبير عن رفضهم، لكن مع تلاشي الخيارات السياسية وتصاعد القمع، اندفعت بعض شخصيات الإخوان نحو تبني خيار الكفاح المسلح.
ففي حماة، أدى تزايد عنف النظام وحوادث اقتحام المساجد، إلى اندلاع مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن التي حاولت اعتقال الطلاب المحتجين في مدرسة عثمان الحوراني، فنزل المتظاهرون إلى المدرسة، وأمام تصاعد الأحداث، أصدر محافظ حماة عبد الحليم خدام، قرارًا بإغلاق المدينة واستدعى الجيش للتدخل.
يرى حوى أن الانتفاضة جاءت كرد فعل على السياسات الاقتصادية الجديدة لحزب البعث، إضافة إلى شعور نخبة المدينة بالتهديد من النهج العلماني الذي رأوه معاديًا لقيم المجتمع المحافظ، وقد عبر حوى عن ذلك بقوله: “كان أخوف ما نخافه إلغاء مادة التربية الإسلامية والأوقاف وقانون الأحوال الشخصية وقد بدأوا معركتهم من أجل هذا”. صـ81.
في ظل هذا التوتر المتصاعد، انتشر الجيش في الشوارع الرئيسية وأطراف المدينة، وأطلق النار على أحد المواطنين، وكما يروي حوى، فقد رد الأهالي بالمثل، مما جعل المدينة بركانًا يغلي، واندلعت معركة حول مسجد السلطان، وتحصن فيه مجموعة من المتظاهرين المسلحين، معتقدين أن السلطات لن تجرؤ على اقتحامه.
لكن الجيش فرض حصارًا على المسجد، وقصف مئذنته وبعض قبابه، قبل أن يعتقل المحرضين على الاحتجاج، من بينهم شاب كاريزماتي ينتمي لعائلة ثرية في حماة، وعضو في جماعة الإخوان المسلمين، وأحد تلاميذ الشيخ الحامد في مسجد السلطان، وهو مروان حديد، الذي شكّل أول تحدٍ حقيقي لحكم البعث.
وفي النهاية، أُجهض إضراب حماة، الذي استمر 29 يومًا، وفقًا لحوى، وكان ذلك أول مواجهة بين حزب البعث والتيار الإسلامي. ويعبر حوى عن ألمه الشديد لعدم تضامن بقية المدن السورية مع معاناة أهل حماة، حيث يقول في مذكراته:
“كنا نطمع إذا تابعت حماة الإضراب أن تتابعها المدن السورية ولكن لم يحدث ما أملناه، مع أن حماة بقيت تسعة وعشرين يومًا مغلقة حوانيتها ومعطلة كل مظاهر العمل فيها”. صـ80.
أدان كبار قادة الإخوان تصرفات مروان حديد وحثوا المحتجين على التراجع، ومن الواضح أن الشيخ الحامد انحاز إلى موقف القيادة الدمشقية، وقد وجه حوى انتقادات لقيادة الإخوان في دمشق لرفضهم تحركات إخوان حماة، معبرًا عن أسفه لإضاعة فرصة كانت في متناول أيديهم. وقد شكلت هذه الأحداث أول شرخ كبير في الثقة بين أفرع الإخوان في سوريا، وهو ما تجلى في كلام حوى:
“إن القيادات المحلية للإخوان المسلمين في بقية المحافظات لم تحرك ساكنًا ولسنا نعتب عليها، وقد بلغنا أن بعض القيادات عرضت عليها قوى عسكرية أن تتحرك فلم تجب الإيجاب، وبعض القيادات أتصل بها، فقالت نحن لا نؤمن بالوصول إلى الحكم إلا عن طريق الديموقراطية ولو كلفنا هذا خمسمائة عام، وبعض القيادات بقيت تُشّهر فينا بسبب أحداث حماة 1964 حتى هذه اللحظة”. صـ80.
حُكم على مروان حديد بالإعدام، لكن بفضل ضغوط وجهاء مدينة حماة، وعلى رأسهم الشيخ الحامد، تم التراجع عن الحكم. في الواقع، حرص الحامد على تجنب أي دعوة للقتال، وشارك في اجتماعات المدينة التي كانت تبحث عن وسيلة لمنع المواجهة، وبفضل جهوده، أُفرج عن المعتقلين وسُمح للهاربين بالعودة.
كان حوى من القادة البارزين لهذه الانتفاضة، وسافر شخصيًا إلى العراق والأردن سعيًا لتأمين السلاح للثوار، مما أدى إلى صدور حكم الإعدام ضده غيابيًا. لذا لبث في الإردن حتى تم التوصل إلى اتفاق مع النظام، أسفر عن صدور عفو شملَه ورفاقه. يقول حوى:
“كان الدرس الأكبر الذي أخذناه من ثورة حماة سنة 1964 أن موقف بلد (يقصد مدينة) واحد في سوريا ليس كافيًا أن يسقط نظامًا جائرًا، وأنه لابد إذا ما أردنا وضعًا جديدًا لسوريا أن يكون ذلك باتفاق أبناء المحافظات”. صـ80.
بعد هذه الأحداث، أعادت جماعة الإخوان في حماة ترتيب صفوفها، واختارت عبد الكريم عثمان الذي أنهى دراسته للتو في مصر رئيسًا لفرعها، إلا أن السلطات سرعان ما أجبرته على مغادرة البلاد.
أما حوى الذي كان في الثلاثين من عمره آنذاك، فتم تكليفه بالإجماع بإعداد منهج تربوي شامل للإخوان، ومع تصاعد التوتر السياسي في البلاد وازدياد خطر الاعتقال الذي كان يهدده وغيره من قادة الإخوان، قرر السفر إلى السعودية لإتمام هذه المهمة في بيئة أكثر أمانًا. وقبل هروبه، تزوج من بيئته، وأطلعها على التحديات التي سيواجهها في حياته، ثم ارتحل مع عروسه إلى السعودية.
الثورة الإسلامية الثانية: التحول إلى الجهادية
خلال سنوات منفاه، عمل حوى مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية في المعاهد العلمية بالسعودية، وأمضى السنوات الخمس في الفترة ما بين 1966 و1971 في المهمة التي أوكلها له الإخوان، وتحت ظروف صعبة، كتب أول مؤلفاته “جند الله ثقافة وأخلاقًا“، بجانب سلسلة الأصول الثلاثة، الله، الرسول، الإسلام.
على المستوى الفكري، ينظر حوى إلى الإسلام بشكل شمولي يتضمن كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والسياسية، ويرى أن غياب التكامل من أهم أسباب الخلل في شخصية المسلم المعاصر.
ولذا حاول تأسيس أو تكوين نظرية كاملة للمسلم المعاصر من خلال مؤلفاته جند الله بأقسامها الأربعة: ثقافة وأخلاقًا، وتخطيطًا، وتنظيمًا، وتنفيذًا والتي تناولت مختلف الجوانب الفكرية والأخلاقية لبناء الشخصية الإسلامية حسب خلاصة أفكار حوى واستنتاجاته، وأطلق حوى على هذه السلسلة اسم “فقه الدعوة والبناء والعمل الإسلامي”.
وجاء كل كتاب ليكمل ما يليه، فالعمل الأول شرح فيه النظرية الأخلاقية والثقافية للمسلم المعاصر، والثاني كان شرحًا لساحات العمل، بينما الثالث لبيان الطريق العملي للوصول لقيادة العمل الإسلامي، وقد أدى نشر الكتاب الأول عام 1968 إلى زيادة شعبية حوى بين صفوف الإخوان، حتى أن مؤلفاته، مثل جند الله، أصبحت تُوزع بكثرة في المساجد والمكتبات بحلول سبعينيات القرن العشرين.
استلهم حوى أفكاره من شخصيات مثل السباعي والحامد وحسن البنا، لكنه تبنى في جوانب أخرى آراء يصعب إدراجها اليوم ضمن الخطاب الإسلامي السائد، حيث انتقد الديمقراطية بشدة، معتبرًا أنها لا تتطابق مع مبدأ الشورى بأي شكل من الأشكال.
ويتلاقى موقف حوى من الديمقراطية مع رؤية السلفية الجهادية، حيث كتب: “إن مفهوم حكم الأغلبية لا يمكن أن ينسجم مع نظام الحكم الإسلامي، لأن الإسلام لا يوافق على أن الأغلبية هي صاحبة السيادة، مهما كانت أخطاؤها وزلاتها”.
كذلك، لا يشك حوى في صحة الجهاد ضد نظام حافظ الأسد ولا يرى مفرًا من المواجهة، ولكنه تبنى إعدادًا طويلًا قبل اتخاذ قرار المواجهة، وفي كتابه الأكثر شهرة “جند الله ثقافة وأخلاقًا” يبدأ حوى بسؤال “هل في العالم الإسلامي ردة؟” وبعد أن استعرض الأوضاع السياسية والعسكرية والثقافية للعالم الإسلامي، خلص حوى إلى أن العالم الإسلامي يعيش في ردة أنكى من الردة الأولى.
وبعدما يصف حوى غياب الإسلام عن مختلف مجالات الحياة، يتساءل: ما الحل لإنهاء هذه الردة وإعادة مجد الأمة؟ ومن خلال تحليل سياسي شرعي وفقه جهادي حركي، يقترح أن تتولى مجموعات يطلق عليها “جند الله” مهمة تغيير هذا الواقع عبر الجهاد. كما يحدد خصائص جند الله، مؤكدًا أن دورهم يتمثل في إقامة دولة تحكم بالشريعة في كل قطر، ويوحدوا جهودهم لإحياء الخلافة. ويطلق حوى على قيامة جند الله الثورة الثانية الكبرى بعد الثورة الأولى التي انقضت على الاستعمار.
وبينما نجحت الثورة الأولى في إنهاء الاستعمار الذي انتهى بالاستقلال، يرى حوى أن الثورة الثانية يجب أن تقضي على التبعية السياسية والفكرية والاقتصادية للاستعمار. ويؤكد أن هذه الثورة ستكون أكثر ألمًا وستتطلب جهدًا أكبر، نظرًا لأن الخصوم هذه المرة ليسوا مجرد قوى استعمارية، بل دول ومؤسسات وأجهزة أمنية، إضافة إلى التيارات العلمانية والقومية. يقول حوى:
“طابع الردة صبغ حياة العالم الإسلامي على اعتبار أن أجهزة الحكم كلها تقريبًا آلت إلى يد مرتدين أو منافقين أو كافرين أصليين.. ونتيجة لذلك فقد تم انحسار الإسلام عن الحياة انحسارًا تامًا تقريبًا”.
في الواقع لا يمكن أن نفهم تحول حوى إلى الجهادية دون قراءته في سياق تصاعد الاستبداد من قبل النظام السوري، إن وحشية نظام البعث في التعامل مع الإسلاميين أثرت على حوى أثناء عمله على الأجزاء الأولى من سلسلة جند الله.
لقد ظلت تجربة الستينيات تشكل اللحظة التكوينية في وعي حوى الجهادي، كما كان لحرب 1967 دورًا كبيرًا في إيقاظه على الحالة البائسة التي وصلت لها البلاد، وفي مراقبته لما يجري في العالم وفي سوريا، لخص هذه التطورات على النحو التالي: “العالم الإسلامي يواجه اليوم أسوأ محنة في وجوده، والحركة الإسلامية تواجه الآن تحديًا خطيرًا”.
جزء من محاضرة سعيد حوى لا حضارة إلا بالإسلام
ثم بعد الانفراجة التي أعقبت استيلاء حافظ الأسد على السلطة عام 1970 ومحاولته استرضاء العلماء والمجتمع السني، عاد حوى إلى سوريا عام 1971 بعد أن كان ممنوعًا من دخولها، واستأنف عمله بالتدريس في المعرة، لكن سرعان ما تجدد الصراع مرة أخرى بين البعث والإخوان بسبب الدستور الذي حاول حافظ الأسد فرضه عام 1973.
ينبئنا تاريخ سوريا الحديث، أن كل تعديل لدستورها غالبًا ما يكون مصحوبًا بصراع بين السلطة والنخب ورجال الدين والشارع، ويتمحور حول دور الإسلام في الدولة. فعند صياغة أول دستور بعد الاستقلال، سعى مصطفى السباعي لإدراج مادة أن الإسلام دين الدولة.
وأسفرت جهوده إلى حل وسط ينص على أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا، وأن تكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع. ورغم التغيرات السياسية، ظلت هذه المادة قائمة، لكن تعديلات الأسد الدستورية عام 1973 أثارت عاصفة من الاحتجاجات وأعمال الشغب لأنها لم تتضمن المكانة الخاصة التي منحها الدستور السابق للإسلام.
وفي مدينة حماة، انتشرت الاحتجاجات، وسرعان ما امتدت لمدن أخرى ووصلت إلى حي الميدان الشعبي في دمشق، حيث حشد الشيخ حسن حبنكة آلاف السوريين الغاضبين. وقد قام حوى بنفسه بتنسيق المعارضة الإسلامية للدستور، وأنشأ شبكة من العلماء لتعزيز التنسيق فيما بينهم.
وكان رأي حوى أن موقف العلماء السوريين يمكن أن يؤثر على حافظ الأسد، لكن الأخير رفض المطالبات بإعلان الإسلام دينًا للدولة، وفي هجوم مبطن على الإسلاميين، صرح بأن “الإسلام يجب أن يكون بعيدًا عن التعصب”، لكنه تنازل قليلًا تحت ضغط الشارع وأعاد مادة “الإسلام دين رئيس الجمهورية والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع”.
حسن حبنّكة يواجه حافظ الأسد في أزمة دستور 1973
وعقب الأحداث الدامية المرتبطة بأحداث دستور 1973، اعتقل النظام حوى لدوره في تلك الاضطرابات، في حين لجأ حديد إلى دمشق، وبدأ التحضير لمواجهة عسكرية بعد فقدانه الأمل في نجاح الاحتجاجات الشعبية وسبل التغيير السلمي.
استند حديد في تأسيس تنظيمه الجديد على سلسلة حوى “جند الله”، والتي شكلت الإطار الأيديولوجي للمجموعة، لدرجة أن الاسم الأول الذي أطلقه حديد على تنظيمه المسلح كان “الطليعة المقاتلة لجند الله” قبل أن يقوم عبد الستار الزعيم في عام 1979 بتغييره إلى “الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين”.
في الحقيقة، لاقت أفكار حوى تأييدًا واسعًا، خاصة بين شباب الإخوان الأكثر حماسة، وأصبح كتابه جند الله شائعًا في سوريا آنذاك، ويؤكد أبي مصعب السوري أحد أعضاء الطليعة المقاتلة أن الأسس الفكرية والعقائدية للطليعة المقاتلة اعتمدت على ما يصفه السوري بـ “الكتب الجهادية لسعيد حوى”.
وفي السجن، خضع حوى للتعذيب لمدة شهرين، لكنه اعتبر اعتقاله فرصة للتأليف والتعليم، واستغل وقته في كتابة أبرز أعماله، الأساس في التفسير، بجانب تدريس رفاقه السجناء. وبعد عامين من سجن حوى، أصبح تنظيم مروان حديد مؤثرًا للغاية وإلى الحد الذي دفع النظام تركيز جهوده لملاحقة حديد، والذي اعتقال في دمشق 1975 بعد اشتباك مع رجال الأمن، وأودع سجن المزة العسكري.
أحدثت وفاة مروان حديد في السجن بعد عام من اعتقاله موجة غضب عارمة، لم تقتصر على تنظيمه فحسب، بل امتدت إلى العديد من شباب الإخوان الذين تأثروا بشجاعته، حتى أن بعضهم تعهد بالثأر لمقتله، ليصبح رمزًا وأسطورة في أوساط الجهاديين داخل سوريا وخارجها.
عشيرة حماة
تصاعد الصراع بين النظام وتنظيم حديد، المعروف داخل قيادة الإخوان بـ”مجموعة مروان”. وحسب تحليل حوى، فالعمل المسلح الذي بدأ في السبعينيات جاء كرد فعل على القمع الذي مارسته السلطة ضد الإسلاميين من قتل وتعذيب، إضافة إلى تدخل الأسد في لبنان عام 1976، مما زاد من حالة الاستياء داخل الأوساط السنية.
وبينما كان تنظيم الطليعة يشن حملة اغتيالات ضد شخصيات النظام، عادت الانقسامات لتضرب صفوف جماعة الإخوان من جديد. وفي عام 1975، انتقلت قيادة الجماعة من عبد الفتاح أبو غدة إلى عدنان سعد الدين المنحدر من حماة، ويبدو أن صعوده إلى القيادة مهد الطريق لما يُعرف بـ”عشيرة حماة”، التي ستتولى قيادة المواجهة لاحقًا.
الشيخ أحمد حوى يحكي قصة والده في سجون نظام حافظ الأسد
خلال السنوات الخمس التي أمضاها في السجن، فقد حوى نفوذه بين إخوان حماة، حيث حدَّت فترة اعتقاله بشكل كبير من قدرته على التأثير في مجريات الأحداث. وتجدر الإشارة إلى أن العمل العسكري بدأ أثناء وجوده في السجن، ولم يكن له أي دور في المواجهات التي جرت بين عامي 1973 و1978.
وبفضل جهود الشيخ عبد الرحمن حبنكة، أُطلق سراح حوى عام 1978 بعد خمس سنوات في السجن. وفوجئ أهله بعودته، واحتفلوا به في منزل العائلة، كما حظي بترحيب واسع في حماة، وألقى كلمة في احتفال المولد النبوي عام 1399هـ.
تسجيل نادر لـ سعيد حوى في أحداث المولد النبوي في حماه 1978م
بعد خروجه من السجن، أقام حوى في حماة، ولكن بعد فترة قصيرة نصحه الإخوان بمغادرة سوريا، وبعد نقاش مطول، سافر إلى السعودية لأداء العمرة، ثم انتقل إلى الأردن، حيث استقر هناك ولم يعد إلى سوريا حتى وفاته.
وأثناء وجوده في الأردن، انتخب حوى لقيادة جماعة الإخوان ثم الجبهة الإسلامية، وقد وُصف بأنه المنظر الأيديولوجي الرئيسي للمواجهة التي سيوافق عليها نتيجة قمع السلطة لشباب الإخوان، والأرجح أنه انجذب إلى النضال المسلح من قِبَل الأعضاء الأصغر سنًا.
وبناء على ما سبق، فإن النضال العسكري الذي سيخوضه حوى ضد حزب البعث لم يبدأ في أواخر 1979، لقد كان يجهز للمواجهة منذ منتصف ستينات القرن العشرين، وفي هذا السياق، تأثر الجناح الحموي للإخوان الذي تولى قيادة الجماعة منذ عام 1976 بأفكار حوى على المستويين الأيديولوجي والتكتيكي، لكن الفارق أن وقت المواجهة لم يكن من اختيار حوى الذي آمن بالإعداد الطويل وكان على قناعة أن مرحلة إعلان الجهاد لم تحن بعد.