ترجمة حفصة جودة
مع بقائه لساعة متأخرة في الليل وسط الكتب المدرسية، لم يستطع شهيم البوني أن يقاوم التفكير بأن كل ما يفعله إضاعة للوقت، كان شهيم – الطالب المتفوق في المدرسة الثانوية بعمّان – يقلب الصفحة تلو الصفحة في الكيمياء والفيزياء والرياضيات ليتخلص من ذلك الصوت الذي يخبره بأن الجامعة ليست له.
يقول شهيم: “وسط زخم الامتحانات التي ستحدد مستقبلك تستمر في سؤال نفسك: لماذا أفعل ذلك؟ أنا مجرد لاجئ”، بعد سبع سنوات من اندلاع الحرب في سوريا ونزوح أكثر من 5 ملايين سوري إلى دول الجوار، وصل جيل كامل من الأطفال السوريين في مدارس الأردن ولبنان وتركيا ومصر إلى سن الرشد.
رغم إنفاق مليارات الدولارات على التعليم الابتدائي والثانوي، فعندما يتعلق الأمر بالجامعة يجد معظم السوريين أنفسهم فجأة في مواجهة فرص محدودة، تحاول المنظمات غير الحكومية المساعدة بعدة خيارات مثل التعليم عبر الإنترنت أو توفير منح دراسية، لكن مع عدم وجود مسار واضح -خاصة في معالجة الأمور المادية – يعاني العديد من الطلاب السوريين لتحقيق حلم الجامعة.
تقول ليلي كارلسيل المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن: “رغم الالتزام الكبير بدعم تعليم أطفال اللاجئين، فإن العديد ممن وصلوا هنا مع بداية الأزمة أنهوا الآن تعليمهم المدرسي وينتظرون مستقبلاً غير واضح أو محدد”.
يقول الدبلوماسيون والمراقبون إن مساعدة الطلاب على تحقيق أفضل الدرجات والعودة إلى الأماكن التي تحتاجهم في بلادهم يعد أولوية، فعودة الأدمغة المهاجرة للدول الضعيفة مثل سوريا سوف يسرّع من إعادة الإعمار وتحسين الاستقرار الإقليمي والحد من موجات اللاجئين المستقبلية المتوجهة إلى أوروبا.
قد تصل 4 سنوات من التعليم الجامعي في الجامعات الأردنية إلى 80 ألف دولار، وهو مبلغ كبير لا تستطيع العائلات السورية توفيره
يملك 5% من جميع اللاجئين السوريين إمكانية الدخول للجامعة وهو رقم أعلى قليلاً من المتوسط العالمي للاجئين عمومًا البالغ 3%، لكنه أقل من معدل الالتحاق العالمي البالغ 37% حسب تقرير الأمم المتحدة.
في الأردن يقول أكثر من نصف الطلاب السوريين إن ظروف عائلاتهم المالية تعد عقبة كبرى في دخول الجامعة، وذلك وفقًا لاستطلاع عام 2018 أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية بالأردن، قبل بدء الصراع في سوريا عام 2011 كان التعليم هناك مجانيًا وحقًا للجميع.
تقول نيلي فيلدمان رئيس مبادرات الطلاب الطارئة في معهد التعليم الدولي: “التحدي الأول الذي يواجه الطلاب اللاجئين والنازحين الذي يرغبون في مواصلة تعليمهم هو التمويل، يترك العديد من الطلاب الدراسة لأنهم يصبحون العائل الوحيد لعائلاتهم ويحتاجون للعمل، والبعض الآخر يتركها بسبب الإحباط لقلة فرص العمل بعد التخرج”.
في الأردن، هناك 145 ألف لاجئ سوري في نظام التعليم، ويحتل الطلاب السوريون دائمًا موقعًا متميزًا بين العشرة الأوائل في امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، تعد نتائج هذا الاختبار المعيار الأساسي في القبول بالجامعة في العالم العربي.
لكن لأنهم ليسوا مواطنين فيجب عليهم دفع الرسوم الدراسية للطلاب الدوليين، التي تكون في معظم الوقت أعلى من زملائهم الأردنيين، فقد تصل 4 سنوات من التعليم الجامعي في الجامعات الأردنية إلى 80 ألف دولار، وهو مبلغ كبير لا تستطيع أن توفره العائلات السورية التي يعاني معظمها من الديون أو يعتمد على المساعدات ومقيدين بالعمل في قطاعات ذات أجور منخفضة.
بسبب ارتفاع تكلفة التعليم الجامعي في الأردن يلجأ غالبية اللاجئين للاعتماد على المنح الدراسية لمواصلة تعليمهم، لكن الأماكن محدودة وهو تحدٍ يواجههم في جميع أنحاء العالم
حصلت راما درويش على نسبة 98.8% في امتحان التوجيهي عام 2019 وقامت بحملة التماسات في الإعلام المحلي والسوشال ميديا للحصول على تمويل والسماح لها بدراسة الطب، أما دينا – 16 عامًا – فتستعد هذا العام لدخول امتحان التوجيهي وتأمل أن تكون أول فتاة تدخل الجامعة في أسرتها بينما تتطلع بحذر إلى معاناة أقرانها، تقول دينا: “إنهم يطلبون منا أن نصل إلى حياة ليست مفتوحة لنا لأننا بلا وطن”.
المنح الدراسية والتكنولوجيا يمنحان الأمل
مع عدم وجود برامج توفر قروضًا للطلاب، يلجأ السوريون عادة للمنح الدراسية، تقول كارلسيل من المفوضية العليا للاجئين: “بسبب ارتفاع تكلفة التعليم الجامعي في الأردن يلجأ غالبية اللاجئين للاعتماد على المنح الدراسية لمواصلة تعليمهم، لكن الأماكن محدودة وهو تحدٍ يواجههم في جميع أنحاء العالم”، وفقًا للاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية فإن 22% من الطلاب السوريين في جامعات الأردن حصلوا على منح دراسية.
سافر معاذ الحريري 50 ميلًا من شقة أسرته في إربد شمال الأردن لمقابلة موظفي مفوضية اللاجئين في عمّان لتقرير مستقبل أحلامه الجامعية، يعتمد معاذ على مساعدة مبادرة آلبرت آينشتاين الأكاديمية الألمانية للاجئين، منذ عام 1992 قدمت الأكاديمية 15.500 منحة دراسية للاجئين من جميع أنحاء العالم وأصبحت محط آمال السوريين، تقدم المبادرة منحًا دراسية كاملة في جامعات الدول المضيفة، وفي هذا العام سوف يتنافس 1000 لاجئ على 40 منحة دراسية في جامعة الأردن عبر الأمم المتحدة.
حصل الحريري على نسبة 91% في امتحان التوجيهي لكنه يشعر بالقلق من أن ذلك ليس كافيًا، حيث يقول: “يجب أن أكون من بين أفضل الطلاب لأحصل على الفرصة”، في العام الماضي تخرج أكثر من 5 آلاف طالب سوري من المدرسة الثانوية في الأردن، والعدد في ازدياد كل عام، يضيف معاذ: “إذا لم أحصل على المنحة فلن يصبح أمامي إلا الهجرة لأوروبا”.
حصل البوني على منحة الأكاديمية ويدرس الآن في الجامعة، كانت أسرته قد عاشت السبع سنوات الماضية في الأردن من أموال بيع ممتلكاتهم ومنزل أجدادهم في حماة بسوريا، قال البوني إن دخول الجامعة كان سيصبح مستحيلاً دون مساعدة.
الحل الآخر للطلاب هو التعليم المختلط، وهو عبارة عن مزيج من التعليم الإلكتروني عبر الإنترنت والمحاضرات وجهًا لوجه
هناك حل آخر للطلاب وهو التعليم المختلط، وهو عبارة عن مزيج من التعليم الإلكتروني عبر الإنترنت والمحاضرات وجهًا لوجه، حيث يقول معلموهم إنهم سيسمحون للاجئين بالدراسة عن بعد وتعليمهم أنماط التعلم المختلفة والسماح لهم بالاحتفاظ بوظائفهم وتوفير الرعاية لأسرهم في المجتمعات المضيفة.
تعد منظمة “Mosaik” غير الحكومية المدعومة من “UK Aid” و”Open Society Foundations” رائدة في توفير دروس اللغة الإنجليزية وورش العمل بالمراكز المجتمعية وعبر الإنترنت لمساعد اللاجئين على التعرف على المنح الدراسية والتغلب على عقبات اللغة.
تقول الدراسات التي أجرتها الأمم المتحدة في الأردن العام الماضي باحتمالية نجاح التعليم المختلط وحصوله على قبول واسع بين اللاجئين السوريين، لكن مشكلة التواصل ما زالت قائمة بالنسبة للعديد منهم بسبب التكلفة أو سوء تغطية الشبكات.
أما فيلدمان فتقول: “في كثير من الأحيان لا يملك الطلاب النازحون الإمكانات المادية للدراسة في بيئة ملائمة، فقد لا يملكون حاسوبًا شخصيًا لاستخدامه في أي وقت، ويرغب بعضهم في الاتصال مع طلاب آخرين ومع معلميهم كجزء من عملية التعليم”.
شعبنا يضيع
عاد البوني للتو من مستشفى الأمير حمزة حيث قضى أسبوعه الأول في التدريب وهو يرتدي معطف الأطباء الأبيض والسماعة معلقة حول رقبته، يدخل البوني عامه الثالث في دراسة الطب بالجامعة الهاشمية، واختار أن يتخصص في علم الأعصاب.
يصر البوني على عدم ممارسة المهنة في الأردن أو الغرب، فهو يترقب عودته إلى سوريا وافتتاح عيادته الخاصة في مسقط رأسه حماة، يقول البوني: “لقد غادر الأطباء والمهندسون والمحاميون سوريا في أثناء الحرب، إذا لم يعد أحد فسوف يضيع شعبنا لمدة 100 عام، ما تحتاجه سوريا الآن أطباءً متميزين”.
المصدر: كريستيان ساينس مونيتور