تحل اليوم الذكرى الأولى لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فقبل سنة من الآن دخل خاشقجي قنصلية بلده في مدينة إسطنبول وذلك للحصول على وثيقة رسمية للزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز، مرت ساعات طويلة ولكن خاشقجي لم يخرج إذ كان ينتظره بالداخل 15 قاتلًا مدربًا قاموا باغتياله داخل القنصلية بشكل وحشي قل نظيره.
عملية القتل الشنيعة جعلت العالم بأسره يتضافر من أجل معرفة الحقائق بشأن مقتل خاشقجي وذلك وسط موجة غضب دولية قادتها وسائل الإعلام العالمية وعلى رأسهم صحيفة واشنطن بوست التي كان يكتب بها خاشقجي – بعد أن اختار الولايات المتحدة كمنفى اختياري له – عن سياسات بلاده المعادية للديمقراطية وثورات الشعوب، ومع الاهتمام الدولي الكبير بقضية خاشقجي برزت عدة أسئلة منطقية عن حقيقة النظام السياسي القمعي الحاكم في الرياض وطرق تعامله مع معتقلي الرأي السعوديين، فطوال السنوات الماضية أخفت المملكة العديد من الصحفيين والإعلاميين قسريًا.
السلطات السعودية تصعد من قمع المعارضين منذ تولى ابن سلمان زمام الأمور
في 5 من أبريل 2019 نفذت حكومة المملكة العربية السعودية حملة كبيرة من حملات القمع، إذ شنت حملة اعتقالات طالت نشطاء وكتاب ومدونين وصل عددهم وفقًا لرصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى 15 معتقلًا هذا بالإضافة إلى تردد أنباء عن وجود أعداد أخرى بحسب مصادر متنوعة، جدير بالذكر أن عددًا كبيرًا من هؤلاء المعتقلين كان يعبر عن رأيه في أوقات سابقة وذلك في شؤون تتعلق بحقوق الإنسان والإصلاح وحقوق المرأة في المملكة ولكنهم وبسبب تصاعد القمع على يد الأمير محمد بن سلمان توقفوا منذ فترات طويلة.
في نوفمبر 2018 اعتقلت السلطات السعودية بشكل جماعي الأمراء والمسؤولين الحكوميين السابقين ورجال الأعمال البارزين بسبب مزاعم الفساد، حيث احتجز بعضهم في فنادق 5 نجوم بالرياض وأُجبروا على تسليم بعض أصولهم للحكومة السعودية
الحقيقة أن هذه الحملة لم تكن الأولى للاعتقالات السياسية، ففي سبتمبر 2017 اعتقلت السعودية عشرات الكتاب ورجال الدين الذين قال النشطاء السياسيين إن عددهم وصل إلى 60 معتقلاً، وبدأت السلطات السعودية بمحاكمتهم في سبتمبر 2018 في تهم تتعلق بآرائهم وانتماءاتهم السياسية وتعبيرهم السلمي عنها، وتسعى السلطات السعودية إلى فرض عقوبة الإعدام على بعض المعتقلين مثل الداعية الإسلامي سلمان العودة الذي وُجهت إليه 37 تهمة استنادًا إلى صلاته بالحكومة القطرية والإخوان المسلمين الذين تعتبرهم السعودية جماعة إرهابية.
وفي نوفمبر 2018 اعتقلت السلطات السعودية بشكل جماعي الأمراء والمسؤولين الحكوميين السابقين ورجال الأعمال البارزين بسبب مزاعم الفساد، حيث احتجز بعضهم في فنادق 5 نجوم بالرياض وأُجبروا على تسليم بعض الأصول للحكومة السعودية، وفي مايو 2018 ألقت المملكة القبض على سبعة من الناشطات في مجال حقوق المرأة وذلك بتهمة التجاوز على الثوابت الدينية والوطنية والتواصل المشبوه مع جهات خارجية وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج.
الإصلاح على طريق السعودية.. إخفاء المعارضين السياسيين قسرًا
قلبت جريمة مقتل خاشجقي موازين الأمور في السعودية خاصة بعد اكتشاف تفاصيل الجريمة تباعًا وقيام فريق الاغتيال التابع لولي العهد بتقطيع جثة خاشقجي وإخفائها بسبب مواقفه السياسية، إذ أدت وحشية الجريمة إلى فضح السجل السعودي الأسود وبعد أن ظهر ابن سلمان لدى الغرب كراعٍ للخطوات الإصلاحية في السعودية مثل إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسماح للمرأة بقيادة السيارة، تبين أن طريقه للإصلاح مختلف تمامًا، فبجانب كل الاعتقالات التي نفذها منذ وصوله لولاية العهد في يونيو 2017 تمت تحت رعايته الكثير من حملات الإخفاء القسري للمعارضين السياسين وأبرز هؤلاء المعارضين:
الكاتب والمقدم التليفزيوني عبد الله الدحيلان
في حملة اعتقالات أبريل 2019 ألقت القوات السعودية القبض على الكاتب والمقدم التليفزيوني عبد الله الدحيلان الذي كتب العديد من الأبحاث والكتب من بينها “أنا الملك” و”السعوديون والربيع العربي” كما أنه كان يقدم برنامج “لبيروت” على يوتيوب الذي يلقي الضوء على الشأن السياسي في لبنان، بالإضافة إلى أنه كتب لعدد من الصحف السعودية مثل جريدة الحياة ومجلة الفيصل.
اعتقلت قوات تابعة لرئاسة أمن الدولة الدحيلان بعد اقتحام منزله ولم يتم إبلاغه بأسباب القبض أو الاتهامات الموجهة إليه، بعد ذلك تم اقتياده إلى جهة غير معلومة وحتى يومنا هذا
وفي 31 من مارس 2019 كتب الدحيلان مقاله الأخير “هل إسرائيل دولة ديمقراطية؟” بجريدة آراء سعودية، إذ كان الدحيلان مهتمًا بالقضية الفلسطينية ورافضًا للتطبيع مع “إسرائيل” بأي شكل من الأشكال، وفي فجر الخميس 5 من أبريل 2019 اعتقلت قوات تابعة لرئاسة أمن الدولة الدحيلان بعد اقتحام منزله ولم يتم إبلاغه بأسباب القبض أو الاتهامات الموجهة إليه، بعد ذلك تم اقتياده إلى جهة غير معلومة وحتى يومنا هذا ما زال الدحيلان قيد الاختفاء القسري.
الكاتب السعودي صالح الشيحي
في أثناء مشاركته ببرنامج بثته قناة “روتانا” السعودية اتهم الكاتب السعودي صالح الشيحي الديون الملكي بأنه من المؤسسات الحكومية التي أصّلت للفساد في السعودية، وأضاف الشيحي أنه يوجد نوافذ للفساد المالي في الديوان الملكي، متهمًا إياه بتوزيع أراضي المملكة على أشخاص دون وجه حق، ونادى الكاتب السعودي بضرورة ملاحقة ومحاسبة المسؤولين الكبار الذي نهبوا أموال البلد وذلك عوضًا عن ملاحقة الضعفاء، وبحسب ناشطين سياسيين فقد كان الشيحي يشير في كلامه إلى الرئيس السابق للديوان الملكي خالد التويجري.
أكدت لجنة حماية الصحفيين أن السلطات السعودية لم تعلن أي اتهامات رسمية ضد الشيحي، وأضافت اللجنة أنها حتى الآن لم تتمكن من معرفة مكان اعتقاله
أُلقي القبض على صالح الشيحي عقب حديثه عن قضايا الفساد بالمملكة وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات ومنعه من السفر 5 سنوات بعد انتهاء فترة محكوميته، ومن جانبها أكدت لجنة حماية الصحفيين أن السلطات السعودية لم تعلن أي اتهامات رسمية ضد الشيحي، وأضافت اللجنة أنها حتى الآن لم تتمكن من معرفة مكان اعتقاله.
الصحفي السعودي سامي الثبيتي
في سبتمبر 2017 اعتقلت القوات السعودية الصحفي السعودي سامي الثبيتي الذي يعمل رئيسًا لقسم الرصد في جريدة تواصل السعودية، وقد كان مثيرًا للغرابة بشدة القبض على صحفي صغير في مقتبل حياته العملية من منزله في مكة المكرمة وسط حملة الاعتقالات الشهيرة التي طالت مئات الشخصيات العامة بالمملكة.
وما يثير الغرابة في القبض على الثبيتي أنه شاب مسالم من المستحيل أن يهدد أمن المملكة، فكل ما يملكه هو حساب على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يتصدر السوشيال ميديا السياسية السعودية وبداخل هذا الحساب لا يكتب الثبيتي بلسان تيار أو كيان وكتاباته عادية جدًا كل ما فيها أنها تطمح لأن تكون السعودية مكانًا يليق ببيت الله ويحمل هويته.
جدير بالذكر أن اعتقال الثبيتي بقي سرًا غير معروف حتى تحدث أقاربه على استحياء عن طول فترة اختفائه وحتى وقتنا هذا لا أحد يعلم مكان احتجاز الثبيتي أو التهم الموجهة إليه.
الأكاديمي والكاتب الإصلاحي زهير كتبي
خلال عام 1975 أجرى الكاتب السعودي زهير كتبي تحقيقًا صحفيًا مع عبد الله عريف أمين مدينة مكة آنذاك مما أدى لاستدعائه من السلطات السعودية للاستجواب، وفي يوليو 1976 قام كتبي بلقاء صحفي مع رئيس وزراء جزر القمر دون أخذ الإذن من السلطات الأمنية السعودية مما أدى لإغضابها بشدة للمرة الثانية، وخلال يونيو 1981 أجرى زهير مقابلة صحفية مع مفتي لبنان وسأله عن حادثة جهيمان مما أثار غضب سلطات الأمن بشدة وتمت معاقبته حينها بالسجن.
صدر ضد كتبي حكمًا قضائيًا في ديسمبر 2015 من محكمة الأمن الوطني والإرهاب بالسجن لمدة 4 أعوام والمنع من الكتابة لمدة 15 عامًا
ليعاود بعدها الكاتب الإصلاحي الظهور مرة أخرى وبعد سنوات طويلة في مايو 2015 عبر برنامج “في الصميم” مع قناة روتانا خليجية، إذ تحدث حينها عن إصلاحات ضرورية في السعودية منها مناهضة القمع الديني والسياسي وتبني النظام الدستوري الملكي، وبعد هذه المقابلة مباشرة حجبت وزارة الثقافة والإعلام السعودية موقعه على الإنترنت ثم اعتقلته في يوليو 2015.
صدر ضد كتبي حكمًا قضائيًا في ديسمبر 2015 من محكمة الأمن الوطني والإرهاب بالسجن لمدة 4 أعوام والمنع من الكتابة لمدة 15 عامًا، ورغم تدهور حالته الصحية، فإن السلطات السعودية أعادت اعتقاله مرة أخرى في 2019 حيث كشف حساب “معتقلي الرأي” المهتم بأخبار المعتقلين وسجناء الرأي السعوديين في تغريدة له أن كتبي تم اعتقاله 6 مرات خلال السنوات الماضية وتم إدخاله مستشفى الأمراض العقلية وذلك قبل أن يختفي قسريًا رغم تدهور صحته، إذ كشفت زوجته أن وضعه الصحي حرج للغاية خصوصًا أنه مصاب بسرطان البروستاتا.
الصحفي السعودي خالد العلكمي
في سبتمبر 2017 اعتقلت قوات الأمن الصحفي السعودي خالد العلمكي دون تهمة محددة، فكل ما فعله العلكمي هو التعبير سلميًا عن آرائه التي كان يقول فيها إن الإصلاح الاقتصادي في المملكة لا قيمة له من دون إصلاح سياسي، وحتى كتابة هذه الأسطر فمكان العلكمي مجهول مثل البقية.
في النهاية يجب أن نتذكر شعار الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي الذي تحول بعد وفاته إلى عبارة خالدة “قل كلمتك وامش”، فهل كان يعلم أن قول الكلمة سيكون ثمنه الرحيل بالفعل، وهل كل من قال رأيه السياسي في المملكة السعودية سيدفع ثمن كلمته غاليًا؟