مع بدء العام الدراسي الجديد في العراق، توجه ملايين الطلبة إلى مقاعد الدراسة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول ليبدأ العام الدراسي الجديد ويبدأ معه الحديث عن واقع التعليم الأولي في العراق.
“نون بوست” يناقش واقع التعليم الأولي في العراق من حيث جودة التعليم وخروجه من تصنيف اليونسكو، مع التطرق للنقص في أعداد المدارس ونسب الأمية والمدارس الطينية في البلاد.
إحصاءات وأرقام
يقدر عدد طلاب الدراسة الأولية في العراق التي تشمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية بنحو 10 ملايين طالب موزعين على قرابة 16 ألف مدرسة فقط، في الوقت الذي تشير فيه إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط إلى وجود 23 ألف مدرسة في عموم محافظات البلاد، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن كثيرًا من الأبنية المدرسية تشغلها أكثر من مدرسة بمعدل دوام ثنائي وثلاثي.
بعد أن كاد العراق يقضي على الأمية تمامًا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، بات الوضع الآن أقرب إلى الكارثي بعد أن كشفت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أن 8 ملايين مواطن عراقي (أغلبهم من الشباب) لا يجيدون القراءة والكتابة
لكن المؤكد أن هذه المدارس ليست نموذجية، إذ إن وزارة التربية العراقية كشفت في وقت سابق أن عدد المدارس الطينية (المبنية من الطين) يبلغ أكثر من ألفي مدرسة، وتقع الغالبية العظمى منها في محافظات ذي قار والبصرة والعمارة والمثنى والقادسية والنجف، وتضم في مجملها عدد طلاب لا يقل عن 15 ألفًا.
أما نسب الأمية في البلاد، فبعد أن كاد العراق يقضي على الأمية تمامًا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، بات الوضع الآن أقرب إلى الكارثي بعد أن كشفت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أن 8 ملايين مواطن عراقي (أغلبهم من الشباب) لا يجيدون القراءة والكتابة، في ظل تحذيرات من اتساع ظاهرة الأمية بسبب الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.
عضو المفوضية فاتن الحلفي أكدت أن 18% من العراقيين لا يجيدون القراءة والكتابة وأكثر من نصف هذا العدد من النساء وموزعين على مراكز المدن والأرياف، إذ أشارت إلى تسرب الطلاب من المدارس بشكل متزايد بداعي العمل وتوفير لقمة العيش في ظل البطالة والأزمة الاقتصادية في البلاد.
أما مسؤول التخطيط في برنامج محو الأمية بوزارة التربية العراقية حفظي الحلبوسي فأكد من جانبه أن نسبة الأمية في العراق تقارب الـ25%، معللاً تفشيها بأسباب عديدة منها تردي الظروف المعيشية لكثير من العراقيين، مما يدفعهم إلى إبعاد الطلاب عن مقاعدهم الدراسية بغية إعالة أفراد الأسرة الآخرين.
عمد العراق عام 2012 إلى افتتاح أكثر من 3 آلاف مركز لمحو الأمية في البلاد، بالتعاون مع اليونسكو الذي جاء نتيجة لإقرار البرلمان العراقي قانون محو الأمية
أما عن أسباب ارتفاع نسبة الأمية خلال الأعوام القليلة الماضية، فأرجع الحلبوسي ذلك إلى سيطرة تنظيم الدولة (داعش) على مساحات واسعة من العراق وما أعقبها من حرب أجبرت ملايين العراقيين على النزوح عن مدنهم وتسرب مئات آلاف الطلاب من الداراسة، مؤكدًا أن كل شيء في العراق تراجع بعد 2003 بسبب الفساد والرشاوى بما في ذلك التعليم.
عمد العراق عام 2012 إلى افتتاح أكثر من 3 آلاف مركز لمحو الأمية في البلاد، بالتعاون مع اليونسكو الذي جاء نتيجة لإقرار البرلمان العراقي قانون محو الأمية، إلا أن هذا البرنامج تعرض لنكسة كبيرة وانهيار في 2014 مع اجتياح تنظيم داعش محافظات عدة في العراق، الأمر الذي نجم عنه توقف المشروع في تلك المحافظات، ما انعكس سلبًا على العاصمة بغداد.
ويرى مراقبون أن قانون محو الأمية رقم 23 المقر من البرلمان عام 2011 لم يلب طموحات مشرعيه ولم يفلح في القضاء على الأمية في البلاد أو تقليص نسبتها على الأقل.
خروج العراق من التصنيف العالمي لجودة التعليم
في منتصف سبعينيات القرن الماضي، صنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” النظام التعليمي في العراق كأحد أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم، واحتل العراق حينها المركز الأول عربيًا.
شمل تقرير المنظمة الذي نشر في ديسمبر/كانون الأول الماضي 140 دولة، واستبعد المؤشر 6 دول عربية هي العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، وأرجع التقرير سبب عدم إدراج هذه الدول على المؤشر بسبب افتقارها لمعايير المنافسة التعليمية الدولية
إلا أنه وبعد أكثر من 4 عقود على ذاك التصنيف، أظهر مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس” خروج العراق وعدد من الدول العربية من معايير جودة التعليم العالمي في الوقت الذي حصلت فيه دولة قطر على المرتبة الأولى عربيًا.
وشمل تقرير المنظمة الذي نشر في ديسمبر/كانون الأول الماضي 140 دولة، واستبعد المؤشر 6 دول عربية هي العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، فضلاً عن فلسطين وجزر القمر وجيبوتي، وأرجع التقرير سبب عدم إدراج هذه الدول على المؤشر بسبب افتقارها لمعايير المنافسة التعليمية الدولية التي يعتمدها المؤشر في التصنيف الدولي.
ويرى البروفيسور عبد الرزاق الدليمي الذي شغل منصب عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد، ويشرف حاليًّا على الدراسات العليا في كلية الإعلام بجامعة البتراء الأردنية، أن ما أدى إلى انهيار العملية التعليمية في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 هو تغيير المناهج الدراسية المستمر، فضلاً عن المحاصصة التي دخلت إلى مفاصل وزارة التربية والفساد الكبير والسرقات.
يواجه التعليم في البلاد مشكلات عديدة ومركبة، إذ إن الميزانية المالية المخصصة لوزارة التربية ضئيلة جدًا
ويعتقد الدليمي أن أولى الخطوات لإنعاش النظام التعليمي في العراق وإعادته إلى سابق عهده تتمحور في تفعيل قانون التعليم الإلزامي الذي كان معمولاً به قبل الغزو الأمريكي، فضلاً عن إعادة النظر بالمناهج الدراسية المعتمدة حاليًّا، بما يواكب حاجة المجتمع ومستقبل الشباب العراقي.
يواجه التعليم في البلاد مشكلات عديدة ومركبة، إذ إن الميزانية المالية المخصصة لوزارة التربية ضئيلة جدًا، فقد أكد الخبير في الشأن التربوي فلاح العبيدي أن مخصصات الموازنة المالية لوزارة التربية لا ترقى إلى مستوى الطموح، إذ إنها بلغت العام الحاليّ 1.4% فقط من الموازنة العامة للبلاد، وهذه نسبة ضئيلة جدًا إذا قورنت مع مخصصات وزارات التربية والتعليم في دول العالم الأخرى.
وأضاف العبيدي في حديثه لـ”نون بوست” أن قطاع التربية والتعليم في البلاد بحاجة لجهود استثنائية يتمثل أولها ببناء مدارس جديدة ونموذجية بعد أن بات عدد النقص في المدارس يقدر بنحو 14 ألف مدرسة، فضلاً عن ضرورة إدخال الوسائل التعليمية التوضيحية للطلاب وعدم الاكتفاء بتلقين الطلاب الدروس النظرية التي لم تعد فعالة في ظل التطور العلمي الكبير الذي يشهده العالم.